التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الملك عبدالله في عمّان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في حلقة جديدة من الملحمة المسرحية المستمرة التي يُطلق عليها اسم “عملية السلام”.
فقط إذا عبرت النهر إلى فلسطين المحتلة، يستمر المشهد المألوف في الانكشاف: أنشطة استعمارية متزايدة. محاولات لدفع المقدسيين إلى خارج المدينة المحتلة، في محاولة لتهويدها. القيود المفروضة على الملايين من المسلمين والمسيحيين الذين لا يستطيعون الوصول إلى أماكنهم المقدسة، وهدم المنازل والأعمال العشوائية من العنف والتخريب، وأكثر من 6000 سجين سياسي يقبعون في معسكرات الاعتقال أو في السجون الإسرائيلية.
سبعة ملايين منا نحن الفلسطينيين هم الآن لاجئون أو نازحون من أصل 12 مليونا. الأرض التي تُركت لنا لنعيش عليها من فلسطين التاريخية لا تزيد على 8%، هذا يشمل الكانتونات الصغيرة التي نعيش فيها في النقب والجليل وغزة والقدس الشرقية والضفة الغربية.
الملايين من المستوطينين اليهود من أوروبا وأجزاء أخرى من العالم يسيطرون الآن على 92% من الأراضي، وأكثر من 90% من المياه، جميع المعابر الحدودية كذلك، وجميع الموارد الطبيعية الأخرى في البلاد. أحدث هجوم لإسرائيل على الشعب المحاصر في غزة هذا العام قتل 2170 شخصا وجرح 10900! كان نحو 80% من ضحايا العدوان من المدنيين، بينهم 519 طفلا قُتلوا و2114 أُصيبوا.
خلال هذه الإبادة الجماعية، لم يفعل كيري شيئا سوى الثناء على المستعمرين.
بدأت الصهيونية هنا في القرن التاسع عشر كحركة استعمارية لتغيير فلسطين المتعددة الديانات (التي كان من ضمن سكانها 3% من اليهود في ذلك الوقت) إلى دولة إسرائيل اليهودية في الشام (دايش).
كان ذلك بدعم من القوى الغربية التي كانت مهمة للغاية أثناء التأسيس، ولا تزال بالنسبة للحفاظ على بقاء “دايش”. كانت نوايا كيري واضحة عبر تصريحاته التي توجهت فقط لدعم “دايش”. قد لا يذكر كلمة واحدة في كل خطاباته عن حقوق الشعب الفلسطيني.
السياسيون الأغنياء المناورون والمتواطئون يستمرون في مسرحهم المروع في أماكن مثل عمّان وواشنطن ورام الله أو تل أبيب، بينما يعاني الملايين من الناس من العوز ويغلون من الغضب بينما يحاولون تحرير أنفسهم.
يبقى السؤال: متى سينتهي ذلك الجنون، وإلى متى ستستمر اجتماعات عمّان في عدم فعل شيء سوى إطالة أمد المعاناة وتوفير غطاء للفظائع المستمرة؟ معظم الناس هنا يدركون أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تعمل كوسيط للسلام بينما تواصل دعم إسرائيل بمليارات الدولارات سنويا، وتسلحها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها، وتواصل حمايتها من القانون الدولي عبر استخدام حق الفيتو في الأمم المتحدة ضد إرادة المجتمع الدولي.
“السلطة الفلسطينية” التي اخترعتها إسرائيل والولايات المتحدة، يقودها أُناس قلقون على وظائفهم أكثر من قلقهم على مستقبل فلسطين. هذا هو الفخ الذي تم التأسيس له في مفاوضات أوسلو عام 1993. منذ ذلك الحين، ارتفع عدد المستوطنين المستعمرين من الإسرائيليين في الضفة الغربية وحدها من 180 ألف إلى 650 ألف، وأصبحت الحياة بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين لا تطاق أكثر وأكثر.
الحفاظ على هذا النظام العنصري كان يعني خلق نظام تعليمي واجتماعي إسرائيلي ينحى بسكانها إلى التطرف على نحو متزايد، وهذا الأمر يمكن من خلاله فهم الهجمات العشوائية على المدنيين التي تمر بدون عقاب، أو إحراق المساجد، وأكثر من ذلك.
عضو الكنيست السابق، أفرام بيرج. وصل إلى فهم ذلك بشكل واضح عبر السنوات الأخيرة من حياته، حيث كتب مؤخرا في صحيفة هآرتز يقول:
“ها هو رئيس وزراء إسرائيل الضحل، وشرطتها المتلعثمة، والجماهير الذين يتمسكون بصلواتهم عديمة النفع وليس بلحظة من السلام النفسي. ها هم الحاخامات المنافقون، الذين طلبوا قبل شهر واحد فقط وعودا من البابا بضمان مستقبل الشعب اليهودي، لكنهم في حياتهم اليومية يصمتون بشأن مصير جيراننا، الذين يداسون تحت ضغط الاحتلال والعنصرية تحت قيادة الحاخامات أنفسهم الذين يتلقون رواتب ومنافع باهظة .. نحن عاجزون عن فهم معاناة مجتمع بأكمله، وعن سماع صرخته، وعن رؤية مستقبل أمة اختطفناها بأكملها”.
الوثائق التي رُفعت عنها السرية تؤكد تحليلات العديد من الكتاب الذين تحدثوا طويلا عن أنه منذ حرب أكتوبر 1973، كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بما في ذلك محمود عباس (حركة فتح) ونايف حواتمة (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) يتوقون لقرار لا يرقى لتأمين الحقوق الأساسية للفلسطينيين، في مقابل وعد بحق تقرير المصير.
هناك بعض المواقف غير المرنة التي تحول دون الوصول لذلك، حتى التخلي عن 78% من فلسطين التاريخية والسيطرة فقط على بعض الأجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة. تتمثل إحدى العقبات الرئيسية في “العلاقة الخاصة الدائمة” بين إسرائيل والولايات المتحدة التي يتحدث عنها كيري دوما والتي تشكلت على مدار عقود من الحشد الصهيوني المستمر في واشنطن.
لكن المزيد من الناس الآن خارج دائرة السياسيين يتحدثون عن حقوق الفلسطينيين. معظم الناس يعرفون أن المفاوضات بين المحتل ومحتله لن تصل إلى أي مكان!
إسرائيل تحصل على 12 مليار دولار كأرباح من احتلالها للأرض، بخلاف مليارات دافعي الضرائب الأمريكيين أو المليارات من مبيعات الأسلحة التي تسوقها على أنها “تم اختبارها في معركة” .. بالطبع على فئران التجارب في غزة.
لم تُعط الحرية أبدا بالمجان، لكنها يجب أن تُنتزع من الظالم وأن تُطلب مع الألم والتضحية. يجب أن تستكمل المقاومة الداخلية بدعم خارجي مثل حملات المقاطعة المتزايدة.
الكثيرون يأملون بأن السياسيين سيظهرون بعضا من حس القيادة ويتخذون الخطوات اللازمة لتفعيل التغيير الإيجابي، لكن معظمنا يعرف أننا -الشعب- يجب أن نعمل أولا، وهذا هو الطريق الوحيد لتغيير التاريخ.
الكثيرون أيضا يظهرون تضامنهم لأن فلسطين اليوم تفضح النفاق والعنصرية بنفس الطريقة التي فعلتها بها جنوب أفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي.
والكثيرون أيضا يفهمون أنه ما لم يتم تطبيق معايير القانون الدولي وحقوق الإنسان بشكل موحد، فإن الشرق الأوسط والعالم كله سيعاني من مخاطر مواصلة السير في طريق الفوضى والقتل، حيث القوة تصبح الحل الوحيد من أجل البقاء.
يجب علينا جميعا أن نستمر وأن نسعى للسير في طريق مختلف من العدالة والتعايش. في هذه الأثناء، لنترك المقاعد فارغة في المسرحية العبثية في عمّان والعواصم الأخرى.
المصدر: ميدل إيست آي