ترجمة وتحرير: نون بوست
بدأت الشركات العملاقة في الصين مثل مجموعة “علي بابا” القابضة وشركة “تينسنت” القابضة تفقد شعبيتها في الوقت الذي تتعزز فيه شعبية الشركات الناشئة التي باتت تعرف باسم “العمالقة الصغار”.
هذا هو تصنيف الجيل الجديد من الشركات الناشئة التي وقع عليها الاختيار في إطار برنامج حكومي طموح يهدف إلى تعزيز صناعة التكنولوجيا التي يمكن أن تنافس وادي السيليكون. وقد أثبتت هذه الشركات – المغمورة عادةً – أنها تقدم منتجات مبتكرة وفريدة من نوعها وتستهدف قطاعات مهمة استراتيجيا مثل الروبوتات والحوسبة الكمية وأشباه الموصلات.
حصلت شركة رائد الأعمال الصيني وو غانشا المتخصصة في تكنولوجيا القيادة الذاتية للسيارات، على لقب “العملاق الصغير” بعد مراجعة الحكومة لتقنيتها. وأعطى ذلك شركة “يو آي سي” في بكين دفعة إضافية من المصداقية والمكاسب المالية. في السنة الماضية، جمعت الشركة تمويلات بلغت قيمتها أكثر من مليار يوان (157 مليون دولار)، بما في ذلك تمويل من صندوق مملوك للدولة. وقد أصبحت أيضًا شركة أحادية القرن بقيمة سوقية تقدر بمليار دولار.
على امتداد عقدين من الزمن، تبنت الصين إلى حد كبير نموذج وادي السيليكون بشكل ساعد رواد الأعمال على متابعة سعيهم لتحقيق طموحاتهم بأقل قدر من الرقابة الحكومية
يقول وو “إنه لشرف كبير أن أحمل لقب العملاق الصغير. جوهر المشروع هو أن تمتلك الشركات نوعًا من التخصص الذي لا يمتلكه الآخرون”. وعلى الرغم من أن البرنامج بدأ منذ أكثر من عقد، إلا أنه اكتسب زخمًا جديدًا بعد أن شنت بكين حملة قمع شاملة ضد الشركات الرائدة مثل شركة “علي بابا” و”تينسنت”. وأصبح لقب العملاق الصغير مقياسًا قيمًا لتأييد الحكومة، ودليلا للمستثمرين والموظفين على أن شركاتهم في منأى عن العقوبات التنظيمية.
أعطى الرئيس الصيني شي جين بينغ مباركته الشخصية لهذا البرنامج، وهو ما اعتبره لي كاي فو، المدير الإداري المؤسس لشركة “سينوفيشن” للاستثمار، عاملا مفيدًا للشركات الناشئة على عدة أصعدة باعتباره دعما وضمانًا ولقبًا مشرفًا”.
يعتبر هذا البرنامج مفتاح الاستراتيجية الطموحة للحزب الشيوعي الصيني لإعادة بناء صناعة التكنولوجيا في البلاد. وعلى امتداد عقدين من الزمن، تبنت الصين إلى حد كبير نموذج وادي السيليكون بشكل ساعد رواد الأعمال على متابعة سعيهم لتحقيق طموحاتهم بأقل قدر من الرقابة الحكومية. ونتج عن ذلك نجاحات هائلة، على غرار شركة “علي بابا” الرائدة في التجارة الإلكترونية وعملاق وسائل التواصل الاجتماعي “تينسنت” وشركة “بايت دانس” المحدودة، التي تمتلك تطبيق الفيديوهات القصيرة “تيك توك”.
في سلسلة من التحركات التنظيمية خلال السنة الماضية، أوضحت بكين أن صناعة التكنولوجيا بحاجة إلى إعادة تنظيم لتتوافق مع أولويات الحكومة. وسرعان ما أُجبرت شركة “علي بابا” و”تينسنت” على التخلي عن الممارسات الاحتكارية التي تقوض المنافسة في حين اضطرت شركات الألعاب إلى تقييد وقت اللعب على الإنترنت لمدة ثلاث ساعات في الأسبوع. وعلى نطاق أوسع، أعلنت الحكومة أن خدمات الإنترنت الأكثر ليونة غير مرغوبة.
تهدف بكين إلى تحويل الموارد إلى تقنيات مهمة استراتيجيًا مثل الرقائق الإلكترونية وبرمجيات الشركات. وقد منحت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات 4.762 شركة ناشئة لقب “العلاق الصغير” منذ سنة 2019، وكان العديد منها مختصًا في أشباه الموصلات والآلات والصناعات الدوائية. وغالبًا ما يكون هذا التصنيف مصحوبًا بحوافز مُربحة من الحكومة المركزية أو السلطات الإقليمية، بما في ذلك التخفيضات الضريبية والقروض السخية وسياسات استقطاب المواهب المناسبة في هذه المجالات.
يقول يبين نغ، الشريك المؤسس لصندوق “يونكي بارتنرز” الاستثماري الذي يستثمر في الشركات الناشئة الحائزة على لقب “العملاق الصغير”، إن “الدولة تحاول الترويج للتكنولوجيا الأساسية – التي تعزز القدرة التنافسية للصين”.
يعود مفهوم العمالقة الصغار إلى سنة 2005 على الأقل، عندما وضعت الحكومة المحلية في مقاطعة هونان سياسات لدعم المشاريع الصغرى
أنشأت العديد من الحكومات، بدءا من الولايات المتحدة وصولا إلى بعض دول إفريقيا، برامج لدعم الشركات الصغيرة الناشئة لكن جهود الصين أكبر من حيث الحجم والموارد والطموح. أنشأ الرئيس الصيني الحالي، أقوى زعيم في البلاد منذ عهد الزعيم ماو تسي تونغ، ستة برامج ستنفق بشكل جماعي تريليونات الدولارات سعيًا وراء تعزيز القوة الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي والاستقلال التكنولوجي.
عززت الحرب التجارية الأمريكية عزم الحزب الشيوعي الصيني على بناء صناعة مكتفية ذاتيًا. وتم تحديد مواطن الضعف في البلاد عندما أدرجت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أسماء الشركات الوطنية في القائمة السوداء مثل شركة “هواوي تكنولوجيز” وشركة تصنيع أشباه الموصلات الدولية، في محاولة لمنعها من شراء التقنيات الأمريكية مثل الشرائح والبرامج الصناعية مما أدى إلى عرقلة سير عمليات الإنتاج.
يعود مفهوم العمالقة الصغار إلى سنة 2005 على الأقل، عندما وضعت الحكومة المحلية في مقاطعة هونان سياسات لدعم المشاريع الصغرى. وأيدت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات القوية التابعة للحكومة المركزية حملة هونان، التي تضمنت تقديم منح لأصحاب الأراضي ودعما ماليا، لتكون نموذجًا لتطوير القطاع الخاص. وقد بدأت الحكومات المحلية في مدن مثل تيانجين مبادراتها الخاصة.
في سنة 2018، مع انطلاق الحرب التجارية، بدأت الحكومة المركزية في دفع برنامج التكنولوجيا بجدية. ومن جهتها، أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات عن خطة لإنشاء حوالي 600 شركة عملاقة صغيرة من شأنها تطوير التقنيات الأساسية. وصممت هذه البرامج لتعزيز المنافسة وتحديد الشركات الواعدة.
يتقدم المرشحون باستمارة من ست صفحات توضّح بالتفصيل وضع شركاتهم المالي وعدد براءات الاختراع وإنجازات البحث. في الجولة الأولى من الاختيار، يمكن لكل مقاطعة أن ترشح ما لا يزيد عن 12 شركة. وقد حصلت الأقطاب التقنية الثلاثة الأولى في البلاد – بكين وشنتشن وشنغهاي – إجمالا على حصة 17 مرشحًا.
قالت غوان ياكسين، مديرة العمليات في “فورورد أكس روبوتكس” التي يقع مقرها بكين، إن العملية كانت سلسة نسبيًا لشركتها لأنها أثبتت ابتكاراتها بإجمالي 121 براءة اختراع على مستوى العالم، بما في ذلك 25 براءة في الولايات المتحدة. وأضافت “هذا التأييد الحكومي مفيد للغاية عندما أقوم بتوسيع الأعمال التجارية، لأن العملاء سيدركون أننا لسنا مجرد شركة ناشئة عشوائية”.
منذ ذلك الحين، وسّعت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات البرنامج ليشمل آلاف الشركات، على رأسها ألف شركة تحظى بالأولوية في الدعم حاصلة على لقب “العملاق الصغير”. يتلقى أعضاء هذا النادي النخبوي، الذي يضم شركة “يو آي سي” للتكنولوجيات تمويلًا مباشرًا من الحكومة المركزية. وفي كانون الثاني/ يناير، خصصت وزارة المالية ما لا يقل عن 10 مليارات يوان لتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة حتى سنة 2025، وتحظى بحصة الأسد أبحاث الشركات الناشئة التي تحظى بالأولوية. والهدف هو إنشاء 10 آلاف من العمالقة الصغار بحلول سنة 2025.
قال باري نوتون، الأستاذ والاقتصادي الصيني في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو “من الواضح تمامًا أن هذه مجموعة المختارة من الشركات تتوافق إلى حد كبير مع سياسة الصين وتلبي احتياجاتها الصناعية المحددة. لقد وقع عليها الاختيار جزئيًا لأنها شركات جيدة، ولكن المعيار الذي لا يقل أهمية هو أنها تلائم احتياجات السياسة الملحة للحكومة في الوقت الحالي”.
لكن لا يمكن نفي المخاطر الكبرى. فنجاح صناعة التكنولوجيا في الصين، على مدى السنوات العشر الماضية، كان بفضل منح رواد الأعمال مثل شركة “علي بابا” التابعة لجاك ما وشركة “بايت دانس” لتشانغ يى مينغ حرية بناء أعمالها. قال نوتون إن “عكس هذا النموذج للتركيز على المخاطر ذات الأولوية التي تواجهها الحكومة قد يؤدي إلى هدر الفرص والفشل”. وأضاف “تحظى هذه الشركات الناشئة بدعم الحكومة حتى تصبح من الموردين البديلين المحتملين. ويكون هذا الدعم ماليًا”.
أصبحت الشركات الحاصلة على لقب “العملاق الصغير” أهدافًا شائعة لأصحاب رأس المال المخاطر، الذين خسر الكثير منهم أموالهم خلال حملة بكين الأخيرة على الشركات الكبرى. وقال أحدهم إن بعض الشركات الناشئة في برنامج “العملاق الصغير” تمكنت من جمع رؤوس أموال كبيرة خلال الأشهر الستة الماضية وزادت قيمتها السوقية بنسبة تتراوح ما بين 50 و75 بالمئة. وقال مستثمر آخر، إنه لا يستثمر سوى في الشركات التي صنفتها الحكومة على أنها “عملاق صغير”.
في سنة 2020، تقدم جونغ واي، المؤسس المشارك لشركة “جويتشو تشانغتونغ إلأكتريك”، بطلب للانتفاع بالبرنامج في مقاطعة جويتشو وحصل على اللقب السنة الماضية بناءً على تكنولوجيا معدات الطاقة التي تصنعها شركته. وسرعان ما حصلت الشركة الناشئة على أكثر من 100 مليون يوان من الصناديق المدعومة من الدولة، وطرق مستثمرون آخرون بابه لتقديم رأس مال إضافي. وقد قال واي: “بالطبع، سوف يلاحق المستثمرون المغامرون “العمالقة الصغار” للاستثمار. ستكون مفاجأة إن لم يفعلوا ذلك”.
سجلت استثمارات رأس المال المخاطر في الصين رقمًا قياسيًا خلال السنة الماضية على الرغم من الإجراءات الصارمة. وارتفعت قيمة الصفقات بنحو 50 بالمئة في سنة 2021 لتصل إلى 130.6 مليار دولار، وذلك وفقًا لشركة الأبحاث “بريكين”.
وقد أعلنت شركة “إيكو فلو”، وهي شركة ناشئة لتصنيع البطاريات المحمولة مقرها في شنجن، عن جمع تبرعات بقيمة 100 مليون يوان بقيادة مؤسسة “سيكويا”، وحازت على لقب العملاق الصغير من وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات في الصين. وتخطط الشركة التي تبلغ من العمر أربع سنوات الآن لطرح أسهمها في اكتتاب عام أولي في مدينتها في غضون ثلاث سنوات.
تعمل الحكومة أيضًا على تسهيل عملية طرح تلك الشركات الناشئة للاكتتاب، وهو حافز آخر لرواد الأعمال ومستثمري رأس المال المخاطر. وفي السنة الماضية، أنشأت الصين بورصة خاصة في بكين لمساعدة الشركات الصغرى على جمع رؤوس الأموال.
وحسب غوان ياكسين من شركة “فوروورد إكس روبوتيكس” فإن المؤسسين يحتفظون بالسيطرة على شركاتهم في صلب هذه البرامج الحكومية. تضم هذه الشركة، التي تصنع الروبوتات المحمولة المستخدمة في التصنيع والخدمات اللوجستية، حوالي 300 موظف وتخطط للتوسع في اليابان والولايات المتحدة. وهي ترى في دعم الحكومة ميزةً كبيرة. وقالت ياكسين إن “غالبية هذه الشركات صغير جدًا مقارنة بالشركات متعددة الجنسيات. لكن الحكومة ترى فيها إمكانية أن تصبح من العمالقة يومًا ما”.
المصدر: جابان تايمز