“رفضت 4 ملايين دولار مقابل عرض مسرحية “خيبتنا” بموسم الرياض، اعتراضًا على العمل تحت شعار “ترفيه””، أثارت هذه العبارة التي كتبها الفنان المصري محمد صبحي على صفحته الرسمية على فيسبوك في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، تعليقًا على عدم مشاركته في موسم الرياض الترفيهي، الجدل على منصات التواصل الاجتماعي طيلة الأيام الماضية.
وبعد ساعات قليلة من هذا المنشور تعرض صبحي لحملة انتقادات من بعض الإعلاميين السعوديين ليدخل رئيس هيئة الترفيه، تركي آل الشيخ، ليسكب الزيت على النار بوصفه للفنان المصري بـ”المشخصاتي” ليدخل السجال بينهما مرحلة متطورة من التقاذف الذي تجاوز الفن إلى السياسة.
وهنا يرد الفنان المصري قائلًا: “ما قيمة أن يكون الرجل غنيًا بماله فقيرًا في علمه وأخلاقه؟ أُشفق على جاهل يتألم من جهله. وأتعجب من جاهل يداري جهله بلسان ذاق مرارة سوء أخلاقه. المال لا يرفع قيمة الجاهل ولا يغني من كان في وطنه مكرمًا وغنيًا بعلمه”، إذ تناقله رواد السوشيال ميديا بصورة سريعة مع إدخال بعض التعديلات من مغرد لآخر.
حالة من الغضب خيمت على رواد السوشيال ميديا جراء تقاعس الحكومة المصرية ونقابة الممثلين في الدفاع عن واحد من أكبر الفنانيين في التاريخ المصري، في مواجهة سخرية وتهكم مستشار ولي العهد السعودي، صاحب السجل المشين في الهجوم على الرموز المصرية في شتى المجالات.
انبطاح أسرة الفن المصري – بحسب وصف البعض – إزاء هذا التطاول من آل الشيخ اعتبره نقاد وإعلاميون بداية سحب البساط من تحت أقدام الريادة الفنية المصرية لصالح قوى ناشئة تمتلك النفوذ المالي وشراء الولاءات الجديدة، وذلك بعد أيام قليلة من التصريحات الجدلية الصادرة عن الفنان المصري حسن الرداد التي وصف فيها السعودية بأنها “ملتقى أهل الفن” وهي التي أثارت حفيظة وغضب الشارع المصري.
يذكر أن محمد صبحي واحد من أكثر الداعمين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل قرارته، آخرها رفع الدعم عن رغيف الخبز، وهو صاحب العبارة الشهيرة: “أقسم بالله لو السيسي خد ولادي وحبسهم وعذبهم هستعوض ربنا بس أقسم بالله مايتمسش تراب مصر ولا يتهد فيها طوبة”.
رد متأخر
بعد أكثر من 4 أيام على بداية الأزمة وتصاعد السجال بين رئيس هيئة الترفيه السعودية والمغردين المصريين الذين دافعوا عن صبحي بوصفه رمزًا لفن بلادهم، خرجت بعد طول انتظار نقابة المهن التمثيلية المصرية ببيان للتعليق على هذا السجال، لكنه البيان الذي وصفه بـ”الهزيل”.
البيان الذي أصدره نقيب الممثلين، أشرف زكي، الذي كان حاضرًا بدعوة من آل الشيخ ضمن وفد الفنانيين المصريين لحفل جوائز ختام مهرجان الرياض للترفيه قبل أيام، حرص على تهدئة الأمور بين صبحي والمسؤول السعودي، مستخدمًا عبارات دبلوماسية أكثر منها فنية، وهو ما زاد من حالة الغضب الشعبي.
النقابة استهلت بيانها بالإشادة بالسعودية، قائلة إنها “تابعت بكل إعجاب التطور الهائل في الحياة الفنية والثقافية في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وما له من أثر كبير في خدمة الإبداع والفن العربي”، ثم انتقلت إلى الأزمة “إنه في إطار المتابعة تلاحظ في الأيام القليلة الماضية وجود تصريحات بدأت من الفنان القدير محمد صبحي، عضو النقابة، وتلتها ردود أفعال بعضها كانت غاضبة من بعض الأشقاء”، وأضافت أن صبحي “قيمة فنية كبيرة، وأعماله جزء عام من تاريخ الإبداع المصري، ولا يمكن المساس بقيمته”.
ثم عاودت مغازلة السعوديين فيما فُهم ضمنيًا بتحميل صبحي مسؤولية تفاقم الأزمة مشددة على أن “كل هيئة ثقافية إبداعية ترفيهية في أي دولة شقيقة، وهي تضع سياستها أو مسمياتها، فهو أمر يجب احترامه من الجميع، ولا يجب أن يكون هناك أي تدخل في هذا الشأن”، مستدركة “التقدير الذي يلقاه ويلمسه الفنانون المصريون في بلدهم الثاني المملكة العربية السعودية أمر يدل على رقي وتقدير للفن والفنانين المصريين، وهو مقدر جدًا من قبل النقابة”، واختتمت نقابة المهن التمثيلية بيانها بالدعوة إلى الالتزام بروح وقيم الفن العربي والبعد عن التصريحات التي من شأنها تعكير صفو ما وصفته بـ”الحالة الفنية الرائعة التي يشهدها المجتمع العربي”.
نقيب الفنانين ياترى ممكن يرد !!؟؟
بالمنظر ده انسى أنه يرد ?#كلنا_محمد_صبحي pic.twitter.com/Wn9hBLI7sx
— ? ᎽᎯᏚᎷᎥᏁ ? (@YaSsoOoOo75) February 1, 2022
هجوم إلكتروني يثير غضب آل الشيخ
عبر الكثير من المتابعين عن دعمهم الكامل للفنان المصري بعد تأخر الرد الرسمي الذي جاء مخيبًا للآمال بعد طول انتظار، فقد شنوا هجومًا حادًا على مستشار ولي العهد، مستعيدين ذكريات السنوات الماضية من الهتافات الموجهة ضده بتهم إفساد الروح الرياضية المصرية والتهجم على الرموز.
تمحورت الانتقادات حول استغلال آل الشيخ لأموال بلاده في الترويج لصورتها الجديدة، كعاصمة للفن العربي، وهي الصورة التي يراها الغاضبون منافيةً تمامًا لحقائق التاريخ والجغرافيا، إذ كيف تصبح الرياض عاصمة للفن وهي قبل أقل من خمس سنوات لم يكن بها مسرح واحد ولا دار سينما واحدة ولم يكن لها عمل فني واحد ينافس في المحافل الدولية.
الهجوم ألمح كذلك إلى محاولة هيئة الترفيه السعودية تجميل الشروخات الغائرة في الجدار الحقوقي للمملكة عبر تسليط الضوء عليها كقبلة لفناني ومشاهير العالم، ودعوة نجوم الفن في هوليوود وبوليوود للمشاركة في فعالياتها الترفيهية، وذلك بعد فشل الاستثمار في المجال الرياضي للقيام بهذا الغرض.
ويبدو أن هذا الهجوم أثار حفيظة آل الشيخ الذي خشى أن يخفت أضواء حفل “جوي أوورد” الذي أقيم نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، ما دفعه للاستعانة بالإعلامي المصري عمرو أديب، ذراع تركي الإعلامي في قناة “إم بي سي” مصر، الممولة سعوديًا، للتغطية على هذا السجال وتخفيف حدته، فكان اختلاق أزمة “ضرب الزوجة” التي أثارها الباحث المثير للجدل، إسلام البحيري، على شاشة القناة السعودية.
وقد نفس رئيس هيئة الترفيه عن هذا الغضب من خلال العديد من الأدوات، منها الهجوم على محمد صبحي والتقليل من شأنه عبر اللجان الإلكترونية المملوكة لآل الشيخ في مصر والسعودية، بجانب الضغط على المؤيدين للفنان المصري له، كما حدث مع الفنان باسم سمرة الذي فوجئ بحذف مسلسله “منورة بأهلها” من العرض على منصة “شاهد” السعودية، بعد إعلان دعمه لصديقه، كذلك حذف المنصة لكل أعمال صبحي في الوقت ذاته.
وجاء بيان نقابة الممثلين – بحسب ما أكدته مصادر داخلها – بعد توجيه للنقيب بضرورة احتواء الأزمة بين الطرفين، وبعد حذف منصة “شاهد” السعودية كل أعمال صبحي، بالإضافة إلى مسلسل “منورة بأهلها” الذي يشارك الممثل باسم سمرة في بطولته، بعد إعلان تضامنه مع صبحي.
الاستاذ صبحى قيمه وقامه اكبر بكتير من ان شوال يكلم عليه#كلنا_محمد_صبحي pic.twitter.com/XC5M0fNLxJ
— Foash? (@egept121168) February 1, 2022
بين صبحي ومني زكي
قبل أزمة صبحي بأيام قليلة كانت هناك أزمة الفنانة منى زكي وفيلم “أصحاب ولا أعز” الذي عرض على منصة “نتفليكس”، حيث تعرضت الفنانة لحملة انتقادات واسعة بسبب بعض اللقطات التي اعتبرها الجمهور خروجًا عن النص وغير ملائمة لطبيعة وأخلاقيات المجتمع المصري، بجانب الاتهام بالترويج لبعض السلوكيات الشاذة كالمثلية والعلاقات المفتوحة بين الأصدقاء وغير ذلك.
حينها انبرت نقابة الممثلين المصرية وعلى لسان نقيب الفنانيين أشرف زكي بالدفاع عن الفنانة بدعوى أن دور النقابة هنا الدفاع عن أعضائها وحماية الفنانيين المصريين من أي هجوم أو انتقاد، فيما رفع أصدقاء الفنانة من الأسرة الفنية شعارات الدعم والتأييد لها في مواجهة تلك الانتقادات.
اللافت للنظر هنا أن الهبة التي قام بها الفنانون للدفاع عن منى زكي اختفت تمامًا مع صديقهم محمد صبحي رغم ما يتمتع به من شعبية كبيرة وتاريخ طويل من العمل الدرامي والسينمائي والمسرحي، فقد التزم الجميع الصمت، ومن تحدث حاول مسك العصا من المنتصف، ليجد صبحي نفسه وحيدًا في ساحة السجال.. الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات بشأن ما وصل إليه الفن المصري من خنوع وخضوع لأموال آل الشيخ.
أموال تركي في مواجهة استقلالية الفن المصري
عشرات الفنانيين والإعلاميين المصريين تمت دعوتهم لحضور حفل توزيع جوائز موسم الرياض للترفيه، هذا الحفل الذي حضره الفنان الأمريكي العالمي جون ترافولتا، وأسطورة الهند سلمان خان، وتخلله العديد من المشاهد التي كشفت نفوذ آل الشيخ في بيت الفن المصري.
السنوات الأخيرة شهدت هرولة الكثير من الفنانيين المصريين للعمل تحت رعاية هيئة الترفيه السعودية التي أبرمت العديد من عقود العمل المجزية ماديًا (مسرحيات وأفلام ومسلسلات) مع فناني ومخرجي مصر، هذا بخلاف فتح المملكة أبوابها أمام الحفلات الغنائية للمغضوب عليهم من نقابة الموسيقيين المصريين، وأبرزهم فناني المهرجانات على شاكلة حمو بيكا وحسن شاكوش وغيرهم.
الأمر كذلك على المسار الإعلامي، إذ باتت قناة “إم بي سي مصر” السعودية واحدة من أكثر الوجهات لكبار الإعلاميين، أبرزهم عمرو أديب (صاحب أعلى أجر في زمرة الإعلاميين وصاحب اللقطة الشهيرة لتركي أل الشيخ وهو يضربه على مؤخرة رأسه) لما تمنحه من رواتب خرافية، ومميزات ومنح وعطايا غير موجودة في القنوات الأخرى، وهو ما أعطاها قوة وحضور للتوغل داخل مفاصل الدولة المصرية بصورة باتت تثير القلق لدى كثير من المتابعين.
تراجع خريطة الإنتاج الإعلامي والفني في مصر، ومعاناة عشرات الفنانيين من البطالة، واحتكار المنظومة برمتها من الشركات التابعة للأجهزة السيادية (المخابرات العامة عبر شركة سيرنيجي) دفع الكثير من الفنانيين إلى طرق أبواب أخرى بحثًا عن لقمة العيش، وهي الفرصة التي لم يرفضها تركي آل الشيخ الذي استقبل هؤلاء بعقود عمل أسالت لعابهم وحولتهم إلى تلاميذ في مدرسته التي يدعي أنها صاحبة الريادة في المنطقة العربية.
ثمة تقاربات تهدد الريادة الفنية المصرية عربيًا، بعدما باتت الرياض قبلة الكثير من فناني وإعلاميي المحروسة، تلك القبلة التي رغم حداثتها، فإنه وفي ظل إستراتيجية الخزائن المفتوحة ربما تمتد لسنوات لتكرس في النهاية واقعًا جديدًا يعيد تشكيل خريطة الفن في المنطقة.. فهل تقبل مصر التنازل عن ريادتها للفن العربي كما تنازلت قبل ذلك عن تيران وصنافير؟