ترجمة وتحرير: نون بوست
تم تحرير هذا المقال بالتعاون مع مدونة “سيريال” وصحيفة “نيويورك تايمز”. و”قضية حصان طروادة”، لغز من ثمانية أجزاء يُحقق في رسالة غريبة غيرت بريطانيا – وحياة العديد من المسلمين البريطانيين. وقد طلبنا من ثلاثة كتاب مقيمين في المملكة المتحدة استكشاف تعقيدات الهوية الباكستانية البريطانية في سنة 2022. وأدناه روابط القصص التي اكتشفوها.
بدأت قصة الجالية الباكستانية في بريطانيا، وهي أكبر جالية مسلمة في المملكة المتحدة، في سنة 1947. بعد استقلال الهند عن بريطانيا الاستعمارية والانقسام الدموي الذي تبع ذلك، أسفر إنشاء دولة باكستان عن واحدة من أكبر موجات الهجرة الجماعية في التاريخ عبر المنطقة وخارجها. وعندما بدأ نفوذ الإمبراطورية البريطانية يتراجع، وصلت موجة من المهاجرين غير البيض إلى الأراضي البريطانية، بما في ذلك الرعايا المستعمرين السابقين من باكستان الدولة الوليدة.
منذ ذلك الوقت، كان الربط بين الهوية “البريطانية” و”الباكستانية” و”الإسلام” قضية شائكة – وتفاقم الجدل بسبب الفضيحة التي وقعت في سنة 2014 المعروفة باسم “قضية حصان طروادة” عندما تسربت رسالة مجهولة إلى الصحافة تروي تفاصيل مؤامرة مفترضة للتسلل إلى المدارس العامة في برمنغهام، ثاني أكبر مدينة في بريطانيا، وإدارتها وفقًا للمبادئ الإسلامية المتشددة.
تبيّن لاحقًا أن هذه الرسالة كانت مجرد خدعة، ولكنها أثارت في ذلك الوقت احتجاجًا وطنيًا وأزمة سياسية حول مدينة عُرِفَت – بشكل غير عادل – على أنها حاضنة للتطرف الإسلامي.
بطبيعة الحال، لم تؤثر قضية حصان طروادة على الباكستانيين البريطانيين فحسب، بل طالت بقية المسلمين في البلاد أيضا وخاصة الذين لديهم خلفيات طبقية وعرقية مختلفة، حيث تأثروا بشدة بالإسلاموفوبيا والعنصرية التي انبثقت عن هذه الفضيحة. أما المدارس التي مثل محور القضية فكانت تقع في أحياء شرق برمنغهام التي يمثل فيها السكان البريطانيون الباكستانيون غلبية. وكان عدد من المعلمين المتورطين بشكل بارز في قضية حصان طروادة ينحدرون أيضًا من خلفيات باكستانية ومسلمة.
في سلسلة بودكاست جديدة تناولت “قضية حصان طروادة“، يسعى الصحفيان بريان ريد (المعروف بعمله في البودكاست الصحفي “إس-تاون”) وحمزة سيد (وهو بريطاني مسلم من أصل باكستاني شاهد الفضيحة تتكشف في مسقط رأسه) للكشف عن العقل المدبّر لهذه الرسالة ومعرفة دوافعه. ولا يسلط تحقيقهما الضوء على أصول الفضيحة فحسب، بل يدرس أيضًا هشاشة الهوية البريطانية بالنسبة للباكستانيين البريطانيين الذين يعيشون مع إرث وتناقضات الاستعمار وسياسات مكافحة التطرف كل يوم.
لعب الجيل الأول من الباكستانيين البريطانيين دورًا حاسمًا في إنقاذ اقتصاد البلاد المنهار في فترة ما بعد الحرب وسد فجوة الطلب على اليد العاملة في المدن والبلدات الصناعية الشمالية في جميع أنحاء بريطانيا. وفي الستينات، وصلت موجة أخرى من المهاجرين بعد فيضان سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في منطقة كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، مما أدى إلى نزوح آلاف الأشخاص. وفي العقد نفسه، اضطلع الأطباء الباكستانيون بدور فعال في معالجة أزمة التوظيف في الخدمة الصحية الوطنية، وهم يواصلون تقديم هذه الخدمة حتى يومنا هذا.
الباكستانيين البريطانيين يفخرون بهوياتهم، مضيفةً “هذا هو الإسلام البريطاني: مجتمع متنوع ومتعدد الديناميكيات يتم تجاهله للأسف لأن الواقع المعاش يفتقر إلى الإثارة
بعد 75 سنة من التقسيم، ازدهر الباكستانيون البريطانيون وكافحوا. غالبيتهم من المسلمين وحوالي 90 بالمئة منهم يعيشون في إنجلترا وويلز، ولكن هناك تنوع كبير في العرق والطوائف الدينية والطبقة والانتماء الإقليمي داخل بريطانيا وسياستها.
دخلت البارونة سعيدة وارسي التاريخ في سنة 2010 عندما أصبحت أول مسلمة من أصل باكستاني تخدم في مجلس الوزراء البريطاني. وصرّحت آنذاك “كمجتمع، نحن رائدون سياسيا وكنا في صدارة القائمين على تشكيل هوية المسلمين البريطانيين”.
في العديد من مناطق التسوق في جميع أنحاء البلاد التي تنتشر فيها محلات مملوكة لأشخاص من جنوب آسيا، يكون التأثير الثقافي للباكستانيين البريطانيين ملموسًا. فريمكسات مغني القوالي الأسطوري نصرت فاتح علي خان، وحلوى الجليبي الحارة الزكية – وهي عبارة عن حلوى برتقالية متشابكة مقلية منقوعة في شراب – منتشرة في كل مكان من ألوم روك في برمنغهام وساوث هول في لندن إلى بولوكشيلدز في غلاسكو.
تمتلئ البازارات والمحلات التجارية بقمصان السالوار المطرزة يدويًا وتنانير لينجا المتلألئة والمجوهرات المزيفة المستوحاة من المغول. ويتواجد كيك البقسماط، وهو بسكويت مزدوج مخبوز اخترعته عائلة باكستانية في مدينة برادفورد الشمالية، في كل مكان في بريطانيا وجاكسون هايتس على حد سواء – وهو حي على طول الطريق في كوينز نيويورك.
لكن تداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر والحرب على الإرهاب فتحت صندوق باندورا على المسلمين البريطانيين، 38 بالمئة منهم من أصل باكستاني حسب إحصاءات سنة 2011. تفاقمت حوادث الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء أوروبا وزادت في بريطانيا في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي، والهجوم الذي شُنّ على مانشستر أرينا سنة 2017 وحادثة إطلاق النار في كرايستشيرش سنة 2019. كما أدت قضية حصان طروادة إلى إبراز المجتمع المسلم البريطاني الأوسع باعتباره “عدوا داخليا”، مما أثار رهابا عاما فضلا عن اتخاذ سياسات رجعية جديدة لمكافحة التطرف واجتثاث التطرف باسم تعزيز “القيم البريطانية الأساسية” في المدارس.
قالت سهيمة منظور خان، مؤلفة كتاب “تعقيد الحرب على الإرهاب: اجتثاث الإسلاموفوبيا” إن “المسلم غالبا ما يكون باكستانيا في المخيلة الاجتماعية للمملكة المتحدة، بسبب التغطية الإعلامية والخطاب السياسي. وفي إشارة إلى تفجيرات وسائل النقل التي وقعت في لندن في تموز/ يوليو 2005، أوردت “بعد أحداث 7/7، والتي يشير إليها الكثيرون باعتبارها هجمات الحادي عشر من سبتمبر البريطانية، كان ثلاثة من الرجال المتورطين باكستانيين من مدينة ليدز. وقد أدى ذلك إلى تجسيد فكرة أن العنف – لا سيما العنف المصنف تحت خانة “الإرهاب” – متجذرة في المسلم”.
وفقا للدكتورة مريم محمود، الأستاذة الجامعية في جامعة برمنغهام، فإن الباكستانيين البريطانيين يفخرون بهوياتهم، مضيفةً “هذا هو الإسلام البريطاني: مجتمع متنوع ومتعدد الديناميكيات يتم تجاهله للأسف لأن الواقع المعاش يفتقر إلى الإثارة”.
مستوحى من سلسلة البودكاست “قضية حصان طروادة” ومن خلال مجموعة من المقالات والصور، نطرح التساؤل التالي: من هم الجالية البريطانية الباكستانية اليوم؟ وما الذي يعنيه ربط الهوية “البريطانية” و”الباكستانية”، وهي هوية مقترنة لا تزال تخضع للتدقيق؟
فحص الطبقية في قاعة المحكمة، بقلم محسن زيدي
يبحث المؤلف والمحامي البريطاني من أصل باكستاني محسن زيدي فيما إذا كان بإمكان مجتمعه، الذي يُعد من أفقر الأقليات في المملكة المتحدة، الوصول إلى نادي البريطانيين.
عندما صعدت لبدء الاستجواب، شعرت بمغص في أمعائي. بصفتي محاميًا، كان يتعين علي القيام بالعمل الموكل لي، لكنني شعرت بقلق عميق حيال مقاضاة الشاب الباكستاني الواقف في منصة الشهود. لولا شعري المستعار العاجي وثوبي الأسود، لكنا متشابهين تمامًا. مع ذلك، كنا واقفين على جانبين متعارضين من قاعة المحكمة البريطانية.
ينشأ ما يقرب من نصف الأطفال الباكستانيين في بريطانيا فقراء – وهي من بين أعلى النسب بين صفوف أي مجموعة عرقية. ويشمل هذا الرقم المدعى عليه ويشملني أيضًا: لقد نشأ كلانا في مساكن شعبية وتلقينا تعليمنا في مدارس فاشلة. لم تكن نقاط انطلاقنا في الحياة مختلفة كثيرا، ولكن بفضل العمل الجاد والحظ كنت أول طالب من مدرستي يدرس في جامعة أكسفورد، ثم انضممت إلى المؤسسة القانونية كمساعد في شركة محاماة كبرى، ثم أصبحت كاتبا في المحكمة العليا ثم محاميا جنائيا.
بعد الانتهاء من استجواب الشهود وقد نجحت في تقويض روايته للأحداث، همس المراهق الباكستاني في أذني في طريق عودته إلى قفص الاتهام ونعتني “بالخائن”. كيف يمكنني أن أكون أنا وهذا المراهق مختلفين للغاية عن بعضنا البعض؟
بالنسبة لعدد من الباكستانيين، فإن العرق والإثنية أهم عاملين لاستبعادهم من التمتع بالهوية البريطانية. وحتى وقت قريب، ظل الكثير من التاريخ العنصري للبلاد غير مرغوب فيه. وانتشرت عبارة “باكي” التي سادت في منتصف الستينات كصفة ضد المهاجرين، وأصبحت عبارة “باكي” وصمة معتمدة من قبل العنصريين. وفي فترة الثمانينات، اعتمدت سياسة تفرقة تقوم على نقل أطفال المهاجرين الباكستانيين في حافلات خاصة في أجزاء من بريطانيا – وهي تشبه سياسة الفصل العنصري في وسائل النقل الذي عارضته حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة.
مع ذلك، تقول المؤرخة شابينا أسلم، إن نقل الأطفال ذوي البشرة السوداء والأطفال من جنوب آسيا في حافلات خاصة في المملكة المتحدة كان لسبب مختلف: ليس لتمكينهم من تجارب تعليمية أفضل كما زعمت السلطات المحلية، وإنما لمنعهم من إزعاج الأشخاص البيض داخل مجتمعاتهم المحلية.
أسست أسلم، التي كانت أولى ذكرياتها عن حياتها في إنجلترا تتعلّق بنقلها بالحافلات الخاصة في أوائل السبعينيات، مشروعًا عن التاريخ الشفوي حول تشتيت أطفال الأقليات العرقية. وأضافت أسلم أن الحافلة كانت تنقلهم كركاب عاديين في البداية، “لكن ما إن تصل إلى الطرف الآخر من المدينة، حتى تتحوّل إلى ما يطلق عليه بـ “حافلات باكي”. وفي محاولات الدولة لدمج المهاجرين الباكستانيين، حرمتهم من حقهم في الانتماء البريطاني من خلال معاملتهم بشكل مختلف بسبب لون بشرتهم.
لا يمكن للقضايا العنصرية وحدها أن تسلط الضوء على سبب إنتمائي إلى الثقافة والهوية البريطانية بينما لا ينطبق الأمر ذاته على المراهق الذي كنت أحاكمه. مع ذلك، فهم المواقف الطبقية الموجودة في البلاد يمكن أن يقدّم تفسيرا لذلك. يعدّ الباكستانيون، الذين يمثلون ثاني أكبر مجموعة أقلية عرقية في المملكة المتحدة، الفئة الأفقر وفقا لعدة مقاييس.
أظهر تقرير برلماني صدر سنة 2021 حول التفاوت العرقي أن الباكستانيين يحظون بأدنى معدلات التوظيف وأدنى الأجور (بما في ذلك الخريجين) وأدنى دخل وأعلى معدلات الفقر. كما أننا، نوعا ما، المجموعة العرقية الأكثر احتمالا للعيش في أجزاء البلاد الأكثر فقرًا.
تحظى الطبقة الاجتماعية بأهمية كبيرة في بريطانيا، وقد افتتح التقرير السنوي للجنة الحراك الاجتماعي الحكومية بجملة مفادها أن عدم المساواة “راسخة بعمق”. تلقى 7 بالمئة فقط من الناس في المملكة المتحدة تعليمهم في القطاع الخاص وأقل من 1 بالمئة يدرسون في جامعات أكسفورد وكامبريدج المرموقة، وقد وجدت اللجنة أن السلطة بين أيدي هذه الشريحة الصغيرة من السكان.
هذه ليست طريقة جديدة لتسيير الأمور. حسب ساتنام سانجيرا، مؤلف كتاب “كيف شكلت الإمبريالية بريطانيا الحديثة”، فإن “الإمبراطورية كانت تسيّر من قبل شخص من فئة معينة من الطبقة المتوسطة العليا، ومازالت “هذه المجموعة من الناس تدير بريطانيا اليوم”.
وأضاف سانجيرا: “بالنظر إلى أن الإمبراطورية كانت تخضع للتفوق الأبيض المتعمد، خلال القرن التاسع عشر على الأقل، فإن الطبقة الحاكمة البريطانية الحديثة تحظى بتاريخ من العنصرية لا تزال آثاره حاضرة حتى يومنا هذا. ومن منظور البعض، يوضح هذا التاريخ معنى أن تكون بريطانيا”.
أنا “خائن” لأنني تمكنت من خلال الحركة التصاعدية من جمع المعرفة والوفرة واللغة العامية اللازمة لأنتمي إلى الطبقة الحاكمة كما يصفها سانجيرا، على الرغم من أنني لن أكون من البيض أبدا. وبهذه الطريقة، أثبتت أنني عضو جدير في هذا النادي الذي نسميه “الانتماء البريطاني”.
عبّر صادق خان رئيس بلدية لندن، الذي هاجر والداه من باكستان في الستينيات، عن ثقته في المساهمة التي يقدّمها المجتمع للبلاد. وقال في مقابلة له “من مجال الأطعمة والأزياء إلى القطاع المالي والرياضة، كانت بصمة الباكستانيين البريطانيين في هذا البلد إيجابية وعميقة. وأعتقد أننا ساعدنا في تشكيل المفهوم الحالي للانتماء البريطاني”.
مع ذلك، أقر خان أيضًا بأنه “لو كان الباكستانيون البريطانيون أفضل حالا في المتوسط، ولو حُسنت ظروفهم المادية، ولو كان لديهم إمكانية التمتع بالتعليم والفرص والموارد التي تستفيد منها المجموعات الأخرى داخل المجتمع البريطاني، لقدّموا دون أدنى شك مساهمة أكبر لمدينتنا وبلدنا”.
يُمنع الباكستانيون البريطانيون من التمتع بهويتهم البريطانية في ظل عدم انتمائهم للبيض وغياب الثروة
يتم التعامل مع بعض قصص النجاح في الانتقال من الفقر إلى الثراء على أنها أمثلة على انتصارات التعددية الثقافية البريطانية. إلى جانب خان، يعدّ الممثل ريز أحمد والمغني زين مالك من بين الباكستانيين البريطانيين الناجحين. رغم ذلك، يتسبب الاحتفال بأفراد استثنائيين دون غيرهم في تمجيد صفة الاستثناء بالفعل مقابل إنكار الصعوبات الحقيقية التي يواجهها البقية في المجموعات التي يمثلونها. ويعتقد أشرف هوك، وهو محاضر في الأنثروبولوجيا الاجتماعية في معهد التعليم الذي ركزت أبحاثه على المسلمين البريطانيين، أن “العرق والطبقة قضيتان متشابكتان للغاية”.
أشار الدكتور هوك إلى أن وضع الباكستانيين “قاتم للغاية”، وأوضح كيف أن الحواجز الاجتماعية والاقتصادية تخلق تحديات عند محاولة الانخراط في المجتمع البريطاني. وأضاف هوك أن “هذه المجتمعات معزولة وتتلقى تعليمها في تلك الأحياء، وكلما حاولت إيجاد طرق للخروج كانت تتعرّض للعرقلة وتجبر على العودة إلى تلك المجتمعات، لمشاركة وتعبئة الموارد المتوفرة والاستقرار هناك. لا يمكن إنكار وجود نوع من العزلة القسرية، وكل ذلك بسبب العلاقة بين العرق والطبقة”.
عدت إلى قاعة المحكمة في لندن بعد أن قدّمت هيئة المحلفين حكم الإدانة، وكنت أشعر بالاستياء، فقال لي أحد الزملاء: “هذا المراهق ارتكب جريمة وتلقى الحكم الذي يستحقه، لذلك ليس هناك ما قد تشعر بالذنب حياله. أنتما شخصان مختلفان تماما”. ولكن هل نحن مختلفان حقا؟
مثّل هذا المراهق بالنسبة لي الأشخاص الذين شاركتهم اللعب في الملعب وأقاربي. لقد شعرت بالامتنان للفرص التعليمية التي أتيحت لي وكل الأبواب التي فتحت أمامي. لكنني شعرت أيضا بالذنب، لأن هذه الفرص لم تكن متاحة بالتساوي لجميع زملائي الباكستانيين. في نهاية المطاف، ساهم هذا الشعور بالذنب في اتخاذي قرار ترك رابطة نقابات المحامين الجنائيين السنة الماضية، لأنني أعتقد أن المحاكم عبارة عن صالات عرض لعدم المساواة البريطانية ولم أعد أحتمل مشاهدة هذا التفاوت الذي يدمر حياة الأشخاص المستضعفين.
كيف يمكن لأفقر أقلية عرقية في مجتمع غير عادل وطبقي أن تشعر بالانتماء بينما لا تحظى سوى بالقليل من الفرص؟ يُمنع الباكستانيون البريطانيون من التمتع بهويتهم البريطانية في ظل عدم انتمائهم للبيض وغياب الثروة. قد يكون امتلاك إحدى هذه السمات كافيًا، لكن امتلاك كليهما، سيجعلك تحظى بالانتماء البريطاني على طبق من فضة. ولكن بالنسبة لأفراد مجتمعي الذين لا يملكون أيًا من هاتين الصفتين، وهو ما ينطبق على الغالبية العظمى، فإن مصطلح “باكستاني بريطاني” يكاد يتحول إلى تناقض لغوي.
المشاركة في لعبة طويلة الأمد، بقلم ميريام ووكر خان
بعد فضيحة العنصرية في نادي يوركشاير للكريكيت سنة 2021، أعاد لاعبو ومشجعو الرياضة الباكستانيون البريطانيون تقييم الدور الذي يحظون به على أرض الملعب وفي المدرجات.
لقد دفعت العنصرية لاعب الكريكيت، عظيم رفيق، إلى البكاء بعد أن وصفه أحد زملائه في الفريق بمصطلح مهين لكلمة “باكستاني” في حادثة عنصرية. لكنها لم تكن المرة الأولى التي تُطلق عليه هذه التسمية أثناء لعب الكريكيت، فقد تكرر ذلك مرات لا تحصى. وعلى الرغم من رؤية دموع رفيق، إلا أن اللاعب الذي استخدم هذا المصطلح العنصري ذكر أنه لم يعلم أن في ذلك إهانة و”كان ليتوقف لو أن رفيق طلب منه ذلك”.
في أيلول/ سبتمبر 2020، وجّه رفيق اتهامات بالتنمر العنصري ضد نادي مقاطعة يوركشاير للكريكيت، أين لعب لمدة ثماني سنوات، مما أدى إلى عقد جلسة استماع حكومية. مُنع النادي من استضافة المباريات الدولية بسبب طريقة تعامله مع القضية. وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، تصدرت القصة على عناوين الصحف البريطانية.
لقد مثّلت هذه الحادثة لحظة فاصلة سلطت الضوء على التناقض المقلق بين عمق اندماج الرياضيين والمشجعين البريطانيين الباكستانيين في مشهد الرياضات المحترفة، وعدم قدرتهم على الانتماء إلى بريطانيا. لقد تنافست وعملت في مجال ألعاب القوى لأكثر من عقد، وعلى الرغم من لقائي بمئات الرياضيين، لم أقابل سوى ثلاثة باكستانيين بريطانيين، اثنان منهم إخوتي. واليوم، بصفتي صحفية رياضية، قال لي مؤخرا مسؤول صحفي لهيئة رياضية وطنية حاكمة أنه لا يمكنني أبدا أن أكون محايدة في أي قصة عن العرق لأنني لست من البيض.
عند الحديث عن العنصرية، من غير المحتمل أن تؤخذ هذه القضية على محمل الجد حتى لو صدقونا، وهو ما قد يتسبب في فقدان حس القبول. انطوت تجربتي الشخصية الأولى مع الإساءة العنصرية، كفتاة باكستانية بريطانية مختلطة الأعراق نشأت في نفس المنطقة مع رفيق، على افتراءات عرقية. كنت في الثامنة من عمري عندما تعرضت للاعتداء الجسدي في المدرسة بعد أن وجه لي زميلي الشتائم والألفاظ البذيئة. وأُرسلت إلى مدير المدرسة الذي كان يعتقد أنه خطأي وطالب بمعرفة ما قمت به من استفزاز تسبب في هجوم زميلي علي.
تستمد العنصرية شرعيتها من السلطة، وفي الرياضة تتمثل السلطة من المؤسسات المسؤولة عن اختيار الرياضيين – الذين يحتاجون لكسب لقمة العيش – للفرق. قال رفيق في كانون الثاني/ يناير 2022 إن التحدث علانية عن قضية العنصرية قد كلفه خسارة حياته المهنية.
لكن بعض لاعبي الكريكيت الباكستانيين البريطانيين يعتقدون أن قضية رفيق يمكن أن تساعد في منحهم الثقة للتحدث عن تجاربهم الخاصة، وهو ما أكده أسطورة الكريكيت في إنجلترا معين علي بقوله إن “أعظم ما نتج عن ذلك هو شعور العديد من اللاعبين بأن لديهم صوتًا”.
كان الأخوان رحمن يتعرضان في المدرسة إلى الشتائم العرقية يوميًا. ولم تتغير مواقف أقرانهم تُجاههم إلى حين إدراك قدرتهما على لعب كرة القدم
قال مُعين علي، أشهر لاعب كريكيت باكستاني بريطاني، إنه يعتقد أن الهيئات الإدارية في لعبة الكريكيت البريطانية لم تنجح في تطوير لاعبين شباب من جنوب آسيا مشيرا إلى أنه “تم تفويت الكثير من اللاعبين والكثير من المواهب. ومعظم الأشخاص الذين يلعبون الكريكيت هم من الآسيويين. فلماذا نُفوت على أنفسنا مثل هؤلاء اللاعبين؟”.
رغم أدائنا على أرض الملعب، لا يعاملنا المجتمع الرياضي بشكل متساوي، حيث أظهرت أبحاث جامعة برمنغهام سيتي أن فرص لاعبي الكريكيت البريطانيين البيض من المدارس الخاصة في الوصول إلى نوادي النخبة أكثر بـ 34 مرة من الشباب الآسيويين – وهو تفاوت لا يمكن تفسيره.
مع أن كرة القدم والكريكيت ليستا الرياضتين الوحيدتين اللتين يمارسهما الباكستانيون البريطانيون، إلا أن نسب مشاركتهم في رياضات النخبة موضوع دراسة. يشكل البريطانيون الآسيويون 7 بالمئة من السكان، لكن 0.25 بالمئة فقط من لاعبي كرة القدم المحترفين ينحدرون من خلفية بريطانية آسيوية، والغالبية الساحقة منهم من أصول هندية.
بالنسبة للاعب كرة القدم البريطاني الباكستاني إياساه سليمان (24 عاما)، أول لاعب من أصل آسيوي يقود فريق كرة قدم إنكلترا فإن وجود لاعبين آسيويين في الكريكيت هو الذي مثل مصدر إلهام بالنسبة له. هذا المسلم الذي نشأ في نفس المنطقة التي عاش فيها معين علي، يلعب حاليًا مع نادي ناسيونال في دوري الدرجة الثانية لكرة القدم البرتغالية. وهو يقول إن التمثيل يمكن أن “يمنح اللاعبين دفعة إضافية”.
كان سليمان جزءا من الفريق الفائز ببطولة أمم أوروبا تحت 19 سنة في سنة 2017، وسجل الهدف الافتتاحي للنهائي. حيال هذا الشأن، قال “لقد كان الأمر مميزا، تخيلت جدتي جالسة على الأريكة تراقبني أفوز بقميص إنجلترا. لا أعتقد أنها عندما كانت صغيرة وتعيش في باكستان قد ظنت أنها ذات يوم ستشاهد حفيدها يلعب مع منتخب إنجلترا”.
بعد الوصول إلى هذا المستوى، لم ير العديد من الأشخاص الآخرين من نفس خلفيته. وعلى امتداد 13 سنة لم يلتحق بالنادي أستون فيلا لكرة القدم سوى شخص واحد من نفس خلفيته.
يعتبر زيدان إقبال (18 سنة) لاعبًا آخر في أحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز من أصول باكستانية وعراقية. دخل إقبال التاريخ في سنة 2021 عندما أصبح أول بريطاني من أصول جنوب آسيوية يلعب مع مانشستر يونايتد. قال والده، عمار إقبال، إن ذلك كان “تتويجا لأكثر من 14 سنة من التفاني. وفي تلك الليلة بكت والدته وشقيقه من الفرح. لقد عنى ذلك الكثير لكل من يعرف زيدان وللمجتمع الأوسع نطاقًا، وزيدان فخور حقا بتراثه”.
بالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من تحقيق هذا الإنجاز، غالبا ما تحميهم موهبتهم من العنصرية. كان شقيق ريز رحمن – وهو رئيس برنامج التوجيه الآسيوي للاعبي كرة القدم المحترفين الذي يهدف إلى زيادة عدد اللاعبين من أصول جنوب آسيوية في كرة القدم – زيش رحمن أول لاعب باكستاني بريطاني يستهل مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز سنة 2004.
كان الأخوان رحمن يتعرضان في المدرسة إلى الشتائم العرقية يوميًا. ولم تتغير مواقف أقرانهم تُجاههم إلى حين إدراك قدرتهما على لعب كرة القدم. وقال رحمن: “لقد كان كلانا قائدين في فريق المدرسة. تعرف علينا جميع الأطفال ولم يقبلوا بنا إلا عن طريق الرياضة، لقد أنقذتنا كرة القدم”.
عند الحديث عن العنصرية، من غير المحتمل أن تؤخذ هذه القضية على محمل الجد حتى لو صدقونا، وهو ما قد يتسبب في فقدان حس القبول.
كرة القدم لا تنقذ الناس وإنما تغير المواقف في جميع أركان اللعبة. كان لمحمد صلاح لاعب كرة القدم المسلم تأثير هائل على ظاهرة الإسلاموفوبيا. وجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد سنة 2019 أنه منذ توقيع صلاح، وهو مصري الجنسية، عقدا مع ليفربول في سنة 2017 انخفضت جرائم الكراهية في المنطقة بنسبة 18.9 بالمئة.
يعمل صفراز علي (26 سنة) في مجال الاتصالات وهو من مشجعي ليفربول. وقال “عندما يهتف المعجبون باسم محمد صلاح فهذا دليل على تأثيره. لم أفكر سابقا في إمكانية رؤية ذلك. إنه شيء جميل يدعو للفخر”. وأضاف “كنت محظوظا كمعجب باكستاني بريطاني بتجربة تلك اللحظات التي كنت آمنا أثناء القيام بها. أعتقد أنه لطالما أحب الباكستانيون البريطانيون كرة القدم، وهم يتوارثون ذلك. وأعتقد أنها أعظم ما يوحد البشر”.
توصف كرة القدم بأنها “لغة عالمية” إلا أن ثلث مشجعي كرة القدم من الأقليات العرقية يقولون إنهم تعرضوا للعنصرية في الملاعب. وفي سنة 2020، أرسى غريغ كلارك، أحد أبرز الشخصيات في كرة القدم الإنجليزية ورئيس اتحاد الكرة في ذلك الوقت، الصور النمطية العنصرية عندما قال إن البريطانيين من جنوب آسيا يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات بدلا من لعب كرة القدم الاحترافية بسبب “اهتماماتهم المهنية المختلفة”. وقد استقال من منصبه بعد أن أشار إلى اللاعبين السود على أنهم “مُلوّنون” في نفس الخطاب.
عمل والدي، وهو مهاجر باكستاني لعب كرة قدم شبه احترافية في فريق شيفيلد يونايتد، في شيفيلد يوركشاير. منذ أن كنت في الرابعة من عمري، كنت أشاهد المباريات بانتظام على أرضهم، وهو المكان الذي سمعت فيه لأول مرة شخصا يوجه إساءة عنصرية إليه. ومنذ ذلك الوقت ربطتُ ملاعب كرة القدم بالعنصرية.
هذا الأمر شائع حيث وجد استطلاع نُشر سنة 2021 أن 41 بالمئة من جميع مشجعي كرة القدم – و56 بالمئة من مشجعي الأقليات العرقية – الذين حضروا مباراة قالوا إنهم سمعوا كلاما عنصريًا. تتذكر أروج خان، طالبة دكتوراه التي نشأت في ظل ملعب وست هام القديم في أبتون بارك في لندن – موطن مجتمع ضخم من جنوب آسيا – تعرض والدها للضرب والاعتداء العنصري بانتظام في أيام المباريات. وهو ما جعل العائلة تقرر البقاء في الداخل في تلك الأيام.
تتمتع خان بهويتها كمشجعة لكرة القدم عبر مجموعة “نتميغز”، وهو مجتمع كرة قدم للنساء والأشخاص من غير البيض. وهي تقول “لا أشعر بالأمان أو الراحة مع مجموعات من الرجال البيض المخمورين، وهو ما تعنيه مباراة كرة قدم بالنسبة لي. ولكن مع ناتميغز، لا أشعر بهذه الأجواء العنصرية لأننا نشاهد المباريات في تضامن مع بعضنا البعض. إن لحظات المقاومة الفعالة عند استعادة مساحة ما وجعلها آمنة تكون قوية جدا”. أصبحت كرة القدم جانبا من جوانب الانتماء البريطاني الذي تفتخر به خان.
تُمثل قصص اللاعبين والمشجعين الذين صنعوا إحساسهم بالهوية على أرض الملعب قصص أمل يجب الاحتفال بها من قبل أولئك الذين ينتمون إلى نفس المجتمعات والذين يشعرون بالأمان الكافي لمشاهدتها في المدرجات.
تكمن قوة الرياضة في أنها تُوحّد مما يمنحني الأمل كصحفية رياضية بأن العنصرية ستتلاشى مستقبلاً. فعلى سبيل المثال، عندما أشاهد لاعب كرة قدم باكستاني بريطاني يلعب ضمن فريق بريطاني لأول مرة مرتديًا قميص إنجلترا، أتمنى أن يكون قادرًا على أن يمثّل ذاته وهويته بدلاً من الاضطرار إلى الالتزام بما تُمليه عليه المعايير البريطانية التي لا تسمح للباكستانيين بالتألق بهويتهم الأصلية.
من يقرر “القيم البريطانية”؟، بقلم توصيف خان
دفعت قضية حصان طروادة الحكومة إلى إقرار مجموعة من” القيم البريطانية” في جميع مدارس بريطانيا، التي يقول البعض إن مساوئها تفوق ميزاتها.
في كانون الأول/ ديسمبر، زرت مدرستي الابتدائية في وسط مدينة مانشستر. يشكّل الباكستانيون 60 في المئة من هذه المدرسة التي تقدّم خدماتٍ لذوي الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لذلك طلب مني مدير المدرسة أن أُلقي كلمةً في “يوم الطموح”. كنت متحمسًا لرؤية التعديلات التي طرأت على المدرسة، لكني تفاجئت عندما شاهدت “القيم البريطانية” تغزو المكان.
في كل فصل دراسي، وجدت علم الاتحاد وملصقات حائط تتحدّث عن القيم الأربع (الديمقراطية، وسيادة القانون، والحرية الفردية، والاحترام المتبادل والتسامح مع الأديان والمعتقدات المختلفة).
إن الترويج “للقيم البريطانية” هو جزء من استراتيجية “بريفينت” التي تهدف الحكومة من خلالها إلى مكافحة الإرهاب. منذ سنة 2015، لجأت المدارس إلى إضفاء طابع الانتماء إلى الهوية البريطانية في إطار استراتيجيتها الرامية إلى الحد من التطرف. سعيًا إلى تحقيق ذلك، شرعت المدارس في تضمين “القيم البريطانية الأساسية” في فصل التربية الوطنية، وكذلك في جميع مواد المنهج الدراسي.
يُطلب من المعلمين أيضًا مراقبة طلابهم بحثًا عن أي علامات ضمنية للتطرف (يشمل ذلك أي معارضة لهذه القيم) والإبلاغ عنها. منذ انطلاق برنامج “بريفينت”، تعرض لانتقادات لاستهدافه الأطفال المسلمين والتعامل معهم كأفراد مشبوهين، وذلك حسب ما وثقته الإحصائيات التي تشير إلى أن البرنامج يستهدف المسلمين أكثر من غيرهم.
بعد فترة وجيزة من زيارتي، أُعلن عن تأجيل إعادة النظر في برنامج “بريفنت” للمرة الثانية. في بيان صادر عن مجموعة “راني ميد ترست” للمساواة بين الأعراق، أعربت المديرة التنفيذية للمؤسسة حليمة بيغوم عن استيائها من الأخبار، وحذرت من أن إعادة النظر في هذا البرنامج ستكون مجرد إعادة صياغة للتطرف، الذي قد يضرّ البريطانيين المسلمين بشكل كبير. سألت نفسي ما هي العواقب التي قد تنجم عن هذا البرنامج، وما تأثيرها على الأطفال البريطانيين الباكستانيين وارتباطهم بهويتهم البريطانية.
في سنة 2012، تم استجواب أطفال مسلمين في جميع أنحاء بريطانيا عن آرائهم السياسية والدينية بموجب برنامج “بريفينت”. تم إحالة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات إلى السلطات للاستجواب على خلفية قيام أحدهم برسم صورة والد يحمل خيارًا ونطقها عن غير قصد “cooker bomb” بدلا من “cucumber“. كما تم استجواب آخر على خلفية كتابة كلمة “terrorist” التي تعني “إرهابي” بدلاً من الكلمة المعنية “terraced”. هذا بالإضافة إلى استجواب طفل آخر على خلفية حديثه عن لعبة الفيديو القتالية “فورتنايت” قالت والدته إن هذا لم يكن ليحدث مع طفل من العرق الأبيض.
يرى عتيق مالك، محامي والدي الطفل الباكستاني الأول، أن الأطفال المسلمين يخضعون لمعايير لا يتم تطبيقها على أقرانهم البريطانيين. ويوضح أن “المعايير التي يستخدمونها تنص على أنه ما لم يذكر الطفل البريطاني شيئًا يندرج في فئة التطرف اليميني المتطرف، فلن تتم إحالته، وهو أمرٌ مستحيل الحدوث”.
أفاد عاصم قريشي، من المجموعة الحقوقية “كيج”، بأنه تم إحالة طفل باكستاني يبلغ من العمر 8 سنوات إلى السلطات القائمة على برنامج “بريفينت” في سنة 2016 لارتدائه قميصًا يحمل اسم أبو بكر الصديق في اليوم المفتوح لمدرسته.
قال قريشي: “تصور المعلم أبو بكر على أنه أبو بكر البغدادي، الزعيم السابق لتنظيم الدولة، لذلك تم الإبلاغ عن الطفل وإحالته على الفور”. كان قريشي مطّلعاً على القضية، وتحدث عن الآثار النفسية التي لحقت بالطفل الذي شعر بالفخر لإرتدائه شيئاً يخص إسلامه، والذي قال إنه تم تأويله على أنه علامة على العنف وربما الإجرام.
يعتقد رحيل محمد، مدير منظمة “مصلحة” وهي منظمة اجتماعية تعمل على تحسين أوضاع المجتمعات الإسلامية، أن برنامج “بريفينت” والحملات الترويجية لتعزيز “القيم البريطانية” تعطي انطباعًا سلبيًا عن الثقافة والقيم الإسلامية، “ومن خلال عملنا في المدارس ندرك الانطباع السائد بين المعلمين الذين ينظرون إلى الطلاب المسلمين على أنهم خاضعون لوطأة القانون، إلى جانب الأفكار السلبية عن الإسلام ومكانة المرأة في الإسلام، داخل المدرسة وخارجها”.
قال أرديل حسين، باكستاني بريطاني يبلغ من العمر 17 عامًا، إنه لم يلحظ تطبيق الجمهور البريطاني للقيم البريطانية التي يُروّجون لها في المدارس. وعلى الرغم من اعتقاده أن هذه القيم هي سمات إيجابية لأي مجتمع، إلا أنه “يجد صعوبة في العمل بها لأن الثقافة البريطانية تغلب عليها”، بالإضافة إلى الماضي الاستعماري لبريطانيا واستمرار عنصرية الشرطة والمشاعر المعادية للمهاجرين.
برز التناقض في المعايير المفروضة على الباكستانيين البريطانيين مقارنة بباقي المجتمع في احتجاجات 2019 في محيط مدرسة باركفيلد الابتدائية في برمنغهام، حيث كانت المدرسة قد قامت بإطلاق برنامج بعنوان “لا غرباء بيننا” يدور حول تقبل الاختلافات المحمية بموجب قانون المساواة لسنة 2010. لكن جوهر البرنامج جاء لتعزيز أهداف برنامج “بريفينت”. وقال مدير المدرسة في العرض التقديمي للبرنامج إنه يستهدف المسلمين في المدرسة بنسبة 98.9%.
احتج أولياء أمور الطلاب الباكستانيين على تدريس البرنامج للمثلية الجنسية وثارت احتجاجات بين أولياء الأمور وامتدت إلى أشخاص ونشطاء الآخرين من جميع الأديان من خارج المدرسة. تعرضوا لانتقادات شديدة، ووُصف المتظاهرون بأنهم متعصبون ولديهم رهاب المثليين، فيما وُصفت الاحتجاجات بأنها نتاج “حرب ثقافية” يحتاج فيها الآباء إلى دراسة “التسامح البريطاني الحديث“.
كان لإقرار “القيم البريطانية” وبرنامج “بريفينت” في المدارس تداعيات على المجتمع البريطاني. تحدث الدكتور قريشي عن تشجيع الآباء الباكستانيين البريطانيين لأبنائهم على التزام الصمت في المدرسة، لا سيما أنهم إذا تم استهدافهم من قبل برنامج “بريفينت” فإنهم سيصبحون منبوذين من قِبل أقرانهم في المدرسة والمجتمع بشكل عام.
غالبية الحالات التي يتم إحالتها للسلطات القائمة على برنامج “بريفينت” لا تشكل أي تهديد يُذكر، لكن يتم التعامل معها على أنها تشكل تهديداً ليس على المعلم فحسب، بل على الدولة بأكملها. وقال الدكتور قريشي: “لن تكون أبدًا نفس الشخص عندما تتخرج من المدرسة حتى مع عدم تعرضك للإحالة”
المصدر: نيويورك تايمز