ترجمة حفصة جودة
وصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بكين يوم الجمعة للمشاركة في حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية، بينما قاطع قادة الغرب الحدث لمخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.
لم تكن أخبار حضور محمد بن سلمان – التي نشرتها وسائل الإعلام الصينية – مفاجئة، ففي الأشهر الأخيرة تقاربت الصين والمملكة العربية السعودية وأسستا جبهات جديدة من التعاون في مجالي الدفاع والتجارة.
في الوقت نفسه، ما زالت الولايات المتحدة – القوة العسكرية الثقيلة طويلة المدى في الشرق الأوسط – تواصل تقييم خياراتها في المنطقة بعد إبعاد نفسها عن محمد بن سلمان والحروب التاريخية المكلفة في العراق وأفغانستان.
العلاقات الصينية السعودية تصل آفاقًا جديدة
كانت السعودية دائمًا أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط، فقد شكلت البضائع السعودية 17% من واردات الصين عام 2021، لعبت الصين أيضًا دورًا صغيرًا في الدفاع السعودي منذ الثمانينيات، لكن الولايات المتحدة كانت دائمًا الكفيل العسكري الرئيسي للسعودية.
إن قيام أكبر منافس إستراتيجي للولايات المتحدة بمساعدة أحد أهم حلفائها، أمر لن تتقبلة واشنطن بشكل جيد
يقول جوناثون فولتون، زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي: “هذا التعاون العسكري المتدني لم يزعج الولايات المتحدة، فقد كان هناك دائمًا القليل من ذلك، معظمها أشياء عسكرية لم تكن توفرها الولايات المتحدة، لذا لم يكن بالفعل أمرًا مزعجًا”.
لكن الرياض وبكين تقاربتا أكثر في السنوات الأخيرة واعتبرتا الأمن مجالًا رئيسيًا للمصالح المشتركة.
في 2020، عززت الصين علاقتها مع السعودية لتصبح شراكة إستراتيجية شاملة، وفي 27 يناير/كانون الثاني وصلت تلك العلاقة أفقًا جديدًا عندما أعلنت كلتاهما خططًا لتعميق التعاون الدفاعي إلى مستوى التعاون العملي.
يقول فولتون – في إشارة إلى تقرير “سي إن إن” الذي قال إن الصين ساعدت السعودية في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الخاص بها -: “كان الأمر غامضًا، لكن وفقًا لسياق مشروع الصواريخ الباليستية الذي تقدم فيه الصين الدعم للسعودية، يمكننا أن نرى تقدم العلاقة”.
يقول روي يلينك، باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، عن السعوديين: “إنهم بحاجة إلى الصين بجانبهم، والروابط العسكرية أفضل طريقة للقيام بذلك”.
إن الشراكة الدفاعية بين الصين والسعودية عمل ذكي، لكنه لن يسير بشكل جيد مع الولايات المتحدة، يقول فولتون: “عندما يكون الانتشار قضيةً كبيرةً، فإن قيام أكبر منافس إستراتيجي للولايات المتحدة بمساعدة أحد أهم حلفائها، أمر لن تتقبله واشنطن بشكل جيد”.
ورغم أن الولايات المتحدة ما زالت أكبر شريك عسكري أجنبي للسعودية، فإن واشنطن تبعد نفسها سياسيًا عن ابن سلمان منذ عام 2018 بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، يقول يلينك: “ما زال الأمريكيون يحاولون فهم ما يجب فعله مع السعودية”.
في أثناء الإعلان الدفاعي، أطلق وزير الدفاع الصيني وي فينغي سخرية خفية من الولايات المتحدة وقال إنه على الصين والسعودية أن يعارضا معًا ممارسات الهيمنة والتنمر.
حصلت بكين على دعم السعودية في القضية الأساسية وراء مقاطعة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية: اضطهاد الإيغور
لكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي أكد أن بكين لا تحاول تحدي الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، فقد قال في 16 يناير/كانون الثاني: “لا يوجد فراغ في السلطة ولا حاجة لسلطة من الخارج”.
لكن الصين تعمل بدلًا من ذلك بشكل مختلف، يقول يلينك: “لا مصلحة للصين في أن تحل محل الولايات المتحدة، فهي لا تملك القدرة على ذلك وليس هذا أسلوبها في القيام بذلك”.
الاقتراب ببطء
تذهب العلاقة السعودية الصينية لما هو أبعد من الدفاع، فقد حصلت بكين على دعم السعودية في القضية الأساسية وراء مقاطعة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية: اضطهاد الإيغور، تلك الأقلية العرقية المسلمة التي يتعرض وجودها للتهديد في غرب الصين.
تساعد السعودية في ترحيل الإيغور إلى الصين وفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش، وقد دافع محمد بن سلمان عن استخدام المعسكرات حيث تعتقلهم الصين.
تعهدت الصين أيضًا بمساعدة السعودية في “رؤية 2030” – مشروع ابن سلمان التنموي الهائل لإصلاح السعودية -، كما طلبت من السعودية مساعدتها في مبادرة “الحزام والطريق” مقابل ذلك.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قدم صندوق الثروة السيادية السعودي طلبًا للحصول على رخصة للمداولة في البورصة الصينية، وهي خطوة أخرى نحو تعميق الروابط المالية بين البلدين.
وفي 2020، أعلنت السعودية تعليم لغة الماندرين – اللغة الصينية – في بعض المدارس كلغة أجنبية ثالثة إضافة للإنجليزية والعربية، يقول يلينك: “قبل سنوات كانت كل محادثة تبدأ بسؤال: ما أهمية الصين؟ اليوم لا أحد يسأل مثل هذا السؤال”.
وبينما لن تتخلى الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال عن الشرق الأوسط، فإن اتجاه الرياض نحو الصين – وهو تحول تعكسه أيضًا الدول المجاورة للسعودية – يشير إلى أن كل الطرق قد لا تؤدي بالضرورة إلى واشنطن، فبعضها يمكن أن ينتهي في بكين.
المصدر: بيزنيس إنسيدر