ترجمة حفصة جودة
ظهرت شركة فيسبوك كثيرًا في أخبار الأسبوع الماضي، لكن ربما لم تدركوا ذلك لأنها غيّرت اسمها إلى “ميتا” أملًا في تلاشي المشاعر السلبية المرتبطة باسمها الأول تدريجيًا من الذاكرة العامة (حاول جوجل الأمر نفسه مع “ألفابت” لكنه لم ينجح).
مع ذلك ومن أجل التغيير، فإن آخر لحظات فيسبوك على قمة الأجندة الإخبارية لم تكن ناجحة مع الفضائح وكل ما يتعلق بنتائجها المالية، التي كانت سيئة بشكل مفاجئ، فقد انخفضت أسهمها بنسبة 25% مرة واحدة بما يعادل 240 مليار دولار من قيمتها السوقية، ما أدى بدوره إلى انخفاضها بنسبة 2% في مؤشر سوق الأوراق المالية “ناسداك”.
نظرًا لأن فيسبوك كانت رخصة لطباعة المال، حتى إنها في مرحلة ما عام 2019، عندما غرّمتها لجنة التجارة الفيدرالية بمبلغ 5 مليارات دولار، ارتفعت أسهمها حتى إن “وول ستريت” قال إن هذه الغرامة التي تبدو ضخمةً ظاهريًا، هي بالفعل كقرصة برغوث لفيل.
لكن هذه المرة مختلفة، لماذا؟ هناك 3 عوامل ظهرت من تقارير المكالمة الجماعية لمارك زوكربيرغ مع محللي سوق الأسهم: تأثير تيك توك وخطوة آبل في طلب موافقة مستخدمي آيفون على تتبعهم من المعلنين واكتشاف أن تزايد عدد مستخدمي فيسبوك الذي لم يكن يتوقف قد توقف الآن.
المشكلة الحقيقية لفيسبوك أن تيك توك يستحوذ على اهتمام مستخدميه، ومن هنا يأتي المال لرأسمالية المراقبة
حيّر هوس زوكربيرغ الجديد بتيك توك المراقبين، ومع ذلك فتيك توك ليس شبكةً اجتماعيةً، إنه خدمة تستضيف مقاطع الفيديو القصيرة للمستخدمين من تصنيفات مثل المقالب والأعمال المثيرة والخدع والنكات والرقص والتسلية، يمتلك تيك توك شركة “ByteDance” الصينية، وهو تطبيق – الذي أثار العالم فجأة – غير مفهوم لمن هم فوق الأربعين، وكشكل من أشكال الثقافة الصينية الاستعمارية، فقد جعلت مبادرة شي جين بينغ “الحزام والطريق” تبدو غير بارعة.
إذًا، لما يقض الأمر مضجع زوكربيرغ؟ الإجابة تكمن في أن تيك توك يقدم خدماته ببراعة لمجموعة ديموغرافية – تُسمى الراشدين الشباب – التي يبدو أن فيسبوك بديموغرافيته الكبيرة سنًا (آباء وأجداد) لا يخدم تلك الفئة جيدًا، هذا ما يفسر حماسه لإعادة تنشيط “ريلز” (محاولة مضحكة لمحاكاة الفيديوهات القصيرة) ووضع الأولوية للشباب مرة أخرى في عروضه.
لكن المشكلة الحقيقية لفيسبوك أن تيك توك يستحوذ على اهتمام مستخدميه، ومن هنا يأتي المال لرأسمالية المراقبة.
وكما يقول بين تومبسون – المحلل التقني المخضرم -: “مشكلة ميتا أن عمله لا يقوم على عرض محتوى من أصدقائك، لكن يعتمد على المشاركة وتقديم الإعلانات، ما يعني أن أي خدمة تشغل وقتك واهتمامك – التي يشغل تيك توك بعضًا منها – تمثل تهديدًا أساسيًا”.
أصبح تأثير ذلك على فيسبوك واضحًا، في خسارة 10 مليار دولار من عائدات الإعلانات، وهو ما يشكل 8.5% من عائدات الشركة عام 2021
المصدر الثاني لأزمة فيسبوك هو تأثير خاصية “شفافية تتبع التطبيق” لآبل التي ظهرت العام الماضي في إصدار 14.5 لنظام تشغيل الهاتف “iOS“، يتطلب ذلك الحصول على موافقة صريحة من المستخدمين للمراقبة على مستوى المستخدم وتعريف الجهاز من خلال التطبيقات.
لم يكن مفاجئًا رفض المستخدمين لذلك، وقد أصبح تأثير ذلك على فيسبوك واضحًا، في خسارة 10 مليار دولار من عائدات الإعلانات، وهو ما يشكل 8.5% من عائدات الشركة عام 2021، لكن الأهم من ذلك، ربع أرباحها الإجمالية للعام.
من السهل أن نرى لماذا تؤدي مثل هذه النتائج إلى إعادة نظر المستثمرين في محافظ أسهمهم، لكن فيسبوك تراجعت من قبل ثم تعافت، فهي كشركة تملك مصادر واسعة للمال والموهبة، وبمرور الوقت، قد تصبح قادرةً على العثور على طريقة لإبعاد الشباب عن تيك توك والالتفاف حول خاصية “شفافية تتبع التطبيق” الخاصة بآبل.
لكن بالنسبة لأي شخص يتبنى تلك الرؤية طويلة المدى لتلك الصعوبات، فإن القصة الكبرى تكمن في أن قاعدة مستخدمي الشركة ربما توقفت عن النمو، فأرقام الأسبوع الماضي كشفت انخفاض عدد المستخدمين النشطين اليومي بنحو 500 ألف مستخدم، ويبدو أن عدد المستخدمين النشطين شهريًا تراجع ليصل إلى 2.91 مليار مستخدم، إذا كان ذلك بداية توجه، فإنه أمر خطير حقًا.
من البداية كان الهاجس المسيطر على زوكربيرغ زيادة عدد المستخدمين، لهذا السبب لم يكن يستمع إلى التحذيرات عندما تمر الشركة بفضائح أو تُتهم بتسببها في أضرار مجتمعية
لماذا؟ بشكل أساسي يتعلق ذلك بتأثيرات الشبكة، بالعودة إلى عام 1990، صاغ بوب ميتكالف – المخترع المشارك لتقنية “Ethernet” – قانونًا يقول فيه إن قيمة شبكة الاتصالات تتناسب مع مربع عدد المستخدمين المتصلين بالشبكة، دفع هذا القانون كل نظام شبكي على الكوكب وكان استخدامه هدفًا لمؤسسي الشركة.
كانت الحيلة جذب المستخدمين سريعًا (بعد فرض رسوم على الخدمة)، والوصول إلى نقطة يصبح فيها عدد المستخدمين كبيرًا بما فيه الكفاية ليصبح من الصعب اقتحام السوق، وصل فيسبوك تلك النقطة منذ فترة طويلة، وإذا كنت ترغب في قياس قوته في تلك اللحظة، احسب مربع 2.91 مليار.
السبب في قوة تأثير الشبكة، أنه كلما ازداد عدد المستخدمين، قادت الشركة دورة فعالة، كلما ازداد عدد مستخدميها، حفزّ ذلك تسجيل مستخدمين جدد، من البداية كان الهاجس المسيطر على زوكربيرغ زيادة عدد المستخدمين، لهذا السبب لم يكن يستمع إلى التحذيرات عندما تمر الشركة بفضائح أو تُتهم بتسببها في أضرار مجتمعية.
لكن تأثير الشبكة يعمل في كلا الاتجاهين، إذا بدأت أعداد المستخدمين في التراجع، فإن الدورة الفعالة ستتحول فجأة إلى حلقة مفرغة، ما يؤدي إلى دوامة من الهبوط، ربما هذا ما يفعله تيك توك لإنستغرام (التابع لفيسبوك).
لكن زوكربيرغ ذكي بما فيه الكفاية ليعلم أن مكانته كسيد الكون الحاليّ مؤقتة، أو كما يُقال في اللاتينية “هكذا يجتاز مجد العالم”، قد يفسر ذلك لماذا يخطط زوكربيرج لكي يصبح سيد “ميتافيرس” القادم.
المصدر: الغارديان