ترجمة حفصة جودة
وسط المطاعم على جانبي الطريق والحشود الصاخبة في واحد من أكثر أسواق كابول ازدحامًا، تحاول فتاة – 10 سنوات – بيع الحقائب البلاستيكية للمتسوقين المارين بجانبها، تقول شايستا: “إذا لم أعمل سنجوع”، تمتلئ متاجر العاصمة الأفغانية بالطعام، لكن أسرتها لا تستطيع أن تتحمل تكلفتها.
كل صباح، تشتري شايستا القليل من حقائب التسوق بمبلغ 5 أفغاني (4 بنسات) لكل واحدة، ثم تذهب إلى السوق وتبيعها بضعف الثمن، تتنبأ الأمم المتحدة بأن 97% من الأفغان سيصبحون تحت خط الفقر بحلول شهر يونيو/حزيران، بينما يقول عمال الإغاثة إن عدد الأطفال العاملين والمتسولين أصبح 3 أضعاف في كابول، والعديد منهم يكافحون فقط للبقاء على قيد الحياة.
ترتعش شايستا في حذائها البلاستيكي، فقد انخفضت درجات الحرارة لما تحت الصفر، وبينما تنبعث في الجو روائح الشاي الأخضر المخمر الطازج والخبز الدافئ من المخبز القريب، فإن شايستا ستظل دون طعام حتى العشاء ما لم يتبرع أحدهم بوجبة.
يعمل مئات الأطفال – بعضهم بعمر 4 سنوات – بجانبها في السوق الكبير، بينما يتسول الآخرون، فيمدون أياديهم الباردة الصغيرة وهم يتجولون وسط الحشود المزدحمة.
أدى انهيار الاقتصاد الأفغاني إلى وقوع الشعب في أزمة جوع، كان نحو 80% من إنفاق الحكومة السابقة – بما في ذلك رواتب لا حصر لها – تمويلات أجنبية، وتشكل الإعانات 43% من إجمالي الناتج المحلي في أفغانستان، لكن عندما استولت طالبان على الحكومة في أغسطس/آب توقفت تلك التمويلات سريعًا.
أكثر من 9 مليارات دولار معظمهم أصول خاصة ما زالت مجمدة في حسابات أمريكية، والآن يتعامل المجتمع الدولي بحذر مع الإمارة الإسلامية – كما تُعرّف طالبان نفسها رسميًا – المتهمة بقتل عشرات المسؤولين الأفغان السابقين ومنع النساء من الوظائف العامة.
تستطيع شايستا – الكبرى بين 4 أطفال – أن تجني 50 أفغانيًا (40 بنسًا) في الأيام الجيدة، لكن المسؤولية تقع عليها، تقول “تشتري أمي الخبز كل يوم بالمال الذي أجنيه، التجول في هذا السوق الكبير كل يوم أمر مرعب، إنني أفضل العودة إلى المدرسة”.
كانت عمالة الأطفال شائعة في أفغانستان منذ فترة طويلة، فقبل تولي طالبان الحكم، قدرّت اليونيسيف أن نحو 600 ألف طفل يعملون في شوارع كابول، لكن هذا الرقم تضاعف 3 مرات في الأشهر الأخيرة وفقًا لما يقوله حميد الله عباوي ممثل منظمة “Street Child” في البلاد.
يقول عباوي: “السبب الرئيسي في ذلك الجوع وسوء التغذية، يضطر العديد منهم للحصول على الطعام لنفسه ولعائلته، لقد رأيت تحولًا ملحوظًا في حياة الأطفال الأفغان في الأشهر الأخيرة وهو أمر محزن للغاية”.
في ضواحي المدينة يسكن نور أغا – 10 سنوات والأكبر بين 8 أطفال – الوحيد الذي يعمل في أسرته، في حيّه المكون من منازل مبنية من الطين وطرق غير ممهدة، يفرز نور القمامة بحثًا عن قطع من البلاستيك لاستخدامها في تدفئة الموقد وخردة معدنية لبيعها.
يقول نور: “أبدأ العمل مع شروق الشمس وأعود إلى المنزل ليلًا”، تعيش الأسرة في منزل مكون من غرفة بها عدة أسرّة في الزاوية وموقد يُستخدم للطبخ والتدفئة، لم تتمكن والدته من دفع الإيجار منذ عدة أشهر، فالمال القليل الذي يجنيه ينفقونه على الطعام.
أحضرت زهرة حبيب الله – 51 عامًا وأم عزباء – أطفالها إلى كابول منذ عامين، بعد أن دُمر منزلها في مدينة قندوز شمال البلاد في قصف جوي، تقول زهرة: “كنا على الجبهة تمامًا وقد أصيب نور بشظية، بعد أن فقدنا منزلنا، وجدت أنه من الآمن العيش في كابول”.
لكن بعد استيلاء طالبان على السلطة فقدت زهرة عملها، فصاحب العمل كان يعاني ماليًا ولم يعد قادرًا على الاحتفاظ بالموظفين.
بينما تتدفق إعانات الطعام بنسبة قليلة إلى أفغانستان – ناشدت الأمم المتحدة بحاجتها إلى 4.5 مليار دولار – تسببت العقوبات المفاجئة في انهيار اقتصادي لا مفر منه.
تسبب توقف أموال التنمية التي تدفع رواتب الموظفين المدنيين والأطباء والمعلمين والعمال المشاركين في البرامج الأجنبية “المال مقابل العمل”، في وقوع الملايين ضحية الفقر.
يبدو المستقبل قاتمًا مثلما يقول الخبير الاقتصادي الأفغاني هارون رحيمي، ويضيف “الإجابة الصادقة هي أن طالبان لا يمكنها القيام بالكثير إذا استمرت العقوبات ولا أي حكومة تستطيع القيام بذلك حتى لو كانت تمتلك سياسات مثالية”.
“الآن هم بحاجة إلى المال بالإضافة إلى الاعتراف الدولي أكثر من أي شيء آخر، لكن هذا السيناريو ليس مرجحًا وبالتالي سيزداد الفقر”.
على جانب أحد الشوارع القذرة في كابول تجلس خديجة فوق حقيبة بلاستيكية في الثلج وأمامها عدة فُرش وملمع أحذية، تقول والدتها التي تجلس بعيدًا عنها بعدة أمتار إن عمرها 4 سنوات.
يرحل الناس سريعًا مع غروب الشمس وانخفاض درجات الحرارة، بينما تقول والدة خديجة: “لا بديل لدينا، إذا لم نجن أي مال من أجل الطعام سنذهب إلى النوم جائعين”.
المصدر: الغارديان