ترجمة وتحرير: نون بوست
مثلت اللقاحات التي ساعدت مليارات الأشخاص حول العالم على حماية أنفسهم من كوفيد-19 مفاجأةً حتى بالنسبة لمصنعيها. باستخدام تقنية جديدة لم يتم تجربتها نسبيًا تسمى “الرنا المرسال”، تمكن العلماء من إيجاد لقاحات في وقت أبكر بعدة أشهر وربما بسنوات مما توقعه خبراء الصحة بشأن إمكانية الحصول على لقاحات آمنة وفعّالة.
في الوقت الحالي، يتساءل العلماء والحكومات وشركات الأدوية عن إمكانات حمض الرنا المرسال؟ ويعتقد الكثيرون أن حمض الرنا المرسال يمكن أن يُستخدم كأساس لجيل جديد من اللقاحات والأدوية ضد مجموعة من الأمراض الأخرى. وتشمل الجهود المبذولة تطوير علاجات للسرطان مصممة خصيصًا للمرضى يمكن تجميعها في غضون أسابيع قليلة، ولقاحات فيروس نقص المناعة البشرية يمكن إعطاؤها بشكل دوري بدلا من الحبوب اليومية الحالية. كما تجري التجارب السريرية على منتجات الرنا المرسال لمعالجة الإنفلونزا، مع العمل على تطوير لقاحات للملاريا والسل وأمراض الكبد.
هناك العديد من الأسئلة المطروحة حول تطبيقات حمض الرنا المرسال. هذه التقنية فعالة بشكل خاص ضد كوفيد-19 لأسباب تتعلق بطبيعة الفيروس. ولكن الأمراض الأخرى تطرح سلسلة من الرهانات الجديدة، بدءًا من مدى قدرة حمض الرنا المرسال إلى استهداف المنطقة المراد علاجها في الجسم وصولًا إلى المدة التي يحتاجها ليظل فعالًا.
يقول درو وايزمان، اختصاصي المناعة بجامعة بنسلفانيا الذي ساهم بحثه في إنتاج لقاحات كوفيد-19، إن “إمكانيات الحمض النووي الريبي لا حدود لها. نحن نصنع لقاحات ضد الفيروسات والبكتيريا ومسببات الأمراض والطفيليات والسرطان وأمراض الحساسية وأمراض المناعة الذاتية. والقائمة لا تزال طويلة”.
قبل تفشي الوباء، كان عدد قليل من الناس خارج صناعة الأدوية والأوساط الأكاديمية على دراية بماهية الحمض النووي الريبوزي المرسال. ومع أن هذه التقنية معروفة منذ عقود، إلا أن الأبحاث الطبية حولها كانت قليلة. وقال المشككون إن الحمض كان غير مستقر للغاية لاعتماده في تطوير دواء موصوف. وكانت لقاحات الرنا المرسال التي تم تطويرها بالاشتراك بين شركتي “فايزر” و”بيونتك” و”موديرنا” أول المنتجات التي تستخدم هذه التقنية المُصرّح بها.
باستخدام تقنية اللقاح التقليدية، يقوم الباحثون بزراعة فيروس أو بروتينات من الفيروس ثم استخدام فيروس غير نشط أو ضعيف لإقناع الجسم ببناء استجابة مناعية. وتندرج لقاحات شلل الأطفال والحصبة والأنفلونزا والعديد من الأمراض الأخرى ضمن هذه الفئة. تُصنّع هذه اللقاحات القديمة المألوفة المفاعلات الحيوية الكبيرة، في عمليات مكلفة ومرهقة تستغرق وقتًا طويلا. ثم يحتاجون بعد ذلك إلى اختبارها في تجارب سريرية واسعة النطاق قد تستغرق سنوات.
تتخذ التقنية الجديدة نهجا مختلفا، ذلك أن الحمض النووي الريبوزي المرسال هو عبارة عن مادة طبيعية في الخلايا. ويتمثل دوره الأساسي في نقل الإرشادات الجينية من الحمض النووي إلى خلايا الجسم لإنتاج البروتينات. بالنسبة للقاحات والعلاجات الأخرى، يعيد العلماء توظيف حمض الرنا المرسال ويستخدمونه لتوجيه الخلايا إلى كيفية صنع البروتينات أو أجزاء من البروتينات، تشبه تلك الموجودة في مسببات الأمراض. وتقوم هذه البروتينات بدورها بتدريب جهاز المناعة لحماية الجسم من المرض.
ونظرا لأن حمض الرنا المرسال يتفاعل مباشرة مع الآلية الجزيئية للجسم، فإنه يسمح للعلماء باختبار العلاجات وإجراء الدراسات بسرعة أكبر بمجرد معرفة التسلسل الجيني لمسببات الأمراض. وتبشر هذه التقنية بتطوير أدوية أكثر فعالية في وقت أقل وبتكاليف أقل. بعبارة أخرى، يُحوّل حمض الرنا المرسال الخلايا بشكل أساسي إلى مصانع أدوية أو لقاحات صغيرة فعّالة.
بفضل نجاح لقاحات كوفيد، أصبحت الحكومات حاليًا على دراية جيدة ببرنامج حمض الرنا المرسال التي من شأنها أن تُسهل الحصول على الموافقة التنظيمية للاستخدامات الجديدة. ويرى صانعو الأدوية أن حمض الرنا المرسال سيوفر فرصة هائلة، وقد ساروا قدما في الاستثمار في البحث والتطوير.
أنفقت شركة “سانوفي” 3.2 مليار دولار للاستحواذ على شركة “ترانسليت بيو” في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي. وتقوم شركة “فايزر” ببناء قسم خاص بتطوير حمض الرنا المرسال وقد أقامت مؤخرًا شراكات لتطوير هذه التكنولوجيا مع كل من “بيم ثيرابيتيكس” و”أكيتاس ثيرابيتيكس.
تُجري شركتا “موديرنا” و”بيونتك” معا أكثر من 20 تجربة سريرية. ولدى “كيورفاك“، وهي شركة أخرى تركز على تطوير تقنية حمض الرنا المرسال، سبعة برامج قيد التنفيذ. ووفقا لشركة “إرنست ويونغ”، تعمل أكثر من 12 شركة على تطوير 40 لقاحًا وعلاجًا تستند إلى تقنية حمض الرنا المرسال، ومن المتوقع وصول قيمة هذه السوق إلى حوالي 5 مليارات دولار بحلول عام 2025.
يقول ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة “فايزر” إن “هذه التقنية الطبية فعالة للغاية. ولم نكتشف سوى جزء صغير من إمكانيات هذه التقنية”.
ولكن يبقى السؤال الأهم المطروح هو مدى فاعلية تقنية حمض الرنا المرسال ضد الأمراض الأخرى. تستخدم لقاحات كوفيد جرعات صغيرة من حمض الرنا المرسال التي تغادر الخلايا البشرية بعد أيام قليلة فقط، ولكن هذا كاف لكي تُؤتي اللقاحات مفعولها بشكل صحيح. في المقابل، تحتاج العلاجات الأخرى قيد التطوير إلى بقاء البروتينات لفترة أطول حتى تكون فعالة، وهو أمر أكثر صعوبة من الناحية العلمية.
مع ذلك، يقول الباحثون إن هناك بوادر واعدة. من غير المرجح أن يتوصل الباحثون لتطوير لقاحات فعالة ضد الإنفلونزا، وهي مرض تنفسي مثل كوفيد-19.
وقد يستغرق تطوير لقاحات الإنفلونزا الحالية حوالي ستة أشهر، مما يعني أنه يجب على السلطات الصحية القيام بتخمينات مدروسة حول السلالات التي يمكن أن تنتشر في موسم الإنفلونزا القادم.
لكن الخبراء غالبا ما يكونون مخطئين، حيث تظهر سلالات أخرى ولا يكون هناك وقت كاف للتكيف معها. وهذا ما يُفسر جزئيا سبب كون لقاحات الإنفلونزا أقل فعالية في الحد من خطر الإصابة بالإنفلونزا، حيث تكون نسبة الحماية ما بين 40 و60 بالمئة. وبعد مرور عدة سنوات، يمكن أن تنخفض فعالية اللقاحات أكثر.
تعد تقنية حمض الرنا المرسال بتعجيل عملية تطوير لقاحات جديدة. ويشبه العمل تطوير البرامج: بمجرد تسلسل الشيفرة الجينية لسلالة الإنفلونزا المنتشرة، يمكن للباحثين استخدام هذه الشيفرة لبرمجة حمض الرنا المرسال لتعبئة الدفاعات المناعية للجسم ضد الفيروس. ويمكن تطوير اللقاحات في غضون أسابيع. وتشير بعض الأبحاث إلى أن لقاحات إنفلونزا بتقنية الرنا المرسال يمكن أن تستهدف سلالات إنفلونزا متعددة في آن واحد.
تُجرى بالفعل تجارب حول لقاحات الإنفلونزا التي طورتها شركة “فايزر” وشريكتها “بيونتك” بالإضافة إلى “موديرنا” و”سانوفي”. وتعمل بعض الشركات المصنعة على تطوير لقاحات فعالة ضد الإنفلونزا وكوفيد-19 على حد سواء، بالنظر إلى توقع استمرار انتشارها في المستقبل.
من شأن التطوير والاختبار السريع أن يمكن من تطوير لقاحات فعّالة ضد فيروس نقص المناعة البشرية، الذي استعصى على العلماء علاجه لعقود. هناك اختلافات كبيرة بين فيروس كوفيد وفيروس نقص المناعة البشرية، الذي يصيب أكثر من 38 مليون شخص على مستوى العالم. فبروتين سبايك الشائع حاليًا الذي تستهدفه لقاحات كوفيد مستقر نسبيًا، في حين أن البروتينات المستهدفة لفيروس نقص المناعة البشرية أصعب بكثير، وتتطور باستمرار للتهرب من الحماية التي يوفرها اللقاح.
إن دورة التكاثر السريع لفيروس نقص المناعة البشرية – حوالي 24 ساعة – عرضة أيضًا للأخطاء، مما ينتج عنه نسخ محورة يمكن أن تتطور إلى سلالات جديدة. ويقول لاري كوري، عالم الفيروسات في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، إن “فيروس نقص المناعة البشرية يمثل أكبر تحدي”.
في ظل هذه المجموعة من الأمراض التي تتطور باستمرار، فإن صنع واختبار اللقاحات بالتقنيات التقليدية يعتبر أمرًا معقدًا للغاية وتستغرق معرفة أيها فعال بشكل أفضل وقتًا طويلا. تعمل تقنية حمض الرنا المرسال على تبسيط الأمور بشكل جذري من خلال تسريع عملية التطوير والتجربة لمكافحة السلالات الجديدة.
تقول ليندا ستيوارت، نائب مدير اللقاحات وعلم المناعة البشرية في مؤسسة بيل وميليندا غيتس، “يمكنك أن تضع نوعا معينًا من اللقاحات وتقول حسنًا هل هي فعالة؟ وإذا لم ينجح ذلك اللقاح، يمكنك تجربة لقاح آخر. وإذا نجحت، يمكنك البناء على ذلك. إنها تسمح لك بالتكرار بسرعة أكبر بكثير من خلال الأفكار والمفاهيم.
تعمل شركة “موديرنا” على تطوير لقاحين لفيروس نقص المناعة البشرية، وقد بدأت في شهر كانون الثاني/ يناير في تجربة أحد اللقاحين على البشر كجزء من تجربة المرحلة المبكرة. وستقوم الدراسة بتقييم ما إذا كان اللقاح قادرا على تحفيز بعض الخلايا البائية وتساعدها على تكوين أجسام مضادة معينة يُعتقد أنها تلعب أدوارا رئيسية في تحييد مجموعة من سلالات فيروس نقص المناعة البشرية.
تشمل الآفاق طويلة المدى للقاح إمكانية مساعدة مرضى فيروس نقص المناعة البشرية عندما يتطور الفيروس في أجسامهم، وهو ما يحدث بشكل خاص عندما يتناول المرضى أدويتهم اليومية بشكل غير متسق. وفي مؤتمر المستثمرين الأخير، أوضح الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا، ستيفان بانسل، “السؤال المطورح هو ‘هل يمكن صنع لقاح يتوجب فيه على الناس تلقي جرعة كل بضعة أشهر أو كل ثلاثة أشهر أو أي شيء آخر؟’ الفكرة هي أنه خلال حياتنا، نتلقى 3، 5، 10 نسخ من اللقاح”. وعلى حد تعريف بانسل، فإن المفهوم يبدو “ضربًا من الخيال العلمي”.
لم تُحقق بعض الأبحاث حول تقنية حمض الرنا المرسال نتائج جيدة في التجارب السريرية، مما يؤكد المخاطر الكامنة في تطوير الأدوية، خاصةً مع هذه التقنية الجديدة.
يُنقل حمض الرنا المرسال في لقاحات كوفيد-19 في جزيئات دهنية تعرف باسم الليبيدات، التي تحافظ على سلامتها حين تدخل الجسم. ووفقًا للعلماء، يمتص الكبد والطحال الدهون جيدًا ولكنها تبقى مخزّنة هناك. يقول جون كوك، المدير الطبي لمركز علاجات الحمض النووي الريبي في معهد هيوستن ميثوديست للأبحاث، “إذا كنت ترغب في البدء في استخدام الحمض النووي الريبي المرسال لعلاج أمراض أخرى، أو استهداف أعضاء أخرى، فإنك تواجه مشكلة تتمثل في كيفية إيصاله إلى تلك الأعضاء”.
لنأخذ على سبيل المثال التليف الكيسي، وهو مرض وراثي ناتج عن طفرة في جين معين يسبب التهابات الرئة ويحُد من قدرة الشخص المصاب به على التنفس. يوجد في الولايات المتحدة أكثر من 30 ألف شخص مصاب بالتليف الكيسي، ويتم تشخيص إصابة حوالي 1000 شخص آخرين بهذا المرض سنويًا.
طورت شركة “ترنسليت بيو”، شركة الرنا المرسال التي استحوذت عليها شركة “سنوفي” مؤخرًا، علاجًا تجريبيًا لحمض الرنا المرسال لعلاج التليف الكيسي الذي كان له نتائج واعدة في دراسات السلامة والتحمل المبكرة بجرعة منخفضة. ولكن عندما اختبر الباحثون الدواء بجرعات أعلى ومتكررة في تجربة أكبر على عدد أكبر من المرضى، وقدموا علاج حمض الرنا المرسال على امتداد فترة أطول، لم يسجلوا أي تحسن ملحوظ في وظائف الرئة.
قال ستيفن رو، الباحث الرئيسي في التجربة ومدير مركز غريغوري فليمينج جيمس للتليف الكيسي بجامعة ألاباما، إنه “من المحتمل أن العلامات المبكرة للتحسن لم تصمد بمرور الوقت. يجب أن تكون حذرًا حقًا عندما تظهر النتائج المبكرة”. ويرى ستيفن أن الرنا المرسال سيقدم علاجات واعدة للتليف الكيسي، لكن توصيل الأدوية إلى هدفها يمثل تحديا كبيرا.
في هذه الحالة، قد يواجه العلماء صعوبة في ضمان وصول علاج الرنا المرسال إلى خلايا الرئة المستهدفة. فقد تمنع الرئتان، المصممتان لتصفية الأوساخ والجسيمات والمواد الغريبة، الرنا المرسال من الوصول إلى وجهته. ويقول الدكتور رو “نحن نحاول تطوير علاج يستند إلى الحمض النووي الريبي المرسال من شأنه أن يستهدف الخلايا الصحيحة. وهذا أصعب مما يمكن للقاح كوفيد القيام به.
قالت متحدثة إن شركة “سانوفي” ستواصل العمل على الدراسة، لكن شركة الأدوية لم تطور الدواء أكثر، ولا أي من برامج الرنا المرسال الرئوي الأخرى التابعة لشركة “ترنسليت”. ومع ذلك، تواصل الشركات والمختبرات الأخرى عملها على تطوير علاجات ولقاحات لهذه الأمراض.
يعمل العلماء على تطوير لقاحات وعلاجات الرنا المرسال لعلاج السرطان، ويكمن التحدي في أن الخلايا السرطانية تنشأ من خلايا الجسم ويمكنها بسهولة خداع الجهاز المناعي لجعله يعتقد أنها طبيعية. يتلقى مرضى السرطان اليوم أنواعا مختلفة من العلاجات، لكنها تتضمن علاجات مصنعة خارج الجسم. ويعتقد الباحثون أنه يمكن مساعدة جهاز المناعة على مكافحة السرطان إذا تم تزويده بالأدوات المناسبة.
تأسست شركة “بيونتك”، التي اشتهرت بفضل لقاح كوفيد-19 طورته مع شركة “فايزر”، في سنة 2008 لمتابعة تطوير علاجات الرنا المرسال لمكافحة السرطان. وتقول الشركة الألمانية إنه حتى بجرعة منخفضة، يمكن تطوير علاج فعّال بما يكفي من الرنا المرسال لتحفيز الخلايا المناعية على صنع بروتينات معينة وتدريب باقي جهاز المناعة على التعرف على الخلايا السرطانية التي يكون لها نفس هذه البروتينات واستهدافها.
تقول أوزليم توريشي، كبير الباحثين في شركة “بيونتك” إن “العلاجات ينبغي أن تكون قوية وأكثر عدوانية لمكافحة السرطان لأن الجهاز المناعي يحتاج إلى سبب قوي ومقنع لمهاجمة خلية يبدو أنها تشبه الخلية الطبيعية التي يجب أن لا يهاجمها”.
تعمل الشركة على ما لا يقل عن 10 لقاحات للسرطان في مرحلة التجارب السريرية البشرية باستخدام الرنا المرسال لأورام الجلد والبنكرياس والمبيض وغيرها من الأورام. واثنان من أكثر برامجها تقدمًا في الدراسات السريرية في المرحلة المتوسطة، أحدهما حول الورم الميلاني والآخر حول سرطان الرأس والعنق، ويستخدم البرنامجان تقنية الرنا المرسال لصنع بروتينات معينة تظهر مع هذه السرطانات من شأنها تحفيز استجابة قوية من جهاز المناعة. وقد أظهر بحث أجرته شركة “بيونتك” نُشر في سنة 2020 في مجلة “نايتشر” أن العلاج تسبب في تقلص آفات مرضى سرطان الجلد.
بعض علاجات السرطان الأخرى التي تقدمها “بيونتك” مصممة خصيصا للمرضى. تتم إزالة الورم جراحيا ثم يتم نقله إلى مختبرات الشركة، حيث يقوم الباحثون بتحديد تسلسل الحمض النووي والبحث عن البروتينات باستخدام تقنية التعلم الآلي لتحديد أي علاج يحتاجه هذا المريض. ومن أجل الحد من سرعة انتشار السرطان في الجسم، تصمم “بيونتك” وتطور هذه العلاجات التجريبية السريرية في غضون أربعة إلى ستة أسابيع فقط – وهي فترة زمنية منقذة للحياة بالنسبة للحالات الحرجة.
من المؤكد تقريبًا أن يستغرق تطوير الجيل الجديد من علاجات الرنا المرسال واللقاحات وقتًا أطول من تطوير اللقاحات الخاصة بكوفيد، التي كان من الضروري تطويرها بسرعة بسبب تفشي الوباء، ناهيك عن التمويل الفدرالي الذي يقدر بالمليارات والتعاون الاستثنائي الذي قدمه المنظمون. والعامل الأهم حقيقة أن التحقق من صحة وفعالية هذه التقنية الجديدة.
يقول المؤرخ ديفيد أوشينسكي، الذي يدير قسم العلوم الإنسانية الطبية في جامعة نيويورك لانغون هيلث، إن القبول المفاجئ لتقنية حمض الرنا المرسال ذكّره بمسار البنسلين. فقد تم اكتشاف ذلك المضاد الحيوي في عشرينات القرن الماضي ولكنه لم يلقى ترحيبا على نطاق واسع ولم يتم إنتاجه حتى سنوات أزمة الحرب العالمية الثانية.
وهو يوضح أن “الطريقة القديمة في صنع اللقاحات كانت تنطوي على الانتظار لمدة 10 سنوات – ولا أعتقد أن أي شركة ستعود إلى اتباع هذا المسار مرة أخرى لأن اللقاحات لم تكن مصدر ربح كبير من قبل. ولكن الآن، باستخدام تقنية الرنا المرسال، ولأنه يمكنك إنتاج اللقاحات بسرعة وفعالية كبيرة، سيتم جني الأموال. وهذا الأمر غير الجدول الزمني والمعايير الزمنية للقاحات في المستقبل”.
المصدر: وول ستريت جورنال