ترجمة وتحرير: نون بوست
تفرض واشنطن والغرب عقابًا جماعيًا وحشيًا على المدنيين الأفغان المنكوبين عن طريق تجميد الأصول والمساعدات.
لم تنته الحرب في أفغانستان بمجرد مغادرة القوات الأمريكية والبريطانية مطار كابول السنة الماضية، بل اتخذت شكلًا مختلفًا ولكنه يظل مميتًا. وفي رده على الإذلال العسكري الذي سلطته طالبان على القوات الأمريكية، اعتمد الرئيس جو بايدن سياسة الأرض المحروقة المصممة لإلحاق أكبر قدر من الضرر الاقتصادي ببلد يعد بالفعل من أفقر دول العالم.
تضمّنت الأشكال الأخرى لهذه الحرب أساليب ضغط مثل تجميد أصول الدولة الأفغانية في نيويورك، وهو ما يعني أن البنوك والشركات الأجنبية التي تمارس أنشطة تجارية في أفغانستان تعرض نفسها للعقوبات. كما شملت وقف المدفوعات المتأتية من الصندوق الاستئماني لتعمير أفغانستان، وهو ما يعني غياب المساعدة المالية الطارئة من صندوق النقد الدولي المخصصة لمجابهة جائحة كوفيد-19.
في ذلك الوقت، كان من الواضح أن تعليق المساعدات المالية الخارجية – التي شكلت ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان في سنة 2020 – سيكون له تأثير كارثي على البلاد، وهو ما حدث فعلًا.
مع أن التجارة غير المشروعة القائمة على الأفيون لا تزال صامدة، إلا أن الاقتصاد الأفغاني قد انهار إلى حد كبير. قامت الشركات بتسريح 60 بالمئة من عمالها، وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة 40 بالمئة، فيما يحتاج أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية في منطقة تبلغ فيها نسبة الفقر 90 بالمئة. ويقدر صندوق الطوارئ الدولي للأطفال التابع للأمم المتحدة أن أكثر من مليون طفل أفغاني معرضون لخطر الموت بسبب سوء التغذية أو الأمراض الناجمة عن الجوع.
لكن هذه الإحصائيات لا تعكس الصورة الكاملة لسكان أفغانستان الذين هم في أمس الحاجة إلى الطعام لدرجة إجبار بناتهم القصر على الزواج من أجل المهر أو التبرع بأعضائهم مقابل المال. من الجلي أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يفرضون عقابًا جماعيًا على دولة بأكملها بدلًا من الاستهداف الانتقائي لطالبان، عملا بالاعتقاد السائد الذي يفيد بأن مثل هذه الأفعال تدعم بطريقة ما القيم الغربية. لكن تجويع الأطفال وإغلاق المدارس بسبب عدم دفع رواتب المعلمين لا يرسخ القيم الغربية. وفي الوقت الراهن، بدأت واشنطن تخسر السلام بعد أن خسرت الحرب.
من الصعب تحديد ما إذا كانت الأموال التي تُنقل جوًا تصل بالفعل إلى من يحتاجون إليها في ظل الفوضى التي تعيشها أفغانستان
يصل بعض التمويل الإنساني إلى أفغانستان من خلال وكالات الأمم المتحدة وبعض الجمعيات الخيرية التنموية الرائدة، لكنه لا يمثل سوى جزء بسيط من المساعدات التي كانت تتدفق لإبقاء المدارس مفتوحةً ودفع رواتب موظفي القطاع العام قبل سيطرة طالبان.
من الصعب تحديد ما إذا كانت الأموال التي تُنقل جوًا تصل بالفعل إلى من يحتاجون إليها في ظل الفوضى التي تعيشها أفغانستان. ولكن تشير التقديرات إلى أن البلاد تتلقى ما يقارب 10 بالمئة من أصل 8.5 مليار دولار (6.2 مليار جنيه إسترليني) من المساعدات السنوية قبل استيلاء طالبان على السلطة. وعلى حد تعبير أحد المراقبين، تمثل نهج الغرب في نسف الاقتصاد ومن ثم توفير قاربي نجاة لالتقاط الناجين.
لم يكن لدى حكام أفغانستان الجدد خطة اقتصادية عندما استولوا على السلطة في آب/ أغسطس، ولن يتغير ذلك خلال الأشهر الستة القادمة. وهم لا يحتاجون لها لأن لديهم عذرًا جاهزًا وهو أن الأمريكيين هم من دفعوا بالاقتصاد الأفغاني إلى الهاوية. وليس هناك أدنى دليل على أن إفقار الشعب الأفغاني يُعجل من تغيير النظام. وبالتالي، ما تفعله واشنطن حاليا هو ضمان البطالة الجماعية ونشر الفقر على نطاق واسع، لتوفر بذلك الظروف المثالية لاحتضان الإرهاب وتوليد موجة هجرة جماعية للاجئين.
يواجه بايدن مشكلة واضحة: فالتراجع بعد خسارة العديد من الأرواح الأمريكية في حرب استمرت عقدين وانتهت بالفشل، سيضر بصورته. مع ذلك، من الصعب التغاضي عن الاستنتاج القائل إن فوز دونالد ترامب بالانتخابات في سنة 2020 واتباعه نفس السياسة كان ليثير الكثير من الجدل.
أُدينت الصين فعلًا بإساءة معاملة الأويغور في شينجيانغ، لكن لا يوجد حشد مماثل للرأي الدولي ضد السياسات التي ثبت أنها كارثية بالنسبة لملايين الأفغان الأبرياء والضعفاء
بالفعل، تم التخفيف في بعض العقوبات للسماح للبنوك بممارسة الأعمال التجارية لأغراض معينة خاضعة لرقابة صارمة دون التعرض لعقوبات. وفي كانون الأول/ ديسمبر، قام البنك الدولي – الذي يشعر بقلق عميق إزاء تدهور الوضع في أفغانستان – بتحويل 280 مليون دولار من الصندوق الاستئماني لتعمير أفغانستان إلى اليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي. ومع ذلك، لم يكن هناك أي تهاون فعلي. وبينما يدعي البنك الدولي أن اتخاذ قرار مساعدة أفغانستان منوط بعهدة مساهميه، يقول صندوق النقد الدولي إنه يسترشد بالمجتمع الدولي. والواقع أن كلاهما يتلقى أوامر من وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية، وقد أصبحا بشكل فعال أدوات للسياسة الخارجية الأمريكية.
لا يختلف اثنان على أن طالبان تتبنى آراءً متطرفة، ولكن من السذاجة أيضًا أن نتخيل – في ظل حالة الارتباك الشديد – إمكانية عودة تدفق المساعدات دون تبديد أو سرقة جزء كبير منها. ينطبق الأمر نفسه على العديد من البلدان، إلا أن أفغانستان هي الوحيدة المستهدفة بهذا الشكل الوحشي من الانتقام.
في نهاية المطاف، سوف يلغي الأمريكيون تجميد احتياطيات أفغانستان من النقد الأجنبي، وستُوضع أرضية للاقتصاد من خلال تخفيف العقوبات حتى يتسنى تقديم المساعدات غير الإنسانية، وسيعود البنك المركزي إلى العمل، وسيُسمح للمفاوضات بالانطلاق مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة الإنقاذ المشروطة. ومن جهته، سيعيد البنك الدولي تفعيل برامجه التنموية في محاولة لمنع إهدار مكاسب التنمية البشرية التي سبق أن حققتها أفغانستان خلال العقدين الماضيين.
لابد من ممارسة ضغط شعبي قوي على الولايات المتحدة للتأكد من حدوث ما ذُكر آنفا عاجلا وليس آجلا. لقد أُدينت الصين فعلًا بإساءة معاملة الأويغور في شينجيانغ، لكن لا يوجد حشد مماثل للرأي الدولي ضد السياسات الأمريكية التي ثبت أنها كارثية بالنسبة لملايين الأفغان الأبرياء والضعفاء. يجب تغيير هذا الوضع لأن ما تفعله الولايات المتحدة يرقى إلى مستوى جريمة إنسانية، وأولئك الذين يلتزمون الصمت رغم معرفتهم بما يحدث هم شركاء في هذه الجريمة.
المصدر: الغارديان