ترجمة حفصة جودة
في الأسبوع الماضي، انضمت منظمة العفو الدولية “أمنستي” – مقرها لندن – إلى منظمة هيومن رايتس ووتش – مقرها نيويورك – ومنظمة بتسليم – مقرها القدس – في وصف نظام الهيمنة الوحشي التعسفي الإسرائيلي على الفلسطينيين بـ”الفصل العنصري” الذي يرقى لجرائم ضد الإنسانية.
كان متوقعًا أن تدين “إسرائيل” وأنصارها التقرير الذي وصفوه بالتشهيري والمعادي للسامية، وأن يرفضوا نتائجه المفصلة والموثقة جيدًا واعتبارها تحريفًا متحيزًا، ومثل تقريري بتسليم وهيومن رايتس ووتش، يبدو أن لا أحد من المنتقدين تكلف عناء قراءة تقرير أمنستي المكون من 280 صفحةً، ناهيك بالمجادلة ضد قضيتهم المُحكمة.
هذا التوثيق الثلاثي الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني سيثبت تطورًا بالغ الأهمية لحقوق الإنسان الفلسطينية من ناحية التوقيت والأسبقية والمجال والشرعية والعالمية والجرأة والتشعب.
في الحقيقة، لم يكن الوقت أكثر أهميةً من الآن، فهذه المنظمات الحقوقية كشفت عنصرية الدولة الإسرائيلية في الوقت الذي احتضنتها فيه المزيد من الأنظمة العربية، وحاولت الحكومات الغربية استرضاءها، وخضعت لها قيادة السلطة الفلسطينية دون أدنى خجل، كما خدعت رفاقها الفلسطينيين وقايضت حقهم في تصاريح السفر الإسرائيلية من أجل أصدقائها.
بالطبع هذه ليست المرة الأولى التي يُذكر فيها الفصل العنصري دوليًا، فالعديد من قادة “إسرائيل” وبريطانيا وأمريكا وقادة أجانب آخرين، حذروا “إسرائيل” من تقويض حل الدولتين بفرض أنظمة قانونية مزدوجة تشكل فصلًا عنصريًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
لأول مرة أصبحت القضية ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي المفروض على جميع الفلسطينيين من النهر إلى البحر
لكن أمنستي وهيومن رايتس ووتش وبتسليم وسعوا نطاقهم ليتجاوز الضفة الغربية وقطاع غزة، ولأول مرة أصبحت القضية ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي المفروض على جميع الفلسطينيين من النهر إلى البحر (نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط).
وبدلًا من النظر إلى الفلسطينيين كمجتمعات منفصلة تواجه ظروفًا مختلفةً كما يفعل تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لممارسات حقوق الإنسان “Country Report on Human Rights Practices” بتعكير المياه الصافية، فإن المنظمات الثلاثة وثقوا كامل السياسات الإسرائيلية وتداعيتها على جميع الفلسطينيين.
بمعنى آخر، تجاوزت القضية احتلال 1967 إلى طرد “إسرائيل” للفلسطينيين عام 1948، وهكذا لا بد من حل.
ظهرت منظمة بتسليم الإسرائيلية كحامل الشعلة الذي ألهم نظراءه الأمريكيين والبريطانيين لاتباعه، فعنوان تقريرها يثبت تغير اللعبة بطريقة يرى فيها العالم الصهيونية الإسرائيلية: “نظام السيادة اليهودية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط: إنه فصل عنصري”.
لا عجب من غضب الحكومة الإسرائيلية، فالإسرائيليون لا ينزعجون بشكل عام من تهمة الاستعمار الاستيطاني، بل ويبتهجون من مقارنتهم بأمريكا وأستراليا، لكنهم يكرهون تهمة الفصل العنصري.
بروح الحقد المعتادة لحكومة بينيت، أعلن وزير الخارجية يائير لابيد أن أمنستي ليست منظمة حقوق إنسان، لكنها كيان راديكالي يعتمد على الجماعات الإرهابية في معلوماته، وقال: “إذا لم تكن “إسرائيل” دولةً يهوديةً، لم يكن أحدهم في أمنستي ليجرؤ على مواجهتها”، لكن للأسف العكس هو الصحيح.
إنها مخاطرة رهيبة وبالتالي شجاعة رهيبة من بتسليم وأمنستي وهيومن رايتس ووتش، التحدث بجرأة وواقعية ضد السيادة اليهودية المؤسسية الإسرائيلية في وقت لم تُظهر فيه “إسرائيل” أي انضباط في استخدامها الكثير والساخر لتهمة معاداة السامية لإدانة وترهيب وحتى تدمير نقادها الغربيين.
كلمة “الفصل العنصري” مصطلح دولي قانوني يعود إلى عام 1965 والموجود في الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري الذي وقعت عليه أمريكا و”إسرائيل” مع 170 دولة أخرى
غني عن القول إن التقارير لم تعتمد على جماعات إرهابية، بل منظمات حقوق إنسان فلسطينية معترف بها دوليًا وموثوقة، لكن هذه الحكومة الإسرائيلية الساخرة تصفها بالإرهابية لإرعاب مجتمع حقوق الإنسان الدولي، في الواقع، تلك الجماعات كانت الأولى في كشف الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين التاريخية.
ردًا على الإدانات الرسمية الإسرائيلية والأمريكية للتقارير، ادعى البعض أن استخدام وصف جدلي مثل “الفصل العنصري” ربما يضر بالقضية الفلسطينية بدلًا من مساعدتها، لكن أمنستي لم تستخدم وصفًا سياسيًا مثل “الشيطان الأكبر” الذي تستخدمه طهران وصفًا لأمريكا، أو “محور الشر” الذي تستخدمه واشنطن لوصف إيران.
كما أنها تجنبت أيضًا الوقوع في فخ المقارنات، إذ امتنعت عن الاحتجاج في قضيتها بمقارنة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بذلك الموجود في جنوب إفريقيا.
بدلًا من ذلك، استخدمت بجدية كلمة “الفصل العنصري” كمصطلح دولي قانوني يعود إلى عام 1965 والموجود في الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري الذي وقعت عليه أمريكا و”إسرائيل” مع 170 دولة أخرى.
بالنسبة لأمنستي، فالفصل العنصري ليس مصطلحًا سياسيًا، لكنه نتيجة قانونية لتحليلها المفصل للأدلة ضد نظام القمع والهيمنة المؤسسي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، الذي حرمهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية لعقود.
وكما قال بول أوبراين – مدير أمنستي في الولايات المتحدة – فإن المنظمة تتفق مع إدارة بايدن في ضرورة استمتاع الفلسطينيين والإسرائيليين بمقدار متساو من الحرية والأمن والرخاء والديمقراطية، وأكّد أنه للوصول إلى ذلك، لا بد من تفكيك النظام القمعي القائم، فكيف نصل إلى ذلك دون تسميته باسمه الحقيقي: فصل عنصري.
لكن للأسف، فأمريكا والحكومات الغربية تفتقر إلى الحكمة السياسية والشجاعة الأخلاقية لوصف الأشياء بمسمياتها، ناهيك بالعمل ضد الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين التاريخية مثلما عملوا ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
قد تكون “إسرائيل” قوةً عسكريةً واقتصاديةً ضخمةً، لكنها تفقد شرعيتها الدولية وتقوم بذلك بسرعة كبيرة
لقد استغرق الأمر 4 عقود من الكونغرس الأمريكي لسن قانون شامل مناهض للعنصرية عام 1986، وحتى بعد ذلك ماطل الرئيس رونالد ريغان في تطبيقه بعد أن تم تجاوز حق النقض، ومع ذلك، بعد تصميمه بالكامل كان الضغط الأمريكي والغربي حاسمًا في تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في أوائل التسعينيات.
للأسف ما زالت لحظة جنوب إفريقيا الإسرائيلية بعيد المنال، فهي ترسخ فصلها العنصري بدلًا من تفكيكه، لكن بإعادة صياغة قول قائد إسرائيلي سيئ السمعة، فإن التشاؤم ترف لا يستطيع الفلسطينيون تحمله.
من الناحية الأكثر إشراقًا، فالغرور الإسرائيلي يمحو التعاطف الغربي ويبعد الحلفاء التقليديين، بما في ذلك العديد من أعضاء المجتمع اليهودي الأمريكي المؤثرين، لأن استمرار استعمارها واستيلائها على أراضي الفلسطينيين يجعل حل الدولتين الذي تفضله الدول الغربية أمرًا عفا عليه الزمن.
ومع عيش عدد مساو تقريبًا من الفلسطينيين والإسرائيليين جنبًا إلى جنب، سيضطر المجتمع الإسرائيلي في النهاية لمعالجة مسألة إنهاء الاستعمار والمساواة في واقع تلك الدولة الواحدة المشوهة، وحينها سيتعين على الغرب اتخاذ موقف لإنهاء الإفلات الإسرائيلي من العقاب.
في “انتفاضة الوحدة” الربيع الماضي، كانت انتفاضة الشباب الفلسطيني من جانبي الخط الأخضر الذين تغلبوا على التشرذم السياسي والجغرافي لكشف مغالطة الدولة اليهودية الديمقراطية والمطالبة بإنهاء السيادة اليهودية الإسرائيلية، مجرد عرض للأشياء القادمة.
ومع احتدام المعركة ضد الرأي العام الغربي، فإن منظمات حقوق الإنسان الدولية قد تساعد في تحول التوازن لصالح العدالة في فلسطين، قد تكون “إسرائيل” قوةً عسكريةً واقتصاديةً ضخمةً، لكنها تفقد شرعيتها الدولية وتقوم بذلك بسرعة كبيرة.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية