ما أن أعلنت شبكة “سي إن إن” أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ترى ضرورة التوصُّل إلى اتفاق نووي مع إيران نهاية الشهر الجاري، حتى خرج رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، ليقول إن إيران ستستمرُّ في تطوير برنامجها الصاروخي.
كما قال إن هذا البرنامج ليس مرتبطًا بتطور المحادثات في فيينا، ليخلق هذا التوجُّه الإيراني فجوة كبيرة بين طهران والقوى الكبرى، وليعقّد جهود القوى الدولية التي تطمح للوصول إلى نقطة نهاية مع إيران، بعد 8 جولات من التفاوض لم تتضح ملامحها بعد.
جاء تصريح باقري وفقًا لأنباء أفادت بها وكالة “مشرق نيوز” التابعة للحرس الثوري الإيراني، بأنَّ القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري تمكّنت من إنتاج صاروخ جديد يحمل اسم “خيبر شكن”، وهو “أحدث الإنجازات الاستراتيجية للقوات الجوفضائية”، وأشارت إلى أنّ كبار القادة العسكريين حضروا حفل إزاحة الستار عن الصاروخ، في مقدمتهم قائد القوات الجوفضائية للحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زادة.
الجولة الأخيرة قبل القنبلة النووية
أشارت العديد من التقارير الأمريكية الصادرة إلى أن إدارة بايدن توصّلت إلى قناعة أنه إذا لم يتمَّ إحياء الاتفاق النووي حتى نهاية فبراير/ شباط الجاري، فيجب عليها تغيير نهجها، واتخاذ منحى هجومي لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وأضافت أن الجولة الثامنة من المحادثات في فيينا كانت الأكثر تأزُّمًا وهي المرحلة النهائية، خصوصًا أن لا شيء مع إيران يمرُّ عبر خطٍّ مستقيم على الإطلاق، وعليها اتخاذ قرارات سياسية للتوصُّل إلى اتفاق.
وفي هذا السياق رأى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، أنه “من الطبيعي أن تتوقع بلاده الآن اتخاذ القرارات الضرورية من الجانب الآخر، خصوصًا في واشنطن”، وأضاف أن “ثمة مسائل مهمة مطروحة على جدول الأعمال لا يمكن حلّها من دون قرارات سياسية”.
إن الخشية الدولية من إمكانية وصول إيران لمرحلة إنتاج القنبلة النووية، تعزِّزها تصريحات رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي للتلفزيون الإيراني، الذي أكّد أنّ بلاده باتَ بإمكانها اليوم “إنتاج الوقود النووي بدرجات نقاء مختلفة”، مضيفًا أنّ إنتاج اليورانيوم المخصب للوقود بدرجات نقاء مختلفة “أصبح كشرب الماء لنا”، في إشارة إلى سهولة الأمر.
أقرب حلفاء إيران، الصين وروسيا، تبدُوان غير قادرتَين على تحمُّل عبء وصول إيران إلى مرحلة إنتاج القنبلة، كما أنهما قد يخسران ورقة مهمة من أوراق ابتزاز الولايات المتحدة في ملفات دولية عديدة
وعدّدَ إسلامي “إنجازات” منظمته في إنتاج الأدوية النووية لمعالجة المرضى، مؤكدًا أن إيران بصدد رفع إنتاج الكهرباء من المحطات النووية إلى 10 آلاف ميغاواط خلال 20 عامًا مقبلة، حيث كسرت طهران الحدّ المسموح به في الاتفاق النووي لتخصيب اليورانيوم، من خلال رفعه يوم 7 يوليو/ تموز 2019 من 3.67% إلى 4.5%، في إطار خفض التعهدات النووية ردًّا على تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق عام 2018.
إن التحدي الأبرز في ما يتعلق بمدى القدرة الإيرانية على الوصول إلى مرحلة إنتاج القنبلة النووية، هو أن إيران ورغم قدرتها على إنتاج هذه القنبلة بعد وصولها إلى مراحل متقدمة في هذا المجال، إلا أنها بالمقابل تدرك أيضًا التداعيات الاستراتيجية الكبيرة التي قد يثيرها الوصول إلى هذه المرحلة.
فحتى أقرب حلفائها الصين وروسيا يبدُوان غير قادرتَين على تحمُّل عبء وصول إيران إلى مرحلة إنتاج القنبلة، كما أنهما قد يخسران ورقة مهمة من أوراق ابتزاز الولايات المتحدة في ملفات دولية عديدة، أبرزها الملف السوري والملف الأوكراني، لأن إيران قد لا تعود بحاجة إلى غطاء دولي بعد أن تصبح قوة نووية، كما هو الحال مع النموذج الكوري الشمالي الذي أصبح خارج الطاعة الصينية في كثير من الأوقات.
عقدة كبيرة وإصرار إيراني
تتمثل العقدة الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي في أن الإصرار الإيراني على التفريق بين المسار الصاروخي والمسار النووي، سيجعلها في حالة صِدام مباشر مع “إسرائيل” وبعض الدول الخليجية التي أصبحت تواجه خطر هذه الصواريخ.
كما أن ملف الطائرات المسيَّرة هو الآخر يطرح نفسه بالحساسية ذاتها التي يثيرها الملفّان السابقان، وهنا يأتي التصريح الذي سبق أن أدلى به المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، “بأن المسيرات هي من جعلت إيران تجلس على طاولة المفاوضات، وليس الأحلام”، ليشير إلى مدى الاهتمام الإيراني بهذا الجانب، وهو ما ترفض إيران الحديث عنه بأي شكل من الأشكال، وهو أيضًا ما أشار إليه الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني مؤخرًا.
التلويح الإيراني المستمر بزيادة نسب تخصيب اليورانيوم، واستمرار تطوير برنامج الصواريخ البالستية، قد يمثل دبلوماسية ضغط إيرانية لإجبار إدارة بايدن على المضيّ بإجراءات أكثر جرأة فيما يتعلق برفع العقوبات
تدرك إيران أن الهدف الرئيسي الذي يقف خلف خشية إدارة بايدن اليوم، هو عدم السماح لها بتجاوز العتبة النووية تحت أي ظرف، خصوصًا إذا ما نجحت إيران بتزويد حلفائها، وتحديدًا حزب الله اللبناني، بمواد نووية يمكن استخدامها في صناعة الصواريخ البالستية، وهو ما ألمح إليه زعيم الحزب حسن نصر الله في خطابه الأخير قبل يومَين، عندها ستكون الولايات المتحدة مجبرة على حماية التوازن الإقليمي من أي انهيار.
وبالتالي إن التلويح الإيراني المستمر بزيادة نسب تخصيب اليورانيوم، واستمرار تطوير برنامج الصواريخ البالستية، قد يمثل دبلوماسية ضغط إيرانية لإجبار إدارة بايدن على المضيّ بإجراءات أكثر جرأة فيما يتعلق برفع العقوبات، وعدم اقتصار الأمر على العقوبات المدنية فحسب، كما فعلت واشنطن ذلك مؤخرًا.
بالمحصلة، يشير الواقع الإقليمي اليوم إلى أن إيران ماضية في سياسة التصعيد الصاروخي، إلى جانب زيادة الضغوط عبر هجمات الطائرات المسيّرة التي يشنّها الحوثيون والميليشيات العراقية على الإمارات والسعودية، وهو ما يجعل إدارة بايدن في موقف صعب للغاية.