تشهد محافظة السويداء جنوبي سوريا احتجاجات متصاعدة لليوم الخامس على التوالي، جرّاء القرارات التعسفية التي تتّخذها حكومة النظام بحقّ المواطنين السوريين القابعين في مناطق سيطرتها، في ظل تردّي الظروف المعيشية والاقتصادية التي تطغى على واقع البلاد.
وامتدّت الاحتجاجات إلى مدن وبلدات ريف محافظة السويداء، وسط ارتفاع سقف المطالب إلى أبعاد سياسية تطالب برحيل نظام الأسد، تزامنًا مع إعادة انتشار القوات الأمنية والعسكرية التابعة للنظام في المدينة.
استمرار الاحتجاجات
تظاهر يوم الأربعاء 9 فبراير/ شباط الجاري العشرات من الأهالي في ساحة السير (ساحة الكرامة)، ومقام عين الزمان (دار الموحدين الدروز) في مركز مدينة السويداء، حيث طلبَ المتظاهرون من الموظفين في الدوائر والمؤسسات الحكومية إغلاقها والانضمام إليهم للتعبير عن الغضب الشعبي في المحافظة.
بينما شهدت بلدة نمرة بريف المحافظة الشمالي الشرقي تجدُّد قطع الطرق من قبل المحتجّين الذين وقفوا على مدخل البلدة، بينما قطع المحتجّون الطرقات في بلدة مجادل الواقعة بالريف الغربي، وسط دعوات إلى توسيع رقعة الاحتجاجات، بحسب ما نقلت شبكة “السويداء 24”.
وطالب المحتجّون مشايخ المحافظة مساندة حراكهم المشروع من أجل الحصول على حقوقهم، وهو ما استجاب له الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، الأربعاء 9 فبراير/ شباط، قائلًا: “إن التظاهر السلمي حقّ مشروع للمواطنين الذين يطالبون بحقوقهم، ولهم حق المطالبة السلمية ضد القرارات التعسفية”.
كما أعلنَ وقوفه إلى جانب أي حراك سلمي يطالب بالحقوق المشروعة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة وعدم الاصطياد في الماء العكر بظلّ هذه الأزمات، مؤكدًا “أن المواطنين لهم الحق بالتعبير عن رأيهم وتحصيل حقوقهم المشروعة”.
? احتجاجات شعبية و دعوة إلى اعتصام مفتوح وسط مدينة السويداء#هيجاء_البطون_الجائعة pic.twitter.com/wSPddFliUy
— خــاڵـــد مـــﺣ͠ــمـــد شــمـيطي ?️ (@abualisar18) February 6, 2022
وتأتي الاحتجاجات تنديدًا بإيقاف الدعم الحكومي عن السلع الأساسية، لا سيما بعد القرارات الأخيرة التي أعلنت عنها حكومة نظام الأسد، والتي تنصُّ في مضمونها على التوجُّه نحو قطع الدعم الحكومي عن شريحة واسعة من السوريين، الأمر الذي دفع المدنيين إلى شراء المواد الأساسية مثل الخبز بأسعار وصلت إلى 10 أضعاف سعرها القديم.
وفي السياق ذاته، طبّقت وزارة الاتصالات في حكومة نظام الأسد، في 1 فبراير/ شباط، قرار إزالة الدعم الحكومي عن مجموعة من حاملي البطاقة الذكية دون إعلان رسمي مسبق، وفقًا لمعايير مجحفة، ما تسبّب في موجة استياء في ظلّ تدنّي الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، وطريقة الإذلال المتعمّدة التي تتبعها حكومة نظام الأسد.
ارتفاع سقف المطالب
ويتصاعد الغليان الشعبيّ في السويداء بصورة مطردة وسط تجاهل السلطات السورية إلا من حشد التعزيزات العسكرية، ويُعد هذا الحراك الشعبي الرابع الذي يقوم به أبناء المدنية منذ عام 2015، ومعظم الاحتجاجات تهدف إلى تحسين الواقع المعيشي، رغم وجود مطالبات مناهضة لنظام الأسد، دون التوصُّل إلى حلول فعلية تعيد للمواطنين حقوقهم.
قال الصحفي نورس عزيز خلال حديثه لـ”نون بوست”: “تسبّب قرار رفع الدعم عن الأسر الفقيرة في نزول الناس من الفئة المحايدة التي لم تتظاهر سابقًا إلى الشارع، للتعبير عن غضبهم في ظلّ القرارات الحكومية التعسفية الجائرة، التي تسعى حكومة نظام الأسد من خلالها تضييق الخناق على الأهالي”.
وأضاف: “أن مطالب المتظاهرين خلال الأيام الأولى من الاحتجاجات كانت محاسبة الفاسدين من المسؤولين العاملين في مؤسسات نظام الأسد، وتأمين معيشة جيدة للمواطنين، وإلغاء قرار وقف الدعم الذي أشعل فتيل الاحتجاجات في المحافظة، إلا أنه خلال اليومَين الماضيَين ارتفع سقف مطالب المتظاهرين إلى المطالبة بإسقاط النظام والتغيير السياسي في سوريا”.
وأبرز هذه المطالب تطبيق القرار الأممي 2254، الذي ينصّ على الانتقال السياسي في سوريا، بينما وصفوا حكومة النظام بـ”السلطة الفاشلة، لأنها السبب في تدهور أحوال السوريين”.
ووجّه المتظاهرون رسالة إلى السوريين في مختلف المحافظات السورية، أنهم يقفون الآن للمطالبة “لكل مواطن سوري بالشرف والكرامة ووقفة العز”، بينما ردّد المتظاهرون شعارات “بدنا نعيش.. لا للذل.. لا للقتل.. لا للظلم.. بدنا نعيش بكرامة وعز وشهامة.. يا سويداء ما بدها سكوت”، وأكّدوا متابعة الاحتجاجات حتى تحقيق المطالب التي خرجوا من أجلها.
دعوات للتظاهر
تزامنًا مع التظاهرات المناهضة لحكومة نظام الأسد، بدأت تنتشر صور على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر مؤسسات حكومية في محافظات مختلفة وورقة كُتب عليها عبارات تطالب بإسقاط نظام الأسد، وتغيير الحكومة مع دعوات للتظاهر.
حملة ملصقات تطالب برحيل “الأسد”#ارحل #الماغيرو pic.twitter.com/2fL9t7qi4l
— شبكة بلدي الإعلامية (@baladinetwork) February 8, 2022
وتهدف الحملة التي أُطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي إلى دعم الانتفاضة ضد حكومة نظام الأسد في محافظة السويداء، تعبيرًا عن مواقف السوريين القاطنين في محافظات سورية مختلفة، ويأمُل السوريون في انتفاضة مماثلة في عموم المحافظات السورية ضد ممارسات نظام الأسد التعسفية بحقهم، مع استمراره في تضييق الخناق عليهم.
وكان المتظاهرون في محافظة السويداء قد وجّهوا دعوات للتظاهر يوم غد الجمعة في عموم البلاد، وبحسب ما أكّد الصحفي نورس عزيز، فإنه من المتوقع وصول الاحتجاجات إلى منطقة جرمانا في ضواحي العاصمة دمشق، بحكم القرابة العائلية.
موقف النظام
عبّر نظام الأسد عن موقفه ممّا تشهده محافظة السويداء من احتجاجات بإعادة نشر قواته وعناصره في شوارع المدينة وتعزيز مراكزه الأمنية، مع استقدامه تعزيزات عسكرية يوم الأربعاء 9 فبراير/ شباط الجاري.
وقال الصحفي نورس عزيز في حديثه لـ”نون بوست”: “لم يعترض النظام المتظاهرين رغم مرور أيام مع استمرار الاحتجاجات السلمية، لأن السويداء لها اعتبارات مختلفة عن المحافظات السورية الأخرى، لكن عناصر النظام الأمنية تنتشر أمام المؤسسات الحكومية وأبرزها مبنى المحافظة”.
وأضاف: “استقدم النظام أمس الأربعاء العشرات من باصات المبيت المليئة بالعناصر من المخابرات الجوية وعناصر حفظ الأمن، مع سيارات نقل دفع رباعي مجهَّزة بالعتاد العسكري، حيث اتجهت إلى الثكنات العسكرية المنتشرة في المحافظة، دون تحديد نقطة التوجُّه الرئيسية”.
وفي وقت سابق، استقدم نظام الأسد تعزيزات عسكرية تزامنًا مع تعيين محافظ السويداء نمير حبيب، قريب رأس النظام، قبل 4 أشهر تقريبًا، تزامنًا مع عودة الفرقة 15 في جيش النظام من محافظة درعا إلى ثكناتها في السويداء، ما يعني أن النظام يسعى إلى إحكام قبضته الأمنية في المحافظة، بحسب ما أوضح الصحفي نورس عزيز لـ”نون بوست”.
من جانبها، نشرت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام تقريرًا يتحدث عن الاحتجاجات في المحافظة، ولكن تحت عنوان “أهالي السويداء غير راضين عن سلوك المحتجّين”، معتبرةً أن الاحتجاجات عرقلت عملية تسيير معاملات المواطنين في الحصول على مستحقاتهم من المواد المدعومة، مع إغفال مطالب المحتجّين المحقّة الذين حُرموا من حقوقهم عقب قرار استبعادهم من الدعم.
سياسة إذلال ممنهَجة
يتبع نظام الأسد سياسة تجويع وإذلال لا تخطئها العين في سوريا، فبعد تقييده شراء المواد التموينية مثل السكّر والأرز والخبز أو البنزين والمازوت والغاز وحصره بالبطاقة الذكية، أصدر قرارًا يقضي بقطع الدعم الحكومي عن شريحة كبيرة من السوريين الذي يكافحون الفقر منذ سنوات جرّاء الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تشهدها البلاد. ويعاني نحو 90% من السوريين من الفقر بحسب أرقام البنك الدولي، نسبة هائلة منهم بلغوا حد الفقر المدقع.
تبدو المعايير التي وضعتها حكومة نظام الأسد، لاستبعاد شريحة من العائلات السورية من شراء المواد المدعومة، مجحفة بحقّ الكثيرين كونها تمنعهم من الحصول على المواد المدعومة وغير المتوفرة بوفرة في الأسواق، ما يضطرهم إلى شرائها بأسعار خيالية تفوق مستوى الدخل المعيشي، ما يرجح استمرار الاحتجاجات وربما تمددها إلى مدن ومناطق أخرى.