تحلُّ اليوم الذكرى الحادية عشرة لثورة 11 فبراير/ شباط 2011 في اليمن، وسط جدل كبير بين الأوساط الشبابية والمكونات السياسية حول جدوى الاحتفال بها، بعد خيانة الحوثيين لثورة فبراير، الشريك الأبرز في الثورة اليمنية التي أطاحت بنظام الرئيس علي عبد الله صالح.
ففي الوقت الذي يحتفلُ الحوثيون بصنعاء بذكرى دخولهم جهارًا إليها ونصب الخيام في شوارع العاصمة، وسط استقبال كبير من شباب الثورة آنذاك، يحتفلُ الأخيرون من ملاجئهم وخارج البلاد، ويتعهّدون باستمرار ثورتهم، بينما يصفها أنصار المؤتمر الشعبي العام بـ”يوم النكبة”، ويرفض آخرون الحديث عنها، لاعتبارهم أن ذلك يفرّق الصف المناوئ للميليشيا الحوثية المدعومة من إيران، التي تستمدّ قوتها من ذلك الخلاف.
ما الأسباب المنطقية لثوار فبراير في استمرار احتفالهم فيما يعترض البعض الآخر على ذلك؟ وما حجّة المناوئين لهم والأسباب التي أدّت إلى ذلك؟ وما الحلول الجذرية للخروج من هذا الخلاف بين أبناء الشعب الواحد لاستعادة الدولة المنهوبة من قبل أذرع إيران؟ سنحاول الإجابة عن ذلك من خلال السطور التالية.
للدفاع عن الثورة
في كلمة لها بمناسبة ذكرى ثورة فبراير، قالت الحائزة على جائزة نوبل للسلام، القيادية في حزب الإصلاح والتي كانت تقود الثورة، توكل كرمان، في حديث متلفز، إن الاحتفال بذكرى ثورة 11 فبراير هو تأكيد للقيم التي مثّلت مرجعية الثورة، واعتبرت أن ذلك من سنّة الحياة في التغيير.
وردًّا على المطالبات الشعبية بمحاكمة قيادات ثورة شباب 11 فبراير، دافعت كرمان عن الشباب، لأنهم كانوا يكافحون من أجل الدولة الحديثة والقيم التي أُنجزت عبر تاريخ المجتمعات الطويل، وقالت إن من يستحق المحاكمة اليوم هم “المجرمون” الذين تآمروا وانقلبوا على الدولة والإجماع الوطني، وأولئك الذين يعملون في خدمة السعودية والإمارات وإيران وليس ثوار فبراير.
واعتبرت أن الحرب المستمرة على اليمن قامت لمواجهة “يقظة شعبنا” العظيم، التي جسّدتها ثورة 11 فبراير، وأفادت بأن المعادين لثورة 11 فبراير يريدون الشعب اليمني أن يندم على ثورات كرامته وحريته وانعتاقه.
الصحفي عامر الدميني، وهو من شباب ثورة 11 فبراير، اعتبر أن تحميل الثورة الشبابية الأخطاء التي أوصلت اليمن إلى هذا الوضع، هو انتكاسة مريعة أصابت البعض في قراءة ثورة فبراير. وأضاف الدميني محاولًا شدّ أزر “غالبية شباب فبراير” الذين يشعرون بخيبة أملهم، إن عيش هزيمة مرّة في ذواتهم وقناعاتهم، هو استجابة لمتغيرات وفلسفة خارجيتَين أكثر من أنه استجابة لمتغيّر داخلي، محاولًا طمأنتهم أن ثورة 26 سبتمبر/ أيلول لم تنجح إلا بعد 14 عامًا من قيامها.
أما الصحفي في قناة “الجزيرة”، حمدي البكاري، قال إن من يحاكم ثورة 11 فبراير بما يحدث اليوم يفتقد للمنطق السليم، لأن الحاصل اليوم هو نتاج الثورة المضادة وليس الثورة نفسها.. وهل يخرج كل هؤلاء الناس من أجل الخراب؟ واعتبر أن ثورة فبراير نقية الهدف والحلم والمعنى، وتلك هي الفكرة دون تعسُّف، وذلك لا يعني البتّة النقد الذاتي والموضوعي للأدوات والروافع السياسية لما بعد الثورة.
ويرى آخرون أن الأسباب التي أدّت إلى انتكاسة شباب الثورة، نتيجة ما يصفونه “الغثاء” الذي تسلّق على تضحياتهم وأهدافهم، والذي كانت نتيجة ذلك “منتجًا رثًا”. ويؤكد الشباب الذين يرفضون تحمّل مسؤولية ذلك، أن “الغثاء (إشارة إلى الأحزاب السياسية التي سحبت بساط الثورة) الذي طفح على ثورة فبراير لا يمثلها، وإنما هو تعبير عن انتكاستها بالثورة المضادة.
لكنَّ آخرين فضّلوا الصمت، وكأنهم لم يعودوا قادرين على التفكير أو استيعاب ما حلّ في البلاد، ويجلدون ذاتهم، والبعض الآخر على استحياء يحاول تهنئة زملائه بهذا اليوم.
الرافضون للاحتفال
يعتقد الكثير من أبناء الشعب اليمني أن المستفيد من ثورة الشباب هم نشطاء أصبحوا خارج البلاد، بينما يتجرّع الشعب اليمني ويلات تلك الثورة التي استفاد منها الحوثي، وسيطرَ عليها وطردَ كل المكونات السياسية.
فبعد هذه السنوات، أصبحت إيران تحكم شمال اليمن، ويتمّ فيه تغيير الهوية اليمنية والإسلامية وإنشاء نظام طائفي ينهبُ ممتلكات اليمنيين باسم الثورة والمسيرة، وحلَّ الظلام بعد وعود بتطوير الدولة، وتحول اليمن إلى مجرد غابة، يعيش سكّانه في رعب متواصل من تلك الوحوش التي تأكل الأخضر واليابس، باسم المسيرة القرآنية التي جاءت على أنقاض ثورة فبراير.
يقول البرلماني في حزب الإصلاح، وأحد قادة ثورة فبراير، شوقي القاضي، إنه لن يحتفل هذه العام، لأن المعادلة تغيّرت اليوم وتبدّلت المواقع، واصفًا علي عبد الله صالح لأول مرة بـ”الشهيد” (قُتل عقب إعلانه انتفاضة ضد الحوثي في 4 نوفمبر/ كانون الثاني 2017).
وبرّرَ شوقي القاضي، في منشور له على صفحته في فيسبوك، رفضه الاحتفال، بأن أنصار صالح اليوم أصبحوا في جبهة واحدة شركاء ومصطفّين لمواجهة عدو واحد، ولإنقاذ اليمن من براثن ميليشيا الحوثي ومشروعها السلالي العنصري، مختتمًا منشوره بهاشتاغ “توحيد الصف الجمهوري”.
أمّا المراسل الحربي راشد معروف، وهو أحد شباب ثورة فبراير، يقول إنه غير مهتمّ بهذا اليوم، وأنه مشغول في الجبهات، في إشارة إلى أن الاحتفال بهذا اليوم يولّد خلافًا بين المقاتلين في الميدان، الذين ينتسبون إلى كافة المكونات السياسية اليمنية، وأن مجرد الاحتفال في هذه الذكرى سيعمّق الخلافات داخل الصف الجمهوري المناوئ للميليشيا الحوثية.
بخصوص 11فبراير انا غير مهتم وهذا احد محادثاتي مع احد القنوات كان يريدونا في مداخلة الليلة للحديث عن فبراير ورفضت وطلبت تغيير الموضوع? pic.twitter.com/IilpAM4JMW
— راشد معروف (@rashidmabkhoot) February 10, 2022
بماذا تحتفلون؟
في الجهة الأخرى، ترى قيادات ونشطاء في حزب المؤتمر الشعبي العام، أن الاحتفال بيوم ما أطلقوا عليه “كارثة فبراير” هو استفزاز لهم، على اعتبار أن ذلك ذكرى دخول الحوثيين صنعاء جهارًا بعد أن كانوا يتخفّون في جبال صعدة أقصى شمال اليمن، لا يتجرّؤون الخروج أمام الملأ من أبناء الشعب، لكونهم كانوا مجرد خارجين على القانون وعصابات قطّاع طرق يتوجّب محاكمتهم.
القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، عبد الكريم المدي، تساءل في تغريدة له على حسابه في تويتر، عن أسباب احتفال بعض شباب فبراير بهذا اليوم، وتساءل إن كان ذلك مباركة لتسليم صنعاء وشمال اليمن ورقاب الشعب وهويته وكرامته للحوثية وفيلق القدس الإرهابي، مطالبًا بتجاوز الماضي.
عندي سؤال، سؤال مواطن يمني!
للمحتفلين بكارثة11 فبراير.
أسألكم بالله الواحد الأحد : بماذا تحتفلون؟
صارحونا:
هل تباركون تسليم صنعاء والشمال ورقاب شعبنا وهويته وكرامته للحوثية وفيلق القدس الإرهابي؟
أرجوكم..اصدقونا!
أرجوكم تجاوزوا الماضي..أين وصلت بنا نكبتكم؟!#الحوثي_جماعه_ارهابيه
— عبدالكريم المدي (@almedi2009) February 10, 2022
لقد أوقفَ الحوثيون كل الأحلام التي كان يحلم بها الشاب والسياسي والاقتصادي والرياضي والثقافي، وحوّلوا البلاد إلى إقطاعية إيرانية، وغابة البقاء فيها للأقوى، ولن يعود اليمن إلا بالقضاء على الحوثيين، والعودة إلى أهداف ثورة الشباب لن تكون إلا بزوال المتسبِّب في فشل ثورة الربيع: الحوثي والمكونات السياسية التي ركبت موج الثورة.
ولذلك نجدُ للرافضين أسبابهم، وربما قد تكون منطقية في هذا الوقت، لا سيما أن هناك حراكًا كبيرًا داخل اليمن، يسعى إلى توحيد الصف اليمني، بهدف إطلاق عملية عسكرية كبيرة يكون هدفها هو إنقاذ اليمن، خاصةً أن هناك شريكًا في هذه العملية، كون التراشق في التخوين لا يخدم إلا الحوثي الذي استغلَّ السنوات الماضية خلافات أكبر حزبَين سياسيَّين في اليمن (المؤتمر والإصلاح).
لا يمكن أن تنتهي الحرب في اليمن بالحوار السياسي، أو بثورة شبابية أخرى تخرج إلى الشوارع تطالب الحوثي بالعودة إلى الحكم المدني وتسليم البلاد إلى أهلها، لأنهم سيُواجَهون بالقمع الوحشي والقتل بل المجازر الجماعية، لأن الحوثيين لا يؤمنون بشيء اسمه الديمقراطية أو المساواة، بل الولاية هي منهجهم ودستورهم وثورتهم.
الخلاصة
لا بدَّ أن يتمَّ تجاوز الماضي من كافة القوى السياسية، لتوحيد صفّهم السياسي أولًا، ومن ثم العسكري الذي بات ممزّقًا، وأن يكون هناك حراك سياسي وعسكري متزامن، هدفه الأول هو استرداد الدولة المحتلة التي يتمُّ الاعتداء على عروبتها وهويتها.
قد يرى البعض أن الندم في السياسة يجبُّ ما قبله كما قيل في الإسلام، وقد يرى البعض أن أفدح الفوادح هو الجهل، وأن معرفة كل شيء أهدى إلى أحسن الأشياء، كما كان يقول أفلاطون إن سبب كل خطأ آتٍ من نقص المعرفة، ولذلك لا بدَّ من الوعي لدى كافة المكونات السياسية وتناسي الجراح الماضية ولو لـ 5 أعوام قادمة، إلى حين استعادة الدولة واستتباب الأمن.. فالديمقراطية والمساواة في الدولة المدنية لن تقصي أحدًا، وهذا حلم كل من يطالب بها.
وخلاصة الخلاصة؛ لا بدَّ أن يتذكر اليمنيون أنه لا يمكن أن تنجح ثورة شبابية سلمية، وهناك عدو يتربّص بالجميع وينتظر فرصة لاستغلال تحركات الشباب أو المعارضة والاندساس بينهم بهدف الوصول إلى مآربه، لا سيما إن كان هذا العدو يتمتّع بدعم أجنبي لا محدود، وحاربَ الدولة عدة مرات، بهدف السيطرة عليها لتغيير هوية الشعب ونظام الحكم في الدولة.
ولا يجب أن نحكم على ثورة شبابية خالصة في بدايتها، بأنها سبب ما حلَّ باليمن حتى اللحظة، لأنها كانت ضحية أحزاب تحلم بحكم البلاد، وجماعة خرجت من كهوف صعدة هدفها التخلُّص من الجميع، استقبلها الشباب بحسن نية، لأنهم كانوا ينشدون دولة المساواة.