ترجمة وتحرير: نون بوست
أبرمت الولايات المتحدة اتفاقًا سريًا مع روسيا من أجل تخفيف الضغط السياسي على سوريا في الأمم المتحدة. وإذا صادق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأعضائه الـ 15 فإن ذلك يعني تنظيم اجتماعات أقلّ حول الأسلحة الكيماوية في سوريا وعقد جلسات منفصلة حول أعمال الإغاثة الإنسانية والانتقال السياسي الذي لم يكتسب سوى القليل من الزخم على مدى السنوات العديدة الماضية.
يعكس هذا الاقتراح، الذي لا يزال قيد التفاوض، حقيقة أن أعضاء المجلس سئموا من عقد اجتماعات لا متناهية يتناقش فيها الدبلوماسيون حول نفس المواد وتؤدي إلى تفاقم التوتر بين القوى العظمى دون أن يتمخض عنها إنجازات ملموسة. وهو يُمثل أحدث حلقة من سلسلة التنازلات التي قدمتها الولايات المتحدة والقوى الغربية إلى روسيا – التي ترأس المجلس في شهر شباط/ فبراير 2022 – والتي تستمد أسسها من السياسة الخارجية الأمريكية الرئيسية المتمثلة في تجنب الصدام مع موسكو وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية من تركيا إلى الشمال الغربي السوري، الذي تريد روسيا قطعه.
تنفس بعض دبلوماسيي مجلس الأمن الصعداء بعد هذا الاتفاق خاصة أن الحرب الكلامية المتكررة بين القوى العظمى حول مصير سوريا قد أنهكتهم دون التوصل إلى حل للصراع الذي دام عقدًا من الزمن. وقال أحد الدبلوماسيين في المجلس، دون أن يكشف عن هويته لارتباطه بمفاوضات دبلوماسية سرية: “لقد كنت عضوًا في المجلس منذ سنة وأعرف موقف كل دولة، حيث تكرر كل دولة نفس البيان ثلاث مرات في الشهر، في حين أنه كان يمكن استغلال هذا الوقت بشكل أفضل”.
لكن هذا الاتفاق أثار أيضًا انتقادات بعض المتخصصين في الشأن السوري الذين قالوا إن اجتماعات المجلس الروتينية تواصل الضغط على النظام السوري الذي يواصل تحدي الأعراف الدولية. وهم يرون أن قرار تقليص عدد الاجتماعات يوحي بأن الجهود المبذولة من قبل كل من الولايات المتحدة وبقية أعضاء مجلس الأمن طيلة عشر سنوات للمساعدة في تأسيس سوريا ما بعد الحرب بدأت تفقد زخمها، وأنهم على الاستعداد للتعايش مع خروقات نظام الأسد المتكررة لتفويضات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
حسب جمانة قدور، خبيرة الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي والمؤسسة المشاركة لمنظمة سوريا الانسانية للإغاثة والتنمية، “هذا ما تسعى روسيا وإيران والأسد لتحقيقه بكل وضوح. إنهم يريدوننا أن نقصي أي أدلة ضغط تُقدم علنا حول ما يفعله النظام السوري بالمدنيين لإبعادهم عن الشبهات”.
قدمت كل من الولايات المتحدة وروسيا هذا المقترح إلى أعضاء مجلس الأمن المكون من 15 دولة يوم 31 كانون الثاني/ يناير، وهو نفس اليوم الذي تبادل فيه مفوضا البلدين ليندا توماس غرينفيلد وفاسيلي نيبينزيا اتهامات مريرة بشأن أوكرانيا. في البداية، قوبل المقترح بمعارضة أولية من بعض أعضاء المجلس الذين قالوا إنهم بحاجة إلى المزيد من الوقت لمناقشة تفاصيل الخطة. ولكن من المتوقع أن يُصادق عليها المجلس في نهاية المطاف بكامل أعضائه مع احتمال إدخال تعديلات طفيفة عليها.
عرقلة النظام السوري لعمل المفتشين الدوليين من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تزايدت خلال السنوات الأخيرة من خلال رفض منح التأشيرات لهم وإتلاف الأدلة السابقة
في تصريح له لمجلة “فورين بوليسي”، قال ديمتري بوليانسكي، ثاني أعلى دبلوماسي روسي في الأمم المتحدة، إن هناك “مبالغة” في بعض الأحيان لتأثير هذه المنقشات العامة على مدى قدرة الولايات المتحدة وروسيا على العمل معا بشكل مثمر. وأضاف “بصفتنا دبلوماسيين، نعلم أن هناك تعليمات. يواجه الأمريكيون ضغطا داخليا هائلا عن هذا الجنون الذي يروجون له، لذلك نحن لا نعتبر الأمر شخصيًا”.
من شأن هذا الاتفاق الأمريكي الروسي تقليص مناقشات المجلس حول الأسلحة الكيميائية السورية، لتصبح الاجتماعات التي كانت تُعقد حولها بشكل شهري ربع سنوية، في ظل مواصلة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة كفاحها ضد المسؤولين السوريين للوصول إلى المواقع السورية.
وفقًا لغريغوري كوبلنتز، مدير برنامج الدراسات العليا للدفاع البيولوجي في جامعة جورج ميسون، فإن “الوقت ليس مناسبًا لتقليل الجهود المبذولة لمحاسبة النظام السوري على استخدام الأسلحة الكيماوية في ظل استمرار معارضته لمحولات المفتشين الدوليين التحقق من تدمير ما تبقى من مخزون الأسلحة الكيميائية في سوريا”.
أضاف هذا الخبير المتخصص في برنامج الأسلحة الكيميائية السوري أن عرقلة النظام السوري لعمل المفتشين الدوليين من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تزايدت خلال السنوات الأخيرة من خلال رفض منح التأشيرات لهم وإتلاف الأدلة السابقة على حدوث الهجمات الكيماوية. وقد وجدت المخابرات الأمريكية أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية بشكل متكرر ضد شعبه أحدثها يعود إلى أيار/ مايو 2019، عندما أطلق صاروخ الكلور في محافظة اللاذقية.
قال كوبلنتز، في إشارة إلى معاهدة الأسلحة الدولية التي تهدف إلى الحد من استخدام الأسلحة الكيماوية، إن “مجلس الأمن بصفته الهيئة التابعة للأمم المتحدة المكلفة بدعم السلم والأمن الدوليين، يتحمل مسؤولية التصدي لانتهاكات النظام السوري لاتفاقية الأسلحة الكيميائية وضمان الالتزام بالمعاهدة”.
سعت روسيا إلى تقويض شرعية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عبر استضافة سلسلة من الإحاطات غير الرسمية لمجلس الأمن، المعروفة باسم اجتماعات صيغة آريا، من خلال دعوة الضيوف الذين ينتقدون أو يقدمون نتائج بديلة لتلك التي توصلت إليها هيئة مراقبة الأسلحة الكيميائية في لاهاي. (يعود اسمها إلى الدبلوماسي الفنزويلي دييغو آريا الذي كان عضوا في مجلس الأمن في أوائل التسعينيات والذي سعى للحصول على إحاطات من الناس العاديين في النزاعات دون موافقة جميع أعضاء المجلس)
سيؤدي هذا الاتفاق أيضًا إلى تقليل عدد الاجتماعات التي يُناقش فيها الانتقال السياسي في سوريا، لتُعقد كل شهرين بعد أن كانت شهريّة، وسيُعقد هذا الاجتماع في إطار جلسة تتناول الأزمة الإنسانية.
وفقًا لبعض المراقبين، تُشير هذه الخطوة إلى تضاؤل اهتمام المجلس بالتوصل إلى اتفاق تقاسم السلطة في سوريا الذي من غير المرجح أن يتحقق على أرض الواقع. منذ سنة 2012، جند الأمناء العامون المتعاقبون للأمم المتحدة بعضًا من أشهر المسؤولين لحل المشاكل التي نشأت في صلب المنظمة، بما في ذلك الأمين العام السابق كوفي عنان ووزير الخارجية الجزائري السابق الأخضر الإبراهيمي، لتشكيل حكومة ائتلافية وإنهاء الحرب الأهلية الدموية في البلاد. ولكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل.
جادلت كل من فرنسا والمملكة المتحدة، مثلا، بأن المجلس يجب عليه أن يتيح إمكانية عقد بعض الجلسات خلف الأبواب المغلقة، بعد أن كانت تُعقد علنًا
لم يحقق السفير النرويجي السابق غير بيدرسن، الذي شغل منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أي نتائج تُذكر. في الأثناء، عزّز الرئيس السوري بشار الأسد قبضته تدريجيا على السلطة، بمساعدة روسيا وإيران، دون وجود بوادر حول استعداده لمشاركة السلطة.
عندما واجه المقترح المبدئي لتقليص عدد الاجتماعات بعض الرفض من أعضاء المجلس، اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على الانفتاح أمام المناقشات. لكن حسب ما كشفه دبلوماسي آخر في المجلس فإن التحفظات لا تتعلق بالشكوك حول تقليل الاجتماعات بشأن سوريا بقدر تعلقها بالطريقة التي طُرح بها المقترح، ذلك أن أعضاء المجلس الآخرين حُرموا من المشاركة في تحديد نوعية الاجتماعات التي سوف يتواصل عقدها.
جادلت كل من فرنسا والمملكة المتحدة، مثلا، بأن المجلس يجب عليه أن يتيح إمكانية عقد بعض الجلسات خلف الأبواب المغلقة، بعد أن كانت تُعقد علنًا، على أساس أن المداولات الخاصة تسمح للمجلس بالانخراط في محادثات صريحة.
أقرّ متحدث باسم البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة بأن “تجاهل الوضع في سوريا ضرب من العبث”. وقال هذا الدبلوماسي، دون الكشف عن هويته نظرًا إلى الطبيعة السرية للمفاوضات الدبلوماسية الجارية: “لقد شاركنا في محاولة إبقاء سوريا ضمن جدول أعمال المجلس في مواجهة معارضة روسيا وغيرها من الأعضاء، إننا نكافح للحفاظ على تركيز المجتمع الدولي على الصراع”.
لا يعد الاقتراح المشترك مع روسيا أول تنازل تقدمه الولايات المتحدة فيما يتعلق بالملف السوري. وتشمل التنازلات الأخرى اتفاقًا يعود إلى تموز/ يوليو الماضي، من أجل ضم بعض الصياغات إلى قرار مجلس الأمن تدعو إلى دعم مشاريع البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك مشاريع المياه والصرف والصحة والتعليم. في الماضي، رفضت واشنطن ما اُطلق عليه مشاريع الإنعاش حتى تتبنى دمشق تحولًا سياسيًا شاملًا مدعومًا من الأمم المتحدة، وذلك وفقًا لبعض المحللين.
قال المتحدث باسم الولايات المتحدة إن الولايات المتحدة سبق أن دعمت منذ فترة طويلة برامج الإنعاش المبكر في سوريا وإن التحرّكات الأخيرة تهدف إلى تحسين الوضع الإنساني في البلاد. وحسب أندرو تابلر، الذي عمل على الشأن السوري خلال إدارة ترامب، فإن الولايات المتحدة عارضت برامج الإنعاش المبكر في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لأنها اعتبرتها تمهيدًا لإعادة إعمار سوريا.
أوضح تابلر “كانت الإدارة السابقة مترددة بشأن برامج الإنعاش المبكر في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، لأنها ستُمهّد الطريق لإعادة الإعمار قبل أن يُقدم الأسد أي تنازلات خلال المفاوضات. ورغم الطابع الإنساني لهذا البرنامج إلا أنه كان يُنظر إليه على أنه تنازل – ومن الواضح أن الروس كانوا سعداء به”.
مع ذلك، تعد التنازلات الأمريكية أقل بكثير من الأهداف التي حددتها روسيا لإعادة سوريا إلى أحضان المجتمع الدولي وإقناع المانحين الغربيين بضخ مليارات الدولارات من المساعدات من أجل عملية إعادة الإعمار.
واجهت جهود روسيا لحماية سوريا من التدقيق الدولي انتكاسات. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2021، قادت موسكو جهودًا محكوما عليها بالفشل في لجنة الميزانية التابعة للأمم المتحدة لقطع التمويل عن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة الخاصة بسوريا، التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمساعدة الدول التي تحقق في الجرائم الخطيرة في سوريا أو تقاضي مرتكبيها.
الولايات المتحدة تركز اهتمامها ببساطة على القضايا التي تستطيع أن تحدث فارقًا فيها
يعتقد كريستيان ويناويسر، سفير ليختنشتاين لدى الأمم المتحدة، أن هناك “ميلا نحو التطبيع” مع نظام الأسد، خاصة داخل جامعة الدول العربية، وأن روسيا تحاول جاهدة ترجمة ذلك إلى تبني موقف أكثر تقبلًا لسوريا في الأمم المتحدة. وأضاف ويناويسر، الذي كان له دور فعال في صياغة الآلية، أن روسيا عارضت بشدة إنشاء آلية دولية محايدة ومستقلة في سنة 2016، وسعت منذ ذلك الحين إلى عرقلة تدفق أكثر من 20 مليون دولار من التمويل السنوي، مدعيةً أن الجمعية العامة تفتقر إلى الحق القانوني في إنشاء مثل هذه المؤسسة. ومع أن الروس ظلوا متشبثين بموقفهم المعارض، إلا أنهم لم ينجحوا في تحقيق مساعيهم”.
أشارت قدور إلى أن الأمم المتحدة تلعب دورا حيويا في توثيق جرائم النظام السوري ضد المدنيين، وهذا السجل سيكون حاسما في القضايا التي يُحاكم فيها مسؤولون سابقون من النظام السوري على جرائم مثلما حدث الشهر الماضي في قضية إدانة محكمة ألمانية لضابط مخابرات سوري سابق متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية انتهت بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وذكرت قدور “يمكن أن تكون اجتماعات الأمم المتحدة وتقاريرها ومناقشاتها الحالية حاسمة لمساءلة من في النظام السوري مستقبلا ولأنواع جلسات الاستماع والمحاكمات التي تجري في المحاكم الأوروبية”.
أشار خبراء آخرون إلى أن مداولات المجلس تعكس الحقيقة القائلة إن الولايات المتحدة، مثل غالبية دول العالم، توجه تركيزها إلى أزمات أخرى. وقد بدأت سوريا في إعادة بناء علاقات دبلوماسية وتجارية مع قوى في محيطها الإقليمي، على غرار البحرين والأردن والإمارات.
حسب ديما موسى، عضوة اللجنة الدستورية السورية، “يبدو أن سوريا باتت في ذيل قائمة أولويات واشنطن، التي باتت تركز حاليًا بشكل أكبر على المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني والقضية الأوكرانية. وقد مضت أكثر من سنة على تولي إدارة بايدن السلطة، ولا تزال السياسة المتعلقة بسوريا قيد المراجعة، بينما لم حتى الآن تعيين مبعوث أمريكي إلى سوريا”.
وأضافت موسى أن رغبة مجلس الأمن في تقليص عدد الاجتماعات حول سوريا يعكس المأزق الذي وصل إليه هذا الملف على الصعيد الدولي، ولكن ذلك يعني التوقف التام للعملية السياسية السورية. ولكن تقليص عدد الاجتماعات يُبقي سوريا على الهامش ويُطيل الأزمة ويعمّق معاناة السوريين”.
في المقابل، يرى البعض الآخر أن الولايات المتحدة تركز اهتمامها ببساطة على القضايا التي تستطيع أن تحدث فارقًا فيها.
أشارت منى يعقوبيان، كبيرة مستشاري سوريا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام، إلى أن المحادثات التي نُظمت بوساطة أممية بشأن الانتقال السياسي في سوريا لم تحقق إلا القليل. كما نبهت إلى أن “الوضع الإنساني في سوريا لا يزال خطيرا مثلما كان عليه طيلة تاريخ الصراع”. وهي ترى أن صانعي السياسة في الولايات المتحدة “يركزون طاقاتهم على القضايا التي تزيد فيها فرص النجاح”. وأضافت “هناك بصيص أمل ضئيل بشأن إمكانية إحراز تقدم في المجال الإنساني. دعونا نتقبل الحقيقة، لن تُسفر محادثات جنيف عن أي نتائج، لماذا يُهدر الوقت على شيء لن ينجح؟”.
منذ تولي جو بايدن الرئاسة، جعلت الولايات المتحدة الملف السوري أسفل أجندتها، واستثمرت رأسمالها السياسي في تعزيز العلاقات مع الحلفاء الخليجيين والسعي إلى اتفاق مع إيران لاستعادة الاتفاق النووي لسنة 2015.
أثار عدم اهتمام الإدارة بسوريا غضب حلفاء بايدن في الكابيتول هيل. بعث كبار المشرعين الأمريكيين في وقت سابق من هذا الشهر رسالة إلى بايدن يحثونه فيها على اتخاذ خطوات جيدة أكثر بشأن الملف السوري. وقد وقّع على هذه الرسالة الأعضاء الديمقراطيون للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب ونظرائهم الجمهوريون.
تعثرت جهود الولايات المتحدة لتشكيل المستقبل السياسي لسوريا إلى حد كبير، تاركة إدارة بايدن تكرّس طاقتها لتخفيف العبء الإنساني عن البلاد
ورد في هذه الرسالة أن الجهود التي تبذلها الإدارة بشأن سوريا إلى حد الآن، بما في ذلك تأمين تجديد تفويض الأمم المتحدة لتسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود، “تعالج أعراض الصراع دون حله وستنهار في نهاية المطاف في ظل غياب استراتيجية دبلوماسية واسعة النطاق لوضع حد للحرب الأهلية التي استمرت عقدا من الزمن”. وتضمنت الرسالة توبيخًا رسميًا نادرا بشأن السياسة الخارجية للإدارة من بعض أهم حلفاء الرئيس الديمقراطيين في الكابيتول هيل.
قال مسؤولون إن إدارة بايدن لا تنوي تعيين مبعوث خاص إلى سوريا، مُحمّلين بريت ماكغورك – الذي تتمثل أولويته في دحر تنظيم الدولة – والذي يشرف على سياسة الإدارة لفكّ ارتباط الولايات المتحدة بما يسمى بالحروب الأبدية، مسؤولية إدارة سياسة سوريا.
وتجدر الإشارة إلى أنه تعذّر الحصول على تعليق من متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية حول خطوة الولايات المتحدة الرامية إلى تقليص عدد الاجتماعات حول سوريا أو غياب مفوض حول الشأن السوري. ولكنه قال، شريطة عدم الكشف عن هويته لتحدثه عن مناقشات دبلوماسية حساسة، إن حل الصراع السوري ومعالجة الاحتياجات الإنسانية للسكان يتصدران قائمة أولويات الولايات المتحدة، ولم ترفع الولايات المتحدة أي عقوبات عن الحكومة السورية لأنها تضغط من أجل إخضاعها للمساءلة. وتابع المتحدث “نحن ندعم الجهود الدولية لمحاسبة الأسد، بما في ذلك الاعتراف بالدور المهم للجنة التحقيق والآلية الدولية المحايدة والمستقلة”.
أشاد بايدن يوم الخميس بمقتل زعيم تنظيم الدولة في غارة نفذتها القوات الخاصة الأمريكية، قائلا إنها “أزالت تهديدا إرهابيا كبيرا للعالم”. كما أسفرت الغارة عن مقتل العديد من المدنيين، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن المُستهدف في العملية، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، هو المسؤول عن مقتل المدنيين بعد أن فجر نفسه باستخدام عبوة ناسفة عند اقتراب القوات الأمريكية من موقعه.
تعثرت جهود الولايات المتحدة لتشكيل المستقبل السياسي لسوريا إلى حد كبير، تاركة إدارة بايدن تكرّس طاقتها لتخفيف العبء الإنساني عن البلاد. جعلت الإدارة استعادة شحنات المساعدات عبر الحدود أولوية قصوى في أجندة السياسة الخارجية وحافظت على وجود حوالي 900 جندي أمريكي في شمال شرق سوريا لمساعدة الجماعات التي يقودها الأكراد في جهود مكافحة الإرهاب.
أنشأت الأمم المتحدة معابر حدودية إلى الأراضي السورية التي يسيطر عليها المتمردون من تركيا والأردن والعراق في شهر تموز/ يوليو 2014، مما وفر شريان حياة لملايين السوريين المعزولين عن ممرات المساعدات التي تسيطر عليها الحكومة في دمشق، وتقويض ممارسة الحكومة السورية الانتقامية المتمثلة في تجويع المجتمعات التي استضافت القوات المناهضة للحكومة.
شجبت الحكومة السورية هذه الممارسة باعتبارها انتهاكا للسيادة وأصرت على أن الحكومة يجب أن تُشرف على إيصال المساعدات إلى المجتمعات في جميع أنحاء سوريا. كما زعمت دمشق أن قنوات المساعدة قد ساعدت الجماعات الإرهابية، التي وجدت ملاذا لها في شمال شرق سوريا، بما في ذلك تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة.
تبنت روسيا قضية سوريا في مجلس الأمن، وضغطت لسنوات لإغلاق المعابر الحدودية بتعلة أن سوريا لديها القدرة على إيصال المساعدات عبر خطوط القتال في البلاد، وهو ادعاء اعترضت عليه الأمم المتحدة.
نجحت روسيا بالفعل في إنهاء تفويض الأمم المتحدة حول استخدام المعابر الحدودية في الأردن والعراق، التي كانت بمثابة مركز مهم للإمدادات الطبية المتجهة إلى شمال شرق سوريا، وتركت معبرًا تركيًا واحدًا مفتوحًا عند باب الهوى لتوفير المساعدات الغذائية التي يحتاجها أكثر من 3 ملايين شخص.
الصفقات السرية للولايات المتحدة وروسيا للتوصل إلى القرار 2585 ربما تكون أزعجت بعض المسؤولين الدبلوماسيين
في أواخر شهر آذار/ مارس 2021، استغل وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن أول ظهور له أمام مجلس الأمن لحشد الدعم لمواصلة برنامج المساعدة عبر الحدود والدعوى إلى إعادة فتح معبريْن على الأقل من المعابر المغلقة التي تؤدي إلى سوريا من تركيا والعراق.
بعد اجتماع القمة الأول مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شهر حزيران/ يونيو 2021، أوضح بايدن أن استعداد روسيا للإبقاء على قناة المساعدة مفتوحة سيشكل اختبارا لقدرة الولايات المتحدة على العمل بشكل بناء مع روسيا فيما يتعلق سوريا.
زارت سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، مقاطعة هاتاي التركية الحدودية في شهر حزيران/ يونيو الماضي للتأكيد على أهمية ضمان الولايات المتحدة لاستمرار تسليم المساعدات لملايين المدنيين السوريين الذين يعيشون في الأراضي التي تخضع لسيطرة المتمردين. لكن المحادثات تؤكد تعثر عملية التعاون الأمريكي الروسي في كثير من الأحيان.
في الصيف الماضي، سعت الولايات المتحدة إلى تأمين إعادة فتح المعبر العراقي في اليعربية، مستشهدة بتحذيرات الأمم المتحدة من أن المساعدة لا تصل إلى المدنيين في وقت ارتفاع معدل حالات الإصابة بفيروس كورونا. وفي غضون ذلك، كانت روسيا تسعى إلى إغلاق المعبر الأخير المتبقي في باب الهوى.
في النهاية، اتفقت القوتان على حل وسط من خلال إصدار القرار رقم 2585، الذي أبقى المعبر التركي مفتوحًا لمدة سنة على الأقل. ولكن الطبيعة السرية للمحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا أزعجت أعضاء المجلس الآخرين، الذين شعروا بأنهم مستبعدون من المناقشات.
قال روبرت شوب، محلل السياسات في “تقرير مجلس الأمن” – وهي منظمة غير ربحية – إن “الصفقات السرية للولايات المتحدة وروسيا للتوصل إلى القرار 2585 ربما تكون أزعجت بعض المسؤولين الدبلوماسيين واستبعدت الأعضاء الآخرين. فقد أعلنت فرنسا والصين في ذلك اليوم أنهما غير راضيتين عن بعض جوانب الاتفاقية، وأعتقد أن المملكة المتحدة، التي انضمت إليهما، ربما كانت تفضل المشاركة بشكل أكبر في المناقشات الثنائية النهائية”.
في النهاية، تمكنت الولايات المتحدة من تأمين اتفاق روسي للسماح بمواصلة تدفق المساعدات الإنسانية، على الأقل إلى شمال غرب سوريا. ولكن عواقب ذلك كانت وخيمة على واشنطن، خاصة أن الولايات المتحدة رفضت في السابق تقديم مثل هذه التنازلات بتعلّة أن الحكومة السورية بحاجة أولا إلى إظهار استعدادها لتبني انتقال سياسي حقيقي.
في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وسعت وزارة الخزانة الأمريكية التفويض الممنوح للجمعيات الخيرية ومنظمات الإغاثة الدولية للمشاركة في الأنشطة التي كانت تخضع سابقًا لعقوبات الولايات المتحدة، بما في ذلك الأنشطة الإنسانية التي تلبي الاحتياجات الإنسانية الأساسية، على غرار المشاريع التربوية والديمقراطية والمحافظة على الثقافة، وبرامج التنمية غير الربحية التي تعود بالنفع المباشر على الشعب السوري. وستسمح لوائح العقوبات السورية المعدّلة بالقيام ببعض الاستثمارات غير الربحية في سوريا، فضلا عن بيع النفط للاستخدام المحلي.
صرح المتحدث باسم البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة بأن عمل وزارة الخزانة “لا علاقة له بدعم روسيا” لقرار الأمم المتحدة عبر الحدود، بل تم تنفيذه “كجزء من جهود رامية لتقليل تأثير العقوبات على المدنيين الأبرياء”. وأضاف المتحدث أن إجراء الخزانة وسع ببساطة “بعض الأنشطة غير الهادفة للربح” التي تدعم الأنشطة الإنسانية والديمقراطية وأنشطة أخرى. وفي غضون ذلك، أشادت روسيا بهذه الخطوة.
وقال الدبلوماسي الروسي دميتري بوليانسكي إن “هذه الخطوة صائبة، ونحن نقدرها. وهي لا تغير قواعد اللعبة، وبطبيعة الحال، لا يزال الطريق أمامنا طويلا فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة تجاه سوريا. لكنها بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح”.
المصدر: فورين بوليسي