تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية ضد السوريين في تركيا في الآونة الأخيرة، وفي ظلِّ غياب الردع الحكومي وتأخُّر التحركات السورية، برزت بعض المبادرات الفردية التي تسعى إلى رأب الصدع الذي يكبر بين السوريين والأتراك بتحريض من بعض سياسيي المعارضة، حيث يعمل نشطاء بالتعاون مع المنظمات والمؤسسات التركية الحقوقية المعنية بحقوق اللاجئين على أكثر من مسار في هذا الخصوص.
نفرد هذه المساحة للحوار مع طه غازي، الناشط السوري البارز في الدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين في تركيا، والذي سخر وقته مؤخرًا للعمل على مواجهة الخطاب العنصري، ليحدّثنا عن طبيعة نشاطه وكيف يمكن أن يأثر إيجابًا على حياة اللاجئين.
في البداية دعنا نتكلم عن البدايات.. وكيف وجدتَ نفسك ناشطًا بمجال حقوق اللاجئين
بداية عملي بقضايا حقوق اللاجئين انطلقت عام 2017، عندما كنت ضمن مشروع “بيكتس”، وهو مشروع مموَّل من قبل الاتحاد الأوروبي وتمَّ من خلاله توظيف المعلمين السوريين في المدارس التركية، وأثناء تواجدي بالمدارس التركية لاحظت حالات ووقائع وقضايا عنصرية كان يتعرض لها الطلاب السوريون، سواء من قبل أقرانهم من الطلاب أو من قبل بعض المدرّسين، كما أن الأمر ترافق مع تعرّض بعض الزملاء المدرّسين لوقائع عنصرية من قبل مدراء المدارس.
هذا الأمر دفعني للبحث عن جهات تركية، سواء كانت هيئات أو منظمات أو شخصيات، لإيجاد حلول لهذه القضايا، فبدأت أفكّر بالتواصل مع شخصيات تركية، وهنا تمَّ التنسيق مع البروفيسور باكير براءة أوزيبك الذي يعمل رئيسًا لقسم العلوم السياسية بجامعة ميديبول التركية، وفي عام 2017 بدأت التعاون الأول في مجال قضايا حقوق اللاجئين السوريين بشكل ميداني، حيث شكّلنا عام 2018 تجمعًا تحت اسم “تجمع حقوق اللاجئين” (Sığınmacılar Hakları Platformu).
هذا التجمع عبارة عن عدد من منظمات المجتمع المدني وهيئات حقوقية تركية، بدأ بـ 5 منظمات والآن أصبح يتواجد فيه حوالي 56 منظمة مجتمع مدني وهيئة حقوقية من كل أطياف المجتمع التركي، تمثل التيارات المختلفة من يسار ويمين ومنظمات ذات توجه إسلامي وغير ذلك، والعمل ما زال إلى الآن بهذا الصدد ضمن هذا التجمع وفق صيغة التنسيق مع كل جهات الحكومة التركية.
عملُنا لا يقتصر فقط على موضوع الانتهاكات العنصرية، إنما نحاول أن يكون لدينا أكثر من لجنة، حيث يوجد لدينا هيئة التعليم متخصصة بحلّ مشاكل التحاق الطلاب السوريين بالمدارس، بالإضافة إلى هيئة الصحة المختصة بقضايا تقديم الخدمات الطبية للاجئ السوري، إذ إن بعض السوريين لا يملكون أوراق ثبوتية ويعانون من حالات صحية حرجة، ما يسبب صعوبة في مراجعة المستشفى.
نحن في هذه الحالات نتدخل ونساعد قدر الإمكان، وموضوع الصحة بالذات غير مقتصر على السوريين، حيث إن الإخوة العرب المتواجدين هنا ويعانون من مشاكل نعمل على حلها، كما لدينا أيضًا الهيئة الحقوقية التي هي أساس تجمعنا، حيث تقدم دعمًا حقوقيًّا من خلال متابعة القضايا ذات الطابع العنصري، ولدينا هيئات أخرى مختصة بقضايا الطفل وهيئات لقضايا المرأة وقضايا العمّال السوريين.
برأيك، ما هي أهمية العمل الفردي في الدفاع عن القضايا والحقوق الخاصة بالسوريين في تركيا؟
العمل الفردي هو الأساس الذي نقلَ واقع اللاجئ السوري خلال السنوات الماضية إلى مرحلة متقدمة، لكن كيف كان ذلك؟
العمل الفردي دون الانتساب أو الانضواء تحت مظلة أي منظمة أو تجمع أو تشكيل سوري يعطيك حرية الحركة والكلام والنقد، أنا ما زلت إلى الآن رافضًا وسأبقى لفكرة الانضمام إلى أي تشكيل أو مؤسسة سورية، وهذا الرفض غير مبني على فكرة التشكيك بهذه الهيئات، لكن بمجرد الانضمام لأي تشكيل أو هيئة سيصبح قولك وكلامك وطريقة طرح أفكارك ونقاشها مقيّدة.
العمل الفردي أتاح لي انتقاد كل أطياف الحالة التركية، سواء كانوا حكومة أو معارضة، وهذا الأمر للأسف له مساحة ضيقة جدًّا لدى الهيئات والمنظمات السورية.
أين وصلت مبادرتك للقاء مع الأحزاب التركية المعارضة بشأن وضع اللاجئين؟ وهل تتواصلون مع الحكومة؟
معظم مسارات عملنا تكون بالتنسيق مع الحكومة التركية، لكن هذا التنسيق يكون ضمن إطار الخروج من قوقعة الوصاية الكاملة، يعني أننا في تعاملنا مع الحكومة التركية لسنا مجرد منفِّذ لأوامر، عندما يوجد أي خطأ بقرار معيّن صادر عن جهة حكومية يحقّ لنا انتقاد هذه القرارات.
بالنسبة إلى لقاءاتنا مع المعارضة، التقينا مع كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، والتقينا أيضًا بزعيم حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو، وسوف نلتقي لاحقًا مع أحزاب المعارضة مجددًا على هامش لقاء لأحزاب المعارضة التركية في أنقرة، كما سنلتقي مع علي باباجان وأيضًا سنلتقي مجددًا مع أحمد داوود أوغلو، وبالتوازي مع هذه اللقاءات سنعقد لقاء مع دولت بهتشلي، رئيس الحركة القومية التركية حليفة حزب العدالة والتنمية.
توجُّهنا لأحزاب المعارضة تحديدًا بالفترة الحالية ليس إيمانًا بأفكارها، وليس اصطفافًا في مساراتها، وإنما للعمل على تحييد ملف اللاجئين السوريين عن خطابات الأحزاب، لأننا كمجتمع سوري لا نعاني من خطاب الكراهية والعنصرية من قبل أحزاب التيار الحاكم، نحن مشكلتنا مع بعض الساسة من أحزاب المعارضة.
وعندما نقول إن مشكلتنا مع بعض الساسة من أحزاب المعارضة، لا بدَّ أن نشير إلى أننا كمجتمع لاجئ نعاني من تصريحات كان لها دور محرض بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كانت تصريحات حكومية أو غيرها، وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أن بعض التصريحات الحكومية أثّرت سلبًا، كتلك التي تشير إلى أن مقدار ما صرفوه على السوريين 40 مليار دولار، أو تصريحات وزير الدفاع التركي التي قال بها إن تركيا ملتزمة بـ 9 ملايين سوري 4 منهم في تركيا و5 منهم في شمال سوريا، هذا النمط من التصريحات يعطي تحريضًا غير مباشر للشارع التركي على اللاجئين.
أين مؤسسات المعارضة الرسمية السورية ممّا يحصل ضد السوريين في تركيا؟
هذه السؤال للأسف الشديد بات يترك فراغًا كبيرًا لدى المجتمع السوري اللاجئ، كنا نتمنى أن يكون للمؤسسات المعارضة الرسمية السورية دور كبير في متابعة قضايا اللجوء السورية، لكن هذه المؤسسات للأسف ما زالت منذ 10 سنوات تقدِّم وتسوِّق نمطية اللاجئ السوري بأنه هو الإنسان المحتاج للصدقة والشفقة، فمعظم اللقاءات لمنظمات المجتمع المدني السوري ومؤسسات المعارضة تتمّ للبحث فقط عن الصدقة للاجئين.
اللاجئ السوري بات لديه احتياجات أساسية لا بدَّ من النظر إليها لسلامة أرواح اللاجئين السوريين في تركيا، ورأينا خلال الفترة الماضية كيف زادت حدّة الاعتداءات العنصرية لدرجة فقدنا فيها أرواح أشخاص.
على سبيل المثال جريمة حرق الشبّان السوريين وهم نائمون، ومقتل الشاب نايف النايف، ومقتل الشاب حمزة عجان في بورصة، بالإضافة إلى حوادث كثيرة كالاعتداء على منازل السوريين ومحلاتهم، هذه القضايا للأسف ما زالت مؤسسات المعارضة السورية بعيدة عنها جدًّا، وتنأى بنفسها عن طرح هذه الأفكار أمام الجانب التركي.
هل سيتطور عملكم إلى عمل منظَّم ضمن إطار مؤسسة رسمية؟
نسعى إلى طرح فكرة عمل مشترك يمثّل واقع اللاجئين السوريين وفق إطار مؤسسة رسمية، إذ إننا بقدر ما ندافع عن قضايا اللاجئ السوري في الفترة الحالية، بقدر ما نحافظ على حقيقة الوجود السوري في تركيا في السنوات المقبلة.
كل قضية نتابعها ونسعى وراءها، سواء بالجانب الإعلامي أو بالجانب الحقوقي، نستطيع أن نتقدم بها في السنوات المقبلة، اليوم المجتمع التركي قسم كبير منه بات يرسم في مخيلته أن اللاجئ السوري حتى لو امتلك الجنسية التركية هو إنسان مسلوب الحقوق وضعيف، بالإمكان انتهاك حقوقه دون أن يصدر منه صوت، ولا يوجد أي جهة تدافع عنه، وعلينا أن نكافح للدفاع عن اللاجئين وتغيير نظرة الأتراك مع الأيام.
بخصوص الدعوى التي رفعتها مع منظمات تركية بحقّ رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، أين وصلت؟ وهل سيطبَّق هذا الأمر على مسؤولين آخرين؟
رفعنا دعوى ضد رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، كما أن الزملاء في تكيرداغ رفعوا دعوى وسيكون هناك دعوى من أزمير وأنقرة، حيث سيبلغ عدد الدعاوى ضد أوزجان حوالي 70 دعوى.
هذا الموضوع سيكون له أثر كبير، سواء على أوزجان أو أوميت أوزداغ أو إلاي أكسوي، حيث تُعتبر الدعاوى الإدارية هي الحل الأمثل بالنسبة إلينا في ظل غياب دور الحكومة التركية في ردع ولجم خطاب الكراهية والعنصرية.
نحن لم نلجأ إلى موضوع الدعاوى في أروقة المحاكم إلا بعد الإيقان بغياب الدور الحكومي التركي، ونحن نعتبر أن هذا الخطاب العنصري لا يؤثر فقط على اللاجئ السوري، إنما يؤثر على الأمن المجتمعي التركي.
كلمة أخيرة للسوريين في تركيا؟
يجب علينا أن نعمل على تأسيس لوبي سوري والدخول في الحياة السياسية في تركيا، فكرة هذا اللوبي تقوم على السوريين الحاصلين على الجنسية التركية، حيث ما زال قسم كبير من المجنّسين غير مدركين لحقوق المواطنة، ونحن بحاجة إلى حثّ هؤلاء الأشخاص للدخول إلى الحياة السياسية، خاصة منهم النخب الثقافية.
أما البقاء على هامش الحياة السياسية في المجتمع التركي، سوف يُفقد الجالية السورية في المرحلة القادمة حقوقها السياسية، ومن واجبنا أن يكون لنا مسار عمل خاص فينا كسوريين، حيث إذا نظرنا إلى الخارطة السياسية في تركيا نلاحظ أن الأقليات المتواجدة هنا تسعى لتحصيل حقوقها من خلال العمل السياسي، ففكرة اللوبي قد تثير الخوف لبعض أطياف المجتمع السوري في تركيا نتيجة الإرث السياسي القمعي في سوريا، لكن يجب التنبيه أن الأمر في تركيا مختلف عمّا كان عليه في سوريا.