ترجمة وتحرير: نون بوست
وجدت إدارة بايدن نفسها بعد سنة غارقة في عدد من الأزمات المتتالية. وعلى الصعيد الداخلي، لا زال الوباء يلقي بظلاله على القطاع الاقتصادي والتعليمي بينما تطغى على المشهد السياسي الضغائن والانقسامات مع وجود مؤشرات حرب أهلية تلوح في الأفق. وعلى الصعيد الخارجي، أصبحت تهديدات روسيا لأوكرانيا ومناورات الصين المُقلقة في تايوان في الوقت الذي تستضيف فيه بكين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية تمثل تحديًا جديدًا يؤرق حكومة بايدن وينضاف إلى قائمة التحديات طويلة الأمد مثل تغير المناخ والهجرة والأمن السيبراني.
في الشرق الأوسط، تواجه الإدارة الأمريكية عدة أزمات أهمها تداعيات الانسحاب الكارثي من أفغانستان وبرنامج إيران النووي وخطر عودة تنظيم الدولة إلى الواجهة. وعلى الرغم من أن هذه التحديات تتطلب اهتمامًا فوريًا، إلا أن الولايات المتحدة تحتاج أيضًا إلى تبني رؤية طويلة المدى لسياستها في المنطقة. وتكتسي هذه السياسة أهمية كبيرة خاصة بالنظر إلى دور المنطقة المحوري فيما يتعلق باثنين من التحديات طويلة المدى في الولايات المتحدة والعالم بشكل عام: وهما تحول الطاقة ومكافحة تغير المناخ.
من خلال برنامجه الاستشرافي الاستراتيجي، نظم معهد الشرق الأوسط مؤتمرا افتراضيا في تشرين الأول/ أكتوبر من السنة الماضية بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي كشريك إعلامي، جمع قادة وخبراء استشراف استراتيجي من مختلف القطاعات لاستكشاف الفرص والمخاطر المختلفة التي تحدق بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد تغيرًا متسارعًا. وجاء المؤتمر عقب نشر كتاب تضمن عدة توقعات لما يمكن أن يبدو عليه مستقبل المنطقة، وتطرق إلى بعض المواضيع الرئيسية التي ينبغي أن توجه السياسة الأمريكية المستقبلية تجاه المنطقة.
التعاون مع المنطقة من أجل تحقيق انتقال فعال للطاقة
لطالما كان الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، اللاعب المركزي في الاقتصاد الهيدروكربوني في جميع أنحاء العالم خلال القرن الماضي. وبما أن الهيدروكربونات ستظل جزءًا من مزيج الطاقة العالمي لبضعة عقود قادمة، فإن الحكومات والشركات في هذه المنطقة حريصة على أن تصبح جزءًا رئيسيًا في عملية تحول الطاقة ومستقبل ما بعد الكربون.
تولي الولايات المتحدة اهتمامًا كبيرًا لإنجاح هذا المشروع لا سيما أن مصلحتها تقتضي عدم التنازل عن دور الشريك الأساسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
ويتطلب ذلك الانتقال من الهيدروكربونات إلى وقود أنظف مثل الغاز الطبيعي، والمضي قدمًا في تبني طرق مختلفة لاحتجاز الكربون، وتطوير القدرة الإنتاجية لكل من الهيدروجين الأزرق والأخضر، وكذلك استغلال الإيرادات للاستثمار في أنواع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وهناك احتمال حقيقي أن تصبح المنطقة لاعبًا عالميًا في إنتاج وتوزيع الطاقة المتجددة والنظيفة، كما كانت خلال عصر الهيدروكربونات، لا سيما أنها تمتلك من الموارد الفريدة ما يؤهلها لدعم أنواع متعددة من الطاقة المتجددة على نطاق واسع.
في غضون ذلك، تولي الولايات المتحدة اهتمامًا كبيرًا لإنجاح هذا المشروع لا سيما أن مصلحتها تقتضي عدم التنازل عن دور الشريك الأساسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عملية انتقال الطاقة حتى لا تفسح المجال أمام منافستها الصين، التي سبقتها في عدد من التقنيات الرئيسية المتجددة.
التعاون مع المنطقة بصفتها لاعبًا رئيسيًا في مشروع مكافحة تغير المناخ العالمي
يدرك المسؤولون في القطاعين العام والخاص أن الشرق الأوسط سيكون المنطقة الأكثر تضررًا من تغير المناخ. ويعتبر الشرق الأوسط بالفعل أكثر مناطق العالم حرارة وجفافًا وأكثرها شحًا مائيًا وغذائيًا، ناهيك عن تغير المناخ الذي يجعل هذه التهديدات أكثر خطورة. وبعد خيبة الأمل التي أعقبت مؤتمر الأطراف 26 في غلاسكو، تُعلق الآمال على مؤتمري الأطراف 27 و28. سيُعقد الأول في القاهرة في وقت لاحق من هذه السنة، فيما سيُعقد الأخير في أبو ظبي في أواخر سنة 2023.
بما أن تغير المناخ يعد أولويتها القصوى، فإن إدارة بايدن يجب أن تعمل عن كثب مع الحكومات وكل من القطاع العام والخاص والمجتمع المدني في المنطقة بالإضافة إلى شركائها الدوليين الآخرين للاستعداد والتأكد من أن مؤتمري الأطراف 27 و28 سيمثلان خطوة كبيرة إلى الأمام في إثارة استجابة عالمية فعالة لخطر تغير المناخ.
يجب أن تشمل تلك الاستجابة العالمية إجراءات على غرار توفير فرص عمل وتحقيق النماء الاقتصادي عن طريق التكيف مع تغير المناخ والاستثمار فيه، ويسير عدد من الحكومات والشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هذا الاتجاه. تؤكد إدارة بايدن أولوية الاقتصاد في أجندة المناخ الخاصة بها، وأنها ينبغي أن تعمل مع مسؤولي القطاعين العام والخاص في المنطقة لتعزيز الخطط المشتركة في هذا المجال.
التعامل مع معطيات الحاضر ومد جسور التواصل مع أجيال الغد
يعتمد جزء كبير من مستقبل الشرق الأوسط على كيفية عمل الشعوب وحكوماتهم على إعادة التفاوض بشأن عقد اجتماعي يشوبه التوتر والتصدع، وما إذا كانت احتياجات الأمن البشري الأساسية تُلبى بما يكفي، وما إذا كان صوت الأجيال الصاعدة مسموعًا ودورها في تشكيل المستقبل معترفًا به.
يطالب عدد كبير من الشباب في الشرق الأوسط بإحداث تغييرات عاجلة منذ سنة 2011 على الأقل. تمضي بعض الحكومات بوتيرة سريعة استعدادًا لتحديات الغد، في حين تتحرك العديد منها ببطء في الوقت الذي يزدهر فيه الابتكار على مستوى رواد الأعمال الشباب الذين يحرزون تقدمًا في معالجة التحديات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية والتنمية المستدامة.
تلعب هذه المنطقة دورًا رئيسيًا في التحديات العالمية الحرجة مثل التحول الطاقي ومواجهة تغير المناخ
في إطار مواجهة التحديات الطارئة، يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في التعامل مع حكومات الشرق الأوسط ورؤسائها الحاليين. ولكن على المدى الطويل، يمكن لحكومة الولايات المتحدة وكذلك القطاع الخاص والجهات الفاعلة في المجتمع المدني أن تساعد في بناء علاقات وتكوين شراكات مع الأجيال الصاعدة في المنطقة والسعي إلى تمكينها من تشكيل مستقبلها.
لا يعني تمكين الشعب دعم الديمقراطية الهشة وتشجيع حقوق الإنسان وإشراك الشعب في الساحة السياسية فقط، ولا يعني أيضا أن تغيير النظام ليس ممكنا إلا من خلال القوة العسكرية. يجب على الولايات المتحدة البحث عن طرق جديدة للتواصل مع الجيل الصاعد في المنطقة لتعزيز رؤية مشتركة لتحقيق الأمن والتمكين والتقدم.
يُنظر إلى الشرق الأوسط بأغلبية ساحقة على أنه بؤرة للمتاعب والمخاطر والأخبار السيئة. يمكن على المدى القصير رؤية بعض السيناريوهات الإيجابية، ولكن على المدى الطويل تلعب هذه المنطقة دورًا رئيسيًا في التحديات العالمية الحرجة مثل التحول الطاقي ومواجهة تغير المناخ.
ونظرا لأن الشباب شركاء في إحداث التغيير الإيجابي، يجب على الولايات المتحدة معايرة سياساتها ونهجها تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفقًا لذلك، وإيلاء اهتمام أكبر للتهديدات الحالية، والتعاون مع المنطقة فيما يتعلق القضايا الرئيسية مثل انتقال الطاقة ومواجهة تغير المناخ، للمساعدة في تشكيل مستقبل أفضل على المدى الطويل لكل من المنطقة والعالم ككل.