يمثّل الحمل مرحلة حساسة وفترة مميزة في حياة الأم، تكون هذه الفترة مليئة بالإثارة والترقب، لكن بالنسبة إلى الأمهات اللواتي كان “حملهن عزيزًا” أو يمرُرن بهذه المرحلة من الحمل، فإن الخوف والقلق والعيش في الشك وعدم اليقين عوامل قد تفسد عليهنّ هذا الوقت السعيد.
إذ يتعرض الزوجان خلال فترة الحمل لضغوط نفسية كبيرة، خوفًا على الجنين وأملًا في اكتماله على خير، وقد أُطلقت الأمثال على الحمل العزيز، مثل أن يُقال عن الابن الذي تضعه أمه بعد معاناة بأنه “ابن العازة”، أي الحاجة، ومن هنا جاءت تسميته بالعزيز.
فما مفهوم الحمل العزيز؟ وما هي أبرز المخاطر التي تواجه هذا الحمل؟ وهل هناك سبل حماية للحمل العزيز لكي يتمّ بسلام وأمان؟ وما هي طريقة الولادة الأنسب للحامل بالحمل العزيز؟
تقول أخصائية النساء والتوليد، الدكتورة ازدهار الوادية: “إن مصطلح الحمل العزيز هو دلالة على الحمل المتأخر، وغالبًا يحدث بعد استنزاف المرأة وسائل الحمل الطبيعية، أو بعد أن تواجه عدة تجارب مع الحمل غير المكتمل، والذي ينتهي مثلًا بإسقاط الجنين، وكثيرًا ما تكون السيدة فيه في مرحلة خطرة تحتاج إلى عناية تامة وراحة”.
وتضيف الدكتورة الوادية، خلال حديثها لـ”نون بوست”: “لا يتم تداول مصطلح الحمل العزيز بشكل كبير، ولكنه يبقى ضمن مصطلح الحمل بشكل عام، مع وجود اختلافات في طبيعة هذا الحمل بالطبع، وبالنسبة إلى مسمّى العزيز، فهو إدراك لطبيعة هذه النعمة بعد محاولات باءت بالفشل، وفيها شيء من التلطُّف”.
“الرحم في هذه المرحلة يكون بحالة، كما أسلفت، يحتاج بها إلى راحة واهتمام من المرأة بعد محاولات للحمل أرهقته، لذلك يكون هذا الحمل عزيزًا على قدرة الرحم من جهة وعلى رغبة الأم من جهة أخرى، فكل حمل مهما كان نوع الجنين هو حمل عزيز على الوالدَين”.. تتابع الطبيبة.
لا يمكن تعويضه
بدورها، أوضحت أخصائية أمراض النساء والتوليد والعقم، نبأ الجبوري، أن مفهوم الحمل العزيز هو الذي لا يمكن تعويضه، والذي واجهت الأم صعوبة الحمل به، على سبيل المثال أطفال الأنابيب والحقن المجهري، وأطفال أنابيب مع فحص الأجنّة في حال وجود تاريخ مرضي عائلي (خلل كروموسومات) كمتلازمة داون أو غيرها، أو طفل ذكر بعد عدة إناث، مشيرة إلى أنه في الغالب سيكون لدى الأم فرصة حمل أضعف في المستقبل.
يُعتبر سنّ المرأة من ضمن الحالات الأبرز في الحديث عن الحمل العزيز
وبالعودة إلى الدكتورة الوادية للحديث عن الأعراض التي ترافق الحمل العزيز، تبيّن أن غالبًا ما يترافق مع هذا النوع من الحمل الكثير من التعب والإرهاق غير العادي، والذي يكون غالبًا سببًا في استنزاف الطاقة من المرأة الحامل أو إحساسها الدائم بالكسل.
وتنصح الوادية كل سيدة تمرُّ بالأعراض ذاتها أو حملت في سنّ متأخِّر، الأربعين فما فوق، بأخذ أقصى درجات الراحة، بسبب الضغط النفسي أولًا، وثانيًا بسبب صعوبة هذا النوع الذي قد ينشأ عنه طفل مشوَّه أو طفل يعاني من تشوُّهات داخل الرحم، أو أن يكون الضغط النفسي والإرهاق سببًا بألّا يكتمل هذا الحمل فيؤدّي إلى الإجهاض، مع ضرورة الالتزام بالنظام الغذائي الصحي وتناول المكمّلات الغذائية، كحمض الفوليك أسيد والحديد والكالسيوم.
من جهتها، تشير نبأ الجبوري إلى أهمية أن تقوم الحامل بإجراء فحوصات معيّنة على مدى فترة الحمل، تشمل فحوصات الدم حتى تطمئن الحامل على نسبة الحديد، وكذلك عدم وجود التهابات بقياس نسبة كرات الدم البيضاء؛ وفحوصات السونار الرباعي، وذلك لقياس طول عنق الرحم لتحديد طريقة الولادة، والوقاية من مخاطر الإجهاض، والتعرض لضعف عضلة عنق الرحم.
أيضًا القيام بتحليل السائل المحيط بالجنين لكشف أي تشوهات خلقية عند الجنين، وتحليل البول باستمرار للكشف عن مرض السكر والتهابات البول، وارتفاع نسبة الأملاح، إلى جانب ممارسة الحامل رياضة المشي في الهواء الطلق لمدة نصف ساعة على الأقل كل يوم، لأن المشي من أفضل الرياضات للحامل.
الحمل العزيز وسنّ المرأة
يُعتبر سنّ المرأة من ضمن الحالات الأبرز في الحديث عن الحمل العزيز، حيث تقول تياتيا تاسيا في تقرير لها نُشر عبر موقع “إف بي ري” الروسي، إنه رغم أن إنجاب طفل يجلب الكثير من البهجة والسعادة لحياة المرأة، إلا أن الحمل في هذه المرحلة (أي سنّ الأربعين) ينطوي على الكثير من المخاطر.
في هذه النقطة، بيّنَ الدكتور عمرو عبد العزيز، المختصّ في علاج مشكلات الحمل وتأخُّر الإنجاب، أن الحمل العزيز هو حمل متأخر أو تمَّ الحصول عليه بواسطة التلقيح الصناعي أو الحقن المجهري، وغالبًا ما يتم ذلك في سنّ الثلاثينات، حيث تدرك المرأة أهمية وحتمية إنجاب الطفل قبل دخولها عامها الأربعين، بالإضافة إلى رغبتها الحميمة في الحصول على طفل بعد سنين من المحاولة، وغالبًا ارتبطَ “الطفل العزيز” أو الغالي بالسنّ المتقدِّم للمرأة.
وذكرَ الدكتور خلال حديثه لـ”نون بوست”، أنه من بين أهم المشكلات الصحية التي قد تواجه المرأة أثناء الحمل بعد سنّ الـ 45، هو احتمال الإصابة بأحد الأمراض المزمنة، لذلك تصل نسبة خطورة الحمل في هذا العمر إلى 50%.
لا ترتبط هذه المشكلة بالعمر فقط، وإنما بالتغييرات في الجسم التي ترتبط بالعمر، بما في ذلك التغييرات الهرمونية، أو مشكلات صحية أخرى قد تزيد احتمال إجهاض الجنين، والولادة المبتسرة، أي ولادة الطفل حيًّا قبل استكماله 37 أسبوعًا من الحمل، وتشكّل مضاعفاتها السبب الرئيسي للوفاة بين الأطفال.
تجربة وتساؤلات
تسأل روندا (26 عامًا) في شهرها الثامن عن علاقة “الحمل العزيز” بأنها لا تلد ولادة طبيعية، خاصة بعدما أخبرتها طبيبتها أنها لن تضطر للمخاطرة وتفضِّل إجراء عملية قيصرية للولادة، رغم أن الأم حملت بعد 4 سنوات من الانتظار دون تدخُّل طبّي، ووُضع الجنين طبيعيًّا ولا خطر على صحتها.
بينما تزوجت مرام وهي في منتصف الثلاثينات، واجهتها أمراض منعتها من تحقيق حلم الأمومة بسهولة، حيث أجهضت 5 مرات ولا تزال تحتفظ بسرير أول طفل حملت به، وأغراض الأطفال التي جمعتها في كل حمل مرّت به ولم تُكتب له الحياة، قبل أن تنجح أخيرًا من خلال عملية زراعة الأنابيب.
الأمهات المتأخرات في الحمل غالبًا يعانين من عدة مشكلات، قد ترتبط إحداها بتأخير الحمل
تتمنى مرام أن تصبح أمًّا، تقول لـ”نون بوست”، وتضيف أن أكثر ما تواجه في حملها الحالي هواجس فقدان الجنين رغم تأكيد الأطباء أنه على ما يرام، ومخاوف حدوث مضاعفات أثناء الولادة قد تؤثر على صحتها الإنجابية مستقبلًا، إلا أنها لا تزال تتمسك بأمل ضئيل لن تضيّعه في تكوين عائلة مليئة بصخب الأبناء.
إجابةً عن تلك التساؤلات، تقول الأخصائية ازدهار الوادية إنه بالنسبة إلى الولادة، غالبًا وفي أكثر الحالات تكون الولادة القيصرية هي الأقل خطورة على نبض الجنين والأم، خاصة إذا كان هناك مضاعفات للحمل أو مضاعفات على صحة الجنين، مثل دقات القلب المنخفضة.
مستدركة: “بعض الأطباء يفضّلون إعطاء الأم فرصة للولادة الطبيعية، لكن مع المتابعة والمراقبة الشديدة للحالة، كثيرًا وعند اللحظات الأخيرة يتراجع الطبيب المختص عن الولادة الطبيعية وتحويلها إلى عملية قيصرية”.
توافقها بذلك الاستشارية نبأ الجبوري بالقول: “يفضّل الأطباء أن تلد المرأة التي تحمل بصعوبة وبمتاعب كثيرة عن طريق الولادة القيصرية، تحديدًا في حال كانت في سّن متقدِّم، لأنها تكون عرضة للخطر مع جنينها”.
وترى أنه “لا يفضَّل أن تلد المرأة الحامل عن طريق زراعة أطفال الأنابيب ولادة طبيعية، بل يفضَّل أن تلد ولادة قيصرية، كما أنه من غير الصواب أن تلد المرأة الحامل بتوأم عن طريق الولادة الطبيعية خوفًا على سلامة الأجنّة، والتي يصنَّف حملها بأنه من “الحمل العزيز””.
بينما أوضح الدكتور عمرو عبد العزيز، المختص بعلاج تأخُّر الحمل والإنجاب، أن جميع المراجع الطبية والدراسات العلمية لم توصِ بإجراء ولادة قيصرية للحمل الطبيعي، إنما أوصت بإجراء ولادة قيصرية في حال وجود مشكلة للطفل أو مشكلة في حوض الأم أو بانقباضات الولادة.
وأضاف خلال حديثه لـ”نون بوست” أن الأمهات المتأخرات في الحمل غالبًا يعانين من عدة مشكلات، قد ترتبط إحداها بتأخير الحمل، إلى جانب كونها واحدة ممّا يسمّى “ما يمنع عنهنّ الولادة الطبيعية”، مثل المشكلات الموجودة داخل الرحم، والتي قد تعيق الحمل بصورة طبيعية، مثل الحاجز الرحمي والتشوهات الخلقية لعضلة الرحم وغيره.
لا يشكّل خطرًا
تواجه النساء اللاتي خضعن لعملية ولادة قيصرية، ويشكّل الحمل العزيز 50% منهن وفقًا لإحصاءات طبية، مشكلة أثناء حملهن الثاني عند لحظة الاختيار بين تجربة الولادة الطبيعية أم تكرار الولادة القيصرية.
وحول سؤالنا هل ستتكرر التجربة في الحمل الثاني، أفاد الدكتور عبد العزيز أنه من الممكن أن تتمَّ ولادة طفل بطريقة طبيعية بعد ولادة قيصرية، بشرط وجود “قيصرية” واحدة فقط سابقًا، وتلاشي السبب الداعي للولادة القيصرية في المرة الأولى.
مجالات الطب الواسعة أصبحت حديثًا على قدر عالٍ من التطور في التعامل مع جميع حالات الحمل لدى النساء، بغضّ النظر عن اختلاف ظروفها
وفسّرَ الأسباب المباشرة في ارتفاع معدلات الولادة القيصرية للحمل العزيز: أولًا وجود مشكلة ما داخل تجويف الرحم لدى الأم قد منعتها من الحمل أو أخّرتها عن الحمل، بالتالي أصبح حملها حملًا عزيزًا، وتساهم تلك المشكلة أيضًا في تعارُض حدوث ولادة طبيعة.
أما السبب الثاني -وهو الأكثر شيوعًا- يتمثل بتجنُّب الكثير من الأمهات أصحاب الحمل العزيز الولادةَ الطبيعية، معتقدات بشكل خاطئ بزيادة نسبة المخاطرة في الحمل الطبيعي.
وقد يوافق بعض الأطباء الأمهات على ذلك باعتبار أي إجراء طبي يستلزم أولًا الحصول على موافقة الأم، فإذا لم توافق الأم على إجراء ولادة طبيعية يكون الطبيب مسؤولًا عن احترام رغبة الأم في تحديد طريقة الولادة، طالما لا يوجد ظرف صحي يلزم الأم بخيار واحد لا مفرّ منه، وفق الدكتور عبد العزيز.
تدعم بعض التقارير الطبية هذا الاتجاه، بالقول إن النساء اللاتي يفضّلن الولادة القيصرية بعد إجراء ولادة قيصرية سابقة تقلّ احتمالية تعرضهن لمضاعفات خطيرة، حيث وجد باحثون أستراليون انخفاضًا في احتمالية حدوث وفاة للجنين مقارنة مع من يفضّلن الولادة الطبيعية.
تفيد التقارير ذاتها أن فرصة حدوث تمزُّق في الرحم، على سبيل المثال، تراجعت بين الأمهات اللاتي فضّلن تكرار الولادة القيصرية، ولكن يشير خبراء إلى انخفاض المخاطر بشكل عام حال إجراء ولادة طبيعية أو قيصرية، لافتين إلى أن المرأة يجب أن تناقش الخيارات المتاحة والمخاوف مع طبيبها الخاص.
والخلاصة؛ أن مجالات الطب الواسعة أصبحت حديثًا على قدر عالٍ من التطور في التعامل مع جميع حالات الحمل لدى النساء، بغضّ النظر عن اختلاف ظروفها، كما تستنتج الدراسات والأبحاث المختصة.