ترجمة وتحرير: نون بوست
في كتابي “الاتجاهات التكنولوجية في الممارسة“، تحدّثت عن الكثير من اتجاهات التكنولوجيا التي أضحت تنتقل بالفعل من أقسام البحث والتطوير إلى الحياة اليومية، ولكنني أعتقد أن الاتجاهات الخمسة التالية سيكون لها التأثير الأعمق على مجتمعنا والجنس البشري ككل.
الذكاء الاصطناعي
يُشير الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي إلى قدرة الآلات على التعلم والتصرف بذكاء، أي اتخاذ القرارات وتنفيذ المهام وحتى التنبؤ بالنتائج المستقبلية بناءً على ما تتعلمه من البيانات.
يلعب الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بالفعل دورًا مُهمًا في الحياة اليومية أكبر مما قد تتخيله. تتوفر حاليًا العديد من المنتجات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي بدءًا من منتجات أمازون مثل “أليكسا” و”سيري” وتوصيات شبكة “نتفليكس” و”سبوتيفاي” المخصصة، وكل عمليّة بحث تقوم بها على محرّك “غوغل” وصولًا إلى الفحوصات الأمنية لعمليّات شراء بطاقات الائتمان الاحتيالية وتطبيقات المواعدة وأجهزة تتبع اللياقة البدنية.
من شأن الذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورةً في كل جانب من جوانب الحياة الحديثة تقريبًا. قال ستيفن هوكينغ إن “النجاح في إنشاء الذكاء الاصطناعي سيكون أكبر حدث في تاريخ البشرية. ولكن لسوء الحظّ، قد يكون آخر حدث أيضًا ما لم نتعلم كيفيّة تجنّب المخاطر”.
من المحتمل أن تكون هناك مخاطر جسيمة على المجتمع والحياة البشرية التي نعرفها، لا سيما عند التفكير أن بعض البلدان تتسابق لتطوير أسلحة ذاتية التشغيل مدعومة بالذكاء الاصطناعي. كما أن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي هما الأساس الذي تُبنى عليه العديد من التكنولوجيات الأخرى. فعلى سبيل المثال، لولا الذكاء الاصطناعي لم نكن لنحقق التقدم المذهل في إنترنت الأشياء أو الواقع الافتراضي أو روبوتات الدردشة أو تقنية التعرف على الوجه أو الروبوتات أو الأتمت أو السيارات ذاتية القيادة، وما إلى ذلك.
سيساهم الذكاء الاصطناعي أيضًا في تغيير الوظائف البشرية. بعبارة أخرى، ستؤثر الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي بشكل كبير على العمالة وقد تؤدي إلى استبدال العديد من الوظائف. ولكن بدلًا من الاشتراك في رؤية مستقبل بائس حيث تستبدل الروبوتات البشر في جميع الوظائف، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيجعل حياتنا العملية أفضل. سوف يُعزز الذكاء الاصطناعي عمل البشر وستُظهر وظائف جديدة لتحل محلّ الوظائف المفقودة.
عندما تصبح الآلات أكثر ذكاءً وقدرةً على تنفيذ المزيد من المهام البشرية، أعتقد أن قدراتنا البشرية الفريدة وأشياء مثل الإبداع والتعاطف والتفكير النقدي ستُصبح مستقبلًا أكثر قيمة وأهميّة في أماكن العمل.
تكنولوجيا الجينات
إن علم الجينوم مجال متعدّد التخصصات في علم الأحياء يُركّز على فهم ومعالجة الحمض النووي وجينوم الكائنات الحية. أما التحرير الجيني، هو عبارة عن مجموعة من التقنيات التي تمكن الهندسة الوراثية من تغيير الحمض النووي والبنية الجينية للكائنات الحية.
تتطوّر التكنولوجيا الحيويّة إلى النقطة التي يُمكن فيها تغيير الحمض النووي المشفر داخل الخلية، وهذا من شأنه أن يؤثّر على الخصائص أو السمات التي ستميّز باقي السلالة. في النباتات، يمكن أن يؤثّر ذلك على عدد الأوراق أو لونها بينما بالنسبة للبشر يمكن أن يؤثر ذلك على طول القامة أو لون العينين أو احتمال الإصابة بالأمراض. وهذا يفتح مجموعة من الاحتمالات التي تكاد تكون غير محدودة، لأن ذلك يعني أن أي خاصية موروثة للكائن الحي يمكن تغييرها نظريًا.
تُجرى العديد من البحوث على تعديل الجينات في مجال الرعاية الصحية. وتشمل أكثر المشاريع الحالية المثيرة للاهتمام مشروع تصحيح طفرات الحمض النووي التي يمكن أن تؤدي إلى أمراض خطيرة مثل السرطان أو أمراض القلب.
ولكن يُطرح عدد كبير من المخاوف الأخلاقية والقانونية، ربما أكثر من أي تكنولوجيا أخرى، بالإضافة إلى تساؤلات من قبيل “ماذا لو” عندما يتعلق الأمر بالتلاعب والتحرير الجيني. ويُذكر أن تعديل الجينوم البشري محظور حاليًا في العديد من البلدان، بما في ذلك معظم الدول الأوروبية ذلك أن نتائجه على المدى الطويل غير مفهومة.
مع وجود تقنيات مثل علم الجينوم، قد يكون من السهل انجراف المجتمع نحو التفكير في احتمالات مثل القضاء على السرطان أو حتى إطالة عمر الإنسان إلى أجل غير مُسمّى. وفي الواقع، من المرجّح أن تكون مثل هذه التطورات الهائلة بعيدة المنال، هذا إذا كانت ممكنة في الأساس. ومن الممكن أن يكون التركيز على حلّ المشكلات الأصغر التي سيكون لها تأثير فوري على العالم الحقيقي أكثر فائدة على المدى القصير.
الإنسان وواجهة الحاسوب
يُنشئ هذا المجال أجهزة وتقنيات يمكن ارتداؤها تساعد على تحسين الأداء البدني والعقلي المحتمل للبشر وتساعد على عيش حياة أفضل وأكثر صحة. وتشمل أكثر الأمثلة انتشارًا للأجهزة القابلة للارتداء اليوم عصابات المعصم لتعقب اللياقة البدنية والساعات الذكية: وهي عبارة عن أجهزة صغيرة وسهلة الارتداء تراقب أنشطتنا البدنية وتوفر رؤى تساعدنا على عيش حياة أكثر صحة ورفاهية وإنتاجية.
مع ذلك، لا يعني مصطلح “قابل للارتداء” بالضرورة شيئًا تربطه بمعصمك أو مكان آخر على جسمك، بل يشمل أيضًا الملابس الذكية مثل أحذية الجري التي يمكنها قياس خطواتك وأدائك، والتقنيات المتطورة مثل الأطراف الصناعية الروبوتية، والتكنولوجيا الروبوتية القابلة للارتداء المستخدمة في المواقع الصناعية.
وكلما أصبحت التكنولوجيا أصغر حجمًا وأكثر ذكاءً، توسّعت المجموعة الهائلة من الأجهزة “القابلة للارتداء”، وظهرت منتجات جديدة أصغر حجمًا وأكثر ذكاءً لتحل محل الأجهزة التي نألفها اليوم. ومع أننا نمتلك بالفعل نظارات ذكية، إلا أنه من المرجح أن تحل محلها مستقبلًا عدسات لاصقة ذكية يُمكن أن تُستبدل بدورها بعين آلية ذكية يقع ازدراعُها.
هذا التقدم التكنولوجي يجعل الكثيرين يعتقدون أن البشر والآلات سوف يندمجون في نهاية المطاف لخلق ما يسمى بـ “البشر المعززين” أو ما بعد الإنسان (transhumans) أو بشرًا رقميين 2.0، حيث يُعزز جسم الإنسان بالتقنيات تماما مثل سيارة رياضية لتحسين الأداء البدني والعقلي على حد سواء. وهذا الأمر من شأنه أن يغيّر عالم الطب وربما يتحدى في النهاية فهمنا لما يعنيه أن تكون إنسانًا.
على الصعيد الاجتماعي، نحن نتجه ربما نحو انقسام أكبر بين الأغنياء والفقراء وبين الطبقة البرجوازية والمعدمين. تعِدنا التكنولوجيا بمساعدتنا على عيش حياة أطول وأكثر صحة وتوفير فرصة الخلود فقط لمن يستطيعون تحمل تكاليف ذلك. إن تخيل مجتمع يكون فيه الأغنياء بشرًا خارقين خالدين، بينما البقية محرومون يطرح سؤالا أخلاقيا حول ما إذا كان ينبغي علينا أن نعيش حياة طويلة جدًا بالنظر للضغط الهائل الذي قد يفرضه ذلك على كوكبنا؟
الواقع الممتد (XR)
يشمل الواقع الممتد (XR) كلًا من الواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع المختلط، ويشير إلى استخدام التكنولوجيا لإنشاء تجارب رقمية غامرة أكثر. في الممارسة العملية، يُستخدم الواقع الممتد لتعزيز مشاركة العلامة التجارية والسماح للعملاء بتجربة المنتج قبل الشراء وتعزيز خدمة العملاء وجعل التعلم في مكان العمل أكثر فعالية وتحسين العمليات التنظيمية الأخرى.
تُوفّر تقنيات الواقع الممتد طرقًا مثيرة وجديدة كليا للأشخاص لتجربة العالم من حولهم. يوجد تطبيقات فعلية لهذه التقنية في عالمنا، ومن المرجح أن تغير بشكل كبير طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا. أنتجت تجارب الواقع المعزز القائمة على الأجهزة المحمولة، مثل تطبيق “بوكيمون غو”، أكثر من 3 مليارات دولار من الإيرادات العالمية في سنة 2018. وتعد تقنيات الواقع الممتد واجهة المستخدم في ميتافيرس، وهي فكرة العالم الافتراضي الذي يمكننا أن نكون فيه ما نريد أثناء استكشاف العالم الرقمي للألعاب أو اللقاءات أو الذهاب إلى المناسبات أو أي شيء آخر مثلما هو الحال في فيلم “ريدي بلاير وان”.
تُعد إمكانية الوصول والتوافر من جملة العقبات الواضحة التي يجب التغلب عليها، نظرا لأن سماعات رأس الواقع الممتد يمكن أن تكون باهظة الثمن ومعقدة. لكن التكنولوجيا ستصبح أكثر شيوعا، وبأسعار معقولة، ومريحة للاستخدام، مما سيزيد من فرص استخدامها على نطاق واسع. وتتمثل أكبر التحديات في الخصوصية والآثار العقلية والمادية المحتملة للتكنولوجيات الغامرة جدًا.
الطباعة ثلاثية الأبعاد
ترتكز الطباعة ثلاثية الأبعاد، المعروفة أيضًا باسم التصنيع المضاف، على إنشاء جسم ثلاثي الأبعاد من ملف رقمي من خلال بنائه طبقة تلو الأخرى. ومع أن هذه الطباعة قد تبدو منخفضة التقنية بشكل واضح أكثر من الذكاء الاصطناعي أو التحرير الجيني، إلا أنها قادرة على إحداث تحول كامل في التصنيع والصناعات الأخرى، فهي ستُمكن مصانع المستقبل من طباعة قطع الغيار بسرعة. كما يمكن استبدال خطوط التجميع بأكملها بطابعات ثلاثية الأبعاد، وطباعة الأنسجة البشرية لزراعتها، وطباعة الأسلحة، وحتى طباعة الطعام.
ورغم توفيرها للعديد من الفرص، يشوب هذه التقنية بعض الجوانب السلبية والتحديات والعقبات التي يجب التغلب عليها. وبما أنها قادرة على تقليل التأثير البيئي للتصنيع باستخدام عدد أقل من المواد بشكل عام، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار التأثير البيئي للطابعات نفسها.
تمثل الطباعة ثلاثية الأبعاد مشكلات لأصحاب الملكية الفكرية نظرًا لأنها تتيح للمزورين إنتاج سلع مرخصة مزيفة بأسعار زهيدة وبسهولة، إلى جانب مشكلة الأسلحة التي يمكن تصنيعها بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بسهولة. إن الشيء الوحيد الذي أجده مثيرا بشكل خاص حول الطباعة ثلاثية الأبعاد هو الإمكانية التي توفرها لإضفاء الطابع الشخصي الشامل على المنتجات، إذ يمكن تكييف المنتجات والتصميمات لتناسب الطلبات التي تقدم لمرة واحدة، وهو ما يمكن أن يغطي أي شيء بدءا من الأحذية الرياضية المصنعة حسب الطلب وصولا إلى الطعام المخصص لملائمة احتياجاتنا الغذائية الفردية.
أعتقد أنه من الضروري مراقبة هذه التقنيات التي ستؤثر بشكل كبير على حياة الإنسان والمجتمع في المستقبل.
المصدر: فوربس