في ديسمبر/ كانون الأول 2020 نشر موقع “مدى مصر”، تحقيقًا حول الجانب غير المرئي، أو الكواليس، في العلاقات بين النظام المصري وحكّام الإمارات، فضحت بالاعتماد على مصادر دبلوماسية مطلعة، اتساع الهوة بين الحليفين.
أبرز ما ورد في تلك المادة، كان أن التحالف الاستراتيجي الذي تأسّس على أرضية العداء للإسلام السياسي، والذي وصل ذروته في 3 يوليو/ تموز 2013، بدأ يفقد -بمرور الوقت- كثيرًا من زخمه، على خلفية تنامي النفوذ الإماراتي سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا في المنطقة، بما يتعارض مع كثير من ركائز الأمن القومي المصري.
اليوم، نرصد في “نون بوست” مزيدًا من التطورات والمسامير التي دُقّت في نعش هذا الصرح الدبلوماسي، الذي بدا ضخمًا للغاية وعصيًّا على الاختراق قبل 10 أعوام من الآن.. فما القصة؟
الصراع اللوجستي إلى العلن
من المعروف أن جانبًا معتبرًا من النفوذ الإماراتي في المنطقة قد بُني ابتداء، إلى جانب الصادرات النفطية التي تحتكرها إمارة أبوظبي وحدها تقريبًا، على استغلال الموقع اللوجستي الواعد لإمارة دبي في الخليج العربي كمعبر للتجارة الإقليمية والخدمات غير المباشرة، وتحديدًا ميناء جبل علي الشهير.
في الوقت نفسه، بات هناك باب معروف في الصحافة الاستقصائية الخاصة برصد دهاليز الاقتصاد السياسي الإقليمي وحركة الشحن والتجارة، عن عمل الإماراتيين على توسيع نفوذهم المماثل في الموانئ والمناطق الحرة التي قد تمثل تهديدًا لمكانة دبي وموانئها العالمية، بما في ذلك مدّ ذلك النفوذ إلى مناطق البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وشرق أفريقيا، وهو مستوى من النفوذ لم يكن من السهل تخيُّله قبل 50 عامًا من الآن، عمر الإمارات بشكلها الحالي.
بعد مساهمة الإمارات الفاعلة في دعم حركة الجيش ضد الإسلام السياسي المنتخَب في مصر عام 2013 أمنيًّا واقتصاديًّا، بدأت التقارير الأجنبية تتحدث عن طموح أبوظبي لمدّ شبكة نفوذها اللوجستي إقليميًّا لكي تشمل الاتجاه الاستراتيجي الشمال الشرقي للقاهرة، وتحديدًا ما يُعرف بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وذلك على خلفية تفكير الحكم المنتخب في استغلالها استثماريًّا، ما أصاب الإماراتيين بالفزع حينها عام 2012.
وضع الرئيس الأسبق، محمد مرسي، مشروع تنمية إقليم قناة السويس على رأس المشاريع القومية الرافعة لما أسماه “مشروع النهضة”، والتي شملت عدة مشاريع قومية مشابهة على أساس إعادة تعريف الجغرافيا الاقتصادية للبلاد، بما فيها مشروع “المثلث الذهبي”: القصير وسفاجا والبحر الأحمر، وهو مشروع تعديني استثماري جنوبًا في صعيد مصر.
بعد عام 2013، عادَ مشروع الاستفادة من الموقع اللوجستي لقناة السويس بما يفوق الوضع الحالي، الذي يعتمد على رسوم العبور حصرًا، إلى الواجهة، بالتعاون مع جهات أجنبية شرقية بارزة مثل الجانب الروسي الذي يخطِّط لتدشين مدينة صناعية ضمن ذلك المشروع، والجانب الصيني الذي يمتلك استثمارات بالفعل هناك في صناعات محدَّدة مثل الفايبر غلاس.
ولكن الملاحظ أن الإمارات أيضًا ألقت بثقلها الرمزي والفعلي في تلك المنطقة الحساسة، إلى جانب تلك التحالفات الشرقية المذكورة، ضمن مخطط للاستثمار الأفقي والرأسي في الاقتصاد المصري، يعتمد على استهداف قطاعات ومناطق بعينها، مثل العمل مع الصندوق السيادي والاستحواذ على شركات كبرى في مجال الصناعات الدوائية والصيدلة.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تكثّفت تلك الغيوم فوق سماء القاهرة على مستوى سيادي، حينما نشبت مشادّة ضمنية بين الفريق كامل الوزير ذراع السيسي الميداني في مشاريع المقاولات، ووزير النقل والرئيس السابق للهيئة الهندسية للقوات المسلحة من جهة، وسيف المزروعي رئيس موانئ أبوظبي من جهة أخرى.
قصة المشادة هي أنه بينما كان كامل الوزير مندمجًا في شرح عناصر الخطة الوطنية المدعومة من السيسي، على حدّ قوله، لتوطين الصناعات الوطنية المهمة في البلاد وجذب الشركات العالمية، إذ به يجد المسؤول الإماراتي منهمكًا في الضحك، ما فهم منه أنه استهزاء بمضمون خطاب الوزير.
قاطع الوزير ضحكات زميله المزروعي بغضب، حالفًا على قدرته وفريقه وعزمهم على إنجاح تلك الخطة، التي لا تهدف وفقًا لاستدراكه إلى محاربة الاقتصاد الإماراتي، بقدر ما يمكن تصنيفها على أنها ضرب من المنافسة الصحّية بين الأشقاء.
سلّطت وسائل الإعلام المختلفة، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، الضوء على تلك الواقعة باعتبارها حدثًا غير مسبوق، لخروج ذلك الخلاف الذي كان مقصورًا على الغرف المغلقة والكواليس إلى النور، ووجّهت بعض وسائل الإعلام الإماراتية انتقادات للوزير على تلك الواقعة، من باب ضرورة عدم إخراج تلك الخلافات إلى العلن حتى لا يشمت المتربّصون.
الهجوم على الدين الإبراهيمي
يعدّ ما يُعرَف بالدين الإبراهيمي أحد ركائز وخلاصات الدبلوماسية الإماراتية في الإقليم، والذي تبلور سياسيًّا قبل أكثر من عام في “اتفاقات إبراهام” التي جمعت بين عدد من الدول الخليجية، على رأسها الإمارات من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، برعاية أمريكية.
تمثّلُ تلك الدعوة ذروة تطور الدبلوماسية الإماراتية التي تروِّج لإمكان إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على مبدأ الاقتصاد مقابل السلام، عوضًا عن المبدأ التاريخي المبني على مقولة “الأرض مقابل السلام”، والمضيّ قدمًا في التطبيع مع “إسرائيل” اليهودية على أرضية دينية توحِّد العقائد الإبراهيمية الثلاث.
وتجتهدُ الإمارات الحديثة في رعاية وتخديم ذلك التصور، من خلال استضافة القيادات الروحية الكبرى للديانات الثلاث، شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، بالتوازي مع فتح أبوابها منفردة من بين الدول العربية لقوافل السياحة اليهودية القادمة من “إسرائيل”، والسماح بتدشين دور عبادة يهودية في الإمارات الكبرى، أبوظبي ودبي.
من جانبهم، يجمع المحللون الأمنيون المصريون على أن اتفاقيات التطبيع التي تصدّرتها أبوظبي تؤثر سلبًا على المصالح السياسية المصرية على المدى البعيد، نظرًا إلى تقديمها الإمارات كوسيط محتمَل بين الإسرائيليين والفلسطينيين على حساب القاهرة، وإلى المكاسب الاستراتيجية التي قد تجنيها من وراء هذه الاتفاقات، وعلى رأسها تعزيز التفوق التقني العسكري للإمارات بين الجيوش العربية، وبالأخص حال إتمام صفقة مقاتلات إف-35.
بارك النظام المصري، أولًا بأول، اتفاقيات التطبيع تلك من الخليج العربي إلى حدوده الجنوبية مع السودان، مدفوعًا في الأساس بعدم رغبته في إغضاب المموّل الإماراتي، كما تغاضت المؤسسات الدينية الكبرى في القاهرة، الأزهر والكنيسة، عن السير في ركب إدانة تلك الاتفاقيات، رغم تقديمها لتصور ديني جديد يتعارض مع ثوابت تلك المؤسسات ويضرّ بالمصالح المصرية.
في الاحتفال بعيد الميلاد المسيحي في مصر مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، هاجم البابا تواضروس الدين الإبراهيمي المدعوم من الإمارات لأول مرة بشكل صريح، واصفًا إياه بالمرفوض، المرتبط برؤية سياسية والمناقض للأديان السماوية الثلاثة.
بعد 3 يوليو/ تموز 2013، باتت مؤسستا الأزهر والكنيسة رديفَين واضحَين لمواقف النظام المصري السياسية إقدامًا أو إحجامًا، وذلك استنادًا إلى موقفهما المتورط في مشهد الإطاحة بالحكم المنتخب ضمن ما عُرف بتحالف “القوى الوطنية المصرية”، وتساوقًا مع موقف السيسي الحاسم حيال ضرورة اصطفاف كل المؤسسات، الأمنية والقانونية والإعلامية والدينية، خلف النظام الجديد، تجنُّبًا لأي تحركات شعبية جديدة قد تؤثِّر على مصالح تلك المؤسسات.
بناءً على تلك المعادلة، استفادت تلك المؤسسات كثيرًا من دعمها للنظام السياسي الحاكم، فقد حاز الأقباط مكاسب تاريخية غير مسبوقة في عهد السيسي، بداية من التوسع في بناء الكنائس إلى تعيين شخصية مسيحية على رأس المحكمة الدستورية العليا، كما ظلَّ الطيب في مأمن من الإطاحة رغم كل المناوشات المعروفة بينه وبين السيسي.
ما استجدَّ في علاقة تلك المؤسسات الدينية بالتطبيع الإماراتي مع الاحتلال تحت مظلة الدين الإبراهيمي، أن حالة التغاضي والتجاهل لإدانة هذه المساعي، قد تحولت مؤخرًا بشكل متزامن من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، حيث هاجم الأزهر والكنيسة، الطيب وتواضروس تباعًا، تلك المنظومة الدينية الجديدة بشكل مباشر، ما ينمّ على أن هذا التحول ليس من قبيل المصادفة.
في وقت سابق، كانت المؤسستان نفسهما قد شكّلتا رأس حربة ناعمًا للنظام المصري في معاركه السياسية خارجيًّا أيضًا، بشكل متزامن، بما في ذلك الموقف من سدّ النهضة، والذي لوّح فيما يخصه البابا تواضروس، الذي تربطه علاقة تاريخية بالكنيسة الإثيوبية، بإمكان استخدام الخيار العسكري، حال فشل الطرق السلمية لحماية الموارد المائية المصرية.
في الاحتفال بعيد الميلاد المسيحي في مصر مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، وفي برنامج على قناة رسمية مصرية، مع المحاورة التي طالما عُرفت بصلتها الوثيقة بالنظام المصري، درية شرف الدين، هاجم البابا تواضروس الدين الإبراهيمي المدعوم من الإمارات لأول مرة بشكل صريح، واصفًا إياه بالمرفوض، المرتبط برؤية سياسية والمناقض للأديان السماوية الثلاثة.
تخضع تلك اللقاءات المهمة لترتيبات صارمة، حيث تتدخّل في إعدادها أذرع الأجهزة الأمنية المصرية في ماسبيرو، ويتمّ اختيار الأسئلة الواردة فيها بشكل دقيق اتّساقًا مع المسموح به لدى كل من المستضيف والضيف، ومن اللافت أن هذا التصريح جاء مباشرة بعد وقت قصير من تصريح مماثل لشيخ الأزهر، وهو ما يرجّح أن هناك تصعيدًا مصريًّا مقصودًا ضد الإمارات في هذا الملف.
تثبيت النظام الإثيوبي
وفقًا للسردية التي روّجها السيسي عن مشروع سد النهضة الإثيوبي، فقد استغلَّ الجانب الإثيوبي التوترات السياسية والاجتماعية التي ضربت مصر مطلع العقد الماضي، للمضيّ قدمًا في مشروع بناء السد وتحويل مسار النهر، دون التنسيق مع مصر والسودان، أو كما قال السيسي نصًّا: “لولا 25 يناير ما كان سد النهضة”.
بالتبعية وبناءً على تلك الرواية التي أسهب السيسي في تكرارها، كان بديهيًّا أن يستغلَّ النظام المصري المستقرّ منذ عام 2014 التوترات السياسية والاجتماعية المقابلة في إثيوبيا لعرقلة مشروع السدّ، إما بعمل عسكري وقائي منفرد، وإما بالتنسيق مع الخرطوم، وإما بدعم المتمردين على الأرض، وإما بتكثيف الضغط على الجانب الإثيوبي في المحافل الدولية.
منذ نهاية عام 2020 تقريبًا، اندلع صراع أهلي واسع النطاق في أراضي الحبشة التاريخية، بين جبهة تحرير تيغراي والسلطة المركزية في أديس أبابا، على خلفية الصراع على الحكم واتّهام آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، من جانب خصومه بمحاولة الاستئثار بالإدارة، خلافًا للوعود الوردية التي جاء بها وحصل إثرها على جائزة نوبل المرموقة في السلام.
في المادة المرجعية التي نشرها “مدى مصر” بخصوص أسباب توتر العلاقات المصرية الإماراتية، وردَ أن أحد أسباب إحباط القاهرة من أبوظبي، هو تجاهل وعزوف الأخيرة استخدام نفوذها الاقتصادي الواسع في أفريقيا عامة وإثيوبيا خاصة، للضغط على آبي أحمد للقبول بالصيغة المصرية المتسامحة كثيرًا إزاء المشروع، وهي التوصُّل إلى اتفاق ملزم لملء وتشغيل السدّ، دون ضرر “ذي شأن” على القاهرة.
تعزو معظم التحليلات قدرة نظام آبي أحمد على احتواء الحملة العسكرية التي كادت تودي بأركان حكمه كليًّا، إلى الدعم التقني المقدَّم من شبكة منافسي القاهرة في تلك المنطقة من القارة، والتي كان نصيب الإمارات منها مدّه بالمسيّرات الصينية المتطورة من طراز “وينغ لونغ“.
ولكن الحرب الأهلية الأخيرة كشفت أن الانحياز الإماراتي ضد المصالح المصرية في منابع النيل، لم يتوقف عند تجاهل الضغوط المطالبة بالتأثير على إثيوبيا، ولكنها امتدَّت إلى العمل الميداني الدؤوب، ضمن شبكة من المنافسين الإقليميين للقاهرة، لمنع انهيار نظام آبي أحمد والحفاظ على استقرار الأوضاع في أديس أبابا، بما يتعارض مباشرة مع المصالح المصرية في هذا الملف، والتي تذهب في اتجاه استمرار استنزاف الموارد المحلية للأطراف المتصارعة بما يعطّل مساعي إكمال المشروع، أو يضعف مقاومة إثيوبيا أمام الضغوط المصرية.
تقول التقارير إنه حتى شهور قليلة مضت، كان نظام آبي أحمد على وشك السقوط، بالنظر إلى قدرة مقاتلي تيغراي على تحويل الهجوم على الإقليم الشمالي إلى هجوم مضاد أدّى إلى أسر المئات من عناصر الجيش الإثيوبي، والزحف السريع للغاية باتجاه العاصمة بحيث تبعد الكتائب المقاتلة عن مقرّ الحكم أقل من 130 كيلومترًا فقط.
ولكن الدعم الخارجي الميداني المستمر من شبكة المنافسين الإقليميين لمصر ساعدت في قطع الطريق على تلك الخطة، والتي كان آبي أحمد قد اتّهم النظام المصري على إثرها صراحة بالمساهمة في إثارة الفوضى في البلاد، بغرض تعطيل المشروع القومي الإثيوبي لتوليد الكهرباء من حجز المياه في سد النهضة.
أمدّ الثلاثي، الإمارات وتركيا وإيران، بشكل رئيسي نظام أحمد بما يلزمه من تدفقات مستمرة لأسلحة نوعية جوية متطورة متخصصة، في ما يُعرف في الدراسات الأمنية بـ”أدوات مكافحة التمرد”، والتي تأتي على رأسها الطائرات المسيّرة ذات القدرة الفعّالة على القصف رخيص التكلفة، ماديًّا وبشريًّا.
تعزو معظم التحليلات قدرة نظام آبي أحمد على احتواء الحملة العسكرية التي كادت تودي بأركان حكمه كليًّا، إلى الدعم التقني المقدَّم من شبكة منافسي القاهرة في تلك المنطقة من القارة، والتي كان نصيب الإمارات منها مدّه بالمسيّرات الصينية المتطورة من طراز “وينغ لونغ“، إلى جانب المسيّرات التركية والإيرانية.
كل الطرق لا تؤدّي إلى قناة السويس
مع اتفاقيات التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل”، أثير الحديث عن إمكانية تحويل أبوظبي المسار التقليدي لتصدير النفط من الخليج العربي والبحر الأحمر إلى البحر المتوسط، ليسلك طريقًا جديدًا مختصرًا بدلًا من قناة السويس، وهو ما اصطلح عليه اسم خط “إيلات-عسقلان”.
يعدّ هذا المشروع إحياءً لخطٍّ قديم كان يهدف في الأساس إلى توطيد العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، وقد صرّح مسؤولون مصريون علنًا أن هذا المشروع، وإن كان لن يؤثّر جوهريًّا على قناة السويس بالنظر إلى اعتماد التجارة العالمية على النقل البحري، وكونه خطًّا نفطيًّا لا تجاريًّا في الأساس، فإنه سيؤثر من حيث المبدأ على نسبة موجودة من عوائد عبور ذلك النفط العربي إلى أوروبا.
ومع مطالبات مصرية علنية للإماراتيين لوضع المصلحة المصرية في الاعتبار خلال مشاريع التطبيع مع الاحتلال، ربطَ محللون بين استهداف المقاومة الفلسطينية لبعض المنشآت الطاقوية الإسرائيلية البحرية في معركة “سيف القدس” في مايو/ أيار الماضي، واحتمال ضلوع النظام المصري في التنسيق الدبلوماسي مع المقاومة لرعاية قصف تلك الأهداف لإيصال رسالة خشنة إلى الطرفَين، الإسرائيلي والإماراتي، عن رفض مصر لتلك المشاريع.
وفي كل الأحوال، تعثّرَ مؤقتًا مشروع الربط النفطي بين الخليج العربي و”إسرائيل”، لأسباب يقول الطرفان المعنيان بالمشروع إنها تتعلق بالرفض المحلي في بعض البلدات الواقعة تحت سلطة الاحتلال لتنفيذ تلك المنشآت، خوفًا من الآثار البيئية لمرور النفط بجوار المدن الساحلية.
حال أتمّت البُلدان الثلاثة هذا المشروع الجديد، والذي يدخل أيضًا ضمن مساعي تعزيز العلاقات بين الإمارات وإيران، بحيث يكون الاقتصاد رافعًا للسياسة، فسيكون هذا المشروع الثالث من الإماراتيين الذي يهدف إلى تقليص الأهمية التراكمية لقناة السويس المصرية.
إلّا أن الظاهر أن البحث الإماراتي عن طرق بديلة، أسرع وأرخص، للمسارات البحرية المارّة بقناة السويس بمعزل عن الشواغل المصرية، ما زالت موجودة ومتنوعة، فقد وقّعت الإمارات قبل أشهر اتفاقًا لدعم خط شحن حاويات مع الجانب الروسي مرورًا بالقطب الشمالي، والذي يعدّ أحد أبرز المشاريع المنافسة مستقبليًّا لقناة السويس.
وبالتزامن مع العودة القوية للعلاقات التركية الإماراتية، والتي تجلّت في زيارتَي أردوغان وابن زايد، من وإلى البلدَين، خلال الأسابيع الأخيرة، والتي كانت آخر محطاتها زيارة أردوغان أبوظبي، فقد اتفق الطرفان، من ضمن ما اتفقا عليه، على تسيير طريق مزدوج، برًّا وبحرًا، لربط الإمارات بتركيا، عبر إيران، بدلًا من المرور بقناة السويس المصرية في حركة التجارة.
وفقًا للمشروع الذي يعدّ جزءًا من حملة أردوغان لتعظيم الموقع الجيوسياسي لبلاده، فإن البضائع ستخرج من ميناء الشارقة الإماراتي محمّلة في سفن عبر البحر إلى ميناء بندر عباس الاستراتيجي في إيران، ومنها بشاحنات في طريق برّية من الأراضي الإيرانية وصولًا إلى مرسين التركية، ومنها إلى أوروبا مستقبلًا.
حال أتمّت البُلدان الثلاثة هذا المشروع الجديد، والذي يدخل أيضًا ضمن مساعي تعزيز العلاقات بين الإمارات وإيران، بحيث يكون الاقتصاد رافعًا للسياسة، فسيكون هذا المشروع الثالث من الإماراتيين الذي يهدف إلى تقليص الأهمية التراكمية لقناة السويس المصرية، بعد مشروع نقل النفط المعروف بإيلات-عسقلان ومشروع نقل الحاويات مع روسيا.
ما الذي تبقّى من التحالف؟
من جهته، فضّل السيسي أيضًا البقاء بعيدًا عن التوتر الأمني في الخليج، ناكصًا تعهّداته التاريخية حيال أمن تلك البلاد المكشوفة، والذي اشتهر بتصريح “مسافة السكة”، رغم استهداف مواقع استراتيجية، نفطية ولوجستية خلال الشهور الأخيرة بشكل متكرر، والتي امتدت من السعودية لتشمل الإمارات.
وفقًا لهذه المستجدات، فإن التحالف المصري الإماراتي الذي تبلور في حركة الثالث من يوليو/ تموز 2013، لم يتبقَّ منه إلا الزيارات المكّوكية بين الطرفَين، لتقديم الدعم المعنوي أمام الإعلام الإقليمي بعد كل حدث مؤثر في المنطقة.
سارعَ ابن زايد لطمأنة السيسي هاتفيًّا، عقب نهاية زيارته التاريخية لأنقرة قبل أسابيع، والتي كانت الأولى منذ 10 أعوام، وأسفرت عن ترتيبات أمنية واقتصادية ضخمة؛ وردَّ السيسي بزيارة عاجلة لأبوظبي بعد استهداف الحوثيين العاصمة الإماراتية جوًّا لأول مرة منذ اندلاع الحرب عام 2015.
ولم يتبقَّ، فيما يبدو، من ذلك التحالف إلا بعض المليارات، الآخذة في التناقص لأسباب كثيرة، التي تمدّ بها أبوظبي القاهرة بين الحين والآخر، ضمن مسعى عدم ترك النظام العسكري في مصر ينزلق إلى الهاوية، والتي تحصل من خلالها الإمارات على نفوذ سياسي في الاقتصاد المصري، والذي يتكثّف من آنٍ إلى آخر في صورة استحواذ على قطاعات حيوية، مثل محاولة الحصول على حصة في شركة جهينة العملاقة للألبان، ومجموعة هيرمس المالية.