ترجمة وتحرير نون بوست
هناك احتمال كبير أن نشهد في الأشهر المقبلة اشتداد المنافسة الاقتصادية بين الصين وروسيا في آسيا الوسطى، إذ يبدو من المنظور الروسي أن التوسّع الاقتصادي الصيني قد يقوّض خطة بوتين لاتحاد اقتصادي أوراسيوي، وهو الذي تسعى له موسكو بقوة منذ سنوات.
في الأشهر الماضية اتجهت موسكو صوب بكين لتعزيز موقفها الدولي إثر التراجع الاقتصادي الروسي وتدهور العلاقات السياسية مع الغرب بعد أزمة أوكرانيا، وقد رحبت الصين بهذا اللجوء الروسي وعقدت صفقة غاز تاريخية مع موسكو، بيد أن التنافس الاقتصادي في آسيا الوسطى قد يهز تلك العلاقات الثنائية.
منذ تولي الرئيس الصيني شي جينبينغ وبكين تعلن صراحة عن خططها بشأن مبادرة طريق الحرير الاقتصادية، والتي تحتل فيها آسيا الوسطى موقعًا هامًا. يشمل المخطط استثمار عشرات المليارات من الدولارات في آسيا الوسطى لربط التجارة الإقليمية في المنطقة بالصين وزيادة انفتاحها، ويشمل أيضًا صندوق نقد قيمته 40 مليار دولار لتنمية البنى التحتية في الدول المجاورة للصين، لا سيما آسيا الوسطى التي تعاني من بنى تحتية هشة ورديئة ورثتها عن الاتحاد السوفيتي، والتي تعيق الانفتاح التجاري.
نشرت وكالة شينهوا الإعلامية الصينية الرسمية خارطة تفاعلية على موقعها تُظهِر مبادرة طريق الحرير، والتي تمر من منطقة هورجوس الحرة على الحدود الصينية القازاقية، وعبر قرغزستان وطاجيكستان، قبل أن تصل إلى إيران — في حين لا يبدو أن هناك موقع هام لتركمنستان على الخارطة، حيث تربطها بالفعل شبكة من خطوط الغاز بالصين حاليًا. يهدف صندوق النقد إلى كسر “عنق الزجاجة” الذي يحول دون الترابط الآسيوي عبر بناء منبر لتمويل مشروعات البنية التحتية في المنطقة، هكذا وصف الرئيس الصيني أهداف صندوق النقد.
بغض النظر عن مدى احتياج روسيا إلى الصين على المستوى الدولي حاليًا، إلا أنها لن تشارك بكين أبدًا حماسها بشأن مبادرة طريق الحرير وانفتاح اقتصادات المنطقة، حيث تروّج هي لاقتصاد مُغلق متمركز حول موسكو في شكل الاتحاد الاقتصادي الأوراسيوي.
يظهر بوتين وشي دومًا مبتسمَين، كما ظهرا مؤخرًا في قمة تعاون آسيا والهادي، إلا أن تلك الابتسامات تخفي علاقة أكثر تعقيدًا مما نظن. يقول بوبو لا، زميل ببرنامج دراسات روسيا وأوراسيا لدى مؤسسة تشاتام هاوس، أن مشروع طريق الحرير الاقتصادي الضخم، والمماثل لطريق الحرير القديم، قد يشمل في نهاية المطاف مسارات وطرق تجارية عدة، وقد يؤدي إلى تنمية البنية التحتية الروسية في الشرق، ولكنه أيضًا سيقوّض كثيرًا من النفوذ والسيادة الروسية التقليدية في آسيا الوسطى، “إذا كنت في موسكو، ستودّ لو تكون روسيا هي عربة القيادة لقطر طريق الحرير هذا، ولكن الحقيقة أنها ستكون مجرد عربة خلفية، حيث سيمثل الثقل الرئيسي للمشروع جنوب ووسط آسيا.”
تنتوي القيادة الصينية ربط طريق الحرير بمشروع أكبر، وهو منطقة التجارة الحرة لآسيا والهادي، والتي روّجت لها أثناء مؤتمر تعاون آسيا والهادي الأسبوع الماضي، وسيقوم هذان المشروعان، بجانب الخطة الاستراتيجية البحرية المعروفة باسم طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، على الانفتاح الاقتصادي والتجاري. يعني هذا أن تلك المشاريع ستكسر كل القيود في منطقة آسيا والهادي بشكل أوسع، وستُنذِر بمرحلة جديدة من الترابط الاقتصادي العميق والمفتوح، والذي سيبتلع في النهاية الاتحاد الأوراسيوي الذي تقوده الصين، هكذا يقول لي ليفان، أستاذ بأكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية.
على النقيض تقع الرؤى الروسية، والتي تفضّل اتحاد بقيادة روسية يتمتّع برقابة حدودية صارمة ومنظومة جمارك، وهو ما سيؤدي إلى عرقلة التجارة بين أعضاء الاتحاد والدول الأخرى. تحت ظروف كهذه، قد تشهد دول آسيا الوسطى تدهورًا في مستوى تجارتها الحالي مع الصين.
تبدو الصين ماضية في خططها، والتي تتحدث عنها منذ عام على الأقل بوضوح، حتى أثناء مؤتمرات منظمة شنغهاي — المعنية بالشؤون العسكرية والأمنية بشكل رئيسي وتضم روسيا والصين ودول آسيا الوسطى. على سبيل المثال، لم يتوانى الرئيس شي أثناء قمة المنظمة عام 2013 عن الحديث عن طريق الحرير والانفتاح التجاري، ووقّع اتفاقيات بعشرات المليارات من الدولارات مع كازاخستان وتركمنستان. منذ ذلك الحين، تزايدت النقاشات حول تحقيق مشروع طريق الحرير، وهي نقاشات لم ترتح لها روسيا على الإطلاق، والتي ترفض بالطبع تحويل منظمة شنغهاي إلى منظمة اقتصادية.
على الناحية الأخرى، من المفترض أن يتحوّل الاتحاد الجمركي الذي تقوده روسيا رسميًا إلى اتحاد اقتصادي أوراسيوي في مطلع هذا العام — وأعضاؤه حتى الآن روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا فقط. بالنسبة للبلدان التي تمتع بعلاقات اقتصادية قوية مع الصين تستفيد منها بقوة، سيكون الانضمام للاتحاد الجمركي قيدًا غير مرغوب فيه — أوزبكستان مثلا رفضت الانضمام.
يتوقع الكرملين انضمام قرغزستان وطاجيكستان في مطلع هذا العام لاتحاده الجمركي، غير أن هذا الأمر لا يبدو مؤكدًا بعد. فقد زار الرئيس الصيني طاجيكستان قبيل قمة تعاون آسيا والهادي، ووقّع مع نظيره الطاجيكي إمام علي رحمن اتفاقيات تضمن لدوشانبِه تمويل بكين لمشروع سكة حديد يربط شمال البلاد بجنوبها، ومحطة طاقة، ومشاريع زراعية محلية. جدير بالذكر أن التبادل التجاري بين البلدين ارتفع في أول ثمانية أشهر من هذا العام بحوالي 40٪ عن نفس المدة العام الماضي، ليصل إلى مليار ونصف المليار دولار.
يقول مظفّر عالِموف، مدير مركز الشرق التحليلي في دوشانبِه، “إذا ما قمنا بمقارنة الاتحاد الجمركي بطريق الحرير، سيكون طريق الحرير بالطبع أفضل لطاجيكستان، والتي لم تقرر بعد ما إذا كانت ستنضم بالفعل إلى الاتحاد الجمركي أم لا.”
المصدر: يوروآسيا