ترجمة وتحرير: نون بوست
“من المؤكد أن الحزب الحاكم سيتحمل مسؤولية أسعار الغاز المرتفعة، لذا يبدو أن السعوديين يستخدمون سلاح النفط ضد الديمقراطيين هنا”.
أجرى الرئيس جو بايدن في الأسبوع الماضي اتصالاً هاتفيًّا رفيع المستوى مع الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في محاولة لاستعادة العلاقة جزئيًّا مع المملكة العربية السعودية.
وبحسب بيان البيت الأبيض؛ فقد أكد بايدن من جديد خلال المكالمة استعداد الولايات المتحدة لمساعدة السعوديين في ما يسمى العمليات الدفاعية ضد الحوثيين في اليمن، بعد الهجمات الأخيرة من قبل الحوثيين على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، كما ألمح أيضًا إلى مناقشة إنتاج المملكة من النفط الذي ظل منخفضًا منذ أن رفضت المملكة العربية السعودية طلب بايدن زيادته في آب/أغسطس الماضي، وقال البيان إن “الزعيمين أكدا من جديد التزام الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية”.
واعتمد البيان السعودي لغة مماثلة؛ حيث قال: ” فيما يتعلق بأسواق الطاقة والنفط، أكد خادم الحرمين الشريفين [الملك سلمان] على أهمية الحفاظ على التوازن والاستقرار في أسواق النفط”، ولكنه يضيف تفصيلاً مهمًّا لم يرد ذكره في نسخة البيت الأبيض؛ فيقول البيان السعودي إن الملك سلمان “يؤكد على الدور التاريخي لاتفاقية أوبك بلس التاريخية… وأهمية الحفاظ على هذه الاتفاقية”.
ويقول الخبراء إنه بالنظر إلى اتفاقية منظمة الدول المصدرة للنفط ــ فإن العملية التي تحدد بها الدول الأعضاء المنتجة للنفط للأسعار والتي تمارس المملكة العربية السعودية نفوذًًا كبيرًا عليها باعتبارها أكبر بلد منتج للنفط ــ هي إشارة إلى أن المملكة تراجعت مرة أخرى عن زيادة الإنتاج، وبعَد المكالمة بوقت قصير، عزت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع أسعار الغاز إلى رفض المملكة العربية السعودية “المتواصل” لزيادة الإنتاج.
وفي تصريح عبر البريد الإلكتروني لموقع “إنترسبت”؛ أكدت إيلين والد، الزميلة الأقدم في “المجلس الأطلسي” ذلك قائلة: “قراءتي للفرق (تعني بين البيانين) هي أن ما حدث أساسًا هو أن البيت الأبيض مارس ضغوطًا على أوبك وأوبك بلس، و/أو المملكة العربية السعودية من أجل زيادة إنتاج النفط”، مضيفة: “كان رد المملكة العربية السعودية هو أنها تعمل في حدود التزاماتها في منظمة أوبك بلس، كما أنني لا أرى أن المملكة العربية السعودية تدفع لإعادة التفاوض على الصفقة للسماح بزيادة الإنتاج”.
ليس سرًّا أن محمد بن سلمان فضل إدارة ترامب، بعد ادعاءه أن صهر ترامب وكبير مساعديه جاريد كوشنر قد أصبح “في جيبه“
ونتيجة لهذا؛ فقد تستمر أسعار الغاز المرتفعة خلال انتخابات منتصف المدة؛ حيث كان لها تأثير حاسم على سلوك الناخبين تاريخيًّا، ولعل المثال الأكثر قبحًا لذلك كان أثناء أزمة النفط في عام 1979؛ حين انهار إنتاج النفط في أعقاب الثورة الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز بشكل حاد، وحينها وصف الرئيس جيمي كارتر انهيار إنتاج النفط، وهو يدرك تمامًا تأثير أسعار الغاز المرتفعة على احتمالات إعادة انتخابه، بأنه “المعادل الأخلاقي للحرب” (كارتر لم يفز بالولاية الثانية)، وقبل ذلك في السبعينيات من القرن الماضي أيضًا؛ خفّضت بعض بلدان الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، صادرات النفط كسلاح سياسي في إطار المنافسة ضد إسرائيل.
وصرح ناطق إداري (بالبيت الأبيض) لموقع إنترسبت قائلاً: “لعبت المملكة العربية السعودية تاريخياً دورًا حيويًّاً في ضمان حصول أسواق الطاقة العالمية على إمدادات جيدة لدعم الاقتصادات القوية والمرنة”، وتابع قائلًا: “أشار الرئيس إلى أن الأمر يكتسي أهمية خاصة الآن، خلال هذا الوقت من عدم الاستقرار الجغرافي السياسي و الانتعاش العالمي”.
ويؤكد الخبراء أنه حتى لو كان السعوديون قلقين فعلًا بخصوص الالتزام مع منظمة أوبك بلس؛ فهناك طرق أخرى يمكنهم بها خفض أسعار النفط، لكنهم يرفضون ذلك.
وصرح سمير مدني، وهو محلل نفطي سعودي ومؤسس مشارك في “تانكرز تراكرز Tanker Trackers” (وهو موقع خاص بأخبار النفط وتتبع شحناته)؛ لموقع إنترسبت: “يمكن للسعوديين أن يعززوا أو يكسروا سوق النفط بمجرد أن يقرروا ما ينبغي شحنه إلى الولايات المتحدة”، موضحًا أن المملكة تستطيع ببساطة أن تختار تصدير كميات أكبر من النفط إلى الولايات المتحدة من الكميات التي تم إنتاجها مسبقًا دون أن تمس مستويات الإنتاج.
وبلغت أسعار الغاز في شكلها الحالي أعلى مستوياتها منذ سبع سنوات. وأصبحت القضية مصدر قلق شديد للديمقراطيين إلى الحد الذي جعل البيت الأبيض وكبار المشرعين الديمقراطيين بصدد إصدار إعفاءات ضريبية فيدرالية على الغاز.
ورغم المخاوف الواضحة؛ تجنب بايدن إلى حد كبير إلقاء اللوم على المملكة العربية السعودية علنًا، ولكنه ألمح في تشرين الأول /أكتوبر الماضي رفضه الالتقاء مباشرة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كونه مرتبطًا برفض ضخ المزيد من النفط؛ حيث صرح بايدن – حينها – في لقاء مفتوح على قناة “سي إن إن” قائلاً: “يوجد الكثير من الناس الشرق أوسطيين يريدون التحدث معي لكنني لست متأكدًا من أنني سأتحدث معهم”.
وليس سرًّا أن محمد بن سلمان فضل إدارة ترامب، بعد ادعاءه أن صهر ترامب وكبير مساعديه جاريد كوشنر قد أصبح “في جيبه“؛ حيث امتثل محمد بن سلمان لطلب الرئيس دونالد ترامب بزيادة إنتاج النفط قبيل انتخابات منتصف المدة لعام 2018 وكذلك خفض إنتاج النفط لحماية صناعة النفط الصخري المحلية في وقت لاحق.
بارسي:”من الفوائد الرئيسية لخطة العمل الشاملة المشتركة (الصفقة النووية لإيران) أنها يمكن أن تساعد على الحد من اعتماد الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وضعفها أمامهم”
وفي الواقع؛ يبدو الإحباط واضحًا؛ فقد قال أحد كبار موظفي الكونجرس الديمقراطيين لموقع “إنترسبت” – شريطة عدم الكشف عن هويته، نظراً لعدم صلاحيته الحديث علنًاً – أنه: “من المؤكد أن الحزب الحاكم سيتحمل مسؤولية أسعار الغاز المرتفعة، لذا يبدو أن السعوديين يستخدمون سلاح النفط ضد الديمقراطيين هنا”، مضيفًا: “ونظرًا للدعم الهائل الذي قدمته إدارة بايدن للسعوديين، فإن كسر التزام الحملة الرئيسية بإعادة تقييم العلاقة مع المملكة كان يُتوقع منه أن يجعل السعوديين أكثر تعاوناً”، وذهب المسؤول إلى حد وصف رفض السعوديين زيادة الإنتاج بأنه “عقوبات اقتصادية” على الولايات المتحدة.
وسافر جاريد كوشنر إلى الشرق الأوسط قبل عدة أيام من مكالمة بايدن والملك سلمان، واجتمع مع الأمير محمد بن سلمان وغيره من كبار المسؤولين السعوديين، بما في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو في مقر شركة النفط الحكومية في الظهران، ولا يُعرف ما الذي تمت مناقشته؛ فلم يُجب كوشنر ولا شركته “شركات كوشنر” على طلب التعليق على الهدف من هذه الاجتماعات.
وإذا كان دافع رفض زيادة صادرات النفط سياسي؛ فمن غير الواضح ماذا قد يكون الحل؛ باستثناء التخلي عن عادة الاعتماد على الوقود الأحفوري لدينا، وهو ما عبر عنه بايدن في لقاء مفتوح لقناة “سي إن إن” في تشرين الأول/أكتوبر الماضي؛ حيث قال: “الجواب في نهاية المطاف هو، يعني في نهاية السنوات الثلاث أو الأربع القادمة، الاستثمار في الطاقة المتجددة”.
وقال تريتا بارسي؛ نائب الرئيس التنفيذي في “معهد كوينسي”، إن الصراع يؤكد على أهمية رفع العقوبات عن إيران ــ وهي منتجة رئيسية أخرى للنفط -؛ حيث يمكن أن يعمل معها بايدن لتجاهل رفض الرياض زيادة صادرات النفط.
وقال بارسي إن “من الفوائد الرئيسية لخطة العمل الشاملة المشتركة (الصفقة النووية لإيران) أنها يمكن أن تساعد على الحد من اعتماد الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وضعفها أمامهم، وستكون المملكة العربية السعودية أقل قدرة على إيذاء الولايات المتحدة بسلاحها النفطي إذا عاد النفط الإيراني إلى الأسواق”.
المصدر: ذا إنترسبت