ترجمة حفصة جودة
كتب أحمد الأطرش وكريم شهيب
قبل نحو 4 سنوات، عندما قصفت القوات الروسية المدعومة من الحكومة السورية محافظة إدلب شمال غرب سوريا، لم يكن أمام يوسف الجادو وعائلته المكونة من 10 أشخاص خيار إلا الهروب.
واليوم بينما يجلس في خيمته بمخيم أهل التح للنازحين شمال إدلب في نهار شتاء بارد، يخشى الجادو على حياة عائلته مرة أخرى بعد إغلاق أقرب مستشفى خيري نتيجة نقص التمويل، يقول الجادو: “لا يمكنني شراء الدواء لأطفالي، فبالكاد أوفر لهم الخبز، كيف أدفع للرعاية الصحية؟”.
مثل معظم السكان في شمال غرب سوريا الواقع تحت سيطرة المعارضة، يعتمد الجادو على المساعدات النقدية ومساعدات الطعام للبقاء على قيد الحياة، لكن مؤخرًا أغلقت أكثر من 10 مستشفيات خيرية في المنطقة أو قلصت عملها بسبب انقطاع تمويل المتبرعين الدوليين، وفقًا لما ذكرته منظمات طبية وجماعات محلية.
يقول الجادو إن أطفاله يعانون من سوء التغذية وإن طفليه ذوي الخمسة أشهر مصابان بتشنج العضلات، كما يعاني هو أيضًا من مرض في القلب، كانوا يعتمدون على المستشفيات لتزويدهم بالرعاية والعلاج المجاني بانتظام.
مع تفاقم الوضع سوءًا، يشعر المهنيون الطبيون بالضغط أيضًا، يحاول الدكتور أديب عبد الرحمن الإبقاء على عمل مستشفى حريتان للنساء والأطفال شمال إدلب، في ديسمبر/كانون الأول استقبل رسالةً إلكترونيةً من المتبرع الرئيسي للمكان “Relief International” التي تخبره باضطرارها لوقف التمويل نتيجة قيود على الميزانية، نتيجة لذلك يعمل موظفوه بالمجان لاستيعاب آلاف المرضى شهريًا.
يقول عبد الرحمن: “لكن هذا الوضع غير محتمل، فنحن نوفر خدمات مجانية لنحو 7 آلاف مريض شهريًا”، يعمل المستشفى حاليًّا بنصف طاقته نتيجة نقص المعدات الطبية والمطهرات والوقود، ويرى عبد الرحمن أن الموقف حرج.
يضيف عبد الرحمن “قد نتوقف عن العمل تمامًا بنهاية الشهر إذا لم أوفر رواتب للموظفين وأحصل على إمدادات”.
في مدينة عفرين، كان مستشفى المحبة يعمل على مدار الساعة ويوفر خدمات الطوارئ وطب الأطفال والولادة، والآن أصبحت حجراته وممراته الممتلئة دائمًا، فارغة، يقول المدير العام مجد الأقرع: “كان لدينا أطباء تحت الطلب طوال الوقت، قدم المستشفى خدمات جيدة بالفعل”.
تقول الوكالات الإنسانية والطاقم الطبي إن عجز التمويل ليس أمرًا جديدًا، لكن التخفيض الأخير جاء في وقت تعاني فيه المستشفيات بالفعل بسبب العواصف الثلجية الكثيفة وانتشار الأمراض التنفسية بين الأطفال.
يقول الدكتور فادي حكيم مدير المناصرة في الجمعية الطبية الأمريكية السورية “SAMS”: “هذا التفاوت بين الاحتياجات والتمويل تسارع في السنوات الأخيرة مع الأزمة المالية وكوفيد-19، ازدادت العدوى الموسمية بين الأطفال وتضاعف عدد الأطفال المصابين بالتهاب الشعب الهوائية”.
احتياجات هائلة
في إدلب، الظروف المعيشية مؤلمة بالفعل والوضع يزداد سوءًا، حيث يعيش 97% من السكان في فقر مدقع ويعتمد 80% منهم على المساعدات الغذائية اليومية وفقًا للأمم المتحدة.
يعاني السكان أيضًا للتكيف مع ارتفاع أسعار الوقود والطعام والدواء بشكل صاروخي بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية، اتخذ شمال غرب البلاد عملةً محليةً له بدلًا من الليرة السورية.
يشكل النازحون الداخليون في شمال غرب سوريا ثلثي السكان البالغ عددهم 4.4 مليون نسمة، لكن الأمم المتحدة استطاعت فقط توفير أقل من 40% من الاحتياجات المالية للمحافظة بنهاية عام 2021.
ورغم تراجع الاشتباكات المسلحة بشكل عام في البلد الذي مزقته الحرب، تخشى المنظمات الإنسانية أن يفترض المتبرعون بأن الصراع انتهى والظروف تحسنت.
تقول كلير سان فليبو رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في سوريا إن تقليص خدمات الأمومة في إدلب يعرض النساء للخطر خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تجعل التنقل باهظًا، تخشى كلير من اضطرار السيدات الحوامل إلى السفر مسافات طويلة للحصول على رعاية طبية والتأخر في الوصول إلى المستشفى.
تقول فليبو: “يتسبب ذلك في زيادة خطر التعقيدات الطبية للأم والجنين، في أحد المنشآت التي ندعمها وضعت سيدة طفلها قرب مدخل المنشأة الصحية”، بشكل عام ترى فليبو أن الاحتياجات ما زالت هائلةً لكنها تخشى من إغلاق المزيد من المستشفيات في تلك المحافظة الفقيرة.
قال الدكتور سالم عبدان مدير مديرية الصحة في إدلب إنه يعمل مع الوكالات الإنسانية للعثور على موارد جديدة لتمويل المستشفيات لكنه يعترف بأن الموقف غير محتمل، ويضيف “لا طريقة لتمويل قطاع الصحة في إدلب وشمال غرب سوريا ذاتيًا، بسبب الحرب وغياب السلطات المعترف بها دوليًا، تسببت الغارات السورية والروسية الجوية على المستشفيات كذلك عبر السنين في زيادة الموقف سوءًا، ينذر كل ذلك بخطر انهيار قطاع الصحة”.
من جانبه، قال عبد الرحمن إنه لا يتوقع أي مساعدة إضافية قبل أغسطس/آب 2022، حاولت وكالات إنسانية مثل أطباء بلا حدود الاستجابة للأزمة الطبية بما في ذلك العمل على تحسين خدمات المياه والصرف الصحي في مخيم النازحين داخليًا وتوفير خدمات الصحة الإنجابية والجنسية.
تقول فليبو: “إذا تقلصت تلك الخدمات فإننا نخاطر بحياة آلاف السيدات الحوامل والفتيات ونخاطر بانتشار الأمراض المنقولة بالماء”، في الوقت نفسه يقول حكيم إن الجمعية الطبية الأمريكية السورية حاولت الاستجابة للموقف بإضافة ملحق لأحد مستشفيات الأطفال في إدلب، لكن ما حدث بعد ذلك أكّد فقط خطورة الموقف، فيضيف “لقد وصلنا إلى 90% من القدرة الاستيعابية يوم الافتتاح”.
في مخيم لمسات الرحمة للنازحين قرب الحدود التركية شمال إدلب، تخشى سحر درويش – أرملة غير عاملة بعمر 35 عامًا وتعيش مع أطفالها الثلاث – من مرض أطفالها، لأنها لن تتمكن من توفير العلاج لهم، ولن تستطيع المستشفيات رعايتهم.
تقول سحر: “من الصعب الذهاب إلى مستشفيات خيرية أخرى لأنها مزدحمة للغاية الآن، والرعاية الصحية الخاصة ليست خيارًا متاحًا، فنحن نعيش في فقر”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية