“بقول للأخوة بتوع نادي “فيوتشر” بلاش موضوع تحريض عمر كمال عبد الواحد على عدم العودة للزمالك.. لو عمر مجاش هبلغ الفيفا وهقفلكم النادي، لأنه يتبع حزب سياسي ودا ممنوع”.. بهذه الكلمات هدد رئيس نادي الزمالك المصري، مرتضى منصور، بغلق نادي فيوتشر التابع لحزب مستقبل وطن، صاحب الأغلبية البرلمانية.
أعاد تحذير رئيس نادي الزمالك فتح ملف “تسييس الرياضة” في مصر مرة أخرى، لكن هذه المرة من الباب الأوسع، حيث شراء أحزاب سياسية أندية رسمية تحمل اسمها، مقارنة بما كان عليه الوضع في عهد مبارك حيث توظيف المنظومة الرياضية من بعيد لخدمة الأنظمة السياسية، إذ تحولت كرة القدم تحديدًا إلى القوة الناعمة الأبرز وملهاة المصريين الأولى عن الشؤون الأخرى الأكثر أهمية.
نادي “فيوتشر”
في سبتمبر/ أيلول 2021 استيقظ الشارع الكروي المصري على خبر شراء شركة فيوتشر للاستثمار والتسويق الرياضي، التابعة لحزب مستقبل وطن، لنادي كوكاكولا الصاعد للدوري الممتاز حديثًا، حيث نشر الموقع الرسمي للحزب تفاصيل الصفقة وتعديل اسم النادي إلى فيوتشر.
جاء معظم التشكيل الأوّلي للنادي الجديد من الأسماء الشهيرة إعلاميًّا، والمعروفة بانتماءاتها السياسية القديمة، مثل أعضاء الحزب الوطني المنحلّ إبّان عهد مبارك، حيث جاء وليد زكي في منصب الرئيس، وأحمد شوبير نائبًا، ثم وليد دعبس أمينًا للصندق، فيما جاء النائب عن الحزب والمتّهم قبل ذلك بقضايا تعذيب حين كان ضابطًا بالداخلية، علاء عابد، عضوًا مع أيمن منصور وشريف الجبلي وأحمد نجم.
ورغم تأكيد الحزب المتكرر بين الحين والآخر لعدم ملكيته للنادي، إلا أن الفعاليات التي يرعاها والأنشطة المقدمة، حتى ملابس اللاعبين والشعار المستخدَم (نسر)، كلها تؤكد أن الحزب يمتلك النادي شكلًا ومضمونًا، ويسعى قدر الإمكان للترويج لصورته بصفته حزب الأغلبية في الوقت الراهن.
وشكل الظهور المفاجئ لحزب مستقبل وطن مع قدوم الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد بيان 3 يوليو/ تموز 2013، والقوة التي خرج بها إلى الشارع، علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كان امتدادًا للحزب الوطني القديم، خاصة أنه يمتلك الوجوه نفسها والمشروع ذاته.
استطاع الحزب في غضون 6 سنوات أن ينتشر بأماناته المركزية في 27 محافظة، ويضمّ في عضويته التنظيمية أكثر من 300 ألف شاب، فيما يسيطر عبر تحالفه الانتخابي على أكثر من 90% من مقاعد مجلس النواب الحالي (البرلمان)، وقرابة 149 مقعدًا من إجمالي 300 مقعد في الغرفة البرلمانية الثانية، مجلس الشيوخ (هناك 100 عضو من الشخصيات العامة عيّنهم السيسي بحسب الدستور).
سابقة تاريخية ومخالفة للدستور
ينص الدستور المصري في مادته 87 على أن “تضمن الدولة سلامة إجراءات الاستفتاءات والانتخابات وحيادها ونزاهتها، ويحظر استخدام المال العام والمصالح الحكومية والمرافق العامة ودور العبادة ومؤسسات قطاع الأعمال والجمعيات والمؤسسات الأهلية (من بينها الأندية الرياضية) في الأغراض السياسية أو الدعاية الانتخابية”.
أكّد الرئيس المصري على هذا الحظر في قانون الهيئات الشبابية المسمّى بـ”قانون الرياضة الجديد”، الموقّع في الأول من يونيو/ حزيران 2017، حين أشار بصورة واضحة في الفصل الأول منه على منع كافة الهيئات الرياضية من مباشرة أي نشاط ديني أو حزبي أو سياسي، كما حظر عليها الترويج لأي أفكار سياسية.
ورغم وضوح التجريم الدستوري، إلا أن الحزب المدعوم من النظام تجاوز ذلك بشرائه لنادٍ كروي يلعب في الدوري الممتاز، أعلى بطولة رياضية محلية، ويمكنه حال فوزه تمثيل البلاد في المحافل الرياضية، في سابقة هي الأولى، سواء في مصر أو خارجها.
يُذكر أن الحزب عام 2019 قد حصل على موافقة اللجنة المسؤولة عن إشهار الأندية في القاهرة (اللجنة الأولمبية)، بتغيير اسم أحد الأندية المحلية، ويُدعى التنمية سبورت، ليصبح مستقبل وطن، ما يخالف القانون، لكن يبدو أن شعبية النادي المتواضعة دفعت الحزب لتكرار الخطوة ذاتها مع أحد أندية الدوري الممتاز.
تطور مثير للقلق
تثير هذه المعطيات القلق، فهذه النقلة النوعية في تسييس الكرة بما لها من شعبية سيكون لها تداعياتها السلبية على مستقبلها، إذ ستحوّل المجال الرياضي إلى ساحة تنافس سياسي حزبي، وهنا ستسقط معايير العدالة والنزاهة والفرص المتساوية، وتخضع اللعبة برمّتها لحسابات أخرى.
ولم يستفِق الشارع المصري بعد من ظاهرة اقتحام الشركات والجيش والشرطة للخارطة الكروية، عبر عشرات الأندية التي سحبت البساط من تحت أقدام الأندية الشعبية ذات الحضور التاريخي الكبير، فظهرت أندية مثل الداخلية والشرطة التابعَين لوزارة الداخلية، وحرس الحدود وطلائع الجيش التابعَين للمؤسسة العسكرية، وصولًا إلى أندية الشركات بتروجيت وفاركو وإنبي والشرقية للدخان، على حساب الأندية الشعبية كالأولمبي وبلدية المحلة والمنصورة، وغيرها من الأندية التي ما عادت تستطيع مجاراة أندية الشركات ذات الميزانيات المفتوحة؛ حتى استيقظَ على هذا الكابوس الجديد الذي يهدِّد البقية المتبقية من الجماهيرية الكروية.
يُذكر أنه منذ ثورة يوليو/ تموز 1952، وعبر قانون الهيئات الشبابية والرياضية رقم 77 لسنة 1975 الذي نظّمَ العمل الرياضى آنذاك، أُعطيت الدولة ممثَّلة بالحكومة والأجهزة السيادية الحق الكامل في الإشراف والسيطرة على الأندية الرياضية وأنشطتها ومراقبة كل ما يدور بداخلها، بل كانت لها الكلمة العليا في اختيار مجالس إداراتها والهيئة المشرفة على النشاط العام بداخلها.
لكن مع نهاية عام 2017، وبفضل الضغوط الخارجية التي مارستها اللجنة الأولمبية الدولية على اللجنة المصرية، بضرورة التزام آليات العمل بداخلها مع المواثيق الدولية المعمول بها، والتي تقلِّص قدر الإمكان من نفوذ الدولة على الهيئات الرياضية، اضطرت الدولة عبر قانون الرياضة الجديد إضفاء بعض التعديلات التي كانت مستمرة منذ عام 1952، ومن أبرز تلك التعديلات أن ترفع الحكومة يدها عن انتخابات الأندية وتحديد لائحة عملها ومراقبة نشاطها، مكتفية بالإشراف المالي والإداري من بعيد، دون التدخل في شؤونها.
ورغم استبعاد تعميم تلك التجربة وسير الأحزاب على خطى حزب مستقبل وطن في تأسيس أحزاب رياضية، بدعوى أن الأحزاب ليس لديها الإمكانات المادية اللازمة لذلك، إلا أن مرور هذا التطور المخالف للقانون والدستور يحمل الكثير من المخاوف، بشأن تحويل الرياضة المصرية إلى ساحة سياسية للتنافس بين القوى والكيانات.