ترجمة وتحرير: نون بوست
رغم عدم الإعلان عن الزعيم القادم لتنظيم الدولة، حصلت “نيولاينز” على معلومات مفصلة عن المرشح المحتمل لخلافة أبو إبراهيم القرشي، الذي فجَّر نفسه بتاريخ 3 شباط/ فبراير أثناء مداهمة القوات الخاصة الأمريكية لمنزله الواقع شمال سوريا، وهو بشار خطيب غزال الصميدعي.
يُعرف بشار خطيب غزال الصميدعي بالعديد من الأسماء الحركية مثل حجي زيد وأبو خطاب العراقي وأبو المعز العراقي وأبو إسحاق. عاد الصميدعي إلى سوريا من تركيا قبل سنة تقريبًا. وبالاطلاع على ملف الصميدعي يبدو أن تنظيم الدولة يدخل مرحلة جديدة مع الجيل الجديد من قادته، وهو ما يعزز وجهات النظر القائلة إن التنظيم بدأ يستنفذ قادته منذ سنوات تأسيسه ما بين 2003 و2004. مع ذلك، يبدو أن الصميدعي يمتلك ما يلزم لإعادة تنشيط قاعدة التنظيم واكتساب شرعيته أكثر من الزعيم السابق.
جُمعت التفاصيل الحصرية التي حصلنا عليها عن حياة الصميدعي – التي لم تنشر من قبل – عن طريق أشخاص عرفوه شخصيًا أحدهم كان جزءًا من دائرته الداخلية وآخر قدَّم المشورة للحكومة العراقية. على نحو منفصل، وردت سابقًا معلومات تشير إلى الدور الحالي الذي يضطلع به الصميدعي داخل تنظيم الدولة إلى مؤسسة “العربي الجديد” الإخبارية ومجلة “نيولاينز”. كما طُرح اسمه كأقوى مرشح لمنصب “أمير المؤمنين” في الأوساط الجهادية في سوريا.
من بين المؤشرات القوية التي تدعمه حقيقة كونه أحد المرشحين النادرين الذين ينحدرون من سلالة أسرة النبي محمد، وهي سمة تفضيلية معتادة للأمير في جماعات مثل تنظيم الدولة. (فضلا عن أنه ينتمي لنفس القبيلة التي ينتمي إليها المفتي العام الحالي للسنة في العراق مهدي بن أحمد الصميدعي). يحتاج تنظيم الدولة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى استغلال مؤهلات النسب؛ وخلافًا للزعيم السابق الذي يشتبه الكثيرون في أنه تركماني وليس عربي، فإن حسن النوايا هنا ليس محلّ خلاف.
انضم الصميدعي إلى تنظيم الدولة في سنة 2013، قبل أن يقوم أبو بكر البغدادي آنذاك بتوحيد جماعته العراقية مع فرعها السوري وتغيير اسمها إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. قبل ذلك، كان الصميدعي عضوًا في جماعة أنصار الإسلام، وهو تنظيم قديم في شمال العراق يتألف من قدامى المحاربين العراقيين والعرب الذين جاهدوا في أفغانستان والشيشان تأسس في سنة 2001 وانبثق عن حركات متطرفة محلية حاربت الأكراد وصدام حسين طوال التسعينات وحتى القرن العشرين قبل غزو الولايات المتحدة للعراق. ظلّ الصميدعي على اتصال مع شركائه القدامى عند انضمامه إلى تنظيم الدولة، في وقت كان كل ما تبقى من المقاومة العراقية يتناسب مع توسّع المسرح الجهادي في سوريا.
انتقل ما تبقى من عناصر مجموعته السابقة إلى سوريا في سنة 2013 بعد أن أخذت الحرب هناك منعطفًا طائفيًا مع بداية سيطرة المنظمات الإسلامية والجهادية على الثورة. تم استنزاف قدرات جماعة أنصار الإسلام بالفعل على مرّ السنين، إذ تخلى الأعضاء والقادة عن ساحة المعركة لينضموا إلى جماعات أصولية مثل تنظيم الدولة أو شكلوا جماعات جديدة في شمال سوريا.
حرص القرشي على إشراك الصميدعي في تنشيط المجموعة والحفاظ على ثقة أنصار التنظيم، خاصة بميزة لم تتوفر لدى غيره وهي كون العديد من الدعاة وعناصر التنظيم تتلمذوا على يده
أصبحت جماعة أنصار الإسلام الآن – الذين كانوا ذات يوم أحد العناصر الفاعلة الهامة في مسرح المقاومة العراقية – جسدًا بلا روح وانصهرت في صفوف تنظيم الدولة وغيره من المنظمات الجهادية. وفي سنة 2013، كان الحدث الأكثر أهمية انتقال رفاق الصميدعي القدامى إلى سوريا حيث لعبوا دورًا في تجنيد قدامى الجهاديين مثله في تنظيم الدولة.
وفقًا لمصدر في بغداد، لوحظ هذا النمط من انضمام عناصر من جماعة أنصار الإسلام إلى تنظيم الدولة ما بين 2018 و2019. وقد تعهّد عدد كبير من أعضاء أنصار الإسلام السابقين بتقديم الولاء لتنظيم الدولة في المناطق الواقعة بين ديالى وكركوك وعلى طول جبال حمرين لقتال القوات الشيعية والأكراد في مناطقهم ذلك أن تنظيمهم السابق أصبح أضعف من أن يقود التمرد في تلك المناطق.
اُسندَت إلى الصميدعي أدوار حيويّة داخل تنظيم الدولة بعد انضمامه إليه مباشرة. وهذا يدل على الثقة الراسخة التي سبقت عضويته، وله علاقة بدوره الطويل كمُنظِّر جهادي في الموصل، على مقربة من معقل البغدادي في ذلك الوقت، هذا بالإضافة إلى بعض الاتصالات القديمة التي حافظ عليها. كان الصميدعي يخطب في مركز ديني في باب الجديد يدعى “إمام المتقين” تخرَّج منه عدد كبير من دعاة وقضاة تنظيم الدولة.
تم اعتقال أحد طلابه المعروفين في سنة 2019، وقد أكد لقناة “العراقية” هذا الدور الرئيسي الذي لعبه الصميدعي. انضم الطالب قاسم محمد المُكنى بـ “أبي حمزة” الذي كان بدوره عضوًا في جماعة أنصار الإسلام في منطقة البعاج إلى تنظيم الدولة في أوائل سنة 2009. ادعى أبو حمزة أن معلمه السابق تم تعيينه كبير قضاة تنظيم الدولة في وقت سابق من سنة 2014 بعد أن استولت الجماعة على الموصل وأعلنت الخلافة.
كان الصميدعي مقربًا من القرشي، زعيم التنظيم الذي قُتل مؤخرًا. كان القرشي هو من عيَّن الصميدعي في منصب “قاضي الدم”، وهو قاض متخصص في جرائم القتل أو عقوبة الإعدام، في مدينة نينوى في وقت سابق من سنة 2014. وتم تأكيد هذه العلاقة الوثيقة بينهما من قبل مراسل هيئة الإذاعة البريطانية فراس كيلاني. استشهد الكيلاني بمعلومات المخابرات العراقية التي تفيد بأن القرشي عمل مع الصميدعي بعد مقتل البغدادي بهدف إعادة تشكيل القيادات العليا للتنظيم إلى جانب مساعدين آخرين هما حجي حامد وحجي تيسير. وعندما تسلّم القرشي قيادة التنظيم في أواخر سنة 2019، كان الصميدعي بالفعل عضوًا في الهيئة العليا المعروفة باسم “اللجنة المفوَّضة” منذ سنة 2016، مع احتفاظه بمنصب القاضي الأعلى.
في سنة 2017، راجت شائعات أنه غادر سوريا إلى جنوب تركيا خلال معركة لدحر التنظيم من الرقة، لكنه قبل نحو سنة عاد إلى سوريا. لم تكن عودته لأن الزعيم السابق قد توقع ترأّسه للتنظيم، بل استكمالاً لعمله الدؤوب لتنشيط التنظيم، وذلك حسب ما أشارت إليه المخابرات الأمريكية بناء على ما كشفته مخططات القرشي قبل مقتله.
حرص القرشي على إشراك الصميدعي في تنشيط المجموعة والحفاظ على ثقة أنصار التنظيم، خاصة بميزة لم تتوفر لدى غيره وهي كون العديد من الدعاة وعناصر التنظيم تتلمذوا على يده. كانت عودته مألوفة لدى التنظيم، وهو ما سهّل الحصول على مثل هذه المعلومات رغم ما تعرف به هذه الجماعة من سريّة.
كان لكل من الأنباري والصميدعي علاقات قديمة مع جماعة “أنصار الإسلام”، التي تأسّست قبل تنظيم الدولة. وهذه العلاقات هي التي ساعدت الصميدعي على كسب الثقة داخل التنظيم
كما هو الحال مع أي تفاصيل داخلية حول مثل هذه التنظيمات السريّة، فإنّ المعلومات المتوفرّة نادرة جدّا. مع ذلك، هناك حقائق لا جدال فيها حول الصميدعي ودوره داخل التنظيم ومؤهلاته وصلاحياته.
أولاً، يعد الصميدعي من بين القادة القلائل من “العيار الثقيل” المتبقين داخل التنظيم، ما يجعله مرشحًا إما ليكون قائد تنظيم الدولة التالي أو أحد أقوى قادته. وثانيًا، كان واحدًا من ثلّة من القادة المقرّبين من الزعيمين السابقين للتنظيم قبل سنوات من إقامة الخلافة في سنة 2014. ثالثًا، والأهم من ذلك، أنه من المشاركين الجدد نسبيًا في التنظيم والعنصر الأعلى رتبة على الرغم من أنّ العناصر الذين يشغلون مثل هذه المناصب العليا عادةً ما يكونون من المؤسسين الأوائل للتنظيم خلال 2003 و2004، أو أعضاء أصغر سنًا تم تعيينهم بشكل مباشر أو بعد تطوّرهم في السنوات الأولى.
لكن انضمام أحد الزعماء الكبار إلى التنظيم في سنة 2013 قادمًا من تنظيم آخر أمرٌ يطرح الكثير من التساؤلات، وهو ما يحيل إلى الثقة التي منحه إياها كبار عناصر التنظيم المشهور بالارتياب.
انضم الصميدعي إلى التنظيم في سنة 2013 بمساعدة القرشي ومُعلّمه أبو علي الأنباري، الذي أطلِق سراحه من السجون العراقية قبل عدة أشهر من مبايعة الصميدعي للبغدادي. ساعد كلاهما الصميدعي على التدرج في المناصب بسرعة، ومثل هذا المستوى من الثقة لا يُكتسب بين عشية وضحاها، حتى خطابه المتطرف الذي استمر لسنوات في الموصل لم يكن كافيًا ليأتمنه التنظيم على إدارة شؤونه الداخلية.
كان لكل من الأنباري والصميدعي علاقات قديمة مع جماعة “أنصار الإسلام”، التي تأسّست قبل تنظيم الدولة. وهذه العلاقات هي التي ساعدت الصميدعي على كسب الثقة داخل التنظيم، ويصبح عضوًا في لجنته المفوضة في غضون سنتين. على نحو مماثل، تم تجنيد القرشي، الزعيم الذي قُتل مؤخرًا، من أنصار الإسلام عبر الأنباري، على الرغم من أن ذلك حدث منذ السنوات الأولى.
توجه الأنباري إلى سوريا بعد وقت قصير من مغادرته السجن في ربيع 2012. هناك، انضمّ مع جماعته في قتالها ضدّ المنشقين السوريين الذين انقلبوا عليهم في سنة 2013. وقد حشد العناصر من أجل تنظيم الدولة وقام بجولة في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في البلاد لإعادة تأكيد الولاء للبغدادي وإعادة الاتصال مع العناصر القدامى، بمن فيهم عناصر أنصار الإسلام. كان الأنباري من العناصر الأقرب إلى جماعة أنصار الإسلام في سنواتها الأولى، وقد ساعد في تسهيل تواصلها مع المؤسس المحتمل لتنظيم الدولة في 2002، الأردني أبو مصعب الزرقاوي.
الصميدعي مؤهّل أكثر من القائد السابق لتولّي هذا المنصب لعدة أسباب: مؤهله الديني الواضح ونسبه بالإضافة إلى أن العديد من الدعاة في الجماعة تتلمذوا على يده.
عمل الأنباري نائبًا للزرقاوي عندما تأسّس تنظيم القاعدة في العراق سنة 2004، وكان زعيم تشكيل مؤقت مثّلت القاعدة جزءًا منه في سنة 2006. في سنة 2019، كان القرشي آخر شخص يتم تعيينه رئيسًا للتنظيم، ومن المرجح أن يكون القائد التالي هو العضو الثاني منها الذي يتقلد زعامة التنظيم.
إنّ التعيين المحتمل للصميدعي يثبت حالة التصدّع والوهن التي تعصف بتنظيم الدولة. عندما بدأ التنظيم يفقد عددًا من قادته الأكثر خبرة في سنتي 2015 و2016، بدا أن تأثير ذلك ضئيل لأن التنظيم كان لا يزال لديه خلافة فاعلة. ولم يكن التأثير الناجم عن فقدان شخصياتها القوية، مثل المتحدث السابق باسم التنظيم أبو محمد العدناني ومساعد الخليفة السابق الأنباري، ملحوظًا من الخارج.
كانت خسارة مؤسسها والخليفة الأطول حُكمًا البغدادي في سنة 2019 بمثابة الاختبار النهائي لقدرة الجماعة على الاستغناء عن الرجل الذي كان محور قوتّها. ترك مقتل الأنباري فجوةً قياديّة في التنظيم الذي كافح لإيجاد قادة يتمتّعون بشخصية قويّة وبارزة وإحياء نفسه بأي طريقة فعّالة.
اليوم، ومع مقتل القُرشي الذي لم يُلقِ خطابًا عامًا منذ توّليه زعامة التنظيم، لا تشير المُعطيات الحالية إلى أن التنظيم سيتعافى من خسارة زعيمه. ويمكن القول إن التنظيم يواجه أسوأ أزمة له منذ سنة 2008، لكنه قد يتعافى منها كما حدث قبل ذلك مثلما تعافى بعد هزيمته السابقة في سنة 2008 في العراق، إلا أنّه قد يفشل أيضًا في تكرار التجربة دون تجرّع مرارة الآثار الناجمة عن الانسحاب الأمريكي في سنة 2011 والعداء الطائفي الشرس والحرب في سوريا في سنة 2011.
مع ذلك، إن الصميدعي مؤهّل أكثر من القائد السابق لتولّي هذا المنصب لعدة أسباب: مؤهله الديني الواضح ونسبه بالإضافة إلى أن العديد من الدعاة في الجماعة تتلمذوا على يده. كان نسب الزعيم السابق محل نزاع في البداية، وشكّل تعيينه انتهاكًا لشرط من شروط الخلافة – وهو أن الخليفة يجب ألا يكون لديه عيوب عقلية أو جسدية ظاهرة – وحسبما يقال فإن أحد أطرافه مبتورة. كما أن الدروس الوعظية للصميدعي أكسبته نفوذًا أوسع داخل الجماعة ـ وحتى خارجها ـ مقارنة بسلفه الذي كان نفوذه يقتصر بشكل أساسي على مستوى فصيل متماسك داخل الجماعة. وإذا أصبح فعلًا زعيمًا للتنظيم سيكون أكثر أهلّية لإعادة تنشيطه من سلفه السابق.
المصدر: نيولاينز