ترجمة وتحرير: نون بوست
أصيب الفلسطينيون بالذعر في الأسبوع الماضي بسبب الهجوم العسكري المشين الذي شنته القوات الإسرائيلية في وضح النهار مستخدمة تكتيكًا عسكريًّا لم يُشهد في الضفة الغربية منذ أكثر من 15 سنة، والذي قال عنه المدافعون عن حقوق الإنسان “عملية القتل الإسرائيلية لثلاثة رجال فلسطينيين تعتبر اغتيالات وحشية ومنسقة”.
واستهدف الكمين ثلاثة مقاتلين ينتمون إلى لواء شهداء الأقصى، وهي جماعة مسلحة، كانوا مطلوبين لإطلاق النار على أفراد الجيش والمستوطنين الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة، ولم يقم الجيش الإسرائيلي أي تفاصيل أخرى.
وكان الرجال يقودون سياراتهم في شوارع نابلس المتعرجة، عندما اعترضتهم قوات الأمن الإسرائيلية في سيارات تحمل لوحات ترخيص فلسطينية وأطلقت النار على أشرف المبسلط وأدهم مبروكة ومحمد الدخيل، تاركة السكان المحليين في حالة من القلق من التداعيات المروعة للهجوم.
وزعمت قوات الأمن الإسرائيلية أن عمليات القتل التي نفذتها الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب التابعة لشرطة الحدود، والمعروفة بالعامية باسم يمام، كانت تهدف إلى اعتقال الشبان وأن الضباط أطلقوا النار دفاعا عن النفس، ومع ذلك؛ يشير تحقيق مشترك بين “إنترسبت” و”لوكال كول” و”+972″ إلى أن الهجوم يرقى إلى جريمة اغتيال مخطط لها في منطقة تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، وهو تكتيك مُدان على نطاق واسع.
بالنسبة لشعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة الحق، وهي مجموعة فلسطينية لحقوق الإنسان تتخذ من الضفة الغربية مقرًّا لها؛ فإن عمليات القتل ترقى إلى جرائم حرب؛ حيث جمعت منظمة الحق – التي صنفتها الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا بأنها جماعة إرهابية، في محاولة لوقف تحقيقاتها – شهادات شهود عيان من مكان هجوم إطلاق النار الذي جدّ في في نابلس.
ويضيف جبارين إن: “هذا الهجوم بمثابة عملية إعدام خارج نطاق القضاء”، لافتًا إلى أن مجموعته لم تجد أي دليل على أن المقاتلين الفلسطينيين أطلقوا النار أو حاولوا حتى إطلاق رصاصة واحدة، مؤكدا أن: “الإسرائيليين كانوا يتعقبون الأشخاص الثلاثة، وجاؤوا لمجرد قتلهم”.
واستحضرت عمليات القتل ذكريات مريرة عن الاغتيالات التي نُفذت خارج نطاق القضاء التي ميزت أحلك أيام الانتفاضة الثانية، التي استمرت من 2000 إلى 2005، والأعمال الانتقامية الإسرائيلية المصاحبة لها.
وأدت هذه الجريمة إلى تنامي الغضب بشكل لم يسبق له مثيل في الأشهر الأخيرة في جميع أنحاء المجتمع الفلسطيني، وهو الغضب الذي تم التعبير عنه بإضراب عام لمدة يوم واحد، واندلاع أعمال شغب في نقاط التفتيش في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وتشير عائلات القتلى إلى أن المذبحة كانت نتيجة للتهديدات المروعة التي وجهها لهم جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الشاباك في الأشهر الأخيرة؛ حيث قال رائد الدخيل، البالغ من العمر 51 سنة ووالد محمد الدخيل، خلال جنازة ابنه؛ إن أحد ضباط الشاباك اتصل بالعائلة أكثر من اثنتي عشرة مرة، مهددا بإعدام محمد، مضيفًا: “آخر مكالمة كانت قبل شهرين، حيث قال إنهم سيرسلون وحدة يمام لاغتيال ابني. (الجدير بالذكر أن الشاباك لم يرد على طلبات التعليق على المكالمات الهاتفية التي أجراها لأفراد عائلات المقاتلين).
ووصف شقيق أدهم مبروكة، أحمد؛ تجربة مماثلة لتصاعد التهديدات من الشاباك في الفترة التي سبقت جريمة قتل أخيه؛ وحين سئل عن تهديدات ضباط الأمن الإسرائيليين؛ قال أحمد: “عندما التقيت بهم وجهًا لوجه؛ هددوا بإيذاء الأسرة ومداهمة منزلنا”، مؤكدًا أنهم تلقوا قرابة 11 مكالمة هاتفية على الأقل من ضابط في الشاباك يقول إنه سيتم إعدام أدهم.
ويتابع مبروكة: “قالوا إنه إن لم يسلم نفسه فسيخططون لاغتياله؛ مشيرين إلى وحدة يمام”، مضيفًا: “أدركت أنه سيموت، ولكن ليس بهذه الطريقة؛ حيث تم استهدافه بحوالي 35 رصاصة في جسده”.
دلائل على الجريمة
إن الفيديو وشهادات الشهود والأدلة التي جمعها كل من “إنترسبت” و”لوكال كول” و”+972″ من مكان الحادث؛ تدل على هجوم ممنهج شنته قوات الأمن الإسرائيلية على سيارة فلسطينية.
ويُظهر الفيديو، الذي نُشر يوم الإثنين، اعتراض سيارة أجرة فلسطينية صفراء اللون طريق الضحايا الفلسطينيين الذين كانوا يركبون سيارة فضية من طراز فيات، وكانت هناك شاحنة أخرى تحمل لافتة فلسطينية فيها ضباط إسرائيليون تتعقب أثر السيارة الفيات وتمنع السائق من التراجع، وبعد ذلك تم إطلاق وابل من الرصاص من اتجاه سيارة الأجرة أسفر عن تدمير الزجاج الأمامي لسيارة الفيات، وبعد حوالي 10 ثوان، خرج ضباط الأمن الإسرائيليون من الشاحنة ومن سيارة الأجرة؛ حيث أطلق بعض الضباط النار من جهة سائق سيارة فيات بينما وقف الآخرون خلفهم.
Video: ISF undercover unit personnel assassinated three Palestinian members of Al Aqsa Martyrs Brigades in Nablus City last week; Approximately 80 bullets were fired from short range pic.twitter.com/tlfwQRV8gp
— Local Focus – Security Alerts (@LocalFocus1) February 14, 2022
ونزلت المركبتان اللتان تقلان قوات الأمن الإسرائيلية بعد ذلك تلة تتقاطع مع الطريق الذي تم فيه الهجوم.
وفي مكان الحادث؛ بدت ثقوب الرصاص التي تخترق أبواب المبنى السكني على الجانب البعيد من الطريق والعلامات في الشارع وكأنها تأتي من جهة القوات الإسرائيلية – أي مواقع وقوف سيارات الإسرائيليين التي يقف الضباط إلى جانبها، وفي المقابل؛ لا توجد ثقوب أو شظايا رصاص واضحة بجوار أو خلف مواقع ضباط شرطة الحدود في الفيديو ولا توجد أغلفة رصاص من جهة وقوف سيارة الفيات، مما يشير إلى أن الضباط الإسرائيليين لم يتعرضوا لإطلاق النار.
وفي سياق متصل؛ أكد المتحدث باسم شرطة الحدود الإسرائيلية أنه لم يتم إطلاق أي أعيرة نارية على القوات الإسرائيلية، لكنه أشار إلى الفلسطينيين “كانوا مسلحين ببنادق محملة وكانوا على وشك فتح النار”.
وبحسب شاهديْن رفضا الكشف عن هويتهما بسبب الخوف من الانتقام، بدأت الحادثة بوابل من الرصاص المستمر، ووفق رجل كان يعيش بجوار المكان الذي حدث فيه الهجوم والذي وصف عملية إطلاق النار كأنه انفجار قوي ومستمر من رصاص مُطلق من أسلحة آلية؛ حيث أضاف: “عدت إلى المنزل من العمل، وسمعت طلقات نارية، ولم تكن مجرد طلقة منفصلة أو اثنتين”، متابعًا: ” لذلك، طلبتُ من زوجتي وأولادي عدم الخروج وعدم الاقتراب من النوافذ”.
وقالت امرأة تطل شقتها على مكان جريمة القتل: “سمعت الطلقات وذهبت إلى النافذة لأرى ما حدث؛ كنت خائفة جدا، وكانت السيارة مليئة بالرصاص”.
ومن بين الشهادات التي جمعتها مؤسسة الحق؛ شهادة من شاهد عيان رأى جريمة الاغتيال من البداية إلى النهاية؛ حيث يؤكد الشاهد ما يبدو أنه يحدث في الفيديو، وقد وصفت مجمل الشهادات إطلاق ضباط إسرائيليين النار على السيارة الفيات من الباب المفتوح لسيارة الأجرة قبل حتى مغادرة السيارة، ثم نزل الضباط الإسرائيليون واستمروا في إطلاق الذخيرة الحية على السيارة في دفعة ثانية من الرصاص، وقبل أن ينتهي الفيديو الذي تبلغ مدته 92 ثانية، اقترب الضباط الإسرائيليين من السيارة الفيات، لفتح الباب وإطلاق النار داخلها بهدف التأكد من قتل المُستهدَفِين، حسب شهود مؤسسة الحق.
أوامر بالقتل
وأكد إيلان باز، الرئيس السابق للإدارة المدنية، ذراع الجيش الإسرائيلي الذي يحكم 2.8 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، تأكيد الفلسطينيين بأن عمليات القتل كانت عمليات اغتيال مدبرة.
وقال “باز” إنه يعتقد إن الهدف الواضح من العملية كان قتل الفلسطينيين الثلاثة، مضيفًا في تصريحاته لكل لكل من مجلة “إنترسبت” و”لوكال كول” و”+972″: “لا أعتقد أنهم قالوا لـ[ضباط اليمام] أن يقبضوا عليهم، وأن يتم اغتيالهم إذا اشتبهوا في أي شيء”، متابعًا: “اعتقادي أنهم خططوا لاغتيال”.
ووفقًا لـ”باز”؛ يجب على عمليات الاغتيال المستهدفة أن تحصل على موافقة من أعلى المستويات في المؤسسة الأمنية، بما في ذلك وزير الدفاع. (لم يرد مكتب وزير الدفاع بيني غانتس على طلب للتعليق).
وقال “باز”: “مع ذلك من غير الواضح ما إذا كانت قوات الأمن، تعيد عمليات القتل خارج نطاق القانون كسياسة في الضفة الغربية”، لافتًا إلى أنه لا يعتقد أن القتل في “نابلس” نشأ عن قرار إستراتيجي بالسير في اتجاه جديد أكثر عدوانية؛ حيث قال عن الاغتيال: “هذا لا يعني بالضرورة وجود سياسة جديدة؛ هو تقييم للمخاطر والفرص”.
وخلال الانتفاضة الثانية؛ عندما شن الفلسطينيون انتفاضة مسلحة ضد الاحتلال، أجرت قوات الأمن الإسرائيلية بانتظام عمليات اغتيال في جميع أنحاء الضفة الغربية وغزة، واستمرت عمليات القتل المستهدفة المزعومة في قطاع غزة؛ ضد مقاتلين من جماعتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، لكن إسرائيل امتنعت عن مثل هذه الهجمات السافرة في الضفة الغربية، وقد تم وضع استثناء مخصوص للجماعات المتحالفة مع فتح، الحركة الفلسطينية العلمانية التي تحكم الضفة الغربية، بما في ذلك كتائب شهداء الأقصى، التي تعتبرها إسرائيل منظمة إرهابية.
بعد ساعات من الحادثة، وتحت الضغط، أعلن “عباس” إنهاء التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؛ وهي خطوة تم الإعلان عنها عدة مرات على مدى السنوات الماضية، لكنها لم تنفذ قط
وأعادت السلطة الفلسطينية، بقيادة رئيس حركة فتح “محمود عباس”، تأسيس علاقتها الأمنية مع إسرائيل في نهاية الانتفاضة الثانية؛ وهو ترتيب تتصدى فيه قوات الأمن الفلسطينية للتهديدات المحتملة ضد إسرائيل؛ حيث تتمتع قوات الأمن الفلسطينية بالسلطة القضائية على الفلسطينيين فقط، ويُطلب منها العودة إلى الثكنات عندما تقوم إسرائيل بشن هجمات في أراضيهم.
وبالنسبة لحنان عشراوي، الوزيرة السابقة في حكومة السلطة الفلسطينية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإن هجمات كتلك التي وقعت في نابلس تهدف إلى المباهاة بإفلات إسرائيل من العقاب.
وقالت عشراوي: “يفترضون أنهم يمكنهم أن يكونوا قضاةً وهيئة محلفين وجلادين”؛ مضيفة: “إنهم يخلقون حالة أخرى من الغضب وعدم الاستقرار، وأيضًا الغضب من القيادة [الفلسطينية] التي تعتقد أن التنسيق الأمني يجب أن يستمر، بينما تواصل إسرائيل قتل الفلسطينيين كما تشاء”.
وبعد ساعات من الحادثة، وتحت الضغط، أعلن “عباس” إنهاء التنسيق الأمني بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية؛ وهي خطوة تم الإعلان عنها عدة مرات على مدى السنوات الماضية، لكنها لم تنفذ قط؛ فوفقًا لضابط في قوات الأمن الفلسطينية، والذي طلب عدم الإفصاح عن هويته لأنه لم يكن مصرحا لهم بالكلام وخشي التعرض للانتقام؛ فإنه لم يكن هناك أي أمر لاحق بوقف التنسيق، رغم تصريح الرئيس؛ وقال الضابط المسؤول وهو يكتم ضحكة:” كان مجرد بيان آخر من قبل السياسيين”.
المصدر: الإنترسبت