ترجمة وتحرير: نون بوست
في الأسبوع الماضي؛ أصدر البيت الأبيض أمرًا تنفيذيًّا أعلن فيه عن اختلاس حوالي 7 مليارات دولار؛ لقد كان الخبر صادمًا بالتأكيد، ولكن الأمر الأكثر إثارة للصدمة كان كشف الأمر التنفيذي عن هوية السارق وهو البيت الأبيض.
ففي خطوة لا يمكن وصفها إلا بكونها غير أخلاقية ووقحة وغير معقولة تمامًا؛ بدأت إدارة بايدن عملية للاستيلاء على أكثر من 7 مليارات دولار من الأصول المودعة لحساب البنك المركزي الأفغاني في بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) في نيويورك، والتي تم تجميدها منذ أن استولت طالبان على الحكم في أفغانستان السنة الماضية.
وفي الوقت الراهن، جهزت الإدارة عملية نصبها الكبرى؛ حيث تخطط لإنفاق نصف الأموال – التي لا تعود لها في الأصل، حتى لا ننسى – للمساعدات الإنسانية في أفغانستان، بينما تحتفظ بالنصف الآخر من الأموال – التي لا تعود لها – لدفعها كتعويض لأقارب ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر الذين رفعوا دعاوى ضد طالبان عن الهجمات الإرهابية التي وقعت سنة 2001.
هل ذكرت أن هذه ليست أموالهم؟ هذه الأموال ملك للشعب الأفغاني ويجب أن ينتفع بها الشعب الأفغاني، وحقيقة وجوب ذكر ذلك يعتبر أمرًا محيرًا للعقل؛ لأن هناك أسباب أخلاقية وعملية توجب أن تتخلى إدارة بايدن عن هذه الخطة.
أولًا؛ لماذا يجب على المواطنين الأفغان العاديين الذين لا علاقة لهم بهجمات الحادي عشر من سبتمبر أن يُحرموا من مدخراتهم وتُدمر حياتهم على يد البيروقراطيين في واشنطن؟ – تشير التقارير إلى أن الأصول الأفغانية في البنك المركزي تتكون من أموال النقد الأجنبي، واحتياطيات البنوك التجارية الأفغانية، ومدخرات الناس العاديين – ودون إعادة سرد قصة ظهور طالبان في المقام الأول؛ يمكننا جميعا أن نتفق على أنه لم يصوت أحد لصالح طالبان في انتخابات سنة 1996.
تتحمل طالبان أيضًا مسؤولية هائلة عن العنف غير العادي والقمع الوحشي، ومساعدتهم على إعادة بناء سلطتهم ستكون كارثية
لماذا يجب تحميل الشعب الأفغاني المسؤولية عن أفعال تلك الجماعة؟ كما لم يكن أي من الخاطفين 19 الذين نفذوا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر من أفغانستان؛ فالحقيقة هي أن الشعب الأفغاني وقع في الغالب ضحية لطالبان والقاعدة، وأن أخذ الأموال الأفغانية ودفعها للأمريكيين المفجوعين لمعاقبة طالبان ليس سوى سرقة بوصفها عقابًا جماعيًّا.
ولماذا تتحرك مثل هذا النوع من الرهائن المالية من العالم الأول في اتجاه واحد فقط؟ فبعد كل شيء؛ ألا تتحمل الولايات المتحدة وباكستان والمملكة العربية السعودية وروسيا والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأخرى أيضًا مسؤولية كبيرة عن مقتل الآلاف والآلاف من المدنيين في أفغانستان؟.
ولا تساوي الأموال التي تقدمها القوات المتحالفة في بعض الأحيان في شكل مدفوعات التعزية شيئًا أمام الدمار الذي خلفوه. ولهذا بمجرد أن نستنتج أن عائلات ضحايا أحداث 11 أيلول/ سبتمبر تستحق العدالة على الخسائر التي تكبدوها، وهو ما فعلوه، ألا ينبغي إذًا أن نعمل أيضًا على تعويض الضحايا الأفغان مقابل عنف الحلفاء؟
ومع ذلك؛ فإن فكرة أن الأفغان يمكن أن يبحثوا عن وسائل قانونية للهروب من خلال وزارة الخزانة الأمريكية أثناء موت شعبهم، ورغم دور الولايات المتحدة في تدمير بلادهم؛ ليس سوى أمرًا مثيرًا للسخرية.
ويوضح هذا التفاوت المؤلم الطبيعة الاستعمارية الدائمة للسياسة الدولية؛ فبغض النظر عن النزاعات القانونية حول الدعاوى القضائية والأحكام الافتراضية التي يهدف هذا الأمر التنفيذي ظاهريًّا إلى معالجتها، فإن الرسالة التي يرسلها واضحة: حياة الأمريكيين أكثر أهمية من حياة الأفغان، والمأساة الأمريكية التي تلوح في الأفق أكبر من الألم الأفغاني.
لكن هذا الألم مستمر؛ فمنذ الغزو السوفيتي – الذي دفع الناس العاديين إلى وسط واحدة من أكثر مناطق الحرب الباردة توترًّا – عانت أفغانستان من اضطرابات مدمرة دامت 40 سنة، بدءًا من تجنيد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي للأفغان في صراعهم العالمي – نحن نقترب من الذكرى الأربعين لإعلان رونالد ريغان يوم 21 مارس 1982 يومًا لأفغانستان – ثم في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر؛ سرعان ما تعرض الأفغان للتعذيب المنهجي على أيدي الأمريكيين في قاعدة باغرام الجوية، وهجمات وحشية من قبل طائرات أمريكية مسيّرة، والمداهمات الليلية القاتلة وأكثر من ذلك بكثير.
بطبيعة الحال؛ تتحمل طالبان أيضًا مسؤولية هائلة عن العنف غير العادي والقمع الوحشي، ومساعدتهم على إعادة بناء سلطتهم ستكون كارثية، لكن سرقة أموال أفغانستان وتوزيعها، يكاد يعزز مصالح العدالة كما ترى، وإنه لأمر صادم ببساطة أن يعتقد أي شخص، ناهيك عن حكومة الولايات المتحدة، أن هذا ممكن.
وعلى العكس من ذلك؛ فإن شعب أفغانستان يواجهون حاليًا انهيارًا اقتصاديًّا ضخمًا، فالجفاف الممتد وويلات الوباء وتجميد المساعدات الغربية؛ تركوا البلاد في حالة فوضى.
فمنذ أن استولت طالبان على السلطة العام الماضي؛ لا تستهلك 95% من الأسر الأفغانية – على الأقل – ما يكفي من الغذاء للحفاظ على أنفسهم، ويواجه مليون طفل أفغاني الجوع الحاد، وأكثر من ثلاثة ملايين يعانون من سوء التغذية، ونزح ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون شخص من منازلهم بسبب القتال في العام الماضي؛ وذلك في بلد كان أربعة ملايين شخص فيه مشردين بالفعل داخليًا.
هناك مقترحات يتم مناقشتها، ستسمح لأنشطة البنك الأفغاني المركزي بأن تخضع للمراقبة من قبل مراجعي حسابات مستقلين، لضمان عدم أخذ طالبان أي من تلك الأموال.
وتجادل الإدارة الأمريكية في أن هذا الأمر التنفيذي سيحرر الأموال التي ستوزعها كمساعدات على الفور، لكن كيمياء الإدارة في تحويل أموال الآخرين إلى مساعدات إنسانية هي أيضًا – من الناحية العملية – قصيرة النظر؛ فهذه الخطوة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إفقار الأمة أكثر، ودفعها لتصبح أرضًا تعتمد بالكامل تقريبًا على السخاء الأجنبي.
وفي حين أن هناك احتياجًا فوريًّا للإغاثة والمساعدة؛ فإن ما تحتاجه أفغانستان في النهاية هو اقتصادها الفعال الخاص بها، والذي أصبح الآن أكثر صعوبة مع إفلاس الولايات المتحدة للبنك المركزي الأفغاني بشكل خاص، وبالتالي فإن الأمر التنفيذي لبايدن يقوض مستقبل من الاستقرار والنمو الاقتصادي، فلا يمكن للاقتصاد الوطني – ببساطة – أن يعمل بدون بنك مركزي ونظام تجاري موثوق.
وبالرغم من أن بعض العملات الأجنبية تدخل البلاد من خلال كيانات مثل بنك أفغانستان الدولى؛ إلا أنها لا تقترب من كونها كافية، والتجارة الدولية شبه مستحيلة في أفغانستان، وهو ما عبر عنه صاحب متجر في قندهار يدعى الحاج عبد النافع في حديثه لـ“نيويورك تايمز” بقوله: “لا يمكننا كسب المال من أجل لقمة العيش، ولا يمكننا القيام بأعمال تجارية مع دول أخرى، ولا يمكننا استيراد وتصدير البضائع؛ نحن تقريبًا معزولون عن العالم”.
إن فكرة أن إفلاس البنك المركزي الأفغاني سوف تجعل طالبان محرومة؛ بدأت تبدو أكثر سخفًا وجنونًا عندما نكتشف أنه بموجب القواعد الأمريكية الحالية فإن المنظمات غير الحكومية العاملة في أفغانستان “مسموح لها بدفع الضرائب والرسوم ورسوم الاستيراد لطالبان طالما أن المدفوعات مرتبطة بالأنشطة المصرح بها”، وهذا – في الغالب – الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله دخول المعونات للبلاد، ولكنه أيضًا يوضح مدى النفاق الذي يتسم به الأمر التنفيذي لبايدن.
يجب أن تكون هناك حلول أفضل، وهناك مقترحات يتم مناقشتها، ستسمح لأنشطة البنك الأفغاني المركزي بأن تخضع للمراقبة من قبل مراجعي حسابات مستقلين، لضمان عدم أخذ طالبان أي من تلك الأموال.
هل سينجح هذا؟ لا أعلم، لكن ما أعلمه هو أن هذا الأمر التنفيذي هو القسوة والسرقة متنكران في زي الإحسان والعدالة، ويجب أن يلغى قبل أن يصبح ضرره غير قابل للإصلاح.
المصدر: الجارديان