ترجمة وتحرير: نون بوست
في تصريح صادم له، أقرّ شاماث باليهابيتيا، الملياردير الذي يملك جزءًا من نادي “غولدن ستايت ووريورز”، خلال الشهر الماضي في بودكاست: “لا أحد يكترث لما يحدث للأويغور. أنا أُطلعكم على حقيقة قاسية وقبيحة للغاية، حسنًا. من بين كل المسائل التي أهتم بها، نعم، إن ذلك آخر اهتماماتي”.
تعتبر سلاسل التوريد من أبرز اهتمامات هذا المستثمر الرأسمالي، في حين أن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في الخارج لا تعدو أن تكون سوى “اعتقاد فاخر”. وفي بيان له، حاول نادي “غولدن ستيت واريورز” التبرؤ من باليهابيتيا الذي حاول بدوره التملص مما قاله من خلال النقد الذاتي الكاذب، وهو سلوك معروف بين الشخصيات العامة عندما توقعهم آراؤهم في ورطة. يعترف باليهابيتيا “عندما أعدت الاستماع إلى البودكاست هذا الأسبوع، أدركت أن ما قلته يفتقر إلى التعاطف”، نافيًا المزاعم القائلة إن هاجسه الرئيسي الحفاظ على صورته. وتابع حديثه “حتى أكون صريحًا، أعتقد أن حقوق الإنسان مهمة، سواء في الصين أو الولايات المتحدة أو أي مكان آخر”.
بطبيعة الحال، كان باليهابيتيا يقول الحقيقة في المرة الأولى بشأن عدم اكتراثه لوضع الأويغور، والأمر سيان بالنسبة لنادي “غولدن ستايت” الذي لم يشر إليهم في بيانه. وينطبق الأمر ذاته على الرابطة الوطنية لكرة السلة التي تتجنب بل وتقمع الانتقادات الموجهة للصين بسبب التمويل الذي يتلقاه الدوري من العقود الصينية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. ولا يهتم معظم اللاعبين المنتمين للرابطة الوطنية لكرة السلة بقضية الأويغور، لأن صمتهم يُشترى من خلال صفقات التأييد المربحة مع الشركات التي تمارس أعمالها التجارية في الصين، بما في ذلك الشركات المتخصصة في صناعة الملابس الرياضية من القطن الذي ينتجه الأويغور الذين يعلمون قسرًا.
يحب المذيع تاكر كارلسون مهاجمة نجوم الرابطة الوطنية لكرة السلة مثل ليبرون جيمس لتحدثهم علانية عن الظلم العنصري في الولايات المتحدة، بينما يتجنب ذكر جرائم الاغتصاب الجماعي والتعذيب في مقاطعة شينجيانغ ذلك أن كارلسون بدوره لا يهتم بحقوق الإنسان، ولن يتوقف عن التشهير بالدعاية الروسية بينما يستعد ديكتاتور البلاد فلاديمير بوتين لغزو دولة أوكرانيا الديمقراطية.
هاجم كل من تيد كروز ومايك بومبيو الصين لانتهاكها حقوق الأويغور، لكنهما دعما أيضًا سياسات إدارة ترامب التي حظرت دخول اللاجئين المسلمين اليائسين إلى هذا البلد؛ وهما يدافعان عن الديمقراطية في هونغ كونغ، لكنهما يقللان من شأنها في الولايات المتحدة من خلال التشكيك في نتائج انتخابات 2020.
غالبًا ما يتحدث الرئيس جو بايدن ومساعدوه عن وضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية، ولكن عندما واجه هذا النهج أول اختبار حقيقي له الصيف الماضي في أفغانستان كُشفت نقائصه. وباستثناء حظر استيراد المنتجات الصينية المصنوعة من قبل العمالة القسرية من الأويغور ورفض إرسال وفد رسمي إلى أولمبياد بكين، لم تتخذ الإدارة الأمريكية أي إجراء لمعاقبة الصين لقمعها الوحشي لحقوق الإنسان في شينجيانغ والتبت وهونغ كونغ.
لقد أرسل العالم أجمع رياضييه للاحتفال بعيد الشباب والسلام في عاصمة الشمولية العالمية. وعلى الرغم من أن هذه الألعاب تعد الأكثر كآبة منذ سنة 1972، أو سنة 1936 – بسبب فرض الرقابة في كل مكان وخلو الساحات من الجمهور والتزام الرياضيين بارتداء الأقنعة ومقابلة الفيديو المثيرة للجدل مع لاعبة التنس الصينية المختفية والخلفية الصناعية لأبراج التبريد الخرسانية وراء مواقع التزلج الحر – فإنني مازلت أتابعها.
اختفت حقوق الإنسان إلى حد كبير من الأجندة السياسية. وطوال الحروب التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، أدى التناقض البشع بين خطاب الحرية وواقع السجناء المعذبين والخسائر المدنية والصراع الطاحن إلى فقدان هذه القضية قيمتها بشكل لا يمكن علاجه.
النفاق سمة طاغية على مجال حقوق الإنسان. فلا يملك أي فرد أو منظمة مستوى من الأحكام يتناسب بدقة مع إدانة الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية ويمكن تطبيقها باستمرار عبر عالم ينتشر فيه الاضطهاد، ذلك أن التحيزات الشخصية والسياسية دائمًا ما تُحرّف جميع الحسابات. لا تفصل الحكومات أبدًا حقوق الإنسان عن المصالح الوطنية والسياسات الداخلية. ويُذكر أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي جعل حقوق الإنسان في البداية جزءًا صريحًا من السياسة الخارجية الأمريكية، انتقد الديكتاتور الفلبيني فرديناند ماركوس دون قول الكثير عن الإبادة الجماعية للخمير الحمر.
بشّر الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان بالحرية للأشخاص الذين يقفون وراء الجدار الحديدي، بينما تقرّب من القادة العسكريين المتوحشين في هذا النصف من الكرة الأرضية. وحتى لو لم تكن المعايير المزدوجة روتينية، فهناك سؤال مطروح حول مقدار الضغط الخارجي المطلوب لردع هذه الممارسات. ومقابل كل نجاح (ألغيت سياسة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا جزئيًا بسبب العقوبات الأجنبية والعزلة الدولية)، كانت هناك العديد من خيبات الأمل (مكانة الصين بعد مظاهرات ساحة تيانانمن).
مثّلت الفكرة القائلة إن الأمريكيين يكترثون للاضطهاد في الخارج سمة بارزة في السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة من الحرب الباردة وخلال فترة ما بعد الحرب الباردة، وقد استخدمها أو أساء استخدامها كل رئيس أمريكي بدءا من كارتر وريغان وصولًا إلى بيل كلينتون وجورج دبليو بوش.
لكن في العقد الماضي أو نحو ذلك، اختفت حقوق الإنسان إلى حد كبير من الأجندة السياسية. وطوال الحروب التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، أدى التناقض البشع بين خطاب الحرية وواقع السجناء المعذبين والخسائر المدنية والصراع الطاحن إلى فقدان هذه القضية قيمتها بشكل لا يمكن علاجه.
بعد العراق وأفغانستان، لم يعد بإمكان أي رئيس أمريكي إرسال الشباب والشابات إلى الحرب من خلال التذرع بحقوق الإنسان. عندما امتنع باراك أوباما عن معاقبة بشار الأسد لقتله آلاف الأبرياء بالغاز السام، لم ينتفض عامة الناس على ذلك. لقد أخبر أوباما مساعده بن رودس سرًا أنه حتى الإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا سنة 1994 لم تكن تستحق ردًا قويًا من الولايات المتحدة، وذلك دون الإعلان عن حقبة جديدة من “الواقعية” في السياسة الخارجية التي أوجدها أوباما. وقد حرص خلفه دونالد ترامب على إظهار اللامبالاة المطلقة تجاه معاناة السوريين أو الأفغان أو الصينيين أو أي شخص آخر، ولم تكلفه قسوته شيئًا مطلقًا.
في ظل تراجع هيبة الولايات المتحدة وقوتها وانحلال الديمقراطية الليبرالية مقابل الجاذبية المتزايد للأنظمة الاستبدادية، لم يعد هناك أي آلية – لا القوة العسكرية ولا التهديد بالعقوبات والعزلة ولا حملات الضغط العالمية من قبل جماعات المجتمع المدني – قادرة على جعل قادة العالم المستبدين يترددون قبل أن يزجّوا بالناس في معسكرات الاعتقال. ولعل الأمر اللافت هو كيف أدى زوال هذه الآليات إلى زعزعة إيمان الأمريكيين بفكرة حقوق الإنسان نفسها. لقد فقدنا الإيمان في تغيير سلوك الطغاة في العالم – لأن تكلفة المحاولة ستكون باهظة للغاية – لذلك لم نعد نفكر كثيرًا في حقوق الإنسان على الإطلاق. وعندما يتم طرحها كقضية سياسة، نبحث عن طرق لتبرير عجزنا عن التدخل. لقد أصبحنا جميعًا واقعيين الآن.
يكاد يكون من المسلّم به اليوم أن رفاهية الشعوب المجهولة مثل الأويغور في الأماكن البعيدة مثل مقاطعة شينجيانغ ليست من شأننا. ونتيجة لذلك، يتوقف العقل عن البحث عن الأخبار واستيعابها، حتى لا يعود لها وجود. ينبع هذا التغييب من التقوقع على الذات الذي غرق فيه الأمريكيون خلال العقد الماضي. ولعل هذا ما تؤكده أخبار مثل انسحاب جو روغان ونيل يونغ الأخير من منصة “سبوتيفاي” الذي أثار جدلا وتغطية إعلامية أكبر بكثير من خبر استعداد روسيا لغزو دولة أوكرانيا المستقلة. وعندما قال شاماث باليهابيتيا إنه يتعين على الولايات المتحدة “رعاية فنائها الخلفي” قبل توجيه أصابع الاتهام إلى بلدان أخرى، كان يعبّر عن اعتقاد واسع الانتشار بين الأمريكيين.
هذا ما أعرب عنه ليبرون جيمس في سنة 2019، عندما قام بتوبيخ المدير العام لـ “هيوستن روكتس”، داريل موري، إثر تغريدته التي تدعم المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ. وقد جادل جيمس بضرورة التزام الناس في الرابطة الوطنية لكرة السلة الحياد فيما يتعلق بالصين نظرًا لقلة معرفتهم بشؤون هونغ كونغ التي لا تخول لهم إبداء رأيهم في اعتداء الحكومة الصينية على المتظاهرين. وقال إنه يؤثر الحديث علانية عن “موضوع يهم وطنه” وعن الأماكن والقضايا الأمريكية التي يعرفها.
لو أراد جيمس معرفة الأساليب التي تتبعها الحكومة الصينية للقضاء على ما تبقى من الديمقراطية في هونغ كونغ، لفعل ذلك. ولكن في الواقع لا يمكن أن تتضرر سُمعة أحدهم لمجرد قوله إن الأشخاص المضطهدين في الصين أقلّ أهمية من مواطني هذا البلد، بل إن قول ذلك بات يعتبر نوعًا من الفضيلة – نسخة حقوق الإنسان من المعسكر القديم المناهض للمساعدات الأجنبية الذي روّج إلى أن “فعل الخير يبدأ من الداخل”.
اندثرت المعتقد القائل إن التضامن مع المضطهدين في الوطن يجب أن يمتد إلى المظلومين في كل مكان من العامل – وهي فكرة دوليّة عُرف بها اليسار منذ فترة طويلة – مع انهيار النظام العالمي الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دورًا متقطعا تحركه المعايير المزدوجة ويفتقر للكفاءة والفعالية في بعض الأحيان، وذلك باعتبارها مؤيدًا لحقوق الإنسان كقيمة عالمية.
للغرائز وسيلتها الخاصة للتغلب على صوت العقل، وداخل معظم الأمريكيين شعور دفين بضرورة الاهتمام بعذاب الأويغور. إذا تمكنت إحدى روايات التعذيب التي وقعت في معسكر إعادة التأهيل الصيني من فرض نفسها إعلاميًا واسترعت انتباهنا إلى حد ما صدفةً، فإننا نشعر بالقلق كما لو كان ينبغي علينا القيام بشيء ما حيال ذلك؛ وإذا ما قالت شخصية عامة إن لا أحد يهتم، فإننا نندد بذلك بدافع الشعور بالعار، لأن عدم مبالاتها في الحقيقة يذكرنا بأنفسنا. لا توجد آلية مؤسسية للتعامل مع حقوق الإنسان ولا نقاش عام ولا فكرة حيّة، بل مجرد شعور عفوي يمكن إيقاظه في بعض الأحيان.
في هذه المساحة الفارغة، ها هو إنيس كانتر فريدوم الذي ولد وترعرع في تركيا، ومثل ثالث اختيار للرابطة الوطنية لكرة السلة في سنة 2011 وقضى عقدًا من الزمن يتنقل حول الدوري كلاعب وسط، يشق الملعب بخطواته الواسعة الثابتة. أخبرني قصته بشأن يقظته حول حقوق الإنسان بعد سلسلة من الأمور التي اكتشفها إثر وصوله إلى الولايات المتحدة في سنة 2009 كلاعب كرة سلة في المدرسة الثانوية. لقد سمع أحد زملائه ينتقد أوباما فقال له: “يا صاح، ماذا تفعل؟ قد يضعونك في السجن”. فضحك زميله في الفريق قائلا: “هذه أمريكا”.
كانت حرية التعبير في الولايات المتحدة أول ما استخدمه كانتر لانتقاد حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وانجر عن ذلك مطاردة النظام لعائلة كانتر ومصادرة جوازات سفرهم وسجن والده، وإجبار والديه على التبرؤ من ابنهما الذي لم يتحدث إليهما منذ سنوات. طاردت الحكومة التركية كانتر نفسه، فجردته من جنسيته وأصدرت مذكرة للإنتربول باعتقاله وضيّعت فرصة لاختطافه في إندونيسيا. كل ذلك جعل كانتر صريحًا أكثر فأكثر في انتقاده لأردوغان، وبما أن تركيا كانت هدفا لانتقاداته، تركته الرابطة الوطنية لكرة السلة وشأنه.
كان الاكتشاف الثاني في الصيف الماضي، إذ أخبرني كانتر مؤخرًا أنه بينما كان يلعب مع أطفال بروكلين ويقف لالتقاط صور في أحد معسكرات كرة السلة التي يستضيفها في جميع أنحاء البلاد واجهه أحد الأولياء قائلا: “كيف يمكنك أن تطلق على نفسك صفة ناشط في مجال حقوق الإنسان في الوقت الذي يتعرض له إخوانك وأخواتك المسلمون للتعذيب والاغتصاب في معسكرات الاعتقال الصينية؟”. لم يكن كانتر يعرف الكثير عن القمع الجماعي الذي تمارسه الصين على الأويغور في مقاطعة شينجيانغ، وهو ما جعله يركز نشاطه على البلد الذي يعرفه أكثر (تركيا)، وحينها أجاب “أعدكم بأنني سأعود إليكم”.
في ذلك اليوم، ألغى كانتر بقية الأحداث وعاد إلى فندقه وأغلق ستائر النوافذ واستلقى على سريره وأخرج هاتفه وبحث عن الأويغور في محرّك البحث غوغل. وقد ظلّ مستيقظًا معظم الليل يقرأ عن الموضوع، وعندما استيقظ صباحًا كانت عيناه منتفختان ويغمره شعور بالخجل.
قال كانتر لمديره: “اعثر على أحد الناجين من معسكرات الاعتقال”. روت له امرأة من الأويغور في واشنطن باكية لمدة نصف ساعة قصتها عن التعرض للاغتصاب الجماعي والتعذيب. وعندما سألها كانتر عما يمكنه فعله لمساعدتها أخبرته:” أنا بأمان، ولكن هناك الملايين من الناس يعانون في تلك المعسكرات. لا تهتم لأمري. أطلق حملة توعية بشأنهم”.
في 20 تشرين الأول /أكتوبر، قبل افتتاح الموسم مباشرة بمبارة بوسطن سيلتيكس ضد فريق نيويورك نيكس في ماديسون سكوير غاردن، نشر كانتر مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي وقف فيه أمام جدار أبيض مرتديًا قميصًا أسود عليه صورة الدالاي لاما في الصلاة. (لقد أراد التحدث عما يحدث في التبت قبل شينجيانغ حتى لا يعتقد الناس أنه منحاز للمسلمين). قال وهو يشير بإصبعه إلى الكاميرا: “دكتاتور الصين الوحشي، شي جين بينغ، لدي رسالة لك ولأتباعك. التبت حرة، تبت حرّة، التبت حرّة”.
يُعرف كانتر بأسلوبه الشخصي في الحديث عن قضايا حقوق الإنسان. فقد توجّه بالحديث إلى الديكتاتور الصيني مباشرةً كما لو كان يقف أمامه وجها لوجه، كما لو كان شي جين بينغ متنمرًا يلقي نكاة رخيصة ويخطئ في حق كل من يعترض طريقه ولكن يخشى الجميع مواجهته. أخبرني كانتر: “كان على شخص ما أن يفعل ذلك”.
قبل عشرين دقيقة من مباراة نيكس، في غرفة تغيير الملابس المخصصة للزوار، ارتدى كانتر حذاءه الجديد من تصميم فنان صيني منشق كان باللون الأصفر والأزرق والأحمر التي تمثل ألوان علم التبت، إلى جانب صورة أسد يزأر ورجل مشتعل وعبارة “التبت حرّة”. كان زملاءه في الفريق مفتونين بما فعل ومرتبكين في نفس الوقت، ولكن لم يكن لديه الوقت للشرح. بعد تمارين الإحماء، عندما كان كانتر جالسا على دكة البدلاء، اقترب اثنان من أصدقائه من مسؤولي الرابطة وقال أحدهما: “اسمع يا رجل، لقد حظي حذاءك بالكثير من الاهتمام. عليك أن تخلعه”.
وسط جائحة كوفيد-19 واحتجاجات العدالة الاجتماعية لسنة 2020، شجع الدوري على حرية الرأي وعبّر لاعبو الرابطة الوطنية لكرة السلة عن رسائل مختلفة عن طريق تصاميم أحذيتهم التي كتبت عليها بخط واضح عبارات من قبيل: حياة السود مهمة، قل أسماءهم، نظفوا أيديكم. لقد كان كانتر، الذي تحدث في مسيرة “حياة السود مهمة” في بوسطن، مبتهجا بالوعي الاجتماعي الجديد للاعبين. لكن الآن توسل إليه المسؤولان لتغيير حذائه. وبما أنه كان يستعد لاختبار الجنسية الأمريكية، ذكّرهما بحقوقه في التعديل الأول قائلا: “لا يهمني إذا ما وقع تغريمي” – ولكن أحدهما أجابه بأنه لن يُغرّم وإنما سيحظر من اللّعب. مع ذلك، رفض كانتر خلع حذائه قائلا: “اذهب وأخبر رئيسك مفوض الرابطة الوطنية لكرة السلة آدم سيلفر أنني لن أفعل ذلك”.
من حقّ فريدوم أن يوجّه الاتهامات إلى ليبرون جيمس وينعته بالمنافق، لكن اعتقاده بإمكانية فصل حقوق الإنسان عن السياسة جعله هدفا للمعلقين اليمينيين مثل تاكر كارلسون
جلس على دكة البدلاء كامل الشوط الأول. وفي غرفة تغيير الملابس بين الشوطين، تفحص هاتفه الذي كان مليئا بالرسائل، فوجد رسالة من مديره مفدها أن وسائل الإعلام الصينية توقفت عن بث المباراة وسيستمر الحظر الصيني على سلتكس طوال السنة.
استمر مسؤول كبير في الاتحاد الوطني للاعبي كرة السلة، أين يلعب كانتر، في الاتصال به ومطالبته بعدم ارتداء أحذية معادية للصين. أخبرني كانتر: “لقد تحدثت عن تركيا لمدة 10 سنوات، ولم أتلقى أي مكالمة هاتفية. وما إن تحدثت عن الصين ذات يوم، أصبحت أتلقى مكالمات هاتفية كل ساعة”. أخبر كانتر ممثل النقابة أن لا يتصل به مرة أخرى.
خلال مقابلة جمعت بين كانتر وآدم سيلفر لمدة نصف ساعة، أخبره سيلفر بأنه حر في تمرير ما يريده من رسائل من خلال حذائه، ولكنه قال في نهاية المحادثة: “الجميع يعرف أنها مجرد أعمال”، ويعتقد كانتر أن ما يقصده سيلفر هو: “أنت حر في انتقاد الصين، لكنك أنت وفريقك والرابطة الوطنية لكرة السلة الأمريكية قد تواجهون بعض العواقب”.
في 22 تشرين الأول/ أكتوبر، في مباراة سيلتيكس ضد تورنتو، ارتدى كانتر حذاء باللون الأحمر والأسود والأزرق كتب عليه “حرّر الأويغور” و”أوقفوا أعمال الإبادة الجماعية والتعذيب والاغتصاب والعبودية والعمل القسري”. لقد حول كانتر موسم 2021–22 إلى مواجهة جارية مع الدكتاتوريين الرائدين في العالم وداعميهم. ارتدى كانتر زوجًا من الأحذية استهدف من خلاله الديكتاتورية في فنزويلا، وزوجًا آخر عرض مجموعة من وجوه الطغاة، من بينهم كيم جونغ أون وبشار الأسد ومحمد بن سلمان، حتى أنه بحث عن صورة ليستعملها احتجاجًا على إساءة طالبان للمرأة.
لم يتردد كانتر في استخدام تكتيكات استفزازية إلى درجة الوقاحة، وفي مباراته ضد ليكرز ارتدى حذاءًا سخر من خلاله من ليبرون جيمس لركوعه أمام ذهب شي جين بينغ (لكن جيمس، الذي استجوبه الصحفيون، رفض الرد). عندما لعب فريق سيلتيكس ضدّ شارلوت هورنتس، الذي يملكه مايكل جوردان، كان كانتر يرتدي حذاء نايك إير جوردان 11 المرقط باللون الأحمر وأعلن أنه مصنوع من قبل العمالة القسرية للإيغور. (تم اتهام مصانع نايكي في الصين بتوظيف العمالة القسرية لهذه الأقلية العرقية). وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، أصبح كانتر مواطنا أمريكيا وأدى اليمين باسم جديد: أنيس كانتر فريدوم.
تقلّص وقت لعب فريدوم إلى أدنى مستوياته خلال مسيرته المهنية، حتى أنه لم يشارك بتاتا خلال الدقائق الأخيرة من اللعب في بعض المباريات لذلك اتهم السيلتيكس بمعاقبته بسبب نشاطه المناهض للصين، لكن فريق سيلتيكس أشار إلى الصعوبات التي يواجهها كانتر في الدفاع. نصحه الأصدقاء في جميع نوادي الدوري بالاستمتاع بالموسم لأنه سيكون موسمه الأخير. في المقابل، يدعي فريدوم أنه ليس منبوذا من طرف زملائه في الفريق، وأنه يتلقى دعمًا جيّدا.
أخبرني كانتر ذات مرة، أن أحد لاعبي ليكرز قال له بصوت خافت، بينما كان يستعد لتسديد رمية حرة: “اسمع، إن ما تفعله شجاع للغاية، واصل التعبير عن رأيك، لكنني لا أستطيع فعل الشيء ذاته، لأن هذه الفرق تحكم سيطرتها علينا”. طلب منه بعض اللاعبين إلغاء متابعته لهم على منصات التواصل الاجتماعي، ولم يدافع عنه أي أحد منهم.
قال كانتر خلال حديثه معي: “ربما لا يعرفون ما يكفي عما يحدث، لكني أشعر بالخوف من خسارة المال، والخوف من خسارة الأعمال، والخوف من فقدان صفقات التأييد …”. لم يكمل فكرته لكنه أضاف: “في بعض الأحيان، لا يهتمون بدرجة كافية بما يحدث خارج الولايات المتحدة”.
هذه اللامبالاة هي الشيء الأكثر إثارة للاهتمام حول استجابة الدوري غير الودية لحملة فريدوم للدفاع عن حقوق الإنسان العالمية، وليس التأثير السائد للعقود الصينية وتأييد الأحذية الرياضية. بالطبع، يرغب جميع اللاعبين الشباب في الفوز بصفقات مربحة طالموا أنهم قادرون على ذلك، لكن معظم اللاعبين في الدوري لا يواجهون أي تضارب بين المال ومبادئهم – التي يبدو أنها اختفت. يبدو الأمر كما لو أن فريدوم يعرض كل هذه الأموال للخطر من أجل نزوة منغمسة في الملذات، وكما لو أنه يعبر عن اهتمامه بأمور لا تخصه.
يعكس كانتر من خلال تصميم أحذيته آراءه، وكلاهما غير لائق وقاس، كما يمكن أن تكون الأحذية أكثر بلاغة من صاحبها. أخبرني فريدوم أنه يعتقد أن “حقوق الإنسان البحتة” لا علاقة لها بالسياسة، وقال إنه: “يجب فصلها عنها. أنا حتى لا أحب السياسة”. هذا أمر ساذج، فهناك خط مستقيم قصير يربط سلوك الشركات الأمريكية في الصين بقرارات السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكيف يتم استغلالها في السياسة المحلية.
من حقّ فريدوم أن يوجّه الاتهامات إلى ليبرون جيمس وينعته بالمنافق، لكن اعتقاده بإمكانية فصل حقوق الإنسان عن السياسة جعله هدفا للمعلقين اليمينيين مثل تاكر كارلسون، الذي هاجمه موجهًا رسالة لزملائه من لاعبي الدوري الأميركي للمحترفين، الذين معظمهم من الأمريكيين السود، ينصحهم فيها بـ “التوقف عن انتقاد أعظم دولة في العالم”.
يضع الدوري الأميركي للمحترفين فريدوم حيث يريد، أي بعيدًا عن الأنظار وبعيدًا عن الأذهان، مثل الأويغور تمامًا
ارتداء أحد الرياضيين في بداية شهرته لزوج من الأحذية الرياضية الملونة كرمز قوي وصريح ومرتجل هو ما يجب أن نتوقعه في الوقت الذي لا يهتم فيه أحد بما يحدث للأويغور. وفي ظل غياب أي نقاش رفيع المستوى مع هذا البلد، وغياب أي مؤسسة قائمة للانضمام إليها، وغياب أي شيء يناسب حملته المنفردة، يتعين على فريدوم أن يكتشف كيفية دعم حملته بنفسه.
تحدثت الأسبوع الماضي مع فريدوم عندما كان في بروكلين للعب ضد النيتس. وقد كان الموعد النهائي للتداول في الدوري الأميركي للمحترفين على بعد أيام قليلة فقط، فسألته عما إذا كان يعتقد أن فريق سيلتيكس سيحاول التخلي عنه، وكان ردّه التالي: “لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك لأنهم سيتلقون الكثير من ردود الأفعال العنيفة، وسيكونون في وضع غير مريح للغاية. إنهم يأملون إنهاء هذه السنة على هذا الحال إلى أن يحدّدو ما سيحدث لاحقا”.
مرّ فريدوم بأسبوع حافل، فأثناء البث الأولمبي في وقت الذروة على قناة آن بي سي (والذي رفض فريدوم مشاهدته)، ظهر فريدوم في إعلان عن حرية التعبير من قبل مؤسسة الحقوق الفردية في التعليم. قام أحد أعضاء البرلمان النرويجي بترشيحه لجائزة نوبل للسلام، ويوم الخميس الماضي، وجّه 30 شخصًا من بين الحائزين على جائزة نوبل رسالة تدعو فريق سيلتيكس إلى دعم فريدوم “على الجانب الصحيح من التاريخ” وعدم “التخلي عنه”.
كان يوم الخميس الموعد النهائي للقرارات، وفي وقت متأخر بعد الظهر، أرسل فريق سيلتيكس فريدوم إلى هيوستن روكتس، وهو الفريق الذي أجبِر مديره العام على حذف تغريدته تدعم المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ في سنة 2019. وفي غضون دقائق، تنازل روكتس عن فريدوم، ولم يقبله أي فريق آخر.
بهذه الطريقة، يضع الدوري الأميركي للمحترفين فريدوم حيث يريد، أي بعيدًا عن الأنظار وبعيدًا عن الأذهان، مثل الأويغور تمامًا. إذا كان فريدوم، الذي ضحى بالفعل بأسرته وحياته المهنية، سيواصل نشاطه على المدى الطويل، فسيتعين عليه أن يجد طريقة أخرى لجذب انتباه الأمريكيين إليه أفضل من مجرد ارتداء أحذية رياضية ملونة.
المصدر: ذي أتلانتيك