تعود محافظة السويداء إلى الصدارة في واجهة الأحداث السورية هذه الأيام، فقد شهدت الأيام الماضية مظاهرات كبيرة احتجاجًا على تردي الأوضاع الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية التي تعاني منها المحافظة، كما رُفعت بعض الشعارات المناهضة للنظام في هذه الاحتجاجات التي يعتبرها البعض استكمالًا للهبّة الشعبية التي انطلقت عام 2020 في المدينة، حينها تفجرت مظاهرات كبيرة امتدت إلى القرى المحيطة.
الاحتجاجات والتوتر الذي تعيشه المحافظة ذات الغالبية الدرزية يؤرق النظام السوري، ما يجعله يقدم على التعامل بطريقة أمنية مع ما يحصل، وهو الخيار الذي اتخذه تجاه جميع المحافظات طوال السنوات الماضية، لكن هذه المرة دخلت روسيا إلى الخط، فتارة تهدد وتارة تستميل الأطراف في هذه المحافظة، وهنا تجدر الإشارة إلى وجود تخوف روسي من عودة اشتعال الأمور جنوب سوريا بعد المعارك التي حصلت العام الماضي في درعا، ولا تريد مواجهة جبهة أخرى ولو كانت احتجاجات سلمية في السويداء.
في البداية حاولت روسيا خلال السنوات الأولى من تدخلها في سوريا استمالة السويداء وأهلها من طائفة الدروز الموحدين، وبدأت زيارة الوفود الرسمية الروسية إلى المحافظة منذ العام 2016، وشملت زيارة المشافي الحكومية ومراكز إيواء النازحين، وكانت تهدف روسيا من زياراتها إلى خلق ألفة بينها وبين الأهالي خاصة أنها كانت توزع المساعدات والسلل الغذائية، “لكن موسكو لم تستطع إيجاد حاضنة لها في السويداء أو خلق أي أذرع لها” وذلك وفقًا لما قاله الصحفي السوري نورس عزيز لـ”نون بوست”.
ويروي عزيز المنحدر من محافظة السويداء أن “روسيا حاولت كثيرًا التوغل في السويداء في سنوات 2018 و2019 وبعد ذلك لكنها لم تنجح”، مضيفًا “روسيا غير موجودة في السويداء ولا يوجد أي تحرك عملي لها، عدا عن بعض زيارات الضباط الروس الذين يحاولون حجز دور لهم في المنطقة دون جدوى”.
زيارة لموسكو
يومًا بعد آخر تتجدد الأحداث في جبل العرب، الأمر الذي دفع بموفق طريف الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز لزيارة العاصمة الروسية موسكو لتقديم عدد من المطالب والإسراع بإيجاد حلول لما يعيشه أهل السويداء، والتقى طريف بمبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، إضافة إلى المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية في سوريا ألكسندر لافرنتييف.
الجدير بالذكر أن الشيخ موفق طريف فلسطيني ويحمل الجنسية الإسرائيلية، من مواليد 1963 بقرية جولس في الجليل الأعلى، ويترأس الطائفة الدرزية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورئيس المجلس الديني الدرزي الأعلى، إضافةً لكونه قاضي المذهب ورئيس محكمة الاستئناف الدرزية العليا في “إسرائيل”، وتأتي تحركات طريف من أجل دروز سوريا باعتبارها تنبع من “فريضة حفظ الإخوان” كما يقول.
خلال زيارة موسكو الأخيرة، أوضح طريف أنه “لم ولن يتدخل في الأمور الداخلية السياسية المتعلقة بسوريا”، مشيرًا إلى أنه “تقدم بعدة مطالب للجانب الروسي، أولها حل الأزمات وعودة الأمن والأمان لسكان الجبل”، مضيفًا “طالبت بإيجاد آلية لمساعدة إخواننا وأهلنا في سوريا لعبور الأزمة الاقتصادية، وتمكين الجبل اقتصاديًا واجتماعيًا، كما طالبنا المسؤولين بإيجاد حلول وآليات عملية لمساعدة أهلنا هناك”.
وطرح طريف مقترحًا لفتح معبر بين السويداء والأردن “بهدف إنعاش الجبل اقتصاديًا وتوفير فرص المعيشة اللائقة لأهله”، كما طالب “بترسيخ مكانة وموقع الدروز في الدستور السوري وذلك من خلال التسوية الجارية حاليًّا في سوريا تحت رعاية دولية”، كما طالب الجانب الروسي بـ”أن تكون هناك اجتماعات دورية بين الجيش الروسي وأهالي الجبل من أجل الاستماع لمشكلاتهم ونقلها وإيجاد حلول لها”.
المطالب التي تحدث عنها طريف أثارت استياء الجانب الروسي وفق ما ذكرت بعض التقارير الإعلامية، وأكدت التقارير أن الاستياء الروسي كان نابعًا من أن طريف “لم يأتِ على ذكر مسببات الوضع الاقتصادي الصعب في سوريا، وهي العقوبات الأمريكية والأوروبية على البلاد، وروسيا قدمت ما بوسعها”.
وفي السياق يقول الصحفي نورس عزيز إن بعض التعليقات السلبية صدرت بخصوص الزيارة خاصة أن هذه ليست المحاولة الأولى لطريف مع روسيا، إذ حصلت بعض الاجتماعات بخصوص بعض القضايا فيما قبل لكنها لم تسفر عن شيء يذكر.
قبل زيارة موفق طريف إلى موسكو، زار وفد عسكري روسي محافظة السويداء بعد انطلاق الاحتجاجات، وضم الوفد ضباطًا روس، والتقوا بمحافظ السويداء وبعض المسؤولين الأمنيين وذلك للاستفسار عن طرق التعامل الأمني مع المظاهرات، وناقش الروس تحسين الحالة الخدمية في المحافظة، وليس بعيدًا عن هذا الاجتماع تحاول موسكو التقرب من مشايخ الدروز هذه الفترة عبر عقد الاجتماعات معهم.
التهديد بالإرهاب
رغم ما تقدم بدأت روسيا ومنذ اللحظات الأولى لانطلاق الاحتجاجات في السويداء، بإرسال رسائل التهديد بفزاعة الإرهاب للمحتجين في السويداء، فقد أعلن نائب مدير مركز المصالحة الروسية في قاعدة حميميم اللواء أوليغ جورافليوف “أن قادة العصابات المسلحة يخططون لتنفيذ أعمال إرهابية في السويداء وثلاث محافظات أخرى هي دمشق واللاذقية ودرعا”، وتحدث اللواء الروسي قائلًا: “المعلومات الواردة تفيد بأن زعماء العصابات المسلحة المختفية يخططون لتنفيذ عمليات تخريبية تستهدف الموظفين والمنشآت الحكومية في أراضي محافظات حمص ودمشق ودرعا والسويداء”.
واستندت المعلومات المذكورة إلى تقرير استخباراتي لوزارة الدفاع الروسية يفيد بأن “الاستخبارات الأمريكية تخطط لتحريض المتطرفين في مدينتي دمشق واللاذقية السوريتين على القيام بأعمال محددة ضد القوات السورية والإيرانية والروسية هناك”، ويضيف البيان “لتحقيق أهدافهم في سوريا، يستخدم الأمريكيون اتصالاتهم الوثيقة مع ما يسمى بالمعارضة المسلحة، ومع الجماعات المتطرفة”.
أهمية السويداء لروسيا
لا بد من الإشارة إلى أن الاهتمام الروسي باستقرار السويداء يرجع إلى عدّة أمور، أهمها ديمومة تجنيدها للشباب في هذه المنطقة كمرتزقة في مناطق متعددة من العالم، وتستغل روسيا الحاجة الماسة للمال والوضع الاقتصادي الصعب، وبالطبع ليست السويداء المحافظة الوحيدة الذي يتم التعامل مع شبابها بهذه الطريقة، لكن روسيا عملت في السنوات الماضية على تجنيد “المرتزقة” في هذه المحافظة بهدف استخدامهم كمقاتلين لصالح قوات حفتر في ليبيا أو من أجل حراسة المنشآت النفطية في فنزويلا.
يريد الروس أن تكون السويداء تحت قبضتهم وتصرفهم، كي لا يتكرر فيها سيناريو درعا التي لم تستطع موسكو الإمساك بزمام الأمور فيها إلى الآن، وذلك لأسباب عدّة أهمها الوجود الإيراني إضافةً إلى أن الثورة في درعا لم تُخمد كباقي المناطق التي شهدت معارك ومن ثم تشريد وتهجير، وهنا تسعى موسكو عبر السيطرة على جبل العرب إلى تجميع أكبر قدر ممكن من الأوراق الموجودة في جنوبي سوريا، حتى إذا فرض حل باتجاه معين على الأراضي السورية تكون السويداء تحت السلطة الروسية لا الإيرانية.
مما سبق، تتمسك موسكو بحل سلمي مع أهالي السويداء، لمنع تغلغل الميليشيات الإيرانية أكثر فأكثر في الجنوب السوري كما حصل في درعا، كما أن روسيا تحاول إعادة الهيبة لنظام بشار الأسد في المدينة وذلك عبر الضغط باتجاه حل مشكلة خدمة شباب السويداء الإلزامية، فالآلاف من شباب المنطقة متخلفون عن الالتحاق بالجيش النظامي منذ بداية الثورة السورية ويقدّر عددهم بأكثر من 40 ألف شاب، بينهم 20 ألفا ما زالوا داخل الحدود السورية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن مركز التسوية الذي أنشأه النظام السوري في السويداء بإشراف روسي فشل في حل الموضوع، فقد استطاع استقطاب 250 شابًا من أصل الرقم المذكور آنفًا.
ولعل الأهم لروسيا الآن عبر تحركاتها بالطرق كافة وعبر الوسطاء هو إعادة هذه المنطقة إلى القبضة الأمنية للنظام السوري، وهو ما يعتبر صعبًا خاصة أن المحاولات السابقة فشلت، والتهديدات لم تعط نتيجة تذكر وكذا الاجتماعات المتكررة لم ينتج عنها حلول مرضية للأطراف، لتظل روسيا إلى الآن خارج إطار الحل في السويداء إلا على صعيد ضيق.