ترجمة وتحرير: نون بوست
لدي ابنة أخ تبلغ من العمر عشر سنوات تُدعى ديفيا (ليس اسمها الحقيقي) تعيش في إحدى المناطق الريفية شمال الهند. قبل عامين، ذهبت لزيارتها وعندما احتضنتني سألتها عن أفضل هدية يمكنني تقديمها لها وكان جل ما أرادته أن أتابع حسابها على “تيك توك”.
تنشر ديفيا مقاطع فيديو لرقصات بوليوود الخاصة بها وتحب تلقي الإعجابات عليها، ولأن لديها أكثر من 10 آلاف متابع فهي تعتقد أنها نجمة بالفعل. لم يكن لدي حساب على تيك توك عندما طلبت مني متابعتها، لذلك فتحت بطبيعة الحال حسابًا على المنصة وأصبحت أدعمها بحماس منذ ذلك الحين.
عند رؤية الأخبار التي تفيد بأن شركة “ميتا” خسرت 200 مليار دولار أمريكي (148 مليار جنيه إسترليني) من قيمتها في يوم واحد وأن مارك زوكربيرغ يلقي باللوم على “تيك توك”، يجب أن أعترف أن الفكرة الأولى التي خطرت ببالي هي أن ديفيا تبلي بلاءً حسنًا على ما يبدو بفضل مقاطع فيديو رقصات بوليوود الخاصة بها. لكن بعيدًا عن المزاح، يبدو أن فيسبوك (التي أصبح اسمها ميتا) بعد أكثر من عقد من هيمنتها على منصات التواصل الاجتماعي مع قرابة 3 مليارات مستخدم نشط شهريًا، أدركت فجأة أن هذا الوضع قد لا يستمر إلى الأبد.
يضمّ تيك توك أكثر من مليار مستخدم شهريًا، وتضاعفت خلال السنة الماضية قاعدة مستخدميه. وتستقطب هذه المنصة بشكل كبير المستخدمين الأصغر سنًا، مثل ابنة أخي ديفيا، حيث يشكل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 19 عاما 25 بالمئة من إجمالي المستخدمين مما يمنحها ميزة كبيرة في المستقبل.
يتجاوز متوسط عمر مستخدمي فيسبوك المعتاد هذا الرقم بحوالي 10 سنوات، حتى أن إنستغرام، المنصة الاجتماعية الضخمة الأخرى التابعة لميتا التي تضم 2.1 مليار مستخدم، متوسط عمر مستخدميها أعلى قليلاً من تيك توك. ومع أن إنستغرام تستقطب أعدادًا مماثلة من المستخدمين، إلا أنها تفقد الفئة الأصغر سنًا. فهل من المحتمل أن يتواصل الأداء الجيد لمنصة تيك توك مستقبلًا، وما هي العوامل الحاسمة؟
مشكلة مستخدمي فيسبوك
من الغريب قول إن فيسبوك كانت ذات يوم أفضل منصة للتواصل الاجتماعي، وأنها كانت عبارة عن ناد حصري لا يمكن دخوله سوى بعضوية عن طريق دعوة ومخصّص لطلبة جامعات النخبة فقط. وقد ساعدت هذه الأفضلية على توليد الضجة التي جعلت فيسبوك جزءًا من التيار السائد.
استغلت هذه المنصة أيضًا بعض المبادئ الأساسية لعلم النفس البشري، من بينها شعور الناس بالارتباط بأصدقائهم عندما يشعرون بالقرب منهم. وهكذا استغلت فيسبوك قوة الصور مع بعض الخاصيات المبكرة الأخرى مثل “النكز” لجعل التفاعل بأكمله محسوسًا قدر الإمكان.
ركّزت منصة إنستغرام أيضًا على الصور، بينما كان تركيز تيك توك منذ إطلاقه في سنة 2016 مبنيًا على خلق صلات طويلة الأمد عبر مقاطع فيديو قصيرة وممتعة. في البداية، كانت مدة الفيديو لا تتجاوز 15 ثانية، والآن أصبحت مدته ثلاث دقائق. بعد إطلاق هذه الخدمة خارج الصين في سنة 2017، حقّقت المنصة نموا سريعا لأن تقنيتها بدت وكأنها تفهم سلوك المستخدمين وتفضيلاتهم بشكل جيد. في المقابل، استجابت ميتا لما يحدث بإطلاق خاصية إنستغرام ريلز لمشاركة الفيديوهات في سنة 2020، إلا أن ذلك لم يبطئ النمو الهائل لمنصة تيك توك.
بالنسبة لمنصة تيك توك، المملوكة لشركة بايت دانس الصينية، لم يستغرق تأثير الشبكة وقتًا طويلاً قبل أن يبدأ، حيث يجذب كل مستخدم إضافي عدة مستخدمين آخرين. حدث العكس لفيسبوك، وربما تفاقم الأمر بسبب سياسات الخصوصية المعيبة والطريقة التي يدفع بها المستخدمين إلى المحتوى المنحاز من أجل تحقيق المزيد من الأرباح – وذلك حسب ما كشفته المبلّغة عن المخالفات فرانسيس هوغن. وقد نشرت فيسبوك في الفترة الأخيرة تقريرًا عن أول خسارة للمستخدمين اليوميين في تاريخها.
ماذا بعد؟
على غرار المنصات الأخرى، واجهت تيك توك مخاوف بشأن خصوصية المستخدمين وانتشار المعلومات المضللة والإدمان على مشاهدة مقاطع الفيديو. لكن ربما يكون أكبر خطر ستواجهه في المستقبل هو سر نجاحها فيحد ذاته – أي الخوارزمية السرية التي تفهم أعمق تعقيدات سلوك المستخدمين دون طلب أي معلومات شخصية. تبحث هذه الخوارزمية ببساطة في مقدار الوقت الذي يقضيه المستخدم في مشاهدة أي فيديو ويستخدم هذا المعطى لتوجيه المزيد من هذا من المحتوى المخصص للمستخدم.
يمنح هذا تيك توك القدرة على استغلال نقاط الضعف البشرية لزيادة الوقت الذي يقضيه المستخدمون أمام الشاشة. وحقيقة أن هذا التطبيق بات يستقطب أصغر مستخدمي الويب في جميع أنحاء العالم تمثل في حد ذاتها مسألة مثيرة للجدل.
يمكن للخوارزمية نفسها التي تجعل مقطع فيديو سريع الانتشار من خلال استهداف شرائح محددة للغاية من المستخدمين، على سبيل المثال، جعل المستخدمين الشباب أكثر وعيًا حول صورة أجسادهم من خلال دفعهم إلى مشاهدة المحتوى الذي يلعب على الشعور بانعدام الأمان. لأسباب مماثلة، أشعر بالقلق بشأن ديفيا، التي تعتقد أنها ما لم تحصل على إعجابات كثيرة على مقاطع الفيديو التي تنشرها فذلك يعني أنها لم تكن جيدة بما فيه الكفاية وأن رقصها كان سيئًا.
يستخدم تيك توك كلاً من الوسطاء البشريين والخوارزميات لمحاولة منع نشر المحتوى الضار من قبل المستخدمين. مع ذلك، تم حظره في بعض الأحيان في العديد من البلدان بسبب المحتوى الفاحش أو المبتذل، ولا يزال محظورًا في الهند (على الرغم من تمكن العديد من الأشخاص من استخدامه). كما واجه تيك توك دعاوى قضائية بشأن استخدام بيانات الأطفال.
من الواضح أن تيك توك لديها القدرة على أن تصبح أكبر منصة اجتماعية في العالم. كما أنها تواجه منافسة من تطبيقات جديدة مثل لايكي وكلاش وتريلر التي لديها عدد أقل من المستخدمين.
ولكن إذا تنامت شعبية تيك توك بمرتين أو ثلاث مرات، من المحتمل أن يتسبب في المزيد والمزيد من الضرر. وإذا تم التعامل معه بشكل خاطئ، سيصبح عرضة بشكل متزايد لضرر طويل المدى سيلحق بسمعته كما هو الحال الآن مع فيسبوك.
لهذا السبب، ينبغي على هذه المنصة أن تجد طرقًا لحماية خصوصية المستخدم بشكل أكثر فعالية، وتصميم حلول أكثر تعقيدًا لتصفية محسّنة للمحتوى عبر الذكاء الاصطناعي المتقدم. وإذا لم تقدم منصة تيك توك على هذه الخطوة، فإن منافسيها سيفعلون ذلك ليشكلوا تهديدا أكثر خطورة عليها.
بالنسبة لشركة ميتا، من المحتمل أنها قد تلجأ إلى شراء تيك توك مثلما فعلت مع إنستغرام وواتساب، لكن المناخ السائد حاليًا في الولايات المتحدة يمنع عمالقة التكنولوجيا من فرض هيمنتهم. ربما تكون الميتافيرس طوق النجاة الوحيد أمام ميتا، وهو عالم افتراضي غامر يعتقد زوكربيرغ أنه سيشكل مستقبل الإنترنت.
إذا كان رهانه صحيحًا، سيكون أحد الأسئلة المهمة هو كيف ستتواصل الصور الرمزية الرقمية مع بعضها البعض. فيما يتعلق بديفيا، أنا متأكدة من أنها ستظل تستخدم تيك توك. نتيجة لذلك، من المحتمل أن ترغب ميتا في التفكير في كيفية دمج تيك توك في العالم الذي تريد إنشاءه. إذا لم يكن بإمكانها التحكم في واجهة التوصيل نفسها، سيكون هذا بالتأكيد أفضل شيء يحدث.
المصدر: كونفرسيشن