لا تزال الإجراءات الأمنية التي تفرضها قوات قسد في الحسكة تشكل عبئًا على السكان المحليين خاصة بالنسبة إلى الطلاب والكادر الإداري والتدريسي الذي دفع الضريبة الباهظة عقب اشتعال المعارك بين تنظيمي قسد وداعش وحسمها لصالح قوات الأول بعد 9 أيام أواخر الشهر الماضي يناير/كانون الثاني.
وفي حديثه لـ”نون بوست”، تساءل الطالب بجامعة الفرات في الحسكة، مصطفى الحمود، عن الذنب الذي اقترفه هو وزملاؤه حتى يحرم من تقديم امتحانه، مضيفًا “هناك إشاعات نسمعها أن أفرع الجامعات الموجودة بالحسكة ستنتقل إلى دير الزور وهذا الأمر إن حصل فمن المستحيل أن أنتقل إلى هناك لأسباب عديدة أهمها السبب الاقتصادي الذي تعاني منه أسرتي”، وتحسر حمود قائلًا: “ما يحز في النفس أنني في سنة التخرج ولا أرغب بسنة جديدة بعد كل هذا التعب”.
من جهته، قال طالب (طلب عدم ذكر اسمه): “لقد احترقت كل الأوراق وثبوتيات الطلاب في قسم الأرشيف بالكلية، ربما سينقلون مقر الجامعة إلى دير الزور وهذا كارثة بالنسبة لي، لأن الجامعة قابعة تحت سيطرة قوات الأسد، إضافة إلى وجود العديد من الحواجز بين الحسكة ودير الزور، ناهيك عن التكلفة الباهظة لاستئجار بيتٍ إذا أردت مواصلة دراستي”.
ودعا الطالب إلى وجوب تحييد المنشآت التعليمية عن أي مواجهات، لأنها ملك الشعب، مُطالبًا، عمادة الكلية بإيجاد حل لمتابعة تقديم الامتحانات داخل مدينة الحسكة، ولافتًا إلى استحالة توجه الطلاب إلى دير الزور لمتابعة دراستهم بسبب خوفهم من التعرض لمضايقات وملاحقات أمنية.
كانت عمادة جامعة الفرات بالحسكة قد أصدرت إلى عمداء الكليات ومديري المعاهد تعميمًا بتأجيل استئناف امتحانات الدورة الفصلية الأولى للعام الدراسي 2021-2022 (لكليات ومعاهد فرع جامعة الفرات بالحسكة) لغاية الأحد الواقع في 6/2/2022، ثم ليتبعَ التعميمَ إعلانٌ أصدرته “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي” في دمشق يقضي بتعليق العملية الامتحانية في كليات ومعاهد فرع جامعة الفرات بالحسكة، ابتداءً من يوم السبت، 12 فبراير/شباط 2022.
في ذات الصدد، نقلت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” الناطقة باسم حكومة نظام الأسد، عن رئيس جامعة الفرات السورية طه الخليفة، قوله: “التدمير الذي طال أبنية فروع الجامعة في الحسكة شكل واقعًا خطيرًا بالنسبة للعملية التعليمية يهدد مستقبله آلاف الطلاب”.
ولفت إلى أن الاستهداف الممنهج لبعض مباني الجامعة من الطيران الأمريكي، طال مبنى المعهد التقني والهندسي الذي سُوي بالأرض، إضافة إلى التخريب الناتج عن المواجهات العنيفة بين عناصر داعش وقوات قسد، فضلًا عن مصادرة قسد كل المستلزمات العلمية والمخبرية الموجودة في الكلية وأضابير وسجلات الطلبة الورقية، حسب وصفه.
وذكر الخليفة أن “قوات قسد منعت الطلاب من تقديم امتحاناتهم في كلية الزراعة على أطراف حي الكلاسة غرب الحسكة، ومنعت دخول الكادر التدريسي والإداري أيضًا”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الكليات للقصف والتدمير، فقد تعرضت لحملة شرسة من تنظيم داعش في العام 2015، حين سيطر يومها على رئاسة الجامعة والكليات.
إذ يذكر الدكتور فريد سعدون نائب عميد كلية الآداب بجامعة الفرات سابقًا، لـ”نون بوست”: أن “الحسكة عاشت هذه التجربة المريرة عندما سيطرت داعش على رئاسة الجامعة وكليات الاقتصاد والهندسة والتربية والآداب، قبل 7 سنوات”، لافتًا أنه “وبسبب الاشتباكات فإن تلك الكليات قد أصابها الدمار والتخريب بنسبة كبيرة، ورغم تلك الظروف العصيبة استطعنا أن نستمر في الدوام وإجراء الامتحانات بعد نقلها إلى الكليات الواقعة شمال المدينة التي كانت بمنأى عن الاشتباكات”، حسب تعبيره.
وأشار سعدون، أنه “دائمًا ما كان يتكرر توقف الدوام في الكليات لأسباب أخرى متعلقة بالخلافات التي كانت تحدث بين رئاسة الجامعة والإدارة الذاتية من حيث محاولة الإدارة الذاتية التدخل في شؤون الجامعة، أو بسبب فرض الإدارة الذاتية لمناهجها الخاصة على مدارس المحافظة، ودائمًا كان الحوار يؤدي إلى حل مثل هذه الإشكاليات وتعود الأمور إلى طبيعتها ويستمر الدوام بشكل اعتيادي، لافتًا أنه “وفي أثناء حدوث تلك الإشكاليات كانت تسارع رئاسة الجامعة إلى اقتراح نقل الكليات إلى دير الزور”.
واستدرك سعدون قائلًا: “هذا الاقتراح كان يشكل حالة من الإحباط والتذمر لدى آلاف الطلاب الذين يظل مصيرهم ومستقبلهم مرتبطًا باستمرار وجود الجامعة في الحسكة، إذ سيضطر معظمهم إلى ترك الجامعة في حال نقلها إلى دير الزور لأسباب عدة من أهمها الأسباب الأمنية وظروف التنقل بين الحسكة ودير الزور التي تتعرض في معظم الأحيان للانقطاع، وكذلك الأسباب المادية وتكاليف المعيشة، بينما يبقى هناك سببٌ آخر وهو الأهم الذي يتعلق بالطالبات، إذ يرفض الغالبية العظمى من الأهالي إرسال بناتهم إلى خارج المحافظة، مما يعني أن نقل الجامعة من الحسكة يحرم آلاف الطلاب من الالتحاق بدوامهم ومتابعة تحصيلهم الجامعي”.
وقدم سعدون، حلًا مقترحًا للخروج من هذه الأزمة وهو تحييد الجامعة عن الصراع والتوصل إلى اتفاق بين الإدارة الذاتية وحكومة النظام، داعيًا لنقل الكليات الواقعة جنوب الحسكة إلى القامشلي، مع ملاحظة أن هذه الكليات فرع من الجامعة الأم الفرات بدير الزور، أو أن يتم تأسيس جامعة رئيسية في محافظة الحسكة، ويتم فصلها عن دير الزور، يكون كادرها من المحافظة نفسها، وبذلك يُستطاع الحفاظ عليها وتقديم الحلول المناسبة لحمايتها وتحييدها عن الصراع، لكن كحلٍ مؤقتٍ حتى يستمر الدوام ويحافظ الطلاب على مستقبلهم”.
كما رأى سعدون أن “الحل الأمثل حاليًّا هو اتفاق بين الإدارة الذاتية ورئاسة الجامعة وفق بنود محددة، من أهمها: أن تبقى الجامعة بمنأى عن أي خلافات بين الطرفين، وأن تتعهد رئاسة الجامعة بعدم التدخل بالشأن السياسي أو الحزبي وألا يتم استغلال الطلاب لخدمة أي أجندات سياسية”.
يواجه الطلاب حاليًّا ومستقبلًا صعوبات كبيرة حسب وجهة نظر الماضي
في موازاة ذلك، اعتبر رئيس “الهيئة السياسية في الحسكة” المتحدثة باسم ثوار الحسكة، محمود الماضي، خلال حديثه لـ”نون بوست”، أن “تدمير المباني التعليمية حدث خلال المعركة التي افتعلتها قسد مع داعش في سجن الصناعة بحي غويران وحي الزهور في الجهة الجنوبية لمدينة الحسكة، مشيرًا أن “تلك المباني التي تعرضت لقصف طيران التحالف بما فيها تدميرُ كلية الاقتصاد تدميرًا أخرجها عن الخدمة، وتدميرُ المعهد التقاني الذي سوي بالأرض وتضرر كلية الهندسة المدنية، كل ذلك حدث نتيجة الإحداثيات التي كانت تقدمها عناصر قسد لطيران التحالف، بحجة أن هناك عناصر من داعش تتحصن في هذه المباني، وهذا ما يشكك بأن التدمير كان ممنهجًا”.
وعن توقف عملية التعليم في الحسكة وتعطل امتحانات آلاف الطلاب الجامعيين، أوضح الماضي أن “سيطرة قسد على كلية الزراعة الواقعة بين سجن الصناعة والسجن المركزي في هذه المنطقة واتخاذها ثكنة عسكرية ومنع الطلاب والكادر التدريسي من دخولها وذلك بعد نهب جميع أثاث هذه الكليات والمنشآت التعليمية وسرقتها هو سببٌ مهمٌ لتوقف العملية التعليمية”، مضيفًا “هذا العبث بالمؤسسة التعليمية هو استكمال لمشروع التعليم المؤدلج الذي فرضته قسد على المنطقة بقوة السلاح”، حسب وصفه.
وعما إذا كان نظام الأسد مستفيدًا من التدمير الحاصل في الكليات والمعاهد، رأى الماضي، أن “النظام في مدينة الحسكة حاول استثمار هذا الاعتداء إعلاميًا، ودعا طلاب الجامعات للتظاهر والاحتجاج قرب المربعات الأمنية”، مستبعدًا أن يجدي ذلك نفعًا، فهو الآخر غدا تحت ضغط مطالب آلاف الطلاب بتقديم أماكن بديلة لإجراء الامتحانات.
ويواجه الطلاب حاليًّا ومستقبلًا صعوبات كبيرة حسب وجهة نظر الماضي، إذ لفت إلى أن “المتضرر الأول والأخير هم الطلبة بسبب إتلاف الكثير من سجلات الكليات وأضابير الطلاب، إضافة إلى تأجيل امتحاناتهم دون تأمين أماكن بديلة لإجراء الامتحانات حتى اليوم، ناهيك بالتلويح بإمكانية نقلهم ربما إلى مدينة دير الزور بعد تدمير كلياتهم”.
زين العابدين العكيدي ناشط وصحفي ميداني من دير الزور، أكد لـ”نون بوست” قائلًا: “هناك في الحسكة 25 ألف طالب، في 8 كليات و4 معاهد وفق إحصائية رسمية”.
وتابع العكيدي “ثمة مشادات بين الإدارة الذاتية ووزارة التعليم العالي التابعة لحكومة النظام بخصوص نقل الكليات من الحسكة، فالنظام يريد نقل الكليات من الحسكة إلى دير الزور، متعللًا بتدمير مباني الكليات، وبأن هناك عددًا كبيرًا من الثبوتيات والأضابير أتلفت خلال العمليات العسكرية الأخيرة ما بين تنظيم داعش وميليشيات قسد، فيما تريد الإدارة الذاتية إبقاءها في الحسكة”.
وعن موقف الطلاب، أوضح العكيدي “هناك تذمر كبير من الطلاب إذا نُقلت الكليات إلى محافظة دير الزور، بسبب طول المسافة بين المحافظتين والمصاريف العالية جدًا وصعوبة الاستئجار والاستقرار في دير الزور، فضلًا عن السبب الأهم وهو الخطر الأمني المحيط بالطلاب حال استقرارهم في دير الزور، لوقوعها تحت سيطرة نظام الأسد”، وهي التحديات التي أشار إليها بالفعل طلاب تحدث إليهم “نون بوست”.
ختامًا.. تضم جامعة الفرات 25 كلية تتوزع على محافظة دير الزور حيث يقع مقرها الرئيسي بواقع 11 كلية، ومحافظة الحسكة بواقع 8 كليات ومحافظة الرقة بواقع 6 كليات، فضلًا عن المعاهد التابعة لها، تُخرج آلاف الطلاب سنويًا ممن تحتاجهم البلد التي ترزح تحت نير حرب متواصلة لأزيد من عقد، ما يجعل مطالب الطلاب بتحييد الجامعات والمنشآت التعليمية عن الصراع مطلبًا يجب منح تلبيته الأولوية، لكن سجل انتهاكات النظام وقسد وداعش المشين لحقوق الإنسان جميعها، لا يبشر باحترام هذه الأولوية، مع الأسف.