ترجمة حفصة جودة
يبلغ ولدا شينوا من العمر 4 و6 سنوات، لكنهما رسميًا بلا وجود، فبعد الوضع لم تتحمل شينوا وزوجها دفع الفواتير الطبية التي وصلت إلى 16 ألف دولار، لذا رفضت المستشفى منحهما الوثائق التي يحتاجان إليها لاستخراج شهادات الميلاد حتى تسوية الدين.
هذه الممارسة ليست نادرة بين مستشفيات الإمارات، لكنها ساهمت في زيادة أعداد الأطفال غير الموثقين في تلك الدولة المطلة على الخليج العربي، وبالتالي لا يمكنهم التقديم في المدارس أو الحصول على رعاية صحية أو حتى المطالبة بالجنسية.
تقول شينوا – 37 عامًا – المهاجرة النيجيرية التي تعمل مساعدة صف بأجر منخفض أما زوجها فهو عاطل عن العمل: “لم يذهب ولداي إلى المدرسة بعد، ولا يملكان تأشيرةً أو جواز سفر، إنها مشكلة كبيرة، وهما يبكيان كثيرًا لرغبتهما في الذهاب إلى المدرسة”.
يقدر نشطاء حقوق الإنسان أن آلاف الأطفال في الإمارات، العديد منهم أبناء عمال مهاجرين من إفريقيا وآسيا، غير مسجلين، إما بسبب حجب المستشفيات للوثائق وإما لأن الأطفال مولودون خارج نطاق الزواج، فالأطفال المولودون لأم عزباء يُحرمون عادة من شهادة الميلاد لأن الجنس خارج الزواج غير قانوني في البلاد.
في مجتمع المهاجرين الفلبينيين بالبلاد، تصل أعداد الأطفال غير الموثقين إلى الآلاف وفقًا لاثنين من كبار المسؤولين في حكومة الفلبين.
حجب المستشفيات لوثائق الميلاد بسبب الفواتير غير المدفوعة تصرف غير قانوني، إلا أنها تتم بلا اعتراض
تعد الإمارات الغنية بالنفط واحدةً من أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد، ويتمتع غالبية المواطنين والعمال المغتربين من ذوي الياقات البيضاء بتعليم خاص ورعاية طبية فائقة، لكن بالنسبة للأطفال غير الموثقين، فهذه الخدمات الأساسية ليست في متناول أيديهم، تقول شينوا إن ولديها لم يذهبا إلى الطبيب مطلقًا ولم يحصلا على أي من لقاحات الطفولة.
توضح شينوا وزوجها إن حالة ابنيهما تجعلهما يعيشان في رعب دائم، تقول شينوا: “لا نشعر بالراحة أبدًا وبالكاد نترك المنزل، في معظم الأوقات يجلس زوجي في البيت مع الطفلين حتى لا تحدث مشكلة مع الشرطة، إننا في رعب دائم”.
رفض المكتب الإعلامي لحكومة الإمارات الإجابة عن عدة أسئلة تتعلق بالأطفال غير المسجلين.
ورغم أن حجب المستشفيات لوثائق الميلاد بسبب الفواتير غير المدفوعة تصرف غير قانوني، فإنها تتم بلا اعتراض، فبعض الآباء يخافون من إبلاغ الشرطة وبالتالي مواجهة العواقب القانونية لديونهم، تقول المحامية لودميلا يامالوفا – المقيمة في دبي -: “إنه ابتزاز واختطاف لهوية أحدهم”.
وضعت بيرل – فلبينية عمرها 32 عامًا وتعمل في مطعم – طفلتها مارس/آذار الماضي في مستشفى حكومي بدبي، كانت الطفلة مولودة قبل أوانها، لذا وصلت فاتورة إقامتها شهرين في العناية المركزة لحديثي الولادة 29 ألف دولار، أي أكثر من أجرها في 3 سنوات، لم تتمكن بيرل من الدفع فرفضت المستشفى منحها الوثائق الضرورية لاستخراج شهادة الميلاد.
وافقت المستشفى على خروج بيرل وابنتها بشرط توقيع شيك بالمبلغ كضمان، هذا الشيك بمثابة جريمة جنائية في الإمارات، تقول بيرل: “لقد فقدت كل شيء ولم يعد لدي شيء، والآن يجب أن أسلم نفسي للشرطة”.
تقول إيكاترينا سيفولوبوفا، مدير منظمة Do Bold التي تدعم العمال المهاجرين في دول الخليج إنه في بعض الحالات ترفض المستشفيات استقبال النساء في غرفة الطوارئ في أثناء المخاض لأنهن لا يملكن تأمينًا أو أي وسيلة للدفع.
في إحدى الحالات العام الماضي هددت المستشفى بأخذ الطفل من أمه بسبب فاتورة غير مدفوعة
تضيف سيفولوبوفا “تُجبر بعض الأمهات على تسليم جواز سفرها قبل السماح لها بمغادرة المستشفى بفاتورة غير مدفوعة، التهديدات هناك أمر شائع، في إحدى الحالات العام الماضي هددت المستشفى بأخذ الطفل من أمه بسبب فاتورة غير مدفوعة”.
هناك عامل آخر في زيادة أعداد الأطفال غير الموثقين، فالإمارات تطلب وثيقة زواج لتسجيل الأطفال واستخراج شهادات ميلاد لهم، حسبما تقول يامالوفا والدبلوماسيون الأجانب، هذه المشكلة لا تتعلق بالإمارات فقط، بل بالعديد من دول الشرق الأوسط التي ترفض توثيق الأطفال المولودين خارج نطاق الزواج.
كان الجنس خارج الزواج ممنوعًا وفقًا للشريعة الإسلامية في الإمارات، لكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 لم يعد الأمر مجرّمًا، وهي خطوة اتخذتها الإمارات مع عدة خطوات أخرى بهدف جذب الغربيين إلى البلاد في الوقت الذي احتاج الاقتصاد فيه إلى دفعة بسبب الجائحة.
ومع ذلك ما زالت بعض المستشفيات تطلب الشرطة عندما تضع أم عزباء مولودها، تقول يامالوفا إن أحد عملائها – المجانيين – أم غير متزوجة اعتقلت أغسطس/آب الماضي بعد ولادتها طفلًا قبل أوانه.
في الشهر الماضي، ونظرًا لرد فعل المحافظين كما يقول الخبراء القانونيون، تغير القانون مرة أخرى، وأصبحت عقوبة إنجاب طفل خارج الزواج السجن عامين، يقول حبيب الملا – شريك في شركة “Baker McKenzie” للمحاماة ومشرّع إماراتي سابق -: “عارض المحافظون رفع التجريم، فقيم وأخلاق المجتمع لها سيادة”.
هؤلاء الأطفال لا يستطيعون العودة إلى بلادهم لأنهم لا يملكون أي وثائق، في الوقت نفسه، يكبر هؤلاء الأطفال في ظلال المجتمع الإماراتي ومستقبلهم غير معلوم
للموازنة بين المحافظين والمتحررين، حدد القانون الجديد عدة طرق لتجنب الملاحقة القضائية، مثل زواج والدي الطفل لاحقًا، أو اتباع إجراءات إدارية محددة للاعتراف بطفليهما، بالنسبة للعمال من ذوي الياقات الزرقاء، فتكلفة القيام بتلك الخطوات باهظة.
من الصعب أيضًا على هؤلاء العمال المهاجرين ذوي الدخل المنخفض العودة إلى بلادهم لوضع أطفالهم، ليس فقط بسبب ارتفاع التكفلة في بعض الحالات، بل لأن الكثير من العمال المهاجرين يضطرون لتسليم جوازات سفرهم إلى أصحاب العمل ويجدون صعوبة في استرجاعها.
عندما جاء وقت ولادة كيت – 32 عامًا – لابنها في دبي، كانت تعلم أنها ستواجه الاعتقال إذا ذهبت إلى المستشفى لأنها غير متزوجة، لذا بدلًا من ذلك سعت كيت – العاملة في مكتب بدوام جزئي ومن الفلبين – إلى الحصول على مساعدة قابلة من السوق السوداء.
تقول كيت: “إنه عمل غير قانوني، والقابلة كانت خائفة أيضًا، كان عليّ ألا أصرخ وأن أدفع في صمت، وهو ما كان صعبًا للغاية”، لم تتمكن كيت من استخراج شهادة ميلاد لابنها فتقول: “أرغب بشدة في حصوله على الوثائق، فهو لم يحصل على أي لقاحات وهذا ما يقلقني كثيرًا”.
زادت الجائحة من تفاقم المشكلة، فقد ترك فقدان الوظائف المهاجرين يعانون لتلبية احتياجاتهم الأساسية، كما أن هؤلاء الأطفال لا يستطيعون العودة إلى بلادهم لأنهم لا يملكون أي وثائق، في الوقت نفسه، يكبر هؤلاء الأطفال في ظلال المجتمع الإماراتي ومستقبلهم غير معلوم.
تقول فرويلان ماليت – اختصاصية الهجرة بجامعة كامبريدج -: “إنهم مجتمع معلق وغير مرئي يواجه صعوبات كثيرة، ويزداد الضغط أكثر على الأمهات”.
المصدر: واشنطن بوست