ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما ترددت أصداء الثورات الشعبية في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط خلال سنة 2011، اتخذ أحد ملوك المنطقة بعض القرارات المصرفية. في وقت ما من تلك السنة، وبينما كانت كل من مصر وسوريا تشهد احتجاجات مدنية غفيرة فتح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حسابين جديدين في بنك “كريدي سويس“، البنك السويسري الذي قدم طيلة عقود خدماته السريّة لأثرياء المنطقة.
اختار الملك عبد الله، الذي يعد من بين الملوك الحاليين الأطول حكما في العالم، مصرفًا يشاركه أسلوبه في السرية خاصة فيما يتعلق بثروته الشخصية. وعلى مدى السنوات الخمس التالية، كان لدى الملك ستة حسابات على الأقل في بنك “كريدي سويس”، بينما كان لزوجته الملكة رانيا حساب آخر.
وفقًا لم تم تسريبه من بيانات هذا البنك، التي تشير إلى أن فردين من العائلة المالكة لهما حسابات في هذا البنك، فإن حسابًا واحدًا سوف يبلغ رصيده لاحقًا 230 مليون فرنك سويسري.
بالعودة إلى الأردن، كان الملك عبد الله يمر بفترة عصيبة بعد أن أدت ثورات الربيع العربي إلى الإطاحة برئيس تونس ومصر وليبيا واليمن واندلاع حرب وحشية طويلة الأمد في سوريا. وكان الأردن، أحد أكثر الدول كفاءة في المنطقة من حيث الوضع الأمني، قادرًا على درء تهديد أي معارضة ناشئة من خلال القمع والوعود بأيام أفضل.
في العقد الذي تلا ثورات الربيع العربي، استمر الاقتصاد في التعثّر وظلت مستويات الفقر والبطالة مرتفعة وانضافت لها التخفيضات في الرعاية الاجتماعية وإجراءات التقشف التي أثارت استياء السكان خاصة مع الثروة الظاهرة للملك بينما معظم المواطنين يكافحون لمجرد تدبير أمورهم. وعندما وافق صندوق النقد الدولي على إنقاذ الأردن شريطة المزيد من سياسات التقشف، كان الملك يُحوّل مبالغ هائلة بين حساباته البنكية السويسرية.
احتوت بيانات بنك “كريدي سويس” على تفاصيل 18 ألف حساب تم تسريبها إلى صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية من قبل مُبلّغ عن المخالفات قال إن قوانين السرية التي تتبعها البنوك السويسرية غير أخلاقية. وتم مشاركة هذه البيانات مع الغارديان و47 مؤسسة إعلامية أخرى كجزء من تحقيق عالمي بعنوان “سويس سيكرت”.
تأتي هذه الاكتشافات في وقت غير مريح للملك عبد الله والعائلة المالكة، بعد ستة أشهر من ظهور الملك بشكل بارز في تسريبات “أوراق باندورا”
قال محامو الملك عبد الله والملكة رانيا إنهما لم يرتكبا أي مخالفات، وقدموا سردًا لمصدر هذه الأموال مؤكدين أنها متوافقة مع قانون الضرائب المعمول به. في الأردن، يكون الملك معفيًا بموجب القانون من دفع الضرائب. وحسب محاميه، فإن نسبة كبيرة من الأموال المودعة في البنك السويسري مستمدة من نصيبه من ميراث والده الملك حسين، ولا توجد قوانين ضرائب على الميراث في الأردن.
تأتي هذه الاكتشافات في وقت غير مريح للملك عبد الله والعائلة المالكة، بعد ستة أشهر من ظهور الملك بشكل بارز في تسريب أكبر مجموعة من البيانات الخارجية على الإطلاق وهي “أوراق باندورا” التي كشفت أنه حصل على ممتلكات فاخرة بقيمة 100 مليون دولار من ماليبو في كاليفورنيا إلى بلغرافيا في وسط لندن. وتنضاف تفاصيل المزيد من الحسابات الخارجية إلى الادعاءات القائلة إن ملك الأردن الذي يحكم منذ 22 عامًا، يعيش حياة منفصلة عن الواقع الصعب الذي يواجهه معظم مواطنيه الذين تُفرض عليهم مجموعة مختلفة من القواعد.
بعد نشر أوراق باندورا، تحركت المخابرات الأردنية بسرعة لمنع الوصول إلى القصص التي تكشف بشكل مفصل ثروة الملك. وتم استجواب مجموعة من الصحفيين الذين تحدوا الحظر، وتم تذكير البعض بالواجبات الوطنية تجاه الأردن، بينما شعر آخرون بالخوف من الصمت. أما الصحيفة الأردنية التي نشرت الخبر فقد تلقت اتصالاً من المخابرات يطالبها بحذف القصة.
نفى محامو الملك اتهامات قمع وسائل الإعلام في الأردن بعد نشر أوراق باندورا ورفضوا الخوض في التفاصيل. وقبل عامين من الكشف عن أوراق باندورا، اعتقلت قوات الأمن الأردنية المحامي مؤيد المجالي من منزله متهمة إياه بارتكاب إحدى أخطر الجرائم في المملكة. وكانت جريمته المزعومة التشهير بالملك عبد الله لمجرد طرحه سؤالا عن مساحات الأرض التي يمتلكها الملك.
إن امتلاك حساب مصرفي خارجي ليس أمرًا غير قانوني ولا يوجد ما يشير إلى أن الملك عبد الله قد انتهك القوانين من خلال هيكلة الثروة في الخارج. ولا يوجد أي إشارة إلى ارتكاب مخالفات أو تقصير في العناية الواجبة من قبل بنك “كريدي سويس”. مع ذلك، ما تم الكشف عنه من شأنه أن يثير تساؤلات متجددة حول مصدر الثروة التي هي تحت تصرف الملك عبد الله في بلد مدعوم سنويًا بمليارات الدولارات من المساعدات الخارجية، وحول احتمال بحث الملك عن ملاذات آمنة لثروة الأسرة في ظل تفاقم مشاكل بلاده.
على الصعيد الداخلي، أدت الاحتجاجات تنديدا بتدهور الأوضاع في السنوات الأخيرة إلى فوضى سياسية مستمرة مع إقالة سلسلة من رؤساء الوزراء من مناصبهم وبقاء الحكومات ضعيفة ومعتمدة على الدعم الخارجي. حتى أن بعض القبائل الأردنية، التي قدمت دعما أساسياً للملك عبدالله والتي تنحدر منها معظم الشخصيات التأسيسية في البلاد، أظهرت إحباطها من دولة تكافح من أجل خدمة نفسها.
في آذار/ مارس الماضي، كانت سيطرة الملك على البلاد مهددةً لفترة وجيزة عندما تم اعتقال أخيه غير الشقيق الأمير حمزة، الذي كان قد أطيح به من منصب ولي العهد قبل 17 عامًا، وأدين اثنان من مساعديه بالتحريض على الفتنة بعد الكشف عن المراحل الأولى مما يبدو أنه مؤامرة ضد الحكم.
في العاصمة الأردنية عمان كان الغضب من الملك وحكومته حادًا بشكل غير عادي خلال الاحتجاجات الأخيرة ضد مستويات البطالة وركود الاقتصاد.
وصف أنصار الأمير حمزة الأحداث بالتمرد الذي حظي بتأييد شعبي. مع ذلك، تعتقد المخابرات الأردنية وبعض كبار المسؤولين أنها محاولة متأخرة من جانب مسؤولي ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتنصيب أمير كان ليؤيد المحاولة الفاشلة لإرساء السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أو ما يُعرف بـ “صفقة القرن”.
قال الملك عبد الله، من خلال محاميه، إن حسابًا واحدًا فقط من حسابات “كريدي سويس” ظل مفتوحًا. وهم يؤكدون أنها تتضمن شركات استثمار شخصية تم إنشاؤها كصناديق استئمانية لأبناء الملك. وأضافوا أن أحد الحسابات يحتوي على عائدات بيع طائرة كبيرة، بينما تم شراء طائرة أخرى أصغر. ومن المعروف أن الملك يستخدم طائرتين خاصتين على الأقل.
أشار محاموه أيضًا إلى أن نسبة كبيرة من ثروته الشخصية استُخدمت لتمويل مبادرات ملكية بصفته الشخصية لاستهداف الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين الأردنيين، فضلاً عن ترميم المساجد المهمة. لكنهم رفضوا تحديد النسبة التي تم استخدامها.
في العاصمة الأردنية عمان كان الغضب من الملك وحكومته حادًا بشكل غير عادي خلال الاحتجاجات الأخيرة ضد مستويات البطالة وركود الاقتصاد. قام المتظاهرون في بعض المسيرات بضرب دمى على شكل الملك عبد الله بالأحذية، وهو ما يعتبر إهانة صارخة في جميع أنحاء العالم العربي. مع ذلك، لا يبدو أن السلالة الهاشمية التي يقودها عبد الله تحت تهديد خطير في الوقت الحالي.
توقع داود كُتّاب، العضو المنتدب لشبكة الإعلام المجتمعي ومقرها عمان، أن هذه الاكتشافات ستثير غضب بعض الأردنيين وخاصة الشباب العاطلين عن العمل، موضّحًا “من المحتمل أن يواجه الملك والحكومة بعض الاحتجاجات والمظاهرات، ولكن على الأرجح سيتعاملون مع هذا الأمر كما فعلوا سابقًا – لكن لن يخلوا ذلك من صعوبات”
المصدر: صحيفة الغارديان