ترجمة وتحرير: نون بوست
من خلال التحكم في تدفق السكان، يتمتع الدكتاتور السوري حاليا بالولاء الإثني لقرابة نصف السوريين، أما السكان السنة الذين لا يرون مستقبلا لهم في البلاد فإنهم بصدد المغادرة.
حين أجرت الطائرات الروسية والسورية مناورات جوية مشتركة في بداية هذا الشهر، اعتبر هذا الأمر في “إسرائيل” عارضا من أعراض تزايد التوترات بين موسكو وواشنطن حول أوكرانيا. ولكن في نفس الوقت يمكن اعتبار أن هذه الطلعات الجوية، التي نفذت واحدة منها على مقربة من الحدود الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، مبرمجة لتحقق هدفا آخر.
إذ أن الجيش السوري بات يعتمد بشكل متزايد على الصواريخ المضادة للطائرات لمواجهة الهجمات الجوية الإسرائيلية، وبالتالي فإن هذه المناورات تبعث برسالة استعراض قوة من طرف نظام الأسد. واليوم بعد مرور 11 عاما على اندلاع الحرب في سوريا، يعمل النظام على استعادة سيطرته على أجزاء واسعة من الخريطة الأصلية لسوريا.
وبفضل المساعدات الضخمة التي يتحصل عليها من روسيا وإيران، وبعد سلسلة من المعارك الحاسمة بين 2015 و 2018، تمكن الرئيس بشار الأسد من البقاء في السلطة.
ومنذ ذلك الوقت انحسر القتال في أغلب أجزاء سوريا (رغم تسجيل مواجهات عنيفة من حين لآخر وخاصة في الجنوب) واختفت الجهود الدولية التي كانت تبذل للإطاحة بالدكتاتور السوري، الذي يحتل الآن صدارة ترتيب القتلة في القرن الواحد والعشرين.
حوالي ثلث السوريين الخاضعين حاليا لسيطرة النظام علويون، أي أكثر من ضعف النسبة التي كانوا يمثلونها قبل اندلاع الحرب
واليوم يظهر بشار الأسد ثقة جديدة، ويتحكم في ما يسميه النظام “سوريا المفيدة”، في إشارة إلى شريط ضخم من الأراضي يمتد من اللاذقية في الغرب ويعبر حلب وحمص نحو العاصمة دمشق، ومن هناك نحو محافظة درعا في جنوب البلاد.
وعوضا عن الحالة الأصلية التي كانت عليها سوريا، هنالك الآن أربعة مناطق، كل منها تخضع لحسابات نفوذ مختلفة. فهنالك “سوريا الأسد”، والمنطقة التركية في الشمال، والأكراد في الشمال الشرقي، والصحراء الشرقية قرب حدود العراق والأردن، حيث تتواصل بعض تحركات التمرد بشكل متقطع، وتوجد فيها فصائل متطرفة ترتبط بالقاعدة وتنظيم الدولة.
وبحسب مصدر عسكري إسرائيلي، فإن الحرب في سوريا انتهت منذ بداية هذا العام، وذلك لأسباب واقعية. وهو يقول: “بعد انجلاء غبار المعارك، تمت إعادة خلط الأوراق. وأمام أعيننا الآن يعمل الأسد على إعادة تشكيل سوريا الجديدة.”
هذه التغييرات ليست فقط جغرافية، بل هي أيضا ديمغرافية. وبحسب تقارير استخباراتية إسرائيلية، فإن حوالي ثلث السوريين الخاضعين حاليا لسيطرة النظام علويون، أي أكثر من ضعف النسبة التي كانوا يمثلونها قبل اندلاع الحرب. وحوالي 10 بالمائة من الشيعة، بعد أن كانوا يمثلون 3 بالمائة فقط قبل الحرب.
هذه الأرقام تمثل تغييرا حقيقيا في الوضع، وكانت لها تأثيرات كبيرة على التطورات في البلاد. إذ أن الملايين من المسلمين السنة الذين فروا أثناء الحرب نحو بلدان الجوار، وخاصة تركيا ولبنان والعراق والأردن، إلى جانب عديد البلدان الأوروبية، على الأرجح لن يسمح لهم الآن بالعودة.
ومن خلال التحالف مع الشيعة إلى جانب العلاقات مع أقليات أخرى، يتمكن بشار الأسد المنتمي للطائفة العلوية من الاعتماد على الولاءات الإثنية لحوالي نصف السكان في مناطق لسيطرته. وينسق النظام مع الجهود الإيرانية لتوجيه تدفق الشيعة من الشرق الأوسط نحو سوريا، ومن بين هذه الأدفاق هنالك عائلات مقاتلين شيعة شاركوا في الحرب إلى جانب النظام.
وفي نفس الوقت، بعد النزوح الجماعي للاجئين أثناء سنوات الحرب، حتى السكان السنة الذين بقوا داخل سوريا ولا يرون فيها الآن مستقبلا بدؤوا في المغادرة.
تبعد منطقة درعا 50 كيلومترا عن حدود الجولان في “إسرائيل”، وهي المدينة التي مثلت مهد الانتفاضة ضد نظام الأسد في عام 2011. وفي 2018 تم تسليم درعا بدون قتال تقريبا، بعد أن هدد الروس بقصفها وتسويتها بالأرض، وهو نفس القصف الذي دمر مدنا كان الثوار يسيطرون عليها في شمال البلاد.
ويبذل النظام جهودا استثنائية لتوطين السكان في المناطق التابعة له. وخلال العام الماضي غادر ما بين 8 آلاف و10 آلاف شاب سني منطقة درعا، أغلبهم هاجروا نحو أوروبا.
ومؤخرا سيطر السكان الشيعة على اثنين من القرى في الجولان السوري، غير بعيد عن الحدود مع “إسرائيل”. وبدعم إيراني تم إنشاء مؤسسات دينية ومدارس تابعة للطائفة الشيعية في الجنوب خلال هذه السنوات.
وفي نفس الوقت ركز “حزب الله” مجموعة من نقاط المراقبة وجمع المعلومات، على مقربة من حدود “إسرائيل”، بدعم من الحرس الثوري الإيراني وشبكات من سكان المنطقة.
وإلى جانب الكثير من الهجمات الجوية المنسوبة إلى سلاح الجو الإسرائيلي، تحدث من حين لآخر هجمات عبر الحدود باستخدام صواريخ قصيرة المدى أو سلاح القنص ضد هذه النقاط. ويشرف “حزب الله” على النشاط في المنطقة الحدودية من خلال مركزي تحكم، أحدهما مسؤول عن بناء القوة على المدى الطويل، والآخر مسؤول عن تنفيذ عمليات مسلحة ضد إسرائيل. وفي نفس الوقت تتواصل هجمات مجموعات الثوار ضد قوات الأسد والميليشيات الشيعية في جنوب سوريا.
وخلال العشرية الماضية، كان للأحداث في الجانب الآخر من الحدود تأثير على علاقات الدروز في مرتفعات الجولان مع إسرائيل. وأولى مؤشرات التغيير في هذا الوضع، ظهرت ربما من خلال السرعة التي اختفت بها صور بشار الأسد من المطاعم في قرى الدروز في الجانب الإسرائيلي من الحدود، بعد ظهور تقارير أولية حول عمليات قتل يقوم بها النظام.
وفي السنوات الأخيرة ازداد التقارب بين الدروز المحليين و”إسرائيل”، وأحيانا باتت هذه العلاقات علنية، وهو ما حدث على سبيل المثال حين تم رفع الأعلام الإسرائيلية فوق بعض المدارس. ولأول مرة سمحت جائحة كورونا بوجود دائم للجنود الإسرائيليين بأزيائهم الرسمية في القرى الدرزية. وبعد عامين من هذه الجائحة، باتت العلاقات بين قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي والسلطات المحلية في الجولان مسألة مفروغا منها.
وتماما مثل حكومة نتنياهو السابقة، فإن حكومة بينيت تصدر بشكل دوري بيانات تعبر فيها عن دعمها للجولان. وقبل شهرين، بعد لقاء حكومي احتفالي في مرتفعات الجولان، أعلن بينيت نيته مضاعفة الحضور السكني الإسرائيلي في المنطقة.
ويبدو أن فظاعات الحرب السورية، وخاصة الفترة التي سيطر فيها عناصر القاعدة وتنظيم الدولة على مواقع قريبة من الحدود، عززت الدعم الشعبي في “إسرائيل” لفكرة بقاء مرتفعات الجولان تحت السيادة الإسرائيلية.
إلا أن عودة الزخم للنظام السوري في جنوب البلاد يمكن أن تتبعه محاولات من دمشق لتعزيز نفوذها في صفوف الدروز في الجولان. ومع مرور الوقت يمكن أن يطرح السؤال الملح: من هو المسيطر الحقيقي خلف الكواليس في تلك المنطقة، “إسرائيل” أم سوريا؟
العلاقة مع الدروز
على الرغم من سكوت أصوات المدافع في سوريا، فإن حالة من الاحتقان لا تزال سائدة بين السكان المدنيين في أنحاء البلاد. وفي هذا الإطار تندرج الأزمة التي طفت على السطح مؤخرا، حول وضع الدروز في جبل الدروز الواقع في جنوب البلاد على بعد 70 كيلومتر من “حدود إسرائيل”.
إذ أنه خلال الحرب، حاول الدروز في سوريا تجنب الظهور كحلفاء للأسد، رغم أن البعض من شباب هذه الطائفة خدموا في جيش النظام. وبشار الأسد نفسه كان ينظر إليهم بعين الريبة، وفي بعض الأحيان اتخذ إجراءات فاقمت وضعهم الاقتصادي.
ومؤخرا شهد جبل الدروز ومنطقة السويداء اضطرابات جديدة بسبب الوضع الاقتصادي وقرار الحكومة برفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية. ويشعر دروز سوريا بالانزعاج أيضا من خطوات أخرى للنظام، من بينها رفض فتح المعبر الحدودي مع الأردن وتزايد الحضور الإيراني الذي رافقته العديد من حوادث العنف.
وقد شهد جبل الدروز في الأسابيع الأخيرة العديد من المظاهرات الحاشدة ضد النظام. ونظمت احتجاجات مماثلة في أجزاء أخرى من سوريا، بسبب المشاكل الاقتصادية.
وفي ظل قلقهم على مصير أقاربهم في الجانب السوري، اتجه دروز “إسرائيل” نحو تجميع كميات هامة من الغذاء والتجهيزات للشتاء، إلى جانب مساهمات مالية، على أمل أن يتم إرسالها إلى جبل الدروز في سوريا. هذه الجهود خيمت عليها خلافات داخل الطائفة الدرزية في “إسرائيل”، واعتبرها البعض محاولة لإحراج الزعيم الديني للطائفة في “إسرائيل”، الشيخ موفق طريف.
وقد ذكر الصحفي جاك خوري في تقرير لهآرتس أن الشيخ طريف ذهب في الأسبوع الماضي إلى موسكو، أين التقى باثنين من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الروسية. أحد أعضاء هذا الوفد الدرزي هو وزير سابق في حكومة “إسرائيل” صلاح طريف. هذه الزيارة التي كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية على علم بها، كان هدفها التأثير على نظام الأسد عبر الروس، من أجل وقف الخطوات التي كان يتخذها ضد دروز سوريا.
وكان الشيخ طريف قد زار موسكو في مناسبتين سابقتين، في 2018 و2020، وكان الموضوع دائما هو وضع الدروز في سوريا.
إلى حد الآن لم يتم إحراز أي تقدم في مسألة شحن الغذاء والمؤن. وباستثناء التعبير عن حسن النوايا أمام طريف، فإن موسكو لم تتدخل في هذه المسألة
وهكذا فإن التوترات الداخلية في الطائفة الدرزية في “إسرائيل”، باتت متشابكة مع وضع الدروز في الجولان وسوريا، ومحاولات التدخل من المخابرات السورية، ومعارضة الأسد و”حزب الله” من طرف الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط. أما “حزب الله” من جهته فقد نشر العديد من بيانات التنديد بدروز “إسرائيل”، وهاجم زيارة طريف إلى موسكو وجهود تجميع وإرسال الغذاء والتجهيزات.
وقد تلقى وزير الدفاع بيني غانتس طلبات من أعضاء الكنيست الدروز، لفتح المعبر الحدودي في القنيطرة بين “إسرائيل” وسوريا من أجل إرسال هذه الشحنات. ولكن الجيش الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات الشاباك أبديا تحفظهما حول هذه الفكرة، بسبب المخاوف من أن السوريين والإيرانيين سوف يستغلون فتح المعبر من أجل نشر بذور التخريب بين دروز مرتفعات الجولان.
وإلى حد الآن لم يتم إحراز أي تقدم في مسألة شحن الغذاء والمؤن. وباستثناء التعبير عن حسن النوايا أمام طريف، فإن موسكو لم تتدخل في هذه المسألة. وقد عبر مسؤول أمني إسرائيلي عن شكوكه في إمكانية استجابة نظام الأسد للضغوط والموافقة على إرسال هذه الشحنات نحو جبل الدروز، مستبعدا أن تصل هذه المساعدات نحو وجهتها الصحيحة.
وأضاف هذا المسؤول: “غالبا سيتم استغلال هذه الشحنات لتحسين وجبة الفطور المقدمة للضباط في الفرقة السابعة من الجيش السوري، المتمركزة في جنوب البلاد.”
المصدر: هآرتس