بعد أن خضع العراق لأقسى نظام عقوبات في العصر الحديث، أعلنت الحكومة العراقية عن خروج العراق من إجراءات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بعد أن دفعَ كامل التعويضات المالية المترتبة عليه جرّاء غزوه للكويت في 2 أغسطس/ آب 1990.
وجاء هذا الإعلان على لسان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في كلمة له في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، وسبقَ إعلان حسين بيانٌ صدر عن البنك المركزي العراقي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن فيه عن دفع العراق كامل التعويضات المالية التي أقرّتها الأمم المتحدة لصالح الكويت، والبالغة 52.4 مليار دولار.
خضع العراق لأحكام الفصل السابع من الميثاق بعد سلسلة من القرارات الأممية التي صدرت بحقّه، إذ بعد صدور القرار 660 في 2 أغسطس/ آب 1990، الذي نصَّ على “أن يسحب العراق جميع قواته من الكويت فورًا، ومن دون قيد أو شرط”، نظّمَت الدبلوماسية الأمريكية في الأمم المتحدة تصعيدًا في القرارات، إذ بين 2 أغسطس/ آب و29 يناير/ كانون الثاني 1990 صدر 12 قرارًا.
وبعد إدانة دخول الكويت في 2 أغسطس/ آب وفرض الحظر الجوي على العراق في 6 أغسطس/ آب، أعلنَ مجلس الأمن الدولي أن ضمَّ الكويت “باطل ولا أساس له”، وبدأ بفتح الصفحة الثانية ضد العراق عبر تفعيل واسع النطاق لأحكام الفصل السابع، الذي كانت القاعدة الأصلية له القرار رقم 661، وعلى أساس هذا القرار أيضًا جاءت كل القرارات التي فرضت العقوبات الاقتصادية على العراق حتى عام 2003.
ورغم أن اجتماع مجلس الأمن الدولي، يوم أمس الثلاثاء، أقرَّ -رسميًا- انتهاء عمل لجنة الأمم المتحدة للتعويضات، وأن العراق أصبح عضوًا كامل الأهلية وغير خاضع لأي إجراءات عقابية أممية، إلا أنه من جهة أخرى أحال ملفات أخرى ما زالت بذمّة العراق حيال الكويت، خصوصًا تلك المتعلقة بالمفقودين والأرشيف الكويتي.
حيث سبق لمجلس الأمن الدولي أن أصدر قراره رقم 2107 عام 2013، والذي أقرَّ فيه بإحالة هذه الملفات إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، باعتبارها ملفات غير مهدِّدة للأمن والسلم الدوليَّين، وبإمكان حلّها عبر المفاوضات الثنائية والمساعي الدبلوماسية.
نهاية كابوس العقوبات وبداية عهد جديد
إن انتهاء الوضع القانوني الذي كان يخضع له العراق بموجب الفصل السابع من الميثاق، يعني أن وضعه الطبيعي والقانوني عاد إلى مرحلة ما قبل 2 أغسطس/ آب 1990، كما أنه سيشجّع العراق على مطالبة المجتمع الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة، برفع الوصاية القانونية عن الأموال العراقية المجمّدة بالخارج، والتي تقدَّر بـ 50 مليار دولار، وكذلك الأموال الموجودة في صندوق تنمية العراق، باعتبار أن العراق أصبح عضوًا كامل الشخصية القانونية، ومؤهّلًا للتصرف المطلق بها استنادًا إلى قاعدة السيادة، كما سيشجّع خروج العراق العديد من الشركات العالمية على البدء في تعاقدات مالية لتنفيذ المشاريع الاستثمارية داخل العراق.
كما سيمنح خروج العراق من أحكام الفصل السابع قوة دفع كبيرة للدبلوماسية العراقية، للانخراط الفاعل والنشيط في العديد من التفاعلات الإقليمية والدولية، إلى جانب إمكانية توسيع قاعدة الشراكات العسكرية مع البيئة الدولية، بعد أن كان العراق يواجه صعوبات كبيرة في مسألة التعاقدات العسكرية والدفاعية، أو في إمكانية الحصول على التكنولوجيا العسكرية المتطورة.
وسيصبح بإمكان العراق شراء الأسلحة (الخفيفة والمتوسطة والثقيلة) التي كان محرومًا من شرائها أو الحصول عليها، ومن ثم سيفرض الوضع الجديد للعراق أيضًا مزيدًا من التحديات أمام صنّاع القرار في العراق حول كيفية استثمار هذا الوضع، وترسيخ دور العراق العربي والإقليمي والدولي.
الوضع العراقي الجديد رغم أنه يعطي بوادر تفاؤل، إلا أن الأزمة السياسية الحالية التي يشهدها العراق اليوم تثير بدورها الكثير من التساؤلات حول مدى نجاح العراق في الاستفادة من الانفراجة الجديدة.
وفي هذا الإطار أيضًا، كانت في السابق للعراق درجة ائتمان عالية قبل فرض العقوبات الاقتصادية عليه، أما الآن فتمّت إعادة قوة ائتمانه، باعتباره من أوائل الدول المصدِّرة للنفط، فضلًا عن احتياطاته العالية من العملة الصعبة، ما أعطى ضمانًا وحماية لأموال العراق، وبإمكان الشركات الكبرى بناء مشاريعها والاستثمار فيه.
كما أن التعاملات الاقتصادية ستتغيّر الآن، بعد أن كانت الدول وشركات التأمين تفرض رسوم تأمين عالية على بواخرها وطائراتها التي تدخل الأجواء أو المياه العراقية، أما الآن ستقلُّ تعرفة التأمين بصورة كبيرة، ومقاطعة الدول الاقتصادية للعراق ستزول بعد أن كان يعاني بسبب العقوبات المفروضة عليه، وسيتمّ توفير القروض الميسّرة بفوائد قليلة لإنشاء المشاريع الخدمية المهمة وغيرها.
إن الوضع العراقي الجديد رغم أنه يعطي بوادر تفاؤل حول إمكانية أن يؤسِّس لحالة استقرار سياسي واقتصادي، وذلك بناءً على القيمة المالية العالية، والدعم الدولي الذي سيحصل عليه، إلا أن الأزمة السياسية الحالية التي يشهدها العراق اليوم تثير بدورها الكثير من التساؤلات حول مدى نجاحه في الاستفادة من الانفراجة الجديدة، وألّا تتحول الأزمة السياسية إلى احتقان أمني قد يدخل العراق في دوامة جديدة من الصراع والفوضى الداخليَّين، ما قد يساهم بطريقة أو بأخرى في إعادة النظر بوضع العراق، كدولة مهدِّدة للأمن والسلم الدوليَّين.