يتجرّأ الإنسان على السؤال، فيتحرّك في الهامش الفاصل بين الحقيقة والخيال، ويزجّ نفسه في المنطقة الرمادية الملتبسة، ليتغذّى على مشاعر مبهمة، تولِّد الارتباك، ويتضخّم في داخله ذلك الإلحاح الجارف في الاستكشاف ولمس اللايقين.
في تلك المنطقة بالذات، تتولّد كل الأفكار الإبداعية التي يمكن أن تتحول إلى حقائق مع الوقت، أو تظلّ عالقة في حيّز الخيال، تثير الحالمين والمفكرين إلى غاية الجنون، لتُخرج لنا أشكالًا ذات خصوصية فنية، حيث لا وجود للقانون أو المنطق، كل ما يوجد هو المتعة والخرافة واللامعقول، ورغم ذلك نمكث دائمًا على شفا تصديق فكرة أن كل هذه الأشياء المجنونة يمكن أن تتحول إلى حقيقة، وهذه هي سمة العلم والفن والعالم، كل شيء ممكن ولكن بنسب معيّنة.
في هامش الارتياب تقع نظرية الأكوان المتعددة، وكل ما يتفرّع منها على المستوى الفني، في بعض الأوقات يستلزم الأمر إلغاء المنطقي ليحظى المرء بتجربة المتعة القصوى، وربما لا يتمتّع الكثير من كارهي أفلام الأبطال الخارقين والفنتازيا بتلك الخاصية.
بيد أن المتعة الحقيقية تبدأ ممّا هو خرافي، حيث لا وجود للحدود، وهذا ما يشعر به محبّو أفلام الأبطال الخارقين، شعور الحرية الخيالية، أن تنظر إلى الشاشة فتلقى الإنسان الكامل، الرمز، الإله كما يصفه البعض، وهذه الآلهة الخيالية ستحقق له الأمنيات غير المعقولة، ستتصرّف بإرادة المشاهد نفسه بالطيران والقتل وإنقاذ البشر، ستكون الذراع التي تصنع المستحيل، والمستحيل هنا لا يتوقف على الأبطال أنفسهم ككيانات خارقة للطبيعة، بل يمتدُّ إلى العوالم والأكوان التي تحتضن الأبطال الخارقين، مثل عالم الأكوان المتوازية شديدة التعقيد في عالم DC.
نظرية الأكوان المتعددة
نظرية الأكوان المتعددة هي محاولة لحلّ مشكلات الفيزياء الكلاسيكية، التي تدور في سياق التوفيق بين النظريتَين الأساسيتَين، نظرية النسبية لأينشتاين، ونظرية ميكانيكا الكمّ، بحيث ينتج عن ذلك التوفيق ما يُسمّى بنظرية كل شيء.
إلا أن فكرة الأكوان المتعددة نفسها ليست وليدة اللحظة، أو حتى القرن السابق، بل وُجدت كخاطرة عابرة أو حتى كفكرة لها شكل وحضور في الفلسفة اليونانية، وحتى قبلها، تشكّلت في وعي الكثير من البشر خلال الأساطير النوردية التي تؤمن بوجود 9 عوالم تشكّل الكون، وتبني على ذلك الافتراض كل قصصها.
لكن لم يتمَّ تناول فكرة الأكوان الموازية بالشكل الرياضي اللائق إلا مع وجود ميكانيكا الكمّ كفرع فيزيائي رصين، وخروجًا عن نظريات الكمّ بدأ العلماء وضع الافتراضات التي تتعاطى مع فكرة وجود أكوان متعددة، وكان للعالم النمساوي شرودنغر الأسبقية في ذلك المجال، عندما أخبر تلاميذه أنه على وشك قول شيء جنوني، ليخبرهم أن معادلته تصفُ عدة تواريخ مختلفة وهذه التواريخ ليست بديلة، بل تحدث كلها في وقت واحد.
ثم أتى بعد هذا العالم هيو إيفريت، ليضع تفسيره الشهير للأكوان المتعددة، وحتى الآن لا يمكن نفي أو تصديق نظرية الأكوان المتعددة بشكل كامل، ولم يتمَّ تطبيقها سوى في عوالم السينما الخيالية، التي تمثل وسيطًا لما يمكن أن يحدث في المستقبل.
الأكوان الموازية في عالم DC – فلاش
في عام 1956، وبعد الحرب العالمية الثانية، انتهى العصر الذهبي للقصص المصورة، وانتقل العالم إلى العصر الفضي، ومن هنا قررت DC إعادة إحياء شخصياتها وتدويرها بحيث تصبح أكثر مرونة وديناميكية من قبل، من خلال النظر إليها كشخصيات جديدة.
وبناء عليه، منحت الشركة الحرية للكاتب بوب كانيغر والفنان كارمين إنفانتينو لكي يخلقا هوية جديدة لشخصية فلاش، ليصنع الثنائي شخصية باري آلان، الفتى الذي يعمل كعالم شرطي، ذكي ومهووس بالتكنولوجيا، حصل على قوته الخارقة عندما ضربته الصاعقة وهو في المختبر، وانغمسَ في كيماويات المختبر ليكتسب سرعة خارقة، على عكس الشخصية الأولي في العصر الذهبي، جاي غاريك الذي كان مجرد طالب في الجامعة.
شخصية آلان كانت متأثِّرة بشخصية جاي نفسها، حتى في عالم باري آلان نفسه كان يقرأ قصص جاي المصورة، ومن هذا التماسّ الواضح كان من السهل على المعجبين القدامى، الذين عايشوا العصر الذهبي للكوميك، أن يرصدوا هذا الخط المتاخم لفلاش القديم وفلاش الحديث، وهذه كانت أول لمحات الأكوان المتعددة على الإطلاق.
في عام 1961 أصدرت الشركة العدد 123 بعنوان “فلاش من عالمَين” (Flash of Two Worlds)، وهذا يُعتبر أول تقاطع (Crossover) بين شخصيتَين في عالم الأبطال الخارقين، عندما يركض باري آلان بسرعة كبيرة ليحطِّم الحاجر بين العالمَين دون أن يشعر، ليجدَ نفسه في كون موازٍ، الكون الذي يراه في القصص المصورة التي يقرأها دائمًا، حيث يجدُ منزل بطله المفضّل جاي غاريك.
وتقول الأستاذة والمؤلفة أنجيلا نداليانيس حول هذه النقطة، في كتاب The World of DC Comics للكاتب أندرو ج. فريدنثال:
“فتحت (هذه القصة) الطريق جزئيًّا لفهم التناقضات والصراعات التي نشأت على مدى عقود عديدة من سرد وإعادة سرد قصص الأبطال الخارقين عبر كون DC… عقب إصدار هذا العدد من فلاش، مهّد مفهوم الأكوان المتعددة الطريق للاتصال القصصي التعددي، والذي يمكن بعد ذلك تبريره على أنه انتساب إلى عوالم بديلة… بدلًا من رفض الاعتراف بوجود القصة الأخرى، يعترف كل خط قصص جديد بالقصص الأخرى التي تقع تحته، حتى لو كان يرفضها. مع التناوب المتصل، والشبكة المتداخلة للخيوط السردية التي تتصل أو تفشل في الاتصال، مع كل دخول للعديد من القصص إلى الميدان، أضحت الاستمرارية (ونظام الأكوان المتعددة الذي تحتويه) أكثر تعقيدًا”.
تبع تلك القصة ظهور آخر للتقاطع بين عالمَين في العدد رقم 21 من سلسلة فرقة العدالة بعنوان Justice League of America، حيث تحارب فرقة العدالة بجانب نسختهم السابقة في العصر الذهبي المسماة بجمعية العدل الأمريكية (Justice Society of America)، ومع مرور الزمن خُلق العالم الكامل للأكوان المتعددة وانهدمَ ثم بُنيَ مرة أخرى وهكذا، لينتج في النهاية عالم شديد التعقيد، يحتوي على أكثر من عالم معقد بخصوصية وتاريخ مختلفَين، وهذا ما يجعل DC العالم القصصي المفضّل للكثير من محبّي القصص المصورة، لأنه معقّد وله تاريخ استثنائي.
هناك عدة أكوان متعددة تشمل عالم DC وتحقق وجوده، ما يجعل من الصعوبة الحديث عنها كلها، رغم ما يربطها من تاريخ وأسباب، ولكننا سنحاول رصد معظم هذه الأكوان حسب الترتيب التاريخي لظهور الحدث في القصص المصورة.
الأكوان المتعددة – العالم الأول
في البداية، من 20 مليار عام، كانت قوة الخالق (The Source) مصدر وجود ما يُسمّى Omniverse بقوة غير محدودة، يوجد لدى هذه القوة مساعدون يُطلق عليهم The Hands أو أيادي الكون الأكبر، لتكلِّف إحدى مساعديها بيربيتوا (Perpetua) أن تخلق عالمًا جديدًا، لتُنشئ ما يُسمّى البُعد السادس، وكان أعلى مستوى في الوجود وقتها.
ثم تكمل خلقها بإكمال الأكوان المتعددة مستعينة بالقوة التي منحتها لها قوة الخالق، لتقسم الوجود إلى 3 أقسام، لكل قسم شكل مختلف من الوجود، شكّلت الطاقة الإيجابية الوجود الإيجابي، ويخرج من وجودها المونيتورز (Monitors)، من بينهم مار نوفو (Mar Novu) ابن بيربيتوا، وشكّلت الطاقة السلبية جانبًا آخر من الكون، ليخرج منها الأنتي مونيتورز (Anti-Monitor)، من بينهم موبياس (Mobius) الحامي، ثم الجزء الثالث الذي شكّلته المادة المظلمة الغنية بالقوة.
ومن بين أبناء بيربيتوا كان ألفيوس (Alpheus) الذي يُطلق عليه مزوِّر العوالم (The World Forger)، تمَّ تكليفه بالعيش في الظلام والعمل على خلق عوالم جديدة للنظام، وفي نقطة زمنية معيّنة، وفي ظلام دامس، سيصنع مخلوقًا لمساعدته، أطلق عليه اسم بارباتوس (Barbatos)، وكلفه تدمير العوالم التي ليس من المفترض وجودها.
بعد أن انتهت بيربيتوا من خلق عالمها متعدِّد الأكوان، استوجب عليها الموت أو الرجوع إلى Omniverse لتبدأ بخلق عالم جديد، بيد أنها لم تعود، وبعد 5 مليارات عام اكتشفَ ألفيوس والمونيتور أن أمّهما أخفت نفسها في العالم الأصلي (Prime Universe)، حيث ولدت سلالة شرسة أُطلق عليها Apex Predators، ولكن قبل أن تقع حرب بين الأمّ وأبنائها، أرسلت جماعة قضاة المصدر (the Judges of the Source) ما يُسمّى بطائر الكون الجارح (The Cosmic Raptor) ليحبسها في جدار الخلق.
بعد احتجاز بيربيتوا، ومع مرور الوقت، سيتمرّد بارباتوس ضد سيده ألفيوس وسيقتله، وسيحكم مملكة الظلام التي يُشار إليها الآن بالـ Dark Multiverse، حيث سيسمح للعوالم الساقطة بالوجود، المكوَّنة من مخاوف وآمال الكائنات الإيجابية.
الكون المتعدد الأصلي (The Original Multiverse)
في البداية كان هناك كائن يُدعى كرونا (Krona)، وهو عضو في سلالة قديمة من الخالدين، يتميّزون ببشرة زرقاء ويعيشون في كوكب مالتوس، سينتقل المالتيون لاحقًا إلى كوكب يقع في مركز الكون يُسمى Oa، وينصّبون أنفسهم كحرّاس للكون.
كان كرونا مهووسًا بمعرفة أصل الكون، لذلك صنعَ آلة زمن ليرجع إلى نقطة البداية ويشهد ولادة الكون، وبالفعل رجع بالزمن ليشهد الانفجار العظيم، ولكن الآلة الخاصة به لم تحتمل فانفجرت، وتدخّلت في عملية ولادة الكون، لتتفرّع النقطة، ما أدّى إلى خلق عدد أكوان لا نهائي بدلًا من كون واحد، لينشأ كون الـ Multiverse.
عندما خلقَ الحادث الذي تسبّب فيه كرونا الأكوان المتعددة، خلقَ معها كونًا آخر اسمه كون الأنتيماتر (Antimatter Universe)، وهو عبارة عن مكان ينشط فيه الأنتي مونيتورز، ويبعثون بموجات تدمِّر وتمتصّ قوة الأكوان الموازية، ليصبحوا أقوى الكائنات.
بيد أن المونيتورز لم يسمحوا لهم، وقاموا بعمل خطة لإيقافهم، ولكن في النهاية لم يبقَ إلا 5 أكوان، وأبطال هذه الأكوان قرّروا أن يجمعوا الـ 5 أكوان هذه في كون واحد أصبح الكون الرئيسي، أُطلق عليه New Earth، وعُرفت هذه الحقبة بحقبة الكوارث في القصص المصورة.
ولكن بعد أحداث حقبة الكوارث، يكتشفُ أبطال New Earth أن كونهم ليس الكون الوحيد الموجود، وأن هناك ما يُعرف بالـ Hypertime، وهو عبارة عن تدفُّق مترابط لشبكة من العوالم والمسارات، حيث ينحرف ويتشعّب الزمن عند نقطة معيّنة من الكون المركزي، وهي موجودة بشكل منفصل عن الأكوان المتعددة، ويكوِّن الـ Hypertime والـ Multiverse ما يُسمّى بالـ Multi-Multiverse.
الأكوان المتعددة 52
في فترة ما بعد الكوارث الأولى، واندماج العوالم في New Earth، حاول مجموعة من الأبطال الناجين: سوبرمان، سوبربوي، لويز لاين بقيادة ألكساندر لوثر، أن يصنعوا العالم المثالي من خلال إعادة تشكيل الأكوان المتعددة مرة أخرى، عبر صنع آلة تعيد خلق الأكوان، وتسمح لهم بدمج عوالم معيّنة مع بعضها بدقة، حتى يبلغوا الواقع المثالي.
وأنجز الأبطال الخطوة الأولى من الخطة بعد عدة صراعات، لتولِّد الآلة عددًا لا نهائيًّا من الأكوان، بيد أن عدم استقرار هذه الأكوان تسبَّب في انهيارها، لتندمج وتخلق كونًا جديدًا مثل القديم، ولكن هذا الكون الجديد المنفرد أصغر من أن يحتمل طاقة كل هذه الأكوان، لينقسم إلى 52 أرضًا مختلفة متطابقة، ليتكوّن Multiverse جديد، لكن هذه المرة ينطوي على 52 أرضًا داخله، كلها نسخة متطابقة من عالم New Earth الأول.
بعد ذلك ظهر كائن وحشي يُسمّى Mister Mind، يتغذّى على الزمان بحيث تصبح الخطوط الزمانية مبتورة من الناحية التاريخية، ويتلاشى جزء من الزمان بشكل مطلق من العالم المتآكل، وبعد هذه الحادثة اختلفت الأراضي الـ 52 من الناحية التاريخية، وعليه حدث نوع من التشعُّب الزمني الذي يفصل الخطوط الزمانية للأكوان ويخلق مستقبلًا مستقلًّا لكل عالم، واختفى ما يُسمّى بالعوالم المتطابقة.
الالتقاء (Convergence)
الالتقاء أو التقارب هو حدث مهم في تاريخ عالم الأكوان المتعددة في DC، يكتشف فيه الأبطال من خلال شخصية برينياك (Brainiac) أن الأكوان ما زالت غير مستقرة، لذلك يجمع برينياك فريقًا مكوّنًا من سوبرمان وسوبرغيرل وفلاش وبارالاكس (Parallax)، ويرسلهم إلى الماضي لمنع تدمير الأكوان المتعددة الأصلية أثناء أحداث the Crisis on Infinite Earths.
ونجحوا في تحقيق هذا الأمر بالفعل، ما أدّى إلى العودة إلى نسخة الأكوان المتعددة الأصلية ولكن بشكل متطوِّر بعض الشيء عن السابق، لينتج عن تلك الواقعة 5 أكوان متعددة: الأكوان المتعددة الأصلية – ما قبل الأزمة، الأكوان المتعددة 52، الأكوان المتعددة 52 الجديدة، الهايبرتايم، الأكوان المتعددة المتطورة – ما قبل الأزمة.
تشريح الأكوان المتعددة الرئيسية
الأكوان المتعددة الخاصة بالكوميك تسبح فيما يُسمّى بالـ Overvoid أي الفراغ، وتتكوّن من 52 أرضًا، تتوزّع بشكل داخلي وخارجي في عدة نطاقات تجدُ لها أماكن في مساحة دائرية كونية، يمنعها من الاصدام بحاجز يُدعى The Bleed، يتوسّط الـ Multiverse مكان يُدعى معقل الأبطال (House Of Heroes)، وهو مقرّ كائنات المونيتورز.
توجد أسفل هذا المكان صخرة الخلود (The Rock Of Eternity)، يقع خارج الدائرة ما يُسمّى بفلك الآلهة (Sphere of the Gods) الذي يحتوي على أماكن وجود الآلهة، يوجد فيه الجنة (Heaven)، الجحيم (Hell)، الحلم (Dream)، الكابوس (Nightmare)، سكايلاند (Skyland)، العالم السفلي (Underworld)، كوكب نيو جينيسيس (New Genesis) في أقصى اليمين، كوكب أبوكوليبس (Apokolips) في أقصى اليسار، وما يفصل هذه الكواكب عن الـ Overvoid هو ما يُسمّى بالـ Monitor Sphere الذي يحمل في داخله الجدار العازل (The Source Wall).
الجدير بالذكر أن عالم DCEU السينمائي خارج هذه المعادلة، مع عالم “فارس الظلام” لكريستوفر نولان، وعوالم مثل غوثام وغيرها، وأغلب العوالم السينمائية تقع خارج عوالم الكوميك.