ترجمة وتحرير: نون بوست
بدأت حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا والتي توقعها الغرب منذ فترة طويلة؛ ففي حوالي الساعة 5:40 صباحًا بتوقيت موسكو يوم أمس، ظهر بوتين على شاشة التلفاز ليعلن “عملية عسكرية خاصة”.
لم يكن نطاقه واضحًا على الفور؛ لكن كل الأدلة أشارت إلى هجوم واسع النطاق، فقد قال بوتين إن هدفه سيكون نزع السلاح و “نزع التأثير النازي” من البلاد، مدعيًا أنه يمثل تهديدًا قاتلًا لروسيا، وخلال دقائق سُمع دوي انفجارات بالقرب من المطار الرئيسي في كييف، وكذلك في العديد من المدن الأخرى، وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها كانت تستهدف أهدافًا عسكرية فقط، وأفادت الأنباء أن القوات الروسية هبطت في ماريوبول وأوديسا، وهما ميناءان رئيسيان على ساحل البحر الأسود الأوكراني، وذلك على الرغم من عدم تأكيد هذه التقارير.
بشكل مخيف؛ بدا أن بوتين يهدد بالتصعيد النووي عندما حذر الدول الغربية – التي أرسلت قوات لتعزيز الجناح الشرقي لحلف الناتو وهددت بفرض عقوبات اقتصادية “ضخمة” – بعدم التدخل؛ حيث قال: “لديَّ بضع كلمات لمن يشعر بالإغراء للتدخل في التطورات الجارية: كل من يحاول عرقلتنا، ناهيك عن خلق تهديدات لبلادنا وشعبها، يجب أن يعرف أن الرد الروسي سيكون فوريًا ويؤدي إلى عواقب لم تُرى في التاريخ “.
من جهتها، استنكرت أمريكا الهجوم الروسي “غير المبرر وغير المسبوق”، كما جاء في بيان صادر عن الرئيس جو بايدن أن “روسيا وحدها هي المسؤولة عن الموت والدمار الذي سيحدثه هذا الهجوم، وسترد الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها بطريقة موحدة وحاسمة، وأن العالم سيضع روسيا تحت المساءلة”.
بعد أسابيع من الدبلوماسية؛ كان الرئيس الروسي أصمًّا عن كل النداءات من أجل السلام؛ حيث رفض تلقي مكالمة من الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في الساعة الحادية عشرة، وأرسل قواته إلى المعركة حتى أثناء اجتماع مجلس الأمن الدولي في جلسته الطارئة، التي حصل فيها سفير أوكرانيا على الكلمة الأخيرة، وقال لنظيره الروسي: “لا يوجد حساب لمجرمي الحرب، يذهبون مباشرة إلى الجحيم”.
وأصبحت مسيرة بوتين إلى الحرب واضحة منذ نوفمبر؛ عندما دقت أمريكا ناقوس الخطر بشأن تحرك عشرات من مجموعات الكتائب التكتيكية – الوحدات الأساسية للجيش الروسي – نحو حدود أوكرانيا، وبحلول عشية الغزو، كان قد وزع أكثر من ثلثي القوة القتالية البرية لبلاده في جميع أنحاء البلاد.
وادعى بوتين طويلًا أنهم كانوا في حالة تدريب، فيما زعم زيلينسكي أنه كان يخادع، على أمل منع الذعر الذي قد يزعزع استقرار حكومته ويمنح بوتين النصر دون إطلاق رصاصة واحدة، ولكن كل ذلك تغير في الأسبوع الماضي؛ عندما بدأ الكرملين في الادعاء بأن أوكرانيا ارتكبت “إبادة جماعية” للناطقين بالروسية في منطقة دونباس، وكانت على وشك الاستيلاء على منطقتين انفصاليتين بالقوة، وتبع ذلك سلسلة من الاستفزازات المزعومة: انفجارات في دونباس، وحتى توغُل القوات الأوكرانية في روسيا، وقالت الحكومات الغربية إن روسيا هي من دبرتها لصنع ذريعة للحرب.
ثم في الحادي والعشرين من شباط/فبراير؛ عقد السيد بوتين اجتماعًا استثنائيًا لكبار مسؤوليه، طلب فيه من كل منهم الموافقة على الاعتراف بالجمهوريتين على الهواء مباشرة، وادعى أن الروسية كانت الاستحداث المصطنع للبلاشفة الشيوعيين الذين حكموا الاتحاد السوفيتي السابق.
وفي ذلك المساء؛ ألقى خطابًا يجمد الدماء في العروق، عرض فيه قضية الحرب، وسارعت القوات الروسية التي تم تصويرها على أنها قوات حفظ سلام، إلى الجمهوريات في ذلك المساء (على الرغم من أن بعضها كان موجودًا في الخفاء منذ سنوات).
بعد اندلاع الأعمال العدائية؛ فإن السؤال الأكثر إلحاحًا هو إلى أي مدى روسيا مستعدة للذهاب في سبيل إخضاع جارتها، حيث يتمثل أحد الاحتمالات في أنها ستهدف إلى الاستيلاء على كل الأراضي المزعومة للدويلات.
وبعد ذلك بيوم؛ أوضح بوتين أنه كان يعترف بـ الجمهوريات الزائفة ضمن النطاق الكامل للحدود المزعومة، والتي تشمل “الأوبلاستات” بأكملها أو المناطق الإدارية في دونيتسك ولوهانسك، والتي يقع معظمها خارج نطاق سيطرتهم، وتضم تلك المنطقة ميناء ماريوبول، المدينة التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من نصف مليون نسمة.
عشية الغزو؛ أصدر فولوديمير زيلينسكي نداءً بالفيديو إلى الروس، قائلاً لهم: “لسنا بحاجة إلى الحرب، سواءً باردة أو ساخنة، ولا حتى هجينة“، وقال إنه حاول الاتصال بالسيد بوتين، لكنه قوبل بالصمت؛ وبعد ساعات في اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، حث الأمين العام أنطونيو غوتيريش روسيا قائلًا: “الرئيس بوتين أوقف قواتك عن مهاجمة أوكرانيا، وامنح السلام فرصة”، ولكن كل ذلك دون جدوى؛ فأثناء مناقشة المجلس، أصدر السيد بوتين مقطع فيديو خاصًا به يشكو من أنه: “على أراضينا التاريخية، يتم إنشاء دولة معادية لروسيا”.
قوبل الهجوم الروسي بتنديد دولي، وحذر ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، من “الانتهاك الخطير للقانون الدولي، والتهديد الخطير للأمن الأوروبي الأطلسي”، كما قالت كوريا الجنوبية إنه لن يكون أمامها “خيار” سوى الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا، وقالت أستراليا واليابان في وقت سابق أنهما ستفعلان ذلك أيضًا.
وكان رد فعل نخبة السياسة الخارجية في روسيا صادمًا؛ حيث حذر ديمتري ستيفانوفيتش، وهو خبير دفاعي قائلًا: “سأدعم قواتنا، لكنني ما زلت أعتبر هذا خطأً فادحًا، وسيتراجع دعمي للحكومة الروسية أكثر”، فيما قالت إلينا تشيرنينكو، الصحفية في صحيفة كوميرسانت اليومية: “ليس لدي تعليق”، وكتب سيرجي أوتكين من معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية للأبحاث (إيميمو)، وهو جزء من أكاديمية العلوم الروسية: “هذه كارثة، لروسيا وأوكرانيا وخارجهما”.
وتعود جذور الأزمة إلى سنة 2014، عندما أطاحت انتفاضة مؤيدة لأوروبا بفيكتور يانوكوفيتش، رئيس أوكرانيا آنذاك، والذي وقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي فقط ليمزقها تحت ضغطٍ من روسيا، ورد فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، في نفس السنة بضم شبه جزيرة القرم وغزو شرق أوكرانيا، حيث أسس زوجًا من الوكلاء الروس – “جمهوريتا” دونيتسك ولوهانسك – في منطقة دونباس، وعلى مدى السنوات الثماني التالية، عندما تحولت الحكومة الأوكرانية إلى الغرب للحصول على الدعم السياسي والعسكري، أصبح بوتين أكثر عدائية.
الآن، وبعد اندلاع الأعمال العدائية؛ فإن السؤال الأكثر إلحاحًا هو إلى أي مدى روسيا مستعدة للذهاب في سبيل إخضاع جارتها، حيث يتمثل أحد الاحتمالات في أنها ستهدف إلى الاستيلاء على كل الأراضي المزعومة للدويلات.
في الأسابيع الأخيرة، أرسلت أمريكا آلاف القوات الإضافية إلى ألمانيا وبولندا ورومانيا، كما ضاعفت بريطانيا حجم وحدتها في إستونيا، في حين عززت ألمانيا قواتها في ليتوانيا.
ورغم أن حرب دونباس ستكون سيئة بما فيه الكفاية؛ لكن منذ كانون الثاني/يناير الماضي، حذر مسؤولو الأمن الغربيون من أن بوتين عازم على غزو -أوسع نطاقًا- يهدف إلى الإطاحة بالحكومة الأوكرانية، حيث قال كل من جو بايدن، رئيس أمريكا، وبوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، إن روسيا قد تستهدف على الأرجح كييف، عاصمة أوكرانيا، فيما يتفق مسؤولو الناتو مع تلك التقييمات البريطانية والأمريكية، وهذا في الوقت الذي تسللت القوات العسكرية الروسية فيه في جنوب بيلاروسيا بالقرب من الحدود في الأسابيع الأخيرة، مع تنظيم العديد منها في تشكيلات تكتيكية من شأنها أن تسمح بالتوجه السريع جنوبًا نحو كييف، إذا أمر بوتين بذلك.
قد يبدو الاقتراح غريبًا؛ حتى إن السياسيين الغربيين المطلعين على المعلومات الاستخبارية يبدو أنهم لا يصدقون ما يسمعونه، ففي نهاية المطاف، يبلغ عدد سكان أوكرانيا أكثر من 44 مليونًا، أي ضعف عدد سكان أفغانستان والعراق، اللتين احتلتهما أمريكا وحلفاؤها في عامي 2001 و 2003 على التوالي، وكافحتا للسيطرة في مواجهة حركات التمرد الدموية، ومع ذلك، فإن قوات الغزو الروسية وتلك التي قد تتبعها، مثل وحدات الحرس الوطني، “تبدو أكثر من كافية لمحاولة احتلال المناطق الشرقية لأوكرانيا”، كما يقول مايكل كوفمان، الخبير في القوات المسلحة الروسية في وكالة الأنباء القبرصية (CNA)، وهو مركز فكري.
ويشير إلى أن المناطق الشرقية في أوكرانيا بالإضافة إلى كييف يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة فقط، بينما يبلغ عدد سكان الساحل الجنوبي 3 ملايين نسمة، وهذا من شأنه أن يعطي روسيا نسبة متقاربة من كثافة القوة – عدد القوات بالنسبة للسكان – التي تمتعت بها أمريكا في العراق، وباستثناء أن روسيا ستتمتع ببعض المزايا التي لم تتمتع بها أمريكا، فهي تعرف اللغة وتفهم التضاريس وستكون “أكثر قسوة في تطبيق العنف”، كما يشير جاك واتلينج من المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، وهو مركز فكري آخر.
وتعتقد روسيا أيضا أنه – على الأقل – سيرحب بهم بعض الأوكرانيين كأصدقاء، إن لم يكن كمحرِّرين، واستنادًا إلى مقابلات مكثفة مع مسؤولي الجيش والمخابرات الأوكرانيين في وقت سابق من ذلك الشهر، يجادل واتلينج وزميله نيك رينولدز في تقرير نشره معهد رويال يونايتد للخدمات (RUSI) في الخامس عشر من شباط/فبراير قائلَيْن: “على إثر الاجتماع مع مسؤولي الأمن الأوكرانيين هناك اعتراف واسع النطاق بأن العديد من زملائهم – الذين يشغلون بعض المناصب الرفيعة للغاية- يعملون لصالح روسيا أو يتعاطفون معها”، كما يزعم التقرير أن أجهزة المخابرات الروسية وسعت نشاطها بشكل كبير في أوكرانيا خلال السنة الماضية؛ حيث حددت هوية السكان المحليين الذين يمكن أن يكونوا متعاونين مع الاحتلال، وكذلك أولئك الذين قد يقودون حركة مقاومة.
ويتمثل السؤال الثاني في كيفية رد كل من أمريكا وحلفائها الأوروبيين على الغزو؛ ففي الأسابيع الأخيرة، أرسلت أمريكا آلاف القوات الإضافية إلى ألمانيا وبولندا ورومانيا، كما ضاعفت بريطانيا حجم وحدتها في إستونيا، في حين عززت ألمانيا قواتها في ليتوانيا.
مما يزيد الأمر تعقيدًا استيعاب روسيا الفعلي لبيلاروسيا؛ الأمر الذي يضع قدرًا كبيرًا من القوة الروسية على حدود بولندا وليتوانيا
وفي الوقت الحالي؛ يقول جيمي شيا، أحد كبار المسؤولين السابقين في الحلف، إنه سيتعين على حلف الناتو زيادة تعزيز جوانبه الشمالية والجنوبية – على بحر البلطيق والبحر الأسود – على التوالي، وقد يعمل التحالف على تفعيل قوة الرد التابعة لحلف الناتو (NRF)، وهي وحدة تتكون من 40 ألف جندي دائمة الاستعداد، والتي تقودها فرنسا حاليا كنواة لها، ونظرًا إلى أن هذه القوة لم تُستخدم من قبل، سيتطلب تفعيلها إجماع جميع الحلفاء الثلاثين.
وعلى الرغم من أن حلف الناتو سيكون في “وضع دائم لإدارة الأزمات” لبعض الوقت في المستقبل؛ فإن السيد شيا يلاحظ قضايا طويلة المدى التي سيتعين عليه النظر فيها، ومن المرجح أن يجتمع قادة الحلف، الذين خططوا للاجتماع في قمة مدريد في حزيران/ يونيو، في وقت أقرب من ذلك، وفي حين كان مسؤولو الناتو يكتبون “مفهومًا إستراتيجيًّا” جديدًا، وهو عبارة عن خطة لأولويات الحلف في السنوات المقبلة؛ كان الأمريكيون يعملون على وضع إستراتيجية للأمن القومي ومراجعة الوضع النووي، ولكن الحرب في أوكرانيا ستؤثر على كل هذه الجهود وسيتعين على البعض منهم البدء من الصفر، آخذين بعين الاعتبار التهديد المتصاعد الذي تقوم به روسيا.
وفي خطابه الذي ألقاه في الحادي والعشرين من شباط /فبراير؛ ذكر بوتين نسخة من التاريخ – على حد قوله – حيث تفككت الإمبراطورية الروسية بشكل فاضح من قبل البلاشفة إلى أراض أصبحت بعد الحرب الباردة دولًا مستقلة منفصلة، وعلى الرغم من أن هدفه الصريح كان تقويض شرعية أوكرانيا، إلا أن الجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى كانت ستشعر بالقلق فيما يتعلق بنزعته الوحدوية، بما في ذلك أعضاء حلف الناتو مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وأعضاء من خارج الحلف مثل فنلندا التي كانت ملكية روسية سابقة، وفي الثاني والعشرين من شباط /فبراير؛ حذر وزير خارجية فنلندا من أن تصرفات بوتين “تستند إلى نوع من مفهوم إعادة بناء الاتحاد السوفييتي”.
ومما يزيد الأمر تعقيدًا استيعاب روسيا الفعلي لبيلاروسيا؛ الأمر الذي يضع قدرًا كبيرًا من القوة الروسية على حدود بولندا وليتوانيا، وهو ما من شأنه أن يجعل “فجوة سوالكي” الضئيلة – وهو ممر بري محشور بين الممرات الروسية من كالينينغراد وبيلاروسيا، والذي يربط بولندا بدول البلطيق – أشد صعوبة للدفاع عنها في الحرب.
سيكون التأثير المباشر للعقوبات على الاقتصاد الأوروبي في حد ذاته متواضعًا؛ حيث تُعد روسيا دولة فقيرة بالنسبة لبقية القارة، نظرًا لأن مٌصدِّرُيها يعتمدون على الطلب الأوروبي وليس العكس
ويحذر ستيفن هادلي – الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي بين سنتي 2005 و2009 – من أنه “إذا ما نجح بوتين في أوكرانيا، فقد يعلن حاجته إلى جسر بري لربط كالينينغراد ببيلاروسيا ومن ثم روسيا عبر ليتوانيا أو بولندا، وهو ما يعني حربا بين روسيا وحلف الناتو”.
إن الوضع خطير؛ وهو ما يؤكده صمويل شاراب من المؤسسة الفكرية راند (RAND)، قائلًا: “لا ترغب أي من روسيا وحلف الناتو في تصعيد هذه الأزمة بينهما، ولكن مع وجود أعداد ضخمة من العمليات القتالية التي تقوم بها القوات الروسية على عتبة الحلف، من السهل جدًّا تصور كيفية خروج الأمور عن السيطرة بسرعة”؛ حيث سوف تجد الطائرات المقاتلة وطائرات المراقبة والسفن الحربية لكل من روسيا والحلف نفسها على مقربة وثيقة ودائمة، وهو ما يُعد مصدر قلق خاص في البحر الأسود؛ حيث أطلقت روسيا السنة الماضية طلقات تحذيرية بالقرب من سفينة حربية بريطانية دخلت المياه الإقليمية لشبه جزيرة القرم، ولتجنب سوء الفهم – كما يقول السيد شاراب – سيحتاج الناتو إلى أن يوضح لروسيا أن مثل هذه التحركات الرامية إلى تعزيز أوروبا الشرقية ليست مقدمة للتدخل العسكري للحلف في أوكرانيا؛ وهو أمر لا توجد رغبة في القيام به.
وإذا ما قامت الدول الغربية بفرض عقوبات اقتصادية شديدة، كما وعدت، فقد ترد روسيا بطرق تزيد من حدة الصراع؛ حيث إن هناك قلق بشكل خاص حول الهجوم السيبراني، سواء كان متعمدا أو لا؛ خاصة وأن مواقع الحكومة الأوكرانية ضربها هجوم إلكتروني معطل في 23 شباط/فبراير.
وقد تكون العواقب الاقتصادية أشد خطورة، فبينما سيكون التأثير المباشر للعقوبات على الاقتصاد الأوروبي في حد ذاته متواضعًا؛ حيث تُعد روسيا دولة فقيرة بالنسبة لبقية القارة، نظرًا لأن مٌصدِّرُيها يعتمدون على الطلب الأوروبي وليس العكس، كما يقدر بنك جولدمان ساكس أن خسارة التجارة الناتجة عن انكماش الطلب الروسي بنسبة 10 بالمائة لن تكلف منطقة اليورو سوى حوالي 0.1 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي، ولن تكلف بريطانيا سوى حوالي نصف ذلك، وهنا تكمن مشكلة أن بعض الواردات من روسيا ضرورية وتشكل مدخلات نادرة للإنتاج في أوروبا.
في الأوقات العادية؛ تزود روسيا بين 30 و40 بالمائة من غاز أوروبا، وعلى الرغم من انخفاض هذه الحصة في الأشهر الأخيرة تزامنًا مع زيادة واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال (LNG)، إلا أن فرض ضغوطات إضافية على الإمدادات – الناجمة عن العقوبات أو كالانتقام منها – قد يؤدي إلى تعطيل الإنتاج الصناعي في أوروبا، وستُسَبِّب الطاقة المرتفعة الثمن ألمًا للمستهلكين، الذين قد يخفضون الإنفاق في أماكن أخرى، وإذا ما شعرت الأسواق المالية بالخوف من تفاقم الأزمة، فسوف يتسبب ذلك في أضرار اقتصادية عن طريق تقليل الاستثمار.
لم تكن روسيا مهددة من قبل حلف الناتو أو من قبل أوكرانيا، بل إن غزوها للدولة المجاورة هو حرب اختيارية استحضرها السيد بوتين من لا شيء
وسوف ينتشر هذا الألم بالنسبة للمصدرين الأوروبيين بشكل غير متساو عبر البلدان؛ حيث لا تعد روسيا واحدة من أهم وجهتين للبضائع المُصدَّرة من كل من ليتوانيا ولاتفيا فحسب، بل تمثل أيضًا مصدرًا مهمًّا للطلب الخارجي لفنلندا واليونان وبلغاريا، وستتلقى هذه الأماكن ضربة كبيرة على إثر انهيار التجارة، ومع ذلك؛ فإن أمن فنلندا وبلغاريا سيكون عرضة لموقف روسي أكثر عدوانية، لذلك قد يستعد كلا البلدين لدفع ثمن باهظ لدعمهم الردع.
كما أن هناك تكلفة بشرية؛ فعندما تدخلت روسيا في سوريا في سنة 2015، انطوت طريقة الكرملين في الحرب في كثير من الأحيان على استخدام القوة العشوائية ضد المناطق المليئة بالسكان، بما في ذلك قصف المستشفيات، ومن المتوقع أن تكون الخسائر في صفوف المدنيين في أوكرانيا كبيرة، خاصة وأن بوتين وعد بشكل ينذر بالسوء، في الحادي والعشرين من شباط/فبراير بمعاقبة كل المذنبين الذي ارتكبوا جرائم ضد الروس.
ولن يتردد آخرون في الفرار، ففي أوروبا الشرقية؛ يستعد جيران أوكرانيا لتدفق اللاجئين؛ حيث حذر وزير الدفاع الأوكراني – في كانون الثاني/يناير – من أن حربًا كبيرة قد تتسبب في “ظهور مفاجئ لما بين 3 ملايين و5 ملايين لاجئ أوكراني”، في حين قال نائب وزير الداخلية البولندي في الثامن من شباط/فبراير إن “ما يصل إلى مليون شخص” قد يدخلون بولندا في أسوأ السيناريوهات، وستكافح حكومة رومانيا لاستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين بما تملكه من قدرات في الوقت الحالي، وقد يؤدي نمو مخيمات اللاجئين الكبيرة في هذه البلدان، وفي المجر، إلى تفاقم الانقسامات بين أوروبا الشرقية والغربية، حيث سيؤدي ذلك إلى تأجيج الحركات الشعبوية اليمينية، أو كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 22 شباط/فبراير، إنه “يمكن للعالم أن يرى حجم وشدة الاحتياجات التي لم تكن مرئية لسنوات عديدة”.
لم تكن روسيا مهددة من قبل حلف الناتو أو من قبل أوكرانيا، بل إن غزوها للدولة المجاورة هو حرب اختيارية استحضرها بوتين – الذي سيحكم عليه التاريخ بقسوة – من لا شيء، وإذا ما اندفعت روسيا، بعد تقدم سريع، نحو حرب طويلة المدى، فسينجذب الشعب الروسي كذلك.
المصدر: الايكونوميست