ترجمة وتحرير نون بوست
“بقدر ما تتغير الأشياء، بقد ما تبقى على حالها” هذا المثل يتضح بجلاء خلال النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الطاحن، الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة هذا الصيف مثلت نقطة تحول وتجاوز للخط الأحمر.
الاعتداء الذي حدث في يوليو هو الأشد فتكًا بين الثلاثة حروب التي شنتهم إسرائيل على القطاع في السنوات الخمس الماضية، وانتشرت صور القتل والدمار التي صدمت العالم حول القطاع الفلسطيني المدمر، قُتل أكثر من 2200 فلسطينيًا خلال تلك الحرب التي استمرت لسبعة أسابيع، ربعهم من الأطفال، فيما جُرح آلاف آخرين، بينما تم تدمير أكثر من 20000 منزلاً؛ وهو ما تسبب في وضع وصفه المتحدث باسم الأونروا بأنه “أزمة نزوح” ستؤثر على ربع سكان القطاع، حجم الدمار قد يكلف أكثر من 6 مليار دولارًا، دمار ضخم بشكل لا يمكن تصديقه.
تدفقت أصوات الإدانة، وتحركت عدة دول في أمريكا اللاتينية في اتجاه قطع العلاقات مع إسرائيل، فيما تصاعدت الاتهامات ضد إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، في الوقت نفسه، فإن انهيار المفاوضات التي أطلقها جون كيري يعكر صفو العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، فيما يُنفر الإسراع في بناء المستوطنات اليهودية غير الشرعية، حتى أصدقاء إسرائيل المقربين.
أثناء حديثه خلال مناقشة البرلمان البريطاني على التصويت غير الملزم للحكومة بالاعتراف بفلسطين (وهو التصويت الذي مر بأغلبية ساحقة) قال أحد النواب المحافظين إن التوسع الاستيطاني المستمر “أغضبني أكثر من أي شيء آخر طوال حياتي السياسية”، أصبحت السويد أول دولة أوروبية غربية تعترف بفلسطين خلال الشهر الماضي، فيما تنتظر عدة بلدان أخرى موعد التصويت على نفس الموضوع.
الآن، ووسط الاشتباكات الدامية في القدس والضفة الغربية وشمال فلسطين المحتلة، ووسط عمليات الدهس التي ينفذها فلسطينيون فرادى، ومع العنف اليومي المستمر من قبل الاحتلال، يتشكل انطباع بأن إسرائيل، عبر تنفيذ حربها ضد غزة، عجلت من ردود الأفعال الداخلية وأثارت ردود فعل دولية لا يمكنها الآن أن تتوقف.
هذا هو المشهد من الخارج، لكن بالنسبة لإسرائيل، فلديها قصة مختلفة، فهي تتخذ عدة إجراءات دفاعية متزايدة بعد ردود الفعل الذي أثارتها حرب غزة في المجتمع الدولي، والتي مثلت نقطة تحول في المواقف الدولية.
فيما يشبه نبوءة ذاتية التحقق، كلما تزايدت الإدانات لأفعال إسرائيل، كلما مالت إسرائيل لتأكيد أن “كل العالم ضدنا”، وأن البلاد تسير في طريقها دون أصدقاء.
هذا الرأي يتم تعزيزه دومًا من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تذكر الإجراءات الأوروبية باعتبارها معاداة للسامية، ومع ذلك، الصحفي الإسرائيلي المخضرم “آكيفا إلدار” يشير إلى أن التدابير التي اتخذتها أوروبا شديدة النعومة بحيث لن تأخذها إسرائيل على محمل الجد، ويقول الرجل “إن أوروبا بحاجة إلى مطرقة أكبر، أكبر كثيرًا من تلك التي أوروبا مستعدة لاستخدامها”.
ولاحظ المعلقون أن السياسات الأوروبية المعبرة عن تلك التحولات تنقسم إلى قسمين: أولاً مكافأة الفلسطينيين، وثانيًا معاقبة إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي، الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمر مرحب به، لكنه ليس ذو تأثير على الإسرائيليين، فقد واصلت إسرائيل التوسع الاستيطاني الذي ليس بينه وبين الاقتصاد اليومي ومعدلات الرفاه في أذهان الإسرائيليين أي علاقة.
الكلمات القاسية وأثاث إيكيا الذي انهمر من وزارة الخارجية الإسرائيلية ردًا على قرار السويد الاعتراف بفلسطين بُني على مخاوف بشأن التحولات في مجال الدبلوماسية الدولية، لكن إذا فكرنا للحظة في أثر القرارات الأوروبية، يمكننا أن ندرك أن قرارًا مثل قرار الاتحاد الأوروبي الذي صدر العام الماضي والذي ينص على أن أي اتفاقات مستقبلية مع إسرائيل ستستبعد الأراضي المحتلة عام 1967 كان بمثابة زلزال.
الآن، ما تبقى من معسكر السلام الإسرائيلي يدعو للضغط في الاتجاهين داخل أوروبا، قبل أيام، دعا أكثر من 600 شخصية عامة إسرائيلية الدنمارك للاعتراف بفلسطين في التصويت المرتقب، حيث وصفوا تلك الخطوة بأن من شأنها أن تساعد مستقبل إسرائيل.
إلدار، الذي يقول إنه يتحدث بدافع وطني، يرى أن ما هو مطلوب الآن هو فرض المزيد من العقوبات على إسرائيل بسبب مشروع الاستيطان الجشع، “إسرائيل تتصرف كما لو أنها أدمنت الاحتلال والوضع القائم، وما نحتاجه ليس شخصًا يرسل لنا النقود كي نشتري بها المخدرات”، وتابع “الصديق الحقيقي لن يعطينا المخدرات التي ندمنها، لكنه سيجرنا إلى المصحة كي نُعالج”.
المصدر: ميدل إيست آي