لم يمنح يوسف الرموني (32 عاما) فرصة ليصرخ قائلاً يا أبي، كما قال النبي يوسف بعدما غدر به إخوته ورموه في البئر حيا، فأعداء الرموني أٌقسى من أن يمنحوه فرصة ليعود حيا لطفليه.
مجموعة من المستوطنين صعدوا الحافلة خلسة، واختبؤوا بين مقاعدها متربصين ليوسف الذي غادرها في وقت استراحته ليشتري كأس القهوة، ليسقط الكأس من يده بعدما لف المستوطنون الحبل على رقبته وأعدموه في محطة حافلات شركة “أيجد” الإسرائيلية في “جبل حوتسفيم” قرب قرية دير ياسين المهجّرة في مدينة القدس، ثم يلوذوا بالفرار.
العائلة التي اعتادت على عودة يوسف متأخرًا للمنزل، لم تكن تتوقع أن يعود نجلها هذه المرة شهيدًا، يقول والده لـ شبكة قدس، “تلقينا اتصالاً عند الساعة الثانية عشر ليلاً من مشفى هداسا، حيث أخبرونا أن يوسف تعرض لحادث سير ووضعه مستقر ولكن يجب أن نحضر للمشفى سريعا”.
شعور غريب انتاب والد يوسف، والخوف على نجله تمكن من قلبه، “أخذت أفكر أي حادث سير سيقع مع يوسف الذي يعمل بالخط الداخلي”، مشيرًا إلى أنه وفور وصله المشفى ورؤيته لعدد كبير من زملاء يوسف في العمل علم أن نجله لم يتعرض لحادث سير بل تعرض لما هو أكبر، إلا أن غريزة الأب لم تدعه يفكر أن نجله لم يعد حيًا.
“لم يكونوا طبيعين، كانت وجوهم شاحبه، صرخت بهم وسألتهم هل قتلوا يوسف؟”، صدمة كبيرة تلقاها الرجل انهار بعدها ولم يعد قادرًا على الوقوف على قدميه ، فجر بالكرسي المتحرك ليرى يوسف ابنه وقد غدا شهيدًا.
وأضاف، “وجهه كان أزرقًا وجسده ساخن، وفي محيط رقبته خط كأنه من النار، رضوض وكدمات وعلامات كثيرة على كافة أنحاء جسده، على يديه وظهره وقدميه وصدره، لقد أجرموا به”.
وعن حيثيات قتل نجله، بين أن العائلة لم تستطع الذهاب لموقع قتل نجلها، إلا أن أحد محققي الاحتلال كان حاضرًا في المشفى وادعى أنه انتحر، ويعلق، “لا يوجد أي سبب ليوسف لكي ينتحر، إنه مرتاح جدًا بحياته ماديًا واجتماعيًا، ولا يوجد لديه أي مشاكل”.
وعن الشهيد يوسف، قال الأب، “أتحدى كل العالم أن يحكوا بكلمة سيئة عن ابني يوسف، كل من يعرف يوسف يشهد لأخلاقه وطباعه الطيبة”، مضيفا، “عندما اقتربت لأقبله وأودعه شعرت أن في فمه وعينيه كلام، يريد أن يقول لي أنهم قتلوني يا أبي”.
وحول ما نشره الإعلام الإسرائيلي، قال والد يوسف إن ذلك لا يختلف عن مانشر حين قتل الشهيد أبو خضير، ومن قتل شهداء كثيرين من قبله، فمن المتوقع أن يدعوا أن نجلي انتحر.
محاولة مشابهة كانت قبل 4 أيام
يوم الخميس الموافق 13/تشرين ثاني الجاري، تعرض السائق عمار الهدرة (36 عاما) من جبل الزيتون، لمحاولة قتل من قبل مجموعة من المستوطنين وجنود الاحتلال خلال توقفه في مستوطنة “بيتار عليت ” المقامة على أراضي مدينة القدس المحتلة.
وقال إنه وخلال توقفه على محطة الحافلات تفاجأ بعدد من المستوطنين تراوح عددهم بين (8- 10) صعدوا إلى الحافلة، وعندما تأكدوا أنه فلسطيني أطلقوا ألفاظ عنصرية وشتائم بذيئة، قبل أن يضربوه بمشاركة ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا متواجدين في الحافلة.
أمن المستوطنة لم يتدخل على الرغم من وقوع الاعتداء على مرأى حرسها وكاميرات المراقبة، وبعد 40 دقيقة قدمت شرطة الاحتلال للمكان الحادث لتعتقل عمار وتحقق معه بدل إرساله للمشفى واعتقال المعتدين.
وبين عمار لـ شبكة قدس، أنه تم خلع كاميرات الحافلة وتكسيرها ومصادرة شرائحها بعدما تم اعتقاله وترك الحافة في المستوطنة، فيما رفض الركاب الذين شهدوا على الاعتداء من تقديم شهاداته، لافتا، إلى أنه تعرض لاعتداء مشابه قبل عام ونصف، إلا أنه تم إدانته وإجباره على دفع 10 آلاف شيقل من أمواله الخاصة.
أيجد تتملص من مسؤولياتها تجاه العمال الفلسطينيين
نضال غيث المتحدث باسم السائقين الفلسطينيين في شركة “أيجد” الإسرائيلية بين أن 80% من القوة العاملة في الشركة هم من الفلسطينيين إلا أنهم لا يحصلون على أدنى حقوقهم، مضيفًا، أنهم يحاولون تشكيل نقابة إلا أن إدارة الشركة تحاربهم بكل الوسائل وخاصة أنها ستحقق مطالب العمال الفلسطينيين.
وأضاف أنهم تلقوا خبر قتل الشهيد يوسف أثناء تواجدهم في العمل، حيث توجه كافة العمال إلى المشفى وأعلنوا إضرابهم عن العمل، مبينًا، أنهم تواصلوا مع نقابة العاملين التي ردت عليهم ، “وماذا يبنغي لنا أن نعمل الآن؟”، كما أكد أن النقابة والمسوؤلين في الشركة لم يحضروا للمستشفى ولم يهتموا بما حدث ليوسف.
وبين أن القوانين الإسرائيلية تجرم السائق الفلسطيني دائما وتلقي المسؤولية عليه مهما كان الحادث، “إذا ضربنا أو تم شتمنا أو حتى البصق علينا، فلا يحق لنا أن نتكلم وندافع عن أنفسنا ونشتكي”، مشيرًا، إلى تدني الرواتب وأنها ليست بمستوى المجهود الذي يبذله السائق وتحمله اعتداءات المستوطنين المتكررة.
وأوضح غيث أن في حال الاعتداء على السائقين، وهي حوادث متكررة ومتصاعدة في الآونة الأخيرة، تطلب الشركة من السائق التوجه بشكوى فردية لمركز الشرطة بعد انتهاء العمل، فيما لا تتردد الشركة في فتح تحقيق في حال زعم مستوطن باعتداء سائق عليه.
وأضاف، أن الشركة تستدعي قوة من حرس الحدود الإسرائيلي لفض أي إضراب أو وقفة احتجاجية للموظفين لتصل بعد دقائق لتنفيذ المهمة، بينما تتأخر لساعات إذا اعتدى مستوطنون على السائق، “لا يوجد سقف قانوني يحمينا، والنقابات الموجودة هي نقابات مهلهلة تبحث عن كراسي لها في الشرطة ولا تهتم بحقوقنا كعمال”.
هذا التقرير ينشره نون بوست ضمن سلسلة تقارير تُنشر بالتعاون مع شبكة قدس الإخبارية