ترجمة وتحرير: نون بوست
كان المدنيون في سوريا – التي مزّقتها الحرب – يشاهدون الغزو الروسي لأوكرانيا بمشاعر مختلطة، فبالنسبة للكثيرين؛ تُعيد الحرب إلى الأذهان محنتهم التي مرّوا بها، عندما تحولت الثورة ضد الأسد – المدعوم من بوتين – منذ سنة 2011، إلى حرب أهلية مطولّة تسببت في نزوح نحو 13 مليون شخص وقتل ما يقرُب من نصف مليون، وفقًا للأمم المتحدة.
ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا يوم الخميس، بدأ الفنان الجرافيتي السوري عزيز الأسمر برسم جدارية تضامنية مع أوكرانيا؛ حيث قال أسمر لموقع “ميدل إيست آي”: “لقد رسمت أنا وزملائي جداريات على جدران منازلنا التي دمرها الأسد المدعوم من بوتين، لإظهار دعمنا للشعب الأوكراني”، وقال أسمر من أمام الجدارية التي رسمها على جدران منزله المُدمّر شرق محافظة إدلب: “إن روسيا مستعدة لإراقة دماء آلاف الأبرياء من أجل مصالحها”، مضيفًا: “لقد عانينا كثيرًا من الوعود الروسية الكاذبة، وآمل ألا يعاني الأوكرانيون”.
وتتجمع الآن قوات المعارضة السورية المُنهكة في محافظة إدلب وشمال محافظة حلب شمال غرب البلاد، وتراقب عن كثب بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتجدر الإشارة إلى أنّ تركيا ـ حليفة المعارضة السورية ـ وروسيا ـ حليفة الحكومة ـ تُشرِفان على وقف إطلاق النار الذي تخلله قصف وضربات جوية روسية وسورية منذ الإعلان عنه في أوائل سنة 2019؛ حيث كانت هناك زيادة في الضربات الجوية بين 25 كانون الأول/ديسمبر و5 كانون الثاني/يناير، والتي قالت الأمم المتحدة يوم الاثنين إنها أسفرت عن مقتل 11 مدنيًّا على الأقل وإصابة 32 آخرين في كانون الثاني/يناير.
وزعمت روسيا قبل أسابيع أن قواتها لم تكن تنوي غزو أوكرانيا، وأنها سحبت قواتها التي كانت متمركزة بالقرب من الحدود مع جارتها، وهو ما علق عليه أسمر بقوله: “الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي كلهم مسؤولون عن الهجمات الروسية في سوريا وأوكرانيا، وإنَّ إصدار عقوبات لن يوقف بوتين”.
أنصح إخواني الأوكرانيين بالمقاومة حتى لا يموتوا مثل السوريين في الخيام بانتظار مساعدات الأمم المتحدة
وفرضت واشنطن والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات صارمة على المسؤولين السوريين لارتكابهم جرائم حرب، كما تم فرض عقوبات غربية على روسيا لدعمها الأسد، لكنّ الناشط في إدلب سعد القابوس صرّح قائلًا: “مثل أوكرانيا، وعدتنا الدول الغربية بفرض عقوبات قاسية على بوتين، لكن كل وعودها وعقوباتها واهية”.
وفي حديثه لموقع ميدل إيست آي؛ قال القابوس إنه وبعد “11 عامًا من الحرب والعقوبات الغربية، لا يزال الأسد في قصره في دمشق وبوتين يدعمه ويوجهه من قصره في موسكو”.
وأضاف القابوس: “أنصح إخواني الأوكرانيين بالمقاومة حتى لا يموتوا مثل السوريين في الخيام بانتظار مساعدات الأمم المتحدة”.
وتساءلت فاطمة بكور، ناشطة مقيمة في إدلب: “إذا لم يتحرك المجتمع الدولي الآن، فمتى من المفترض أن يتحرك؟ ما الذي تجلبه روسيا سوى الخراب؟”، مضيفة في حديثها لـ”ميدل إيست آي”: “أنا أقف مع الشعب الأوكراني وآمل ألا يتخلى المجتمع الدولي عنهم أمام جرائم الجيش الروسي، كما حصل معنا نحن”.
وتابعت: “المدنيون هم أكبر الخاسرين في الحرب، سيعانون من الخوف والتهجير وتدهور الوضع الاقتصادي وفقدان ممتلكاتهم ومرافقهم الخدمية”.
مجازر مستمرة
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ومقرها باريس، ارتكبت روسيا ما لا يقل عن 357 عملية قتل جماعي للمدنيين في سوريا منذ أن بدأت عملياتها العسكرية هناك عام 2015.
ووفقًا للمنظمة غير الحكومية؛ فقد شنت روسيا أكثر من 1200 هجوم على منشآت حيوية، بما فيها المستشفيات والمدارس والأسواق، واستخدمت حق النقض 16 مرة دعمًا للأسد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتقوم روسيا بعملياتها في سوريا من خلال دعم القوات المحلية إلى جانب مقاتلين من مجموعة (فاغنر)، وهي مجموعة مرتزقة روسية تخضع لعقوبات غربية.
وادعت وسائل إعلام سورية محلية أواخر الشهر الماضي أن روسيا جندت ما بين 2500 و4000 من المرتزقة السوريين الموالين للأسد للقتال في أوكرانيا، ودفعت لهم 700 دولار شهريًا.
بوتين يحاول استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي من خلال التحالف مع الصين لإنشاء كتلة دولية جديدة تواجه الولايات المتحدة
وأعرب حميد باج، ناشط في المجتمع المدني في محافظة حلب الشمالية، عن اعتقاده بأن روسيا تحاول تغيير ملامح النظام العالمي، غير مبالية بزعزعة الأمن الدولي، وبغض النظر عن العقوبات.
وقال باج في حديثه لـ”ميدل إيست آي”: “بجميع الأحوال، روسيا غارقة بالفعل في العقوبات، والرهانات الغربية على تعثر روسيا في سوريا لم تجلب نتيجة”.
وتتفق حاسا العلي، طالبة في جامعة إدلب، مع باج؛ حيث تقول إن الهجوم على أوكرانيا قد ينتهي في غضون أيام بأقل الخسائر.
وقالت العلي – التي تستخدم اسمًا مستعارًا لأسباب أمنية – في حديثها لـ”ميدل إيست آي”: “الهجوم يهدف إلى توسيع نفوذ روسيا من خلال استبدال الحكومة الأوكرانية الموالية للاتحاد الأوروبي بأخرى موالية لروسيا”.
وتابعت قائلة: “لسوء الحظ، سيموت الأبرياء، لكن الأوكرانيين لن يعانوا من نفس النزوح الذي عانى منه الشعب السوري”.
وبالنسبة لبسام مودال، المدرس في إدلب، فإن بوتين يحاول استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي من خلال التحالف مع الصين لإنشاء كتلة دولية جديدة تواجه الولايات المتحدة، غير أنه يرى أن هذا لن يساعد الرئيس الروسي على المدى البعيد.
وقال مودال لـ”ميدل إيست آي”: “في نهاية المطاف، قد يستطيع بوتين السيطرة على أوكرانيا، لكن هذا ليس انتصارًا، مع مرور الوقت، ستثمر العقوبات الاقتصادية وسنرى انهيار روسيا مرةً أخرى”.
وأضاف: “الانهيار المحتمل لروسيا سيكون انتصاراً للعدالة ولأوكرانيا وللثورة السورية ولدماء الآلاف من المدنيين الأبرياء في جميع أنحاء العالم”.
المصدر: ميدل إيست آي