عوالم الأكوان المتعددة هي موضة العقد السينمائي المنصرم حينما يتعلق الأمر بأفلام الأبطال الخارقين، حيث توفِّر مرونة وديناميكية في الحكي، وتفتح مجالًا لاحتمالات هائلة، ما يمنح تلك النوعية من الأفلام مساحة لدمج العديد من القصص وحبكها في فيلم واحد أو سلسلة موحّدة.
ينعكس ذلك جماهيريًّا على المتابعين الذين ينتظرون سنوات لرؤية هذا النوع من التقاطع (Crossover) السينمائي، في سياق مشاريع سينمائية ضخمة تؤسِّس لهذه التقاطعات بدقّة، تخلق على إثرها خطوط زمانية وشخصيات مفتاحية، ليبدو كل شيء في النهاية أكثر واقعية، وأليق للعالم ذي المنطق الخوارقي، لتمثِّل هذه النوعية الخوارقية المساحة المفضَّلة للجماهير منذ بداية الألفية، بإيرادات خرافية وميزانيات هائلة ونجوم صف أول.
بيد أن هذه العوالم ليست وليدة القرن الحالي، بل ظهرت في القرن الماضي تحت مظلة عالم DC للقصص المصورة، وانتقلت بعدها إلى شركة مارفل للقصص المصورة أيضًا، ليتحول عالم الكوميك إلى بيئة حاضنة للنظريات العلمية والفرضيات غير القابلة للتحقُّق في وقت ظهورها، فيأخذها ويلائم بينها وبين عالمه، ليخلقَ منتجًا خياليًّا مثيرًا، بما فيه من تجديد للدماء الإبداعية، وفي الوقت نفسه يكتسب قاعدة جماهيرية جديدة.
تاريخ البدايات
في البداية وُجد كون واحد، العالم الأول (First Firmament)، والعالم هنا بمثابة الكون، أي الوجود ذاته، والخلق في آن واحد، وقد نشبت حرب بين قاطني ذلك العالم، سلالتَي الأسبرانتيين (Aspirants) والسيليستيين (Celestials)، تحطّم على إثرها العالم الأول إلى عدد عوالم لا متناهٍ، ليتشكّل من خلالها الكون المتعدد الأول، أو الكون الثاني (Second Cosmos).
ومع التحام الأكوان الجديدة خُلق كيان جمعي جديد، جعل الأكوان المتعددة تظهر بشكل من أشكال التجديد الذي أخذَ نمط التدمير وإعادة خلق كل شيء، ليمرَّ الكون المتعدِّد بما يشبه دورة منغلقة تُسمّى الـ Iteration أو ما يُعرَف بالـ The Multiversal Cycle، وهو الانكماش والانفجار والتكوُّن.
ومع كل تجدُّد لتلك الدورة تتطور بنية الكون المتعدد، حتى ينتج عنها في النهاية الكون الثالث (Third Cosmos) الذي يشهد نشوب حرب بين الكائنات البدائية الـ Lifebringer One وكائنات الـ Anti-All المخلوقة من الظلمة الحية.
التهمَ الكيانُ الكوني الشتاءَ الأسود (The Black Winter)، دورة التكرار السادسة للكون، ليفنيه ويستبقي كائنًا واحدًا فقط يُدعى Galan، الذي سيتطور ليصبح واحدًا من أقوى وأهم الشخصيات، غلاكتس (Galactus)، اختاره الكيان كمبشِّرٍ وناجٍ وحيد بالكون في دورته السادسة، لتتولّد بعدها الدورة السابعة التي ستدمَّر نتيجة ظاهرة تُسمّى التوغُّلات (Incursion)، وهي نتيجة انكماش للخطّ الزمني للكون المتعدِّد نتيجة لحدث ما.
وينتج عن ذلك التدمير الدورة الثامنة، التي ستشهد حدثًا مغايرًا عندما سيستحوذ مستر فنتاستيك (Mister Fantastic) على قوة مخلوقات خارج الكون المتعدد تُدعى البيوندرز (The Beyonders)، وهي كائنات شبه كلية القدرة لها قوة عظيمة وشاملة.
الجدير بالذكر أن قوة البيوندرز في السابق كانت تحت سيطرة شخصية دكتور دوم، وتسبّبَ تدخُّل مستر فانتاستيك بحدوث ظاهرة جديدة هي دمج الدورة السابعة مع الثامنة، والاستمرار عبر الالتحام المباشر للدورات الكونية بدلًا من البداية الصفرية والإعادة الكاملة.
الكون المتعدد هو مجموعة من الأكوان البديلة التي تشترك في تسلسُل هرمي عالمي، تمثل فرعًا أو قسمًا فرعيًّا من الكون الأضخم (Omniverse)، مجموع كل الأكوان، وانبثقت مجموعة كبيرة من هذه الأكوان كأشكال من الانحرافات عن الخط الزمني الأساسي أو الحقيقي، حيث يؤدّي حدث ترجيحي -أي من الممكن أن يفضي إلى أكثر من نتيجة- إلى ظهور أكوان مختلفة، لكلّ نتيجة محتملة كَوْن.
ولكل دورة من الدورات تسلسُلها الكوني الهرمي الخاص بها، فعلى سبيل المثال وبشكل أكثر عمومية، طبقًا لـ Marvel Fandom، الكون السابع يتكوّن من 4 طبقات، المستوى الأول: كائنات Living Tribunal، وهي كائنات كونية قوية ذات شكل هيكلي بشري، وُجدت مع وجود الكون نفسه، وتكمن مهمتها في حماية الكون المتعدد من فقدان التوازن.
المستوى الثاني: يقبع فيه كائن الأبدية (Eternity) وأخته اللانهائية (Infinity)، الأبدية هو كيان مجرد له سلطة عليا على الأرض الرئيسية Earth-616، لا يتجاوزها إلى كائنات Living Tribunal التي تتجاوزه في المرتبة، وهو تجسيد للوقت، ويشكّل واقع الأرض الرئيسية بجانب أخته اللانهائية.
في المستوى الثالث: تقبع 4 شخصيات، Master Order، Lord Chaos، Mistress Love، Sire Hate، ولد Master Order، Lord Chaos خلال الانفجار العظيم، جنبًا إلى جنب مع الكيانَين Eternity وInfinity والكثير من الكائنات الكونية الأخرى، ونجح اثناهما في خلق ما يُسمّى In-Betweener، وهو كيان كوني موجود كتجسيد للمفاهيم الرئيسية في الكون مثل الموت والحياة والواقع والوهم وغيرها.
اثناهما، إلى جانب جميع نسخهما في العوالم البديلة وجميع الكيانات المجردة الأخرى، قُتلا على يد البيوندرز في سعيهم لإبادة الكون المتعدد، عندما أُعيد خلق الكون المتعدد عادت الكيانات الكونية إلى الحياة مرّة أخرى، بما فيها Master Order.
لنأتي إلى المستوى الرابع: حيث يصنَّف عدد من الشخصيات، Galactus، Celestials، Kronos، Stranger، وآلهة الأرض مثل Odin وZeus، وغيرهم، ورغم هذه الأنظمة الدقيقة المحكومة بالقوة الكونية، إلا أن انهيار هذه الأنساق والتصنيفات محتوم مع انهيار الدورة المنسوب إليها، ليظهر تسلسل جديد مع ظهور دورة جديدة، والدليل على ذلك حدث في بداية الدورة الثامنة، عندما تمكّن غلاكتوس من هزيمة Master Order وLord Chaos، رغم كونه أسفلهما في تصنيف القوة في الدورة السابعة، بيد أن لحظة البداية الجديدة هي لحظة انحلال للسابق.
حرّاس الكون
يحرس الكون المتعدد ويصنّفه حامي الكون ميرلين (Merlyn)، مؤسِّس -هو ونسخه في العوالم والأكوان- فيلق كابتن بريطانيا (Captain Britain Corps)، وهي مجموعة تتكون من البطل نفسه ولكن بنسخ مختلفة من عوالم بديلة، أي أنهم مجموعة ولكنهم الشخص نفسه، يتوزّعون على العوالم ويتّحدون في بعض الأوقات لمواجهة خطر هائل.
لكل عالم نسخته الخاصة لحماية الجزر البريطانية وواقعه، تشترك النسخ في المقرّ نفسه وهو برج على شواطئ المملكة المتحدة، ويوحّد النسح الـ Omniversal الذي يربط أبعادها وخطوطها الزمانية عبر ما يُسمّى بالنيكسس (Nexus).
والنيكسس عبارة عن بوابة متعددة الأبعاد توفِّر مسارًا إلى جميع العوالم والحقائق الممكنة، مجهولة الهوية، لا نعرف من هو خالقها، ولا إذا كان هو المكان الوحيد في الكون المتعدد حيث تتقاطع جميع الخطوط بشكل طبيعي، والجدير بالذكر أن لسحر وتعاويذ ميرلين دورًا كبيرًا في توفير المعرفة بالنيكسس وأبعادها.
هناك مخلوقات أخرى مسؤولة عن حماية الكون المتعدد، منهم سلطة تفاوت الزمن (the Time Variance Authority)، وهو سلطة شاسعة على مساحة لا نهائية، ذات هيكلة بيروقراطية تضبط عددًا محددًا من الخطوط الزمنية في الكون المتعدد الممتد، حيث كرّست المنظمة نفسها لمراقبة كل واقع موجود، فهي ببساطة السيادة الزمنية على الكون، تحافظ على عدم انهيار المنظومة الزمنية، وتوقف الامتدادات الزمنية الخطيرة.
وهناك جماعة أخرى تشارك في حماية الكون المتعدد، وهي جماعة المغتربين (The Exiles)، تكوّنت تلك الجماعة في وقت ما حينما اكتشفَ جنس من الكائنات الحشرية، عُرف بعدها باسم كاسري الزمن (Timebreakers)، ما يُسمّى بالـ Panoptichron، وهو حصن بلوري ضخم موجود خارج المكان والزمان، يمكن من خلاله مشاهدة الحقائق البديلة أو زيارتها.
تسبّب اكتشافهم لهذا الحصن بحادث هدّدَ توازن الـ Omniverse، ونتيجة لهذا قرّر كاسرو الزمن تجميع عصابة من الأبطال لإنقاذ الكون من الدمار، وتصحيح مسار الزمان مرة أخرى، وأطلقوا على أنفسهم لقب المغتربين أو المنفيين.
قواعد السفر عبر الزمن
عام 1992، وضع مؤلف القصص المصورة مارك غروينوالد، في مجلة Marvel Age العدد 117، مجموعة قواعد للسفر عبر الزمن، بحيث يقترب من خلق شكل معيّن لعملية السفر عبر أزمنة الأكوان المتعددة، لأنها كانت قبل ذلك التاريخ مفتوحة إلى حدّ كبير، وبمساحة هائلة وأشكال مختلفة.
لا يُنقص هذا من قيمتها، ولكنه يضع حدودًا لاستخدام الظاهرة، ويفرض استخدامها باعتدال شديد، من أجل المحافظة على خصوصيتها في المقام الأول بالنسبة إلى عالم الأبطال الخارقين والجمهور أيضًا، بحيث يضمن عامل الاتّساق بين القصص المكتوبة بالفعل والعوالم التي ستظهر مستقبلًا في القصص المصورة الخاصة بشركة مارفل، لهذه الأسباب وضعَ عدة مبادئ يجب مراعاتها، سنحاول ذكر بعضها:
المبدأ الأول: يقع عالم مارفل في جزء من كون متعدد، تتباعد أو تنحرف أكوانه في نقاط زمنية حرجة.
المبدأ الثاني: دائمًا ما ينتج عن فعل السفر عبر الزمن انحرافًا حرجًا يتباعد فيه خط زمني بديل جديد أو عالم جديد في اللحظة التي يدخل فيها المرء واقع فترة زمنية أخرى، سواء كانت تلك الفترة الزمنية تمثل ماضي أو مستقبل الفترة الزمنية الأساسية التي تحرّك منها الشخص، وينتج عن تلك العملية خطان زمنيان؛ الخط الأول والأساسي هو ما يمرِّر الشيء أو الشخص إلى العالم المستهدف، والآخر يُسمّى بالعالم العذري لأنه لا يستقبل شخصًا أو شيئًا في مساره.
المبدأ الثالث: من المستحيل السفر إلى الخط الزمني العذري، ولأن الخطوط الزمنية المنحرفة يتمُّ إزاحتها بعيدًا عن الخط الزمني العذري/الأصلي، فإن كل محاولات السفر عبر الزمن تنطوي في الواقع على السفر عبر الأبعاد، حيث لا يسافر المسافر عبر الزمن بشكل مستقيم للخلف أو للأمام، ولكنه يسافر للخلف أو للأمام وقليلًا إلى الجانب، أي خط زمني متشعّب يكون موازيًا للخط الزمني لمنشأ الشخص المسافر.
المبدأ الرابع: تخلق العودة إلى الحاضر أيضًا خطًّا زمنيًّا منحرفًا وواقعًا مغايرًا، فإذا أمضى أحدهم مدة طويلة في أحد أسفاره، قد يجدُ أن الاختلافات قد تراكمت وفقًا لطول الفترة التي قضاها الشخص بعيدًا عن حاضره الأصلي.
المبدأ الخامس: هناك 3 طرق ممكنة للسفر عبر الزمن في عالم مارفل، الطريقة الأولى هي آلة الزمن، مثل الآلة التي يملكها دكتور دوم؛ الطريقة الثانية هي السحر مثل الطريقة التي يستخدمها دكتور سترينج، أو القوة التي تملكها مطرقة ثور؛ الطريقة الثالثة هي الطاقة المولدة شخصيًّا مثل الذي يستخدمها سيلفر سيرفر.
عالم مارفل السينمائي
يؤسِّس عالم مارفل السينمائي بشكله الجديد MCU، بداية من صدور فيلم “الرجل الحديدي” عام 2008، لظاهرة السفر عبر الزمن، حتى لو بشكل هامشي في البداية، ولكن تراكم الأفلام وتداخل الخطوط الزمانية والترسيخ لشخصيات مثل دكتور سترينج والرجل النملة (Ant Man) في أفلام منفردة، بجانب الكثير من المخاطر الكونية المشتركة، جعلت فكرة السفر عبر الزمن ضرورية لمواجهة هذا الشر.
تسير مارفل بخطى واثقة في مشوارها السينمائي، سواء تجاريًّا أو فنيًّا، وهذا يرجع إلى المخطَّطات الدقيقة التي تضعها الشركة لأفلامها القادمة، بحيث تظهر شخصيات جديدة مع تقدُّم الزمن، وتصنع حبكة أكثر تعقيدًا، بالإضافة إلى الرواج التجاري والتسويق المدهش اللذين يتمكن فريق مارفل الدعائي من عملهما، ما يضمن للفيلم نجاحًا مع صدور المقطع الترويجي فقط.
كما أن البناء الهرمي للسلاسل بحيث يصبح كل فيلم ذروة للفيلم الذي سبقه، يمنح الجماهير شعورًا مضاعفًا بالتشويق، رأينا مثالًا على هذا في فيلم Avengers: Endgame، حين كانت الجماهير تصرخ حماسًا وتقفز من مقاعدها في السينما، وفي الفيلم الأخير للرجل العنكبوت Spider-Man: No Way Home.
ستصبح ثيمات السفر عبر الزمن والأكوان المتعددة هي الثيمات شبه الرئيسية في عالم مارفل مع صدور المقطع الترويجي لفيلم Doctor Strange in the Multiverse of Madness، الذي سيتبعه فيلم لثور ثم فيلم آخر لـ Ant Man، وهذه الشخصيات الثلاثة تستطيع التلاعب بالزمن والسفر عبر الأكوان المتعددة بأشكال مختلفة.
هذا بالإضافة إلى عدم اقتصار العالم على الجانب السينمائي، بل دمج الجانب السينمائي مع المسلسلات القصيرة، مثل مسلسل LOKI الذي وضع أساسًا لظاهرة السفر عبر الزمن، ووضّح الكثير من علامات الاستفهام التي كانت ملتبسة فيما مضى.