قتلت روسيا منذ تدخلها في سوريا لصالح نظام بشار الأسد في سبتمبر/أيلول 2015، أكثر من 6910 مدنيين بينهم 2030 طفلًا و974 امرأةً، و70 من الكوادر الطبية، بينهم 12 سيدة، إضافة إلى مقتل 44 من كوادر الدفاع المدني، كما قتلت 24 من العاملين في القطاع الإعلامي، وارتكبت ما لا يقل عن 357 مجزرةً، ودمرت 1231 مركزًا حيويًا مدنيًا، بينهم 222 مدرسةً، و207 منشآت طبية، و60 سوقًا.
هذه الجرائم الفظيعة التي لم تحاسب عليها، وما زالت مستمرة، تعطي السوريين الحق بأن يتمنوا كسر شوكة الجيش الروسي في أوكرانيا، فتدخل روسيا في سوريا كثّف مأساة السوريين وأبقى على حكم نظام الأسد الدموي الذي باع بلدهم حرفيًا للروس والإيرانيين مقابل بقائه بالسلطة.
بعيدًا عن العواطف والأمنيات، فإن الأحداث الجارية على الأرض الأوكرانية ما زالت ضبابية، ومن المبكر الحكم على مآلات الغزو، وربما تطول هذه الحرب إلى أمد بعيد، لكن الواضح أن عزلة غربية باتت تحكم خناقها على روسيا هذه الأيام عبر حزم من العقوبات المتتالية التي تهدد سوق الاقتصاد والمال والأعمال والطاقة والإعلام والرياضة.
هنا، يتبادر للذهن سؤال مهم: هل يمكن للغزو الروسي لأوكرانيا وما يتبعه من محاولات غربية لعزل وحصار موسكو أن يصب في صالح القضية السورية؟
خلص تقرير سابق لـ”نون بوست” أنه “لا مقاربة بين الحربين في سوريا وأوكرانيا، فسوريا بعيدة جغرافيًا عن أوروبا وروسيا وهذا يجعل الأطراف أقل رغبةً أو أقل حرصًا على سرعة إنجاز الحلول في الحالة السورية، بينما في الحالة الأوكرانية فإن قرب كييف من أوروبا على اعتبار أنها محسوبة على الغرب ووقوعها على الحدود مع روسيا يجعل الأمر شائكًا ومعقدًا وبذات الوقت مخيفًا بالنسبة للأطراف جميعًا”.
في صالح الثورة
صحيح أن المقاربات الحربية ضعيفة في البلدين، لكن العدو واحد وانكساره في منطقة يعني ضعفه في المناطق كافة، يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج الكاتب والباحث السوري لـ”نون بوست”: “إضعاف روسيا اقتصاديًا وكذلك سياسيًا وعسكريًا سيحول سوريا مع الوقت إلى عبء عليها، وسيقلل من قدرتها على الإنفاق العسكري، لكن تأثير العقوبات على الموقف في سوريا يتوقف على درجة تأثير العقوبات على روسيا أولًا وعلى نهاية الحرب التي تشنها في أوكرانيا ثانيًا”، مضيفًا “إذا فشلت عسكريًا، واستطاعت أوروبا إبقاء العقوبات فإن هذا سيجعل إمكانية عقد صفقة لحل سياسي في سوريا أمرًا ممكنًا مع الدول المنخرطة في سوريا”.
الصحفي السوري غسان ياسين يتفق مع ما قاله الحاج، فيشير إلى أن الحرب الروسية وما تبعها من أحداث هي “قطعًا في صالح الثورة والقضية السورية”، وذلك لعدة أسباب وعوامل أهمها: “إضعاف روسيا اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا يعني بالضرورة إضعاف قدرتها على التحرك”.
ولعل مقصد ياسين أن قوة روسيا سابقًا في سوريا لن تكون ذاتها مستقبلًا في حال كسرت شوكتها، فـ”روسيا عندما دخلت سوريا عام 2015 كان لها حرية التحرك بوجود إدارة أمريكية هشة، وكانت توجد تفاهمات غير معلنة بين إدارة أوباما والروس بخصوص سوريا والمنطقة، لذلك تركت سوريا لمصيرها تواجه إجرام بوتين وطيرانه وحقده بتواطؤ أمريكي وعجز أوروبي”.
أما الآن فالمعادلة تغيرت، حيث “توجد نقمة عالمية غربية وتحديدًا أوروبية، خاصة أننا رأينا أن أوروبا باتت تتحرك بشكل ملفت للنظر من أجل دعم أوكرانيا”، وهنا يرى ياسين أن هذا مؤشرًا على أن هذا الصراع طويل، وسيمتد إلى خارج أوكرانيا ولو على مراحل.
عبد الرحمن الحاج: إضعاف روسيا اقتصاديًا وكذلك سياسيًا وعسكريًا سيحول سوريا مع الوقت إلى عبء عليها، وسيقلل كذلك من قدرتها على الإنفاق العسكري
لكن رأيًا مخالفًا لما سبق نجده لدى باسل حفار مدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات، فيعتقد أنه “لن يحصل أي انعكاس سلبي أو إيجابي لما يحدث في أوكرانيا على القضية السورية خاصة على المدى القريب، لا على المستوى الثوري ولا على مستوى المعارضة السورية”، لكن حفار خلال حديثه لـ”نون بوست” يرى أنه “يمكن التأسيس لمكاسب مستقبلية على المدى البعيد”.
يشير حفار إلى أن “ما يجري في أوكرانيا بكل الأحوال سواء انتهى بتقدم الروس أم تراجعهم، سيجعل الموقف الروسي أكثر عنادًا وأقل مرونة في المشهد السوري على المدى القريب، بمعنى أن أي مرونة كانت متوقعة أو تواصل معين ممكن أن يجري بين الروس والطرف التركي مثلًا يبدو الآن أصعب مما كان عليه قبل الاجتياح الروسي لأوكرانيا”.
وفي حال ضعف الروس في سوريا، يستحضر حفار عاملًا مهمًا ألا وهو العامل الإيراني، حيث يعتبر أن “أي فراغ على المستوى الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والعسكري، سيعوضة النظام بسرعة من خلال الإيرانيين الذين يتوقون كثيرًا للتوسع في المشهد السوري على المستوى العسكري بعد أن تم تقليص وتحجيم الوجود الإيراني في سوريا كمًا ونوعًا بفعل الضربات الإسرائيلية والاتفاقات السياسية”.
أين دور المعارضة؟
في حال أخذنا بآراء عبد الرحمن الحاج وغسان ياسين بوجود تأثيرات إيجابية وفرص لصالح القضية السورية في سياق الحرب الروسية على أوكرانيا، فإنه من الأكيد أن هذه المكاسب تحتاج إلى كيانات تعمل على تحصيلها والسعي الدؤوب في سبيل اغتنام الفرصة، ولعل الأمر واقع على عاتق المعارضة السورية بكل مؤسساتها وأطيافها.
غسان ياسين: “الأوروبيون والأمريكان من الممكن أن يعيدوا تفعيل دعمهم للسوريين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإضعاف روسيا على أكثر من محور”
في السياق يقول الدكتور الحاج: “يجب أن تتحرك المعارضة الآن للاستفادة من الظروف الحاليّة في الضغط على روسيا، يمكن الاستفادة منها في تعزيز السياسات الحاليّة في دعم الأوكرانيين في تسليح المعارضة والإسهام في الضغط على الروس بقاعدة حميميم”، ويضيف الحاج “لكن المعارضة لكي تقوم بذلك عليها أن تعمل على خطاب مشترك، وتتجاوز انقساماتها وتعمل على إطلاق مجلس تشاوري مشترك يقود وضع إستراتيجية ويعمل على التنسيق لتنفيذها”.
في السياق ذاته يؤمن الصحفي ياسين بوجود رابط سياسي وأخلاقي وقيمي وقانوني بين القضية الأوكرانية والسورية يجب أن تعمل عليه أطياف المعارضة، قائلًا: “يجب أن نذكر العالم بأن التضامن مع كييف مطلوب ومحق ضد العدو الروسي الحاليّ ولا ننسى أن هذا العدو أمضى سنوات وما زال وهو يرتكب مجازر بحق السوريين في مناطقهم كافة”.
باسل حفار: “هناك الكثير مما يمكن أن تتعلمه المعارضة السورية وتراقبه وتستفيد من تفاصيله فيما يخص الحالة الأوكرانية وتوظيف المشهد وتحقيق المكاسب”
أما على الصعيد العسكري، يتحدث ياسين عن أفكار قال إنه من المبكر الحديث عنها، لكن لا بد من طرحها من أجل الاستعداد لما هو آت، إذ إن المتغيرات حاليًّا كثيرة ومتسارعة، والحرب من الممكن أن تمتد لأكثر من نقطة ويجب أن نكون جاهزين.. لا نملك قرار بندقيتنا بشكل كامل لكن في لحظة ما يمكن أن تتغير التفاهمات الإقليمية، ممكن أن يتم الافتراق بين ثلاثي أستانة ويعود ضجيج السلاح إلى سوريا”، ويشير ياسين قائلًا: “الأوروبيون والأمريكان من الممكن أن يعيدوا تفعيل دعمهم للسوريين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لإضعاف روسيا على أكثر من محور”.
مضيفًا “هذه كلها تكهنات، لكن يجب أن نكون جاهزين لها، ويجب علينا أن نعمل لأن تصير هذه التكهنات واقعًا ونعمل على استجلاب الدعم على أساس محاربة روسيا التي هي عدو مشترك”، ويرى أن “هذا دور أساسي للمعارضة كي تطرح نفسها كطرف لمواجهة روسيا وكطرف قادر على أن يضعف روسيا سياسيًا وعسكريًا”، ويشير الصحفي السوري إلى أن “الفصائل السورية رغم ضعفها وتناثرها قادرة بقليل من السلاح النوعي أن تطرد روسيا وإيران”.
الباحث حفار يعتقد أن “هناك الكثير مما يمكن أن تتعلمه المعارضة السورية وتراقبه وتستفيد من تفاصيله فيما يخص الحالة الأوكرانية وتوظيف المشهد وتحقيق المكاسب مع ملاحظة خصوصية الحالة الأوكرانية”، يقول: “من الضروري جدًا على المعارضة السورية بكل أشكالها أن تسجل موقفًا واضحًا ضد العدوان الروسي إلى جانب أوكرانيا وإلى جانب كل قوة في هذا العالم تواجه روسيا، وهذا من شأنه أن يشعر العالم أن الجريمة الروسية التي ارتكبت في سوريا ليست مسألة محدودة الأثر على البعد الزمني أو البعد الجغرافي بل هي جريمة متسعة الأثر”.
ختامًا، يجدر بالمعارضة السورية اغتنام كل فرصة كبيرة كانت أم صغيرة، قريبة أم بعيدة، لاستعادة حقوق الشعب السوري ومحاكمة منتهكيها، وإن كانت اليوم الحرب على أوكرانيا بعيدة الجغرافيا إلا أنه يجب البحث عن ارتباطها بالحالة السورية باعتبار أن العدو واحد والجرائم هي ذاتها، والاستفادة من إضعاف روسيا هناك لتحقيق المكاسب في سوريا.