ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل يوم من تصويت مجلس الأمن الدولي على قرار أمريكي يُدين الغزو الروسي لأوكرانيا، تواصلت واشنطن مع أحد أهم شركائها العرب ضمن جهودها لحشد الدعم ضد الرئيس فلاديمير بوتين.
بما أن دولة الإمارات العربية المتحدة شغلت مقعدًا مؤقتًا في المجلس هذه السنة، اتصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان للتأكيد مجددًا على “أهمية حشد ردّ دولي قويّ لدعم السيادة الأوكرانية”. ولكن عندما تعلق الأمر بالتصويت يوم الجمعة، تجاهلت الإمارات مناشدات واشنطن وبدلاً من ذلك امتنعت عن التصويت لتنضم إلى الصين والهند مما يكشف مدى استياء أبو ظبي من السياسات الأمريكية.
على مدى عقود، كانت خطوات القوتين الرئيسيتين في الخليج الإمارات والسعودية موائمة لتحركات الولايات المتحدة، لكن قرار يوم الجمعة يبرز كيف باتت تنتهج سياسات خارجية أكثر استقلالية في الوقت الذي تعمل فيه على تعزيز العلاقات مع خصوم واشنطن، أي موسكو وبكين.
يقول أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله “لم نعد بحاجة إلى الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة أو أي عاصمة غربية أخرى لاتخاذ قرار بشأن مصلحتنا الوطنية”. نحن لسنا مع أو ضد الغزو الروسي. إذا كانت واشنطن مستاءة من موقفنا المحايد، سيتعين على [الأمريكيين] إذن التعايش مع ذلك”.
التزمت معظم دول الخليج، التي اعتبرت الولايات المتحدة على مدى عقود ضامنًا لأمنها، الصمت أثناء محاولتها اتخاذ موقف محايد بهدف الحفاظ على التعاون مع موسكو في القضايا الجيوسياسية والطاقة مع تجاهلها الاتهامات الغربية بأن رفض إدانة روسيا يدل على دعمها للغزو.
يوم الأحد، صرّح أنور قرقاش، المستشار الرئاسي الإماراتي، بأن الدولة الخليجية “تعتقد أن الانحياز إلى إحدى الجوانب لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف”؛ مشددا على أن أولوية أبوظبي تتمثل في “تشجيع جميع الأطراف على اللجوء إلى الحل الدبلوماسي والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية”.
تعتقد كل من الإمارات والسعودية أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا تنفك عن اتباع سياسات فك الارتباط عن الشرق الأوسط
من جهته، قال إميل حكيم، خبير الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، بأن امتناع الإمارات عن التصويت “في وقت أجمعت فيه كل الدول الغربية على العقوبات فاجأ بعض المسؤولين الغربيين”؛ مشيرا إلى أن “الإمارات تنتهج منذ وقت طويل هذا السلوك التحفظي”.
تعتقد كل من الإمارات والسعودية أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا تنفك عن اتباع سياسات فك الارتباط عن الشرق الأوسط. وقد أعربت بشكل خاص عن استيائها من السياسات الأمريكية منذ أن تجاهل الرئيس السابق باراك أوباما مصالح الشركاء العرب طويلة المدى خلال الانتفاضات الشعبية لسنة 2011 وعندما وقّع على الاتفاق النووي مع إيران في سنة 2015.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، برزت مخاوف أبوظبي في الواجهة عندما علقت المحادثات مع إدارة بايدن بشأن شراء مقاتلات إف-35 الأمريكية بسبب اعتراضها على القيود التي تفرضها واشنطن على استخدامها. وهذه السنة، أثارت استجابة إدارة بايدن الفاترة على الهجمات التي شنها الحوثيون المدعومون من قبل إيران على أبو ظبي استياء الحكومة الخليجية.
نشرت الولايات المتحدة قوات عسكرية إضافية في الإمارات العربية المتحدة، التي تعد جزءًا من تحالف تقوده السعودية يقاتل الحوثيين المتحالفين مع إيران منذ تدخلها في الحرب الأهلية اليمنية في سنة 2015. لكن ما ترغب به أبو ظبي حقا هو تصنيف واشنطن الحوثيين منظمة إرهابية، ناهيك عن فرض عقوبات أشد عليها.
يبدو أن إدارة بايدن مترددة بشأن القيام بذلك لأنها تُجري محادثات غير مباشرة مع إيران بشأن إحياء الاتفاق النووي، كما تأخذ بعين الاعتبار التحذيرات التي تفيد بأن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.
أثار الرئيس جو بايدن قلق الرياض بانتقاد سجل السعودية الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان ورفضه التحدث إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.
في المقابل، يعتبر بوتين أحد قادة العالم القلائل الذين دعموا الأمير محمد بعد اتهامه على نطاق واسع باغتيال جمال خاشقجي سنة 2018 على يد عملاء سعوديين. وقد صافح الرئيس الروسي علنًا ولي العهد في اجتماع لمجموعة العشرين بعد أسابيع.
تملك المملكة العربية السعودية، التي أبت إصدار بيان بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، مصالح مشتركة في مجال الطاقة مع موسكو التي تعتبر اللاعب الرئيسي في مجموعة أوبك بلس، التي انضمت إليها روسيا في سنة 2016.
المملكة العربية السعودية لن تتخلى عن روسيا في الوقت الراهن
على الرغم من تجاوز أسعار النفط عتبة 100 دولار للبرميل، قاومت الرياض الضغوط الأمريكية لضخ المزيد من النفط في السوق، حيث يقول محللون إنها تعتقد أن زيادة الإمدادات لن تُحدث أي فرق يذكر. وفي اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد الأمير محمد بن سلمان التزام المملكة بقرارات أوبك بلس، وذلك حسب ما ورد في بيان سعودي يوم الإثنين.
يرى المعلق السعودي علي الشهابي أن الولايات المتحدة “أرسلت إشارات واتخذت إجراءات متعددة” تدل على أن تحالفها مع المملكة لم يعد علاقة يمكن أن تتكئ عليها الرياض”. وأضاف أن “هذا ما دفع القادة السعوديين إلى بناء تحالفات وعلاقات متعددة مع القوى الكبرى الأخرى، لا سيما الصين وروسيا”؛ مؤكدا أن الرياض استثمرت بكثافة في بناء العلاقات مع موسكو معتبرة أوبك بلس علاقة استراتيجية مهمة لاقتصاد المملكة القائم على النفط.
وأوضح الشهابي أن “كل هذه العوامل تكشف أن المملكة العربية السعودية لن تتخلى عن روسيا في الوقت الراهن. لقد أثبتت روسيا أنها تتذكر أصدقاءها وأيضًا أعداءها وهذا ما جعل المملكة تتمسك بالتزامها باتفاقية أوبك بلس. وعلى الرغم من أن لدى السياسيين الغربيين ذاكرة ضعيفة، إلا أن القادة السعوديين لا ينسون من تخلى عنهم في محنهم”.
لا يزال المسؤولون السعوديون والإماراتيون يصرون على أن الولايات المتحدة هي الشريك الخارجي الأساسي بالنسبة لهم. وبينما أدارت الولايات المتحدة محور اهتمامها إلى آسيا، سعت موسكو إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
قلبت روسيا مجرى الحرب الأهلية السورية من خلال التدخل عسكريًا في سنة 2015 لدعم نظام الأسد. ونشرت مرتزقة من مجموعة فاغنر المرتبطة بالكرملين في ليبيا للقتال إلى جانب أمير حرب ليبي تدعمه الإمارات، بينما عملت على تعزيز روابطها السياسية مع بعض القوى الإقليمية في الشرق الأوسط على غرار إيران.
حسب عبدالله، حاولت روسيا – تماما مثل الصين وغيرها – ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن “روسيا بإمكانها لعب دور أكبر في المنطقة وتحقيق النجاح في مساعيها لاسيما أن بوتين يحسن تقدير القضايا الرابحة”.
في المقابل، يعتقد حكيم أن “وصول البلدان الغربية إلى تسوية بشأن الملف الأوكراني والنجاح في التصدي لروسيا، من المحتمل أن يساهم في تغيير الحسابات الإماراتية، ويكشف محدودية القوة الروسية الناعمة والصلبة”.
المصدر: فاينانشيال تايمز