يتابع السوريون الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية عن كثب، رغم كل تحديات واقعهم وانعدام الاستقرار الذي يواجه بلادهم، حيث لا تخلو مجالسهم واجتماعاتهم اليومية المعتادة من الحديث عن الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت خلال الأيام القليلة الماضية، فضلًا عن نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يُظهر مدى تفاعل الأوساط الشعبية السورية مع الشعوب الأخرى التي تعيش مأساة مماثلة لمأساتهم.
تعيد مشاهد القصف الجوي الروسي للمراكز الحيوية في أوكرانيا، إلى ذاكرة أحمد الحمزة، مشاهد القصف الروسي على منازل المدنيين والمرافق العامة في مدينته، حلب، إبّان التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، حين تدخلت موسكو وشن ضربات جوية كثيفة ودامية على مناطق المعارضة السورية.
يقول في مجلس يجتمع فيه مع أصدقائه، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن روسيا مجرمة بكل ما تعنيه الكلمة، فهي تسبّبت في كل ما حصل للبلاد، حيث تعرضت مدينة حلب لآلاف الغارات التي نفّذها الطيران الروسي، وقتل مئات الآلاف من المدنيين، فضلًا عن تدمير البنية التحتية للمدينة، حيث لا يزال ركام المدينة شاهدًا على الإجرام الروسي”.
وأضاف: “أتمنى أن تكون هذه الحرب محرقة لروسيا التي قتلت أقاربنا وشرّدت ملايين السوريين بين الخيام ودول اللجوء، فالدماء التي سالت في سوريا كفيلة أن توقع بها في حروب أخرى تكون محرقة لدولة مجرمة تنكّل بالأبرياء من المدنيين العزّل”.
ودخلت روسيا بسلاحها الجوي الأراضي السورية في 30 سبتمبر/ أيلول عام 2015، لمساندة نظام الأسد في عملياته العسكرية ضد المعارضة السورية التي كانت تسيطر على مساحات واسعة من البلاد، بعد انهيار عسكري شهدته قوات النظام آنذاك.
سوريون يتابعون الحرب الروسية الأوكرانية
يبدي معظم السوريين شمال غربي البلاد تعاطفهم وتضامنهم مع الشعب الأوكراني، كونه يعايش ظروف حرب وتهجير تسبّبت فيها روسيا، تماثل ما يعيشه السوريون منذ ما يقارب الـ 11 عامًا، نتيجة دعم روسيا لنظام الأسد في الحرب ضد السوريين، حيث ارتكبت العديد من المجازر بحقّ المدنيين فضلًا عن تدمير البنية التحتية للبلاد.
قلوبنا مع الشعب الأوكراني ودعواتنا له بالنصر على المجرم بوتين #FromSyria_we_support_Ukraine_against_Russia pic.twitter.com/WvhyxLnsZG
— ماجد عبد النور (@Magedabdelnour1) February 24, 2022
على مواقع التواصل الاجتماعي، تضامن السوريون مع الشعب الأوكراني ضد الإجرام الروسي، وكتب الصحفي عبد القادر أبو يوسف في صفحته الشخصية على فيسبوك: “خلفي يقع مشفى النساء والأطفال بمدينة أعزاز، والذي كان شاهدًا على وحشية روسيا وجيشها عندما بدأت حملتها في حلب وريفها، في هذا المشفى قتلت روسيا وجرحت العديد من الأطفال بقصف طائراتها الحربية، بعضهم مات في الحواضن، وكذا تفعل اليوم في أوكرانيا، الدولة التي تشاطرنا اليوم نصف آلامنا التي حملها الروس معهم أينما حلّوا”.
وقال عبد القادر أبو يوسف، الذي ينحدر من مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن إجرام روسيا لن يتوقف لأنها دائمًا ما تدعم المسار العسكري في وجه حريات الشعوب، ودعمها لنظام الأسد دليل على ذلك، ومن الضروري الوقوف إلى جانب الشعب الأوكراني خلال هذه المرحلة، لأنه يُعتبر منعطفًا هامًّا لسوريا والسوريين كون المجرم واحدًا”.
وأضاف: “نؤمن بقضية عابرة للحدود، وهي حق الشعوب بتقرير مصيرها والدفاع عن حرياتها، أدعم الشعب الأوكراني في الدفاع عن وطنه، ونطالب في هذا الموقف أن يكون للسوريين دعمًا دوليًّا مماثلًا لمحاربة روسيا”.
#FromSyria_we_support_Ukraine_against_Russia#روسيا_واكرانيا pic.twitter.com/srzPXrvr1B
— Mahmoud Talha – محمود طلحة (@mahmoodtalha22) February 24, 2022
ولأنهم عاشوا الويلات جراء الوحشية الروسية، يناصر السوريون الشعوب المضطهدة وينحازون لقضاياهم، بحسب ما أوضح المحامي يوسف حسين خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن موقفي ضد الحرب الروسية على أوكرانيا كونها احتلالًا لدولة ذات سيادة، ولها الحق في تقرير مصيرها وفق مصالح شعبها دون وصاية من أي دولة أخرى”.
وأضاف: “تذكّر الحرب الروسية على أوكرانيا السوريين بالجرح الذي سبّبته وما زالت تسبّبه، من قتل وتدمير وتهجير لأكثر من 7 سنوات، فهي شريك لنظام الأسد”.
مؤكدًا: “إن وقوفي إلى جانب الشعب الأوكراني ليس لأن عدونا واحد، بل هو الموقف الإنساني الصحيح من أي إنسان يملك ذرة إنسانية، أن يكون ضد الإجرام بكافة أشكاله بحقّ الشعوب، ولأننا نؤمن بالحرية كحقٍّ للجميع”.
بينما يرى حسان العلي، وهو مدرِّس مقيم في ريف حلب الشمالي، أن روسيا تحاول إعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي من خلال احتلالها للدول المجاورة، فهي تعمل ضمن عدة أهداف اقتصادية وقومية بحتة، وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “من المرجّح أن تواصل روسيا تقدمها في الأراضي الأوكرانية”، مشككًا بأن يسمح له الغرب بذلك.
دعوات لاستثمار الموقف الدولي ضد روسيا
وفي خضمّ ما تعيشه مؤسسات ومنصات المعارضة السورية السياسية من برود في دورها السياسي الذي تأسست من أجله، وجّه سوريون دعوات إلى استغلال الموقف الدولي ضد روسيا في حربها على أوكرانيا.
بدلا من أن يقوم الائتلاف بتشكيل خلية أزمة ويعقد الجلسات المفتوحة ويتحرك كخلية النحل بين الدول الفاعلة لاستثمار الحرب الأوكرانية، نراه يغط في نومٍ عميق بل وتجهز بعض منصاته نفسها لعقد جلسات اللجنة الدستورية التي يشرف عليها بوتين، للأسف هؤلاء أكبر لعنة ابتليت بها الثورة السورية
— ماجد عبد النور (@Magedabdelnour1) February 28, 2022
وقال الصحفي ماجد عبد النور في تغريدة على حسابه في تويتر: “بدلًا من أن يقوم الائتلاف بتشكيل خلية أزمة ويعقد الجلسات المفتوحة ويتحرك كخلية النحل بين الدول الفاعلة لاستثمار الحرب الأوكرانية، نراه يغطّ في نومٍ عميق بل تجهّز بعض منصاته نفسها لعقد جلسات اللجنة الدستوري التي يشرف عليها بوتين، للأسف هؤلاء أكبر لعنة اُبتليت بها الثورة السورية”.
وفي وقت سابق، عقب دخولها الأراضي السورية، استطاعت روسيا السيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، وإشغال المعارضة السورية في اتفاقيات وضمانات أبعدتها عن دورها الحقيقي، ما جعلها في شرخ بين سوريي الداخل والخارج، ما ساهم بالتالي في تعزيز الانقسام السوري وضياع الأهداف.
مطالبة المجتمع الدولي بأسلحة نوعية لمواجهة الروس من قبل مؤسسات “المعارضة السورية” حق شرعي وهو مطلب كل سوري، لكن من باب أولى أن تقاطع هذه المؤسسات المؤتمرات واللجان التي اختلقها الروس لإلهاء الشعب السوري عن هدفه.
— ثائر المحمد (@tha7yir) February 28, 2022
وهذا ما أشار إليه الصحفي ثائر محمد، في قوله: “مطالبة المجتمع الدولي بأسلحة نوعية لمواجهة الروس من قبل مؤسسات “المعارضة السورية” حق شرعي ومطلب كل سوري، لكن من باب أولى أن تقاطع هذه المؤسسات المؤتمرات واللجان التي اختلقها الروس لإلهاء الشعب السوري عن هدفه”.
سجلّ روسيا الدموي في سوريا
تسبّب دخول روسيا إلى الأراضي السوري في قلب موازين القوى المسيطرة على الجغرافيا السورية، حيث استطاعت السيطرة على أكثر من 60% من الأراضي السورية التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد قبل عام 2015، جرّاء اتباعها سياسة الأرض المحروقة وفرض حصار خانق، فضلًا عن تحويل مسار الحرب إلى مفاوضات في سبيل خروج من تبقّى من السوريين على قيد الحياة إلى الشمال السوري.
وحقّق السوريون على مدار 4 سنوات من حمل السلاح -بعد فشل الحراك السلمي- لمجابهة نظام الأسد، تقدُّمًا على حساب الأخير، ما أوصلهم إلى مرحلة الإطاحة به، إلا أن الدعم الروسي اللوجستي والعسكري حال دون ذلك، حيث أخذت روسيا تصعد على أشلاء الضحايا شيئًا فشيئًا، فكلما كانت ترتكب مجزرة كلما تقدمت في الضغط على المعارضة السورية، لدفع عجلة التفاوض التي تبحث عن الخروج بأقل الخسائر وتحييد المدنيين.
وتسبّبت روسيا منذ دخولها في ارتكاب عشرات المجازر والجرائم بحقّ المدنيين السوريين العزّل، أسقطت خلالها عشرات آلاف القتلى وملايين اللاجئين المشردين، حتى باتت روسيا المتحكم الأول في الملف السوري، بعدما تحوّل نظام الأسد إلى حجر شطرنج بين أيدي حلفائه الروس والإيرانيين.
وارتكبت القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30 سبتمبر/ أيلول 2015 حتى 30 سبتمبر/ أيلول 2021، ما لا يقلّ عن 357 مجزرة، تسبّبت في مقتل 6910 مدنيًّا بينهم 2030 طفلًا و974 سيدة (أنثى بالغة)، في حين نفّذت 237 هجومًا بذخائر عنقودية، إضافة إلى 125 هجومًا بأسلحة حارقة.
وشهد العام الأول من الدخول الروسي الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 52% من الحصيلة الإجمالية)، تلاه العام الثاني (قرابة 23%)، وتركّزت الحصيلة الأعلى من الضحايا في محافظة حلب (قرابة 42%)، تلتها إدلب (38%)، بحسب تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وقتلت القوات الروسية 70 من الكوادر الطبية، بينهم 12 سيدة، إضافة إلى مقتل 44 من كوادر الدفاع المدني، وسُجِّل مقتل 24 من الكوادر الإعلامية جميعهم قُتلوا في محافظتَي حلب وإدلب، فضلًا عن وقوع ما لا يقلّ عن 1231 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، من بينها منشآت طبية وتعليمية وأسواق شعبية مدنية.
وساهم التصعيد الروسي، إلى جانب هجمات نظام الأسد وإيران، في تكثيف حركة النزوح والتشريد القسريَّين للسوريين، حيث شرّد قرابة 4.7 ملايين نسمة من المدنيين، يُضاف إلى ذلك السيطرة الروسية على المنشآت الاقتصادية الحيوية السورية باتفاقيات مبرمة مع نظام الأسد، فضلًا عن نشاطها في قطاعَي الآثار والتعليم ومعظم القطاعات المهمة في سوريا.
ختامًا، وصلت الانتهاكات الروسية لحقوق الإنسان في سوريا إلى أعلى مستوياتها، وسط عجز المجتمع الدولي عن التحرك لوقف المأساة التي تسبّبت وما تزال في نكأ جراح السوريين وتوسيع مطاق الأزمة طولًا وعرضًا وعمقًا.