ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما امتنعت الهند عن التصويت في الأمم المتحدة ملتزمةً الحياد في خضم موجة الإدانة الغربية لغزو أوكرانيا بدا أنها تُظهر دعمًا ضمنيًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا سيما في ظل العلاقات الوطيدة التي تجمع البلدين منذ عقود والرؤية القومية المشتركة لقادتهما اللذين التقيا ما يقارب 20 مرة منذ أصبح ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند في سنة 2014. لكن تحركات الهند مدروسة بحكم موقفها بين دول الجوار المعادية لها، وهو ما يجعلها حريصةً على الموازنة بين موسكو وواشنطن.
إن الهند بحاجة إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا لاحتواء الصين، التي تضغط على حدودها وتكتسب نفوذًا على جيرانها، لذلك تحاول اللعب على الحبلين بشأن الحرب مع أوكرانيا. أما الحكومة الهندية، فلم تقدم دعمًا صريحًا للمواقف أو العقوبات الغربية لأن التخلي عن موسكو ـ الشريك القديم الذي لم يخذلها وأكبر مورّد للأسلحة – من شأنه أن يترك الهند معزولة بشكل متزايد في المنطقة. وبدلاً من ذلك، دعت إلى العودة إلى الدبلوماسية ولها علاقات مع خصوم موسكو ـ بما في ذلك أوكرانيا – تاركةً نهجها القديم المتمثل في كتم استيائها.
حسب أستاذ السياسة الخارجية للهند في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، هابيمون جاكوب، فإنّ “هذا القرار بالذات هو نتاج الظروف الجيوسياسية التي تأخذها الهند بعين الاعتبار في هذه المرحلة”. وشبّه جاكوب وضع الهند في منطقتها في جنوب ووسط آسيا بـ “رهاب الأماكن المغلقة” الذي من شأنه أن يزداد سوءًا إذا أغضبت الهند روسيا في الوقت الذي تحشد فيه الصين قواتها على الحدود الهندية في جبال الهيمالايا، حيث يقف البلدان في حالة حرب منذ ما يقرب سنتين بعد مناوشات دامية.
إلى جانب ذلك، تمنح العلاقات الروسية المتبادلة مع الهند والصين حكومة مودي دور الوسيط في حالة التصعيد. كما أن روسيا شريك وثيق في أماكن مثل أفغانستان، حيث ترك الانسحاب الأمريكي الهند في وضعية حرجة.
تقدم الولايات المتحدة مساعدة دفاعية للهند، التي زادت من مشترياتها من المعدات العسكرية الأمريكية بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ويتعاون الطرفان إلى جانب أستراليا واليابان في مجال الأمن البحري في المحيطين الهندي والهادئ كجزء من التحالف الرباعي.
لا شك أن التزام الهند الحياد بشأن أوكرانيا حتى لا تُغضب أي طرف لن يُرضي أيًا من الجانبين تمامًا، وقد تخضع للمراقبة مع تشديد الدول الغربية العقوبات على روسيا. وتاريخيًا، واصلت الهند التجارة الثنائية خلال لحظات التوتر من خلال اتباع ترتيبات مالية مبتكرة تعود إلى الحرب الباردة.
إذا لجأت الهند هذه المرة إلى إجراء ممثال فلن يساعد ذلك روسيا كثيرًا، ذلك أن حجم التجارة الثنائية بين البلدين في حدود 9 مليارات دولار، وهو أقل من عُشر حجم المبادلات التجارية بين روسيا مع الصين – التي تعد أكبر شريك تجاري لها.
تعرف الهند أيضًا أن مثل هذه الصفقات يمكن أن تثير غضب المسؤولين الأمريكيين. في البداية، وجدت الهند طريقة للالتفاف حول العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من خلال استيراد النفط وتسوية الحسابات إلى حد كبير بالعملة الهندية. لكن كان عليها أن تسعى للحصول على النفط من مصادر أخرى بعد أن أغلقت إدارة ترامب هذه الثغرة في سنة 2019. وقال وزير خارجية الهند هارش فاردان شرينغلا في مؤتمر صحفي عُقِد مؤخرًا “هذا الوضع آخذ في التطور، وعلينا أن ندرك نوع التأثير الذي ستُحدثه العقوبات على مصالحنا”.
يعمل القادة الهنود على التواصل مع أطراف الأزمة منذ بدء الغزو الروسي، حيث تحدث مودي إلى نظيريه الروسي والأوكراني بينما يتواصل وزير خارجيته مع دبلوماسيين في جميع أنحاء العالم. يُضاف إلى ذلك أن الحكومة مشغولة أيضًا بحالة طوارىء تتمثل في محاولة إجلاء آلاف المواطنين الهنود العالقين في أوكرانيا.
استغلت المعارضة مقاطع فيديو عاطفية لطلاب تقطعت بهم السبل يطلبون المساعدة لانتقاد حكومة مودي، في حين ظلت الانتقادات لموقف الهند بشأن الحرب هادئة مما يعكس حقيقة أن المعارضة كانت عالقة أيضًا في عملية توازن مماثلة عندما كانت في السلطة آخر مرة.
بعد أن أصبحت الهند جمهورية عقب انتهاء الحكم البريطاني في سنة 1947، اتخذت الدولة موقفًا محايدًا على الرغم من أن رئيس الوزراء المؤسس جواهر لال نهرو كان يميل نحو روسيا الشيوعية. في السبعينات، بدأت الهند تميل بشكل واضح نحو الاتحاد السوفيتي عندما رأت الولايات المتحدة تقدم الدعم العسكري والمالي لعدوها اللدود باكستان، فيما قدم السوفييت مساعدة للهند. وفي الوقت الحالي، تعتمد الهند على روسيا في أكثر من 60 بالمئة من عتادها العسكري. وكثيرًا ما صوتت روسيا لدعم الهند في المحافل الدولية، بما في ذلك الامتناع عن انتقاد تجارب الأسلحة النووية في التسعينيات.
إن علاقات الهند مع الولايات المتحدة أوثق من أي وقت مضى، لا سيما أنها ترتبط بشكل متزايد بالتهديد المشترك الذي يمثله صعود الصين العدائية. في سياق ذلك، ارتفع إنفاق الهند على المعدات العسكرية الأمريكية إلى حوالي 20 مليار دولار منذ حوالي عقد بعد أن كان لا يذكر. لكن هذا التقارب خلق عددا من التحديات خاصة في أعقاب الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانستان، في الوقت الذي كانت الهند تنسق مصالحها عن كثب. ومع أن الانسحاب المضطرب خلق بعض التردد بين المسؤولين الحكوميين والمستشارين الخارجيين، إلا أنه لم يؤثر بشكل كبير على ما وصفه جاكوب بأنه “شعور متزايد بالموالاة لأمريكا” بشأن قضايا أكبر تتعلق بالأمن الاستراتيجي.
قال النائب السابق لمستشار الأمن القومي بانكاج ساران، الذي كان أيضًا سفير الهند في موسكو، إن العلاقات الروسية تعرضت لاختبار في ظل العلاقات الأمريكية في السنوات الأخيرة، حيث أعرب الروس عن استيائهم من تعاون الهند الوثيق مع الولايات المتحدة في أفغانستان. وأشار إلى أن كلا من الروس والصينيين امتعضوا من تضخم نفقات شراء الأسلحة الأمريكية، مضيفًا “كان علينا أن نواجه الكثير من الانتقادات من كليهما بشأن هذا النمو في العلاقة مع الولايات المتحدة”.
بينما كان المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون يحثون الهند على دعم إجراءاتهم ضد روسيا، يبدو أنهم يدركون أيضا احتياجات الهند الاستراتيجية، وذلك ما يعكسه التصريح الذي أدلى به المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس مؤخرًا الذي اعترف بأن “علاقة الهند مع روسيا تختلف عن علاقتنا مع روسيا”. حتى بعد امتناع الهند عن التصويت في الأمم المتحدة على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، قال برايس إن البلدين لديهما “علاقة وثيقة للغاية” وكانا في نقاش مستمر حول “مخاوفنا المشتركة”. وقد كان المسؤولون الأمريكيون في السابق قد أقروا ببيئة الأمن المعقدة في الهند.
عندما اشترت الهند نظام دفاع صاروخي روسي بقيمة 5.4 مليار دولار، تجاهل المسؤولون الهنود التحذيرات بأن الصفقة تنتهك العقوبات الأمريكية قائلين إن المفاوضات بدأت قبل دخول الإجراء حيز التنفيذ في سنة 2017. من جهتهم، التزم المسؤولون الأمريكيون الصمت في كانون الأول/ ديسمبر 2021 بعد أن أعلنت الهند خلال زيارة لبوتين إلى نيودلهي أن الإمدادات الخاصة بهذا النظام قد بدأت في الوصول.
علّق الكثيرون في الكونغرس الأمريكي على موقف الهند بأن تلك الصفقة كانت ضرورية لمواجهة التهديد الصيني. وفي جلسة الإقرار، قال جيمس أوبراين، الذي رشحه الرئيس بايدن للإشراف على سياسة العقوبات في وزارة الخارجية، إن الولايات المتحدة كانت تثبط عملية الشراء لكن أي احتمال لمعاقبة الهند يجب أن يُقيّم “الاعتبارات الجيوستراتيجية المهمة، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة مع الصين”. وعلّق ساران على استمرار التوترات بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا قائلاً “عندما يهدأ التوتر، سوف يتخذ الناس نهجًا طويل الأمد وأكثر استراتيجية فيما يتعلق بدور الهند”.
المصدر: نيويورك تايمز