ترجمة حفصة جودة
كتب مارك ويبر ونيكولا فاسولا
هل يحكم روسيا الآن شخص يفكّر في استخدام الأسلحة النووية دون داعٍ؟ فقد ألمح بوتين بشأن أوكرانيا إلى أنه يستعدّ لعبور نقطة اللاعودة.
قبل أيام من غزو أوكرانيا، اشتبكت روسيا وحليفتها بيلاروسيا في تدريبات نووية، وفي الإعلان عن الغزو أشار بوتين إلى مكانة روسيا باعتبارها أقوى دولة نووية في العالم، حيث يبدو أنه يحتفظ بالخيار النووي كردّ مباشر في حال الهجوم على بلاده.
لكنه يحذّر باستمرار من أن هؤلاء الذين يحاولون إعاقته في أوكرانيا قد يواجهون عواقب أكبر من أي شيء واجهوه في التاريخ، فقد تتّخذ روسيا أيضًا إجراءات وقائية، حيث في البثّ الذي ألقاه على الشعب الروسي يوم 21 فبراير/ شباط، قال بوتين إن القيادة الأوكرانية تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية.
ارتفع القلق بشأن نوايا بوتين بعد فترة قصيرة من بداية الغزو، فقد أصبحت القوة النووية الروسية في حالة تأهُّب قصوى، مثلما أعلن بوتين يوم 27 فبراير/ شباط.
يدّعي بوتين أن ذلك كان ردًّا على البيانات العدائية ضد بلاده، التي صرّح بها مسؤولون كبار في دول الناتو، وتركّز التكهُّنات في هذا الشأن على مدى خوف القيادة الروسي بسبب خطورة العقوبات الاقتصادية والتقدُّم البطيء في ساحة المعركة.
التهديد باستخدام قدرات نووية استراتيجية يمنحك أداة قوة للإبقاء على الأطراف غير المرغوب بها خارج الصراع
هل كانت أوامر بوتين مجرد إلهاء كما قال وزير دفاع المملكة المتحدة بين والاس؟ أم أنها كانت إشارة إلى الفعل الذي قد يلجأ بوتين إليه إذا كان يرى هزيمته أمام عينَيه؟
التفكير النووي الروسي
يكمن جزء من الإجابة عن هذه الأسئلة في استراتيجية روسيا العسكرية، فالمواقف المعروفة تسمح لنا بافتراضات معيّنة حول كيفية استخدام روسيا للأسلحة النووية، في ضوء ذلك من المهم أن نميّز بين الأسلحة النووية الاستراتيجية وشبه الاستراتيجية (العملية – التكتيكية).
تقوم الأسلحة النووية الاسترايجية بدورَين كبيرَين، أولًا؛ تعمل هذه الأسلحة كأداة ردع، كضمان نهائي للبقاء في وجه تهديد وجودي للدولة الروسية، بما في ذلك ضربة حاسمة من قوة نووية أخرى.
ثانيًا؛ هذه النوعية من الأسلحة تساعد موسكو في شنّ حرب وفق الظروف المناسبة، فمجرد التهديد باستخدام قدرات نووية استراتيجية يمنحك أداة قوة للإبقاء على الأطراف غير المرغوب بها خارج الصراع، ما يسمح لروسيا بمواصلة عملياتها العسكرية النشطة بوسائل أخرى.
في الوقت نفسه، لعبت الأسلحة النووية شبه الاستراتيجية دورًا متغيرًا في العقيدة العسكرية الروسية، ففي تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية الثانية، كانت هذه القدرات في قلب الموقف العسكري لروسيا، حيث حاولت روسيا التعويض عن القصور الهيكلي لقواتها التقليدية.
يقول بعض الخبراء الاستراتيجيين الروس إن الاستخدام المحدود للقوة النووية هو أمر منطقي، فهو يغيّر المسار في حرب قد تتفوق فيها قوات الناتو التقليدية وتحقِّق النصر لحليفها.
تمكّن البرنامج الشامل لإصلاحات الدفاع من ترميم القوة التقليدية الروسية، وتنحية دور الأسلحة النووية شبه الاستراتيجية، حيث ظهر نقاش مؤخرًا حول ما يُسمّى بـ”عقيد التصعيد لوقف التصعيد”، وفقًا لذلك ربما تستخدم روسيا أسلحة نووية تكتيكية مبكرًا في الصراع لتحقيق نصر سريع.
ومع ذلك، تقف هذه الفرضية على أرضية متزعزعة، فبيانات روسيا لا تقدِّم أي دليل حاسم على وجود هذا الأمر فعلًا في عقيدتها العسكرية، كما أنها تستند إلى فرضيتَين خاطئتَين: إن القوة التقليدية غير كافية (ربما حدث الأمر مرة لكنه لم يعد كذلك)، وإن الانتقام النووي أمر غير مرجّح (وهو أمر لا يمكن افتراضه في هذا العالم القاسي للردع النووي).
يجدر الإشارة كذلك إلى سمتَين إضافيتَين للتفكير العسكري الروسي، الأول؛ تقسيم الحرب إلى 4 مستويات، وهي الصراع المسلح على نطاق محدود (وهو ما ينطبق غالبًا على الحروب الأهلية)، والحرب المحلية والإقليمية والحرب واسعة النطاق، والتي يحتاج كل منها إلى ترتيبات مختلفة من الدول وحلفائها، وجميعها تتضمن مخاطرة عالية والتزامًا عسكريًّا متزايدًا.
الثاني؛ يبدو أن الجيش الروسي يعمل وفق أساس سُلَّم تصعيد محدد وثابت حتى الآن، ويبدو أن استخدام النووي متأخر إلى حد كبير في هذا السلَّم، وهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بخطر أرمجدون (المعركة الكبيرة بين الحق والباطل في العهد الجديد)، وهو السيناريو الذي تخشاه روسيا حقًّا، وكلا الملاحظتَين تشيران إلى أن استخدام النووي سيكون الملاذ الأخير.
تداعيات الأمر على أوكرانيا
بالتلميح إلى تصعيد نووي غير متكافئ، فإن موسكو ترغب في تقييد التدخل الغربي في أوكرانيا، ليصبح المجهود الروسي الحربي أكثر استدامة، وهكذا فأقوى سلاح يملكه الغرب الآن هو العقوبات وليس التدخل العسكري.
يمتلك الجيش الروسي الكثير من الوسائل البغيضة لتحقيق النصر في أوكرانيا
هذا الأمر له مخاطره، فإذا تسبّبت هذه الإجراءات بالفعل في انهيار الاقتصاد الروسي على المدى القريب، وهددت نجاة النظام المحلي، فإن النخبة الروسية قد تدرك أن التهديد الوجودي يجعل النصر حتميًّا في أوكرانيا بأي ثمن.
في تلك الظروف، إن ضربة نووية محدودة لإظهار العزم وكسر المقاومة الأوكرانية لن تكون أمرًا مستحيلًا، لذا من الضروري أن يستمر توجيه العقوبات لإنهاء جهود الحرب الروسية وليس للإطاحة بنظام بوتين.
لكن هذه السيناريوهات ما زالت بعيدة، فمن وجهة نظر عسكرية خالصة، تقع هذه الحرب في أوكرانيا اليوم بين المستوى المحلي والإقليمي وفقًا للتصنيف الروسي، وأي منها لا يتطلب استخدام أسلحة نووية شبه استراتيجية ضد الأهداف الأوكرانية.
في المستقبل القريب، استمرار القدرة الأوكرانية على مقاومة الغزو الروسي، سيقابله زيادة تدريجية في قوة الأفراد الروس والنيران التقليدية في استهداف البنية التحتية المدنية.
ولذلك يجب ألّا نفترض أن الأسلحة النووية هي الخطوة القادمة، فقد حذّر مسؤولون أمريكيون كذلك من استعداد روسيا للجوء إلى القتال بالأسلحة البيولوجية والكيميائية، حيث يمتلك الجيش الروسي الكثير من الوسائل البغيضة لتحقيق النصر في أوكرانيا.
المصدر: ذي كونفرسايشن