ترجمة وتحرير: نون بوست
في سنة 2008، عندما وصل عدد قليل من الموظفين العاملين في تويتر إلى طريق مسدود ركّز البعض على الاستعداد لزيادة عدد المستخدمين الجدد، بينما اقترح أحد المطوّرين نهجًا مختلفا تمامًا مشيرًا إلى أن توتير ينبغي ألا يكون منصة على الإطلاق. بدلاً من ذلك، تصوّر بلاين كوك أن تويتر يمكن أن تصبح العمود الفقري للمحادثات عبر الإنترنت، وهو ما من شأنه أن يسمح لمستخدميه بتبادل الرسائل بحرية مع الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى بدلاً من خنقهم في مساحة المحادثات المخصصة في المنصة.
قام بتجميع نموذج أولي لدعم فكرته، لكن بقية موظفي تويتر رفضوا فكرته ليُغادر كوك في نهاية المطاف هذه الشركة الناشئة. ظلّ موقع تويتر أشبه بجزيرة خاضعة لرقابة مشددة على الإنترنت بينما استمر في استقطاب مئات الملايين من المستخدمين.
بعد أكثر من عقد من الزمان، بدأ تويتر في عكس مساره في الوقت الحالي. باتت الشركة تسعى إلى تحقيق اللامركزية التي دافع عنها كوك من خلال دعم مشروع مستقل لبناء ما يسمى بالبروتوكول المفتوح لمواقع التواصل الاجتماعي. وهي تعمل أيضًا على دمج العملة المشفرة في تطبيقها والانفتاح على المطورين الذين يرغبون في إنشاء ميزات مخصصة لتويتر.
دافع الرئيس التنفيذي المعين حديثًا باراغ أغراول عن اللامركزية داخل الشركة، وقام بتعيين مطوري العملات المشفرة وإعطاء الأولوية للمشاريع ذات الصلة. وفي الوقت الحالي، يعتقد المسؤولون التنفيذيون في تويتر أن اللامركزية في خدمة الوسائط الاجتماعية ستمثل نقلة نوعية في الإنترنت وتجعلها بين أيدي المستخدمين، لكنها في نفس الوقت تشكل تحديًا أساسيًا للحدائق المسورة التي ابتكرتها منصات اجتماعية مثل فيسبوك.
قد يستغرق ظهور منصة تويتر اللامركزية سنوات وقد تبدو مشابهة لما هي عليه اليوم، لكنها ستسمح للمستخدمين بوضع قواعد للاعتدال في مجتمعاتهم وتخفيف الضغط الذي يواجهه تويتر من المشرعين بشأن كيفية تعديل المحتوى. ومن المحتمل أن تساهم في ظهور مصادر دخل جديدة للشركة.
حسب ما أشار إليه جاك دورسي، الشريك المؤسس للشركة الذي استقال من منصبه كمدير تنفيذي لها في تشرين الثاني/ نوفمبر، في محادثة صوتية حديثة على تويتر: “لو كانت عملة البيتكوين موجودة قبل تويتر، لكان لدينا مصادر إيرادات مختلفة تمامًا وما كنا لنعتمد بشدة على عائدات الإعلانات”.
لكن هذه التغييرات تثير تساؤلات حول كيفية تحقيق تويتر هدفه المتمثل في مضاعفة الإيرادات على مدى العامين المقبلين، حتى مع تخليه عن بعض السيطرة على أهم “عملة” يتم من خلالها تقييم شركات التواصل الاجتماعي – أي المستخدمون وبياناتهم. يواجه تويتر بعض الشكوك من المجتمعات التي يأمل في استقطابها: مطورو البرامج المهمشون ومساعدو الجيل الثالث للويب والمتحمسون للبرامج مفتوحة المصدر.
إن الدافع لبناء أنظمة لا مركزية متجذر في أساس الإنترنت، مع بروتوكولات مفتوحة مثل تلك التي اقترح كوك تطبيقها في قلب التقنيات اليومية لتويتر ليصبح نظامها أشبه بالبريد الإلكتروني. يسترجع تويتر كيف بدأت الشركة وكيف انحرفت عن مسارها الأول في سعي للاستفادة من تلك المثالية القديمة لإنشاء نوع جديد من الأعمال.
في هذا السياق، يوضح دورسي أنه “انجذب إلى التقنيات اللامركزية مثل البيتكوين لأنها تذكّره بأخلاقيات الإنترنت المبكر. وقال دورسي في الدردشة الصوتية على تويتر إن “التقنيات اللامركزية تتسم بديناميكية عالية وغرابة كبيرة”.
خلال مقابلة أجريت معه مؤخرًا، صرح كوك، الذي يعمل في الوقت الحالي مهندسا في شركة “كوندي ناست”: “كان من الواضح أنه يمكننا تطبيق اللامركزية على تويتر”. على مر السنين، شاهد الشركة وهي تتصارع مع العديد من المشاكل التي كان يعتقد أنه كان من الممكن تجنبها من خلال اللامركزية، على غرار التحديات التنظيمية والمناقشات حول التعابير المسموح باستخدامها على المنصة والجدل حول الميزات التي ينبغي تطويرها.
في سنة 2019، قرر دورسي إضفاء اللامركزية على تويتر بعد مناقشات مع أغراوال، الذي كان يشغل منصب كبير مسؤولي التكنولوجيا في ذلك الوقت في تويتر، حول التحديات التي تواجهها الشركة.
في كان الأول/ ديسمبر من ذلك السنة، أعلن دورسي عن خطته لتمويل مشروع “بلو سكاي”. وقد نشر دورسي تغريدة على تويتر مفادها: “كان موقع تويتر منصة مفتوحة لشريحة واسعة من المستخدمين منذ بداياته لدرجة أن الكثيرين رأوا أنه يمكن أن يكون نموذجا يعكس لامركزية الإنترنت. لكن لمجموعة متنوعة من الأسباب التي كانت جميعها منطقية في ذلك العهد، اتخذنا مسارًا مختلفًا وسعينا من أجل تكريس مبدأ المركزية في تويتر”.
من شأن مشروع “بلوسكاي” أن يسمح في النهاية بإنشاء خوارزميات محدثة تعرض التغريدات في الجزء العلوي من الجداول الزمنية للمستخدمين بشكل مختلف عما تظهره خوارزمية تويتر الخاصة. يوضح دورسي أن “هذا سيعطي المستخدمين مزيدًا من الخيارات حول أنواع المحتوى الذي شاهدوه ويمكن أن يسمح لتويتر بالتعامل مع خدمات الوسائط الاجتماعية الأخرى”.
جذب مشروع “بلوسكاي” انتباه العديد من خبراء التكنولوجيا الذين كانوا يعملون بالفعل على مفهوم اللامركزية. وسرعان ما اجتمعت مجموعات صغيرة منهم مع أغراوال ودورسي لمناقشة المشروع، وذلك وفقًا لاثنين من المشاركين اللذين تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة حيثيات هذه الاجتماعات الخاصة، بينما تبادل الآخرون الأفكار فيما بينهم في غرفة دردشة عبر الإنترنت.
اقترح بعض المشاركين في مشروع “بلوسكاي” تطبيقًا واحدًا يتم بثه في جميع الصفحات الاجتماعية الخاصة بهم، فيما أراد آخرون خوارزميات مخصصة يمكنها ـ على سبيل المثال ـ منع ظهور المنشورات التي تحرق أحداث برنامجهم التلفزيوني المفضل. وقد ركز البعض على جعل هوياتهم على الإنترنت محمولة، أي إتاحة إمكانية نقل الحساب بين مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
قال رائد برمجيات الإنترنت ونائب الرئيس السابق في أمازون تيم براي إن “إحدى الميزات التي سيقدمها بلوسكاي هي خبرات التنظيم والفلترة المستقلة عن تلك التي تقدمها شركات التواصل الاجتماعي الأخرى”، حيث تم اختيار مطورة العملات المشفرة جاي غرابر في آب/أغسطس لقيادة مشروع “بلوسكاي”. وفي شباط/ فبراير، أعلنت غرابر أن المشروع قد تم تسجيله رسميًا كشركة ذات منفعة عامة ويعمل على إنشاء نموذج أولي.
أورد شخصان مطلعان على المحادثات أن المشروع لفت انتباه المهندسين في ريديت، الذين أجروا مناقشات أولية مع مهندسي تويتر حول كيفية تشغيل مواقعهم معًا، لكن الشركات لم توافق رسميًا على أي خطط للتعاون. ويعتقد بعض المتشككين أن تويتر يحاول الانتقال إلى الجيل الثالث للويب، وينضم إلى اتجاه جديد في التكنولوجيا لتحويل العديد من الخدمات ـ بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي ـ إلى تقنية “البلوكتشين”. لكن المديرين التنفيذيين يقولون إن تويتر يلبي ما يريده عدد هائل من المستخدمين باتباعه نظام اللامركزية الذي وضعه دورسي قبل استقالته من منصب الرئيس التنفيذي في تشرين الثاني/ نوفمبر.
قالت رئيسة الموظفين إستر كروفورد، التي تشرف على جهود تويتر للانتقال إلى شبكة الويب من الجيل الثالث، “يتمركز مجتمع التشفير على تويتر، وتجاهل هذا المجتمع يعد فرصة ضائعة”. في أيلول/ سبتمبر، أشرفت كروفورد على تطوير ميزة البقشيش على تويتر، وسمحت للمستخدمين بالدفع لبعضهم البعض نقدًا أو بالبيتكوين. وفي كانون الثاني/ يناير، بدأت الشركة في السماح للمستخدمين الذين يدفعون مقابل الاشتراك بعرض الرموز غير القابلة للاستبدال كصورة لملفاتهم الشخصية، وخشية أن يُخطئ أي شخص في صورة ملف تعريف عادية يعرض تويتر صور ملف تعريف الرمز غير قابل للاستبدال في إطار سداسي فريد.
قالت المتحدثة باسم الشركة إن المحادثات حول الرموز غير القابلة للاستبدال في كانون الأول/ ديسمبر شكّلت 1.2 في المئة من المحادثة بأكملها على تويتر. وكتب المستخدمون أكثر من 220 مليون تغريدة حولها في سنة 2021، متجاوزة بذلك الأفلام التي حازت على حوالي 207 مليون تغريدة.
أضافت كروفورد أن تبني تويتر للعملات المشفرة كان له تفسير عملي، حيث كانت الشركة لسنوات تنمو خارج الولايات المتحدة بسرعة أكبر من داخلها، وسيساعد السماح للمستخدمين بتبادل الأموال عبر الحدود في تسهيل هذا النمو. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، أتاح تويتر مزيدًا من الوصول غير المدفوع إلى مخزون البيانات الخاص به، داعيًا المطورين إلى إنشاء طرق جديدة للمستخدمين للتفاعل مع النظام الأساسي.
تستخدم تريسي تشو، الرئيسة التنفيذية لأداة مكافحة التحرش “بلوك بارتي“، الوصول إلى بيانات تويتر لإنشاء ميزات تقوم بفلترة الرسائل المسيئة من إشعارات تويتر للمستخدم. ويجسّد عملها التجربة المخصصة التي قد لا يبنيها تويتر داخليًا ولكنه لا يزال يريدها لمستخدميه. قالت تشو: “إذا نظرنا فقط إلى مكان وجود المنصات الآن فيما يتعلق بمعالجة الأضرار على الإنترنت، فإنها لا تقوم بعمل جيد للغاية”. وأضافت أن “الخوارزمية هي الأفضل بشكل عام، لأنها ستستبعد الكثير من الأشخاص الذين لا يحبون هذه التجربة”.
لكن على الرغم من أن تويتر قدّمت للمطورين مثل تشو البيانات التي يحتاجونها لبناء تجارب مخصصة، إلا أنها قامت بإغلاق أنواع البيانات التي يستخدمها المطورون عدة مرات. كان آخرها في سنة 2018 عندما حدّت من الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات (أو ما يُعرف بـ A.P.I) مما أدى إلى إيقاف عمل عدد من تطبيقات الشركات الصغيرة.
يتذكر أنيل داش الذي ساعد في تأسيس شركة “ثينك أب”، التي تعتمد في عملها على بيانات من تويتر وفيسبوك وإنستغرام، أنه أخبر المديرين التنفيذيين في تويتر أنهم قتلوا شركته فعليًا عن طريق منع الوصول إلى البيانات. وقال داش إن “المطورين لا يثقون بهم”. وأضاف داش، الذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة “غليتش”، إن استراتيجية اللامركزية في تويتر تمتاز بقدرتها على إعادة جذب المطورين، لكنه لفت إلى أنه “أمر لا يمكن التغلب عليه، وأن الشرط الأساسي لنجاح هذه الاستراتيجية بأكملها هو إقناع الجمهور الأكثر تشكيكًا بالثقة بهم مرة أخرى”.
حصل رئيس المطورين في تويتر أمير شيفات على الوظيفة من خلال تقديم انتقادات مماثلة لدورسي وأغراوال. وفي ذلك الوقت، كان أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في منصة “ريشافيل” للمطورين. ولكن بعد مناقشات حول وصول المطورين، وافق المسؤولون التنفيذيون في تويتر على شراء “ريشافيل” في آذار/ مارس الماضي. قال شيفات في مقابلة “أدرك جاك وباراغ أن تويتر كان من قبل أكثر انفتاحًا”، وأضاف “إذا قمت بإضفاء اللامركزية على النظام الأساسي الخاص بك ومنحت المطورين مزيدًا من الصلاحيات لتقديم تجارب أكثر ثراءً وجداول زمنية أفضل وأكثر أمانًا، سيستفيد الجميع من ذلك”.
المصدر: نيويورك تايمز