يعتمد الرئيس الروسي على ما يمكن لنا أن نطلق عليه اسم “عصابة بوتين”، وهي الحاشية التي أحاط بها نفسه لمساعدته في اتخاذ القرارات وتقوية سلطته الداخلية وتنمية نفوذه الخارجي، وهذه العصبة تتكون من العديد من المجموعات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تضم قادة أجهزة الأمن والجيش وطيف واسع من الأثرياء والإعلاميين والنافذين.
في هذا التقرير، سنتعرف على أبرز الشخصيات التي تضمها الدائرة المقربة من بوتين، والتي يعتمد عليها الرئيس الروسي في تكريس حكمه وسلطته ومدّ نفوذه في داخل روسيا وخارجها.
“سولفيكي”.. أصدقاء بوتين
تتصدر مجموعة “سيلوفيكي” القائمة فهي إحدى أبرز المجموعات التي يعتمد عليها بوتين في حكمه، وهي عبارة عن رؤساء الوكالات العسكرية والأمنية والمخابرات، ويٌعرف مصطلح سولفيكي في اللغة الروسية، بالسياسي الذي دخل السياسة قادمًا من الأجهزة الأمنية أو العسكرية أو الخدمات المماثلة.
هم رجال أمن روس يحيطون بالرئيس، ومنهم من خدم في جهاز الاستخبارات السوفيتية “كي جي بي”، ولديهم آراء سياسية “محافظة وتآمرية” في كثير من الأحيان، يُذكر أن بوتين بدأ مسيرته في جهاز الاستخبارات السوفيتي السابق كيه جي بي، الذي بدأ عمله في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي تحت اسم هيئة الأمن الفيدرالي الروسي FSB.
تمتلك مجموعة “سيلوفيكي” تأثيرًا كبيرًا في قرارات رجال الحكم الروس ولها صوت قوي، وقد ارتفع تأثيرها منذ أن وصل بوتين إلى السلطة، فهو يثق بهم ويستشيرهم في العديد من القرارات خاصة أنه عمل معهم لفترة طويلة.
دائمًا ما يصعّد المنتمون لهذه المجموعة من حدة التوتر، ففي الأزمة الأوكرانية مثلًا تعتبر مجموعة “سيلوفيكي” أن كييف وكيل للولايات المتحدة ويرون أن تحرك روسيا خطوة ضرورية لمنع الولايات المتحدة من تدمير الدولة الروسية، وهو ما يُفسر سرعة اتخاذ بوتين قرار الحرب.
يمثّل هؤلاء العمالقة الاقتصاديون “الدولة العميقة” أو “الأوليغارشية الروسية” التي تقفُ وراء قوة بوتين وتماسُك حكمه.. إليك ما يجب معرفته عن عمالقة الاقتصاد الروسي الذين فرض عليهم عقوبات نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا#الحرب_الروسية_الأوكرانية#روسيا_أوكرانيا pic.twitter.com/xOYLs2fvfn
— نون بوست (@NoonPost) March 2, 2022
أثّرت قوة هذه المجموعة في قرارات بوتين وعلى سلّم اهتماماته أيضًا، إذ حول الرئيس الروسي تركيزه من القضايا الاقتصادية والاجتماعية إلى التهديدات المتصورة المتعلقة بالأمن، لذلك بادر بشن 6 حروب منذ توليه الحكم نهاية سنة 1999.
تضم هذه المجموعة العديد من القيادات الأمنية والعسكرية السابقة كما قلنا في الأعلى، ويعتبر نيكولاي باتروشيف أحد أبرز هؤلاء، وهو ضابط مخابرات محترف يشغل الآن منصب رئيس مجلس الأمن الروسي، ويلقب بـ”الصقر”، وتعتبره تقارير عديدة مستشار بوتين للأمن القومي.
عمل باتروشيف إلى جانب بوتين في فرع كي جي بي بمدينة “لينينغراد” (سان بطرسبرغ) حاليًّا، وقد خلف بوتين لاحقًا كرئيس لجهاز الأمن الفيدرالي، وترأس مجلس الأمن منذ عام 2008، جدير بالذكر أن وجهة نظره فيما يخص أوكرانيا متطابقة مع الرئيس بوتين، كما أنه يعتقد أن الغرب يسعى إلى تدمير روسيا.
إلى جانبه نجد ألكسندر بورتنيكوف وهو رئيس هيئة الأمن الروسي (إف إس بي)، وهو الجهاز المسؤول عن الأمن الداخلي والاستخبارات، ويوظف الجهاز مئات الآلاف من الأشخاص، ومسؤول عن كل شيء من مكافحة الإرهاب إلى أمن الحدود ومكافحة التجسس والمراقبة الإلكترونية.
عمل بورتنيكوف إلى جانب بوتين في سبعينيات القرن الماضي في فرع كي جي بي بلينينغراد ويُنظر إليه على أنه جزء من حرم بوتين الداخلي.
ثالث هؤلاء هو رئيس الاستخبارات الروسية الخارجية سيرغي ناريشكين، عمل سابقًا ضابطًا في المخابرات السوفيتية “كي جي بي”، كما عمل مع بوتين في مكتب رئيس بلدية سان بطرسبرغ، وشغل نارشكين منصب رئيس الدوما الروسي.
كما نجد رئيس الأركان فاليري غيراسيموف، الذي لعب دورًا رئيسيًا في الحملات العسكرية لفلاديمير بوتين منذ أن قاد جيشًا في حرب الشيشان سنة 1999، وكان في طليعة التخطيط العسكري لأوكرانيا أيضًا، وأشرف على التدريبات العسكرية في بيلاروسيا الشهر الماضي.
الدوائر السياسية
إلى جانب هذه المجموعات الأمنية والاقتصادية، توجد دوائر سياسية داعمة لبوتين ومشاركة في عملية اتخاذ القرار، ضمن هذه الدوائر يبرز اسم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ويعتبر هذا الأخير جزءًا لا يتجزأ من تشكيل علاقات روسيا السياسية والدولية مع العالم.
يعتبر لافروف عضوًا أساسيًا في الحكومة الروسية منذ عقود، إذ يشغل منذ سنة 2004 منصب وزير الخارجية الروسي، كما شغل عددًا من المناصب المهمة طوال حياته المهنية من ذلك عمله كملحق دبلوماسي في السفارة السوفيتية في سريلانكا كما تولى منصب السكرتير الأول والمستشار وكبير المستشارين في البعثة الدبلوماسية للاتحاد السوفيتي في هيئة الأمم المتحدة.
يمتلك لافروف تأثيرًا كبيرًا في صنع السياسة الخارجية لروسيا، فلمدة 18 عامًا، كان أكبر دبلوماسي روسي، فقد عرض قضية روسيا على العالم حتى لو لم يكن له دور كبير في صنع القرار، كما كان دائمًا ما يقود المفاوضات الروسية مع الخارج، وكان من أشد المناصرين لتدخل بلاده في سوريا ودعم نظام بشار الأسد، وله مواقف حاسمة في علاقات بلاده الخارجية.
من أبرز الوجوه السياسية التي يعتمد عليها بوتين أيضًا، نجد دميتري ميدفيديف الذي شغل منصب رئيس روسيا سنة 2008
تضمن الدوائر السياسية إلى جانب لافروف وزير الدفاع سيرغي شويغو الذي يشغل هذا المنصب منذ 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، وقبل ذلك تولى منصب وزير روسيا لشؤون الدفاع المدني وحالات الطوارئ والتخلص من عواقب الكوارث الطبيعية (وزارة حالات الطوارئ).
بدأ الرجل البالغ من العمر 66 عامًا حياته السياسية في نهاية الحقبة السوفيتية، وهو أحد الأعضاء النادرين في الدائرة الأولى للسلطة الذين كان لهم نفوذ كبير تحت حكم بوريس يلتسين في نهاية التسعينيات كما كان في عهد بوتين.
يعتبر شويغو أحد أبرز مهندسي الحملة الروسية الناجحة لضم شبه جزيرة القرم في سنة 2014، والإستراتيجية العسكرية الروسية في سوريا، فضلًا عن دعم الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس، ويتهم بارتكاب عمليات تسمم بغاز الأعصاب في المملكة المتحدة وسيبيريا، كما يقف شويغو على الخطوط الأمامية لتنفيذ إرادة الرئيس الروسي في أوكرانيا.
يُنظر إليه على أنه من بين أكثر أتباع بوتين ولاءً، إذ ترأس بشكل خاص حزب روسيا الموحدة على حساب بوتين، من أجل تعزيز قبضة الرئيس على اللعبة السياسية الروسية، كما أنه صديق مفضل لبوتين، فدائمًا ما يدعو شويغو بوتين إلى منزله في توفا، حيث ينظمان حفلات صيد رفيعة المستوى، ويُنظر لشويغو على أنه خليفة محتمل لبوتين.
نبقى مع الدوائر السياسية وهذه المرة مع وجه أنثوي نادر في حاشية بوتين، وهي فالنتينا ماتفيينكو التي تُعرف في بلادها باسم “المرأة الحديدية” وتشغل منصب رئيسة مجلس الاتحاد الفيدرالي الروسي، كما تُلقب بـ”تاتشر” روسيا، لتمتعها بشخصية قوية وعزيمة فولاذية ودهاء سياسي حاد.
من أبرز الوجوه السياسية التي يعتمد عليها بوتين أيضًا، نجد دميتري ميدفيديف الذي شغل منصب رئيس روسيا سنة 2008. بدأت حياة ميدفيديف السياسية مديرًا للحملات الانتخابية وبعد ذلك مستشارًا لرئيس بلدية سان بطرسبرغ أناتولي سوبتشاك، هناك تعرف على بوتين وأصبح صديقًا له.
بعد انتقال بوتين إلى موسكو وتعيينه رئيسًا للوزراء، تبعه ميدفيديف وعُين نائب رئيس ديوان الرئيس. نفذ في سنة 2008 هو وبوتين اتفاقية تقاسم السلطة، ففي ذلك الوقت كان بوتين قد خدم بالفعل فترتين كرئيس ومُنع دستوريًا من الخدمة لولاية ثالثة على التوالي ليصبح بذلك ميدفيديف رئيسًا وبوتين رئيسًا للوزراء، وبعد أربع سنوات، عادا مرة أخرى.
الدوائر الاقتصادية
نصل الآن للدوائر الاقتصادية الداعمة لبوتين فمع وصول هذا الأخير إلى سدة الحكم أحاط نفسه بطبقة من رجال الأعمال المتهمين بجني ثروات طائلة بفضل صلاتهم بالكرملين مقابل ولائهم ودعمهم المطلق للسلطات.
في مقدمة هؤلاء إيغور سيتشين، رجل الكرملين القوي في قطاع الطاقة، ويُعد سيتشين أحد أقوى الرجال في روسيا بصفته رئيسًا لإحدى أكبر شركات النفط في العالم، كما أنه أحد الشخصيات الأكثر نفوذًا في النخبة الروسية، والرجل الذي عادة ما يكون في صلب كل حدث مالي وسياسي في البلاد.
عمل سيتشين إلى جانب بوتين في مكتب عمدة سان بطرسبرغ، ثم أصبح كبير موظفي بوتين عندما أصبح الأخير نائبًا لرئيس بلدية سان بطرسبرغ في التسعينيات، وعندما أصبح بوتين رئيسًا، تبعه سيتشين وشغل منصب نائب رئيس الإدارة الرئاسية، وعندما انتقل بوتين ليصبح رئيسًا للوزراء عام 2008، تبعه سيتشين مجددًا.
يوجد أشخاص آخرون ينتمون لمجموعة سولفيكي والدوائر السياسية والاقتصادية التي شكلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتدعيم حكم ومسكه بزمام الأمور في روسيا في العديد من مناطق العالم
قدرته على تنفيذ الصفقات التي تخدم مصالح الحكومة تدعم نفوذه المتزايد، فدائمًا ما يأتي سينشين بالحلول في الأوقات الصعبة، ذلك أنه هو المخطط لعملية بيع أسهم الشركة الروسية روسنفت لغلينكور وقطر رغم العقوبات المفروضة على بلاده.
ضمن دوائر الأوليغارشية نجد أيضًا جينادي تيمشينكو الذي يسيطر على مجموعة فولغا، وهي شركة مقرها روسيا ولها أعمال تتنوع بين الطاقة والنقل والبناء، ويمثل الجزء الأكبر من ثروته حصة 23.5% من شركة نوفاتيك المنتجة للغاز، المدرجة في البورصة.
تبلغ ثروته نحو 15.5 مليار دولار بعد أن خسر 6.5 مليار دولار منذ بداية العام، ليحتل بذلك المرتبة 85 في قائمة فوربس للمليارديرات، أما في روسيا فهو يحتل المرتبة السادسة في قائمة أثرياء البلاد.
يعرف تيمشينكو بوتين منذ أكثر من 20 سنة، لكنه يقول: “عندما تُسأل أسئلة عن صداقتنا، أقول دائمًا يرجى الرجوع إلى فلاديمير فلاديميروفيتش، إذا كنت أسمي نفسي صديقًا له، فلن يبدو ذلك مناسبًا”.
دائمًا ما يظهر في صور مشتركة مع بوتين وهما بصدد لعب الهوكي، وكدليل على قرب تيمشينكو من بوتين، أهدى بوتين جروًا من كلبه المحبوب كوني.
كما نجد أيضًا أليكسي مورداشوف الذي يعتبر أغنى رجل في روسيا بثروة تقدر بنحو 21.4 مليار دولار، ويعد مورداشوف “قطب المعادن” والأقوى في طبقة “الأوليغارشية” المقربة من بوتين، لذلك وضعه الاتحاد الأوروبي على قائمة المستهدفين بالعقوبات مؤخرًا ردًا على التدخل العسكري.
تتركز ثروة مورداشوف بشكل عام في حصته في شركة “سفرستال” لصناعة الصلب والتعدين التي تعد كبرى شركات صناعة الحديد في العالم، كما يمتلك حصة 34% في (TUI) وهي شركة ألمانية للسياحة، وحصصًا أخرى في شركة لتصنيع معدات توليد الطاقة وشركة “نورد غولد” لتعدين الذهب.
لا تعد هذه القائمة شاملة، فـ”عصابة بوتين” كبيرة وممتدة، وتسيطر على قواعد اللعبة في مختلف المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية، ولا تقتصر على حدود روسيا، إذ تتعداها إلى مناطق النفوذ الروسي بل والعالم، حيثما يحتاج الكرملين إلى قتلة مأجورين.