ترجمة وتحرير: نون بوست
قامت روسيا بتهريب مئات الأطنان من الذهب غير المشروع من السودان على امتداد السنوات القليلة الماضية كجزء من جهود أوسع لبناء “حصن لروسيا” ودرء العقوبات المتوقعة المتعلقة بأوكرانيا.
وضاعف الكرملين كمية الذهب الموجودة في البنك المركزي الروسي منذ سنة 2010 بأكثر من أربعة أضعاف، مما خلق “صندوق حرب” من خلال مزيج من الواردات الأجنبية واحتياطيات الذهب المحلية الهائلة كثالث أكبر منتج للمعدن الثمين في العالم.
وقد تجاوزت ثروة روسيا من الذهب ثروتها من الدولار الأمريكي للمرة الأولى في حزيران/ يونيو 2020؛ حيث شكلت السبائك أكثر من 23 بالمئة من إجمالي الاحتياطيات، والتي ارتفعت إلى 630 مليار دولار اعتبارًا من الشهر الماضي.
وعلى الرغم من أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن السودان لا يصدّر أي ذهب تقريبًا إلى روسيا، إلا أن مسؤولًا تنفيذيًّا في إحدى أكبر شركات الذهب السودانية قال لصحيفة “التلغراف” إن الكرملين يعتبر أكبر لاعب أجنبي في قطاع التعدين الضخم في البلاد.
وقال شريطة عدم الكشف عن هويته إن “روسيا تُشرف على العديد من عمليات نقل الذهب السوداني ويتم تهريب الكثير منه في طائرات صغيرة من المطارات العسكرية المنتشرة عبر البلاد إلى روسيا”.
ويُعتقد أنه يتم نقل حوالي 30 طنًّا إلى روسيا كل عام من السودان، على الرغم من أنه من المستحيل قياس الحجم الحقيقي للعملية.
ويضيف المسؤول أنه يُسمح لروسيا بالقيام بذلك بسبب صلاتها بأمير الحرب السوداني الذي تحول إلى زعيم شبه عسكري، محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، الذي أصبح نائبًا فعليًّا لرئيس البلاد في أعقاب الانقلاب العسكري السنة الماضية، حيث سافر حميدتي إلى موسكو الأسبوع الماضي بينما كانت القوات الروسية تتدفق عبر الحدود إلى أوكرانيا، في إشارة أخرى على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويقول الخبراء إن مجموعة فاغنر، وهي منظمة عسكرية خاصة يديرها رجل الأعمال الروسي المرتبط بالكرملين يفغيني بريغوجين، تُشرف على تدريب قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي، وهي منظمة شبه عسكرية كبيرة تعمل إلى جانب الجيش النظامي في السودان، وقد عملت الجماعتان المسلحتان معًا لتأمين مناجم ذهب مهمة لشركات التعدين الروسية في السودان، نظرًا لأن الأمن ضعيف في المناطق النائية.
ويقول سيم تاك، الشريك المؤسس لشركة “فورس أنالسيس”، وهي شركة استشارية مقرها بلجيكا متخصصة في حالات الصراع “أحد الأشياء التي رأيناها عندما بدأت روسيا بنشر أفرادها من مجموعة فاغنر في السودان هو أنهم كانوا يركزون بشكل كبير على حماية جهود تعدين الذهب”.
وقد بدأت الشركات الروسية مثل شركة “إم إنفست”، التي لها فرع محلي يسمى “ميرو غولد”، عملياتها في السودان بعد أن التقى الديكتاتور السابق عمر البشير مع فلاديمير بوتين في سنة 2017، وعرض عليه امتيازات التعدين والسماح له ببناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر.
وهناك شركة تعدين أخرى مرتبطة بروسيا هي شركة “كوش” للاستكشاف والإنتاج التي تعمل في السودان منذ سنة 2013، ويقول تاك إنه على الرغم من أن هذه الشركات تعد بمثابة كيانات قائمة، إلا أن كمية الذهب التي تصدرها إلى روسيا “غير معروفة تمامًا”.
على الرغم من إدراج شركة “إم إنفست” أنشطتها الأساسية على أنها “استخراج للمواد الخام ورمال المعادن الثمينة”، وجد تحقيق لشبكة “سي إن إن” أن الشركة قادت حملة تضليل ضد ثورة 2019 التي أطاحت بعمر البشير الذي دام حكمه 30 سنة.
وفي سنة 2020، قالت الولايات المتحدة إن شركة “إم إنفست” مملوكة لبريغوجين وعملت كغطاء لمجموعة مجموعة فاغنر، التي تشن حاليًّا “حملة على الإنترنت مناهضة للثورة” ضد موجة ثانية من الاحتجاجات التي زعزعت استقرار السودان بعد تدخل الجيش فيها في تشرين الأول/ أكتوبر للإطاحة بالحكومة المدنية.
وخلال تجربة السودان القصيرة مع الديمقراطية؛ حيث حاولت الحكومة إصلاح العلاقات مع الغرب بعد سنوات من العقوبات المعوقة، تجنبت روسيا إلى حد كبير التعامل مع القادة المدنيين في البلاد، وتعاونت بدلًا من ذلك مع حميدتي الذي احتفظ بالسلطة في تحالف انتقالي غير مستقر بين الجيش والسلطة التنفيذية.
كما يعكس انخراط شركة تعدين في الحرب الإلكترونية إستراتيجية بوتين الأوسع نطاقًا في إفريقيا؛ حيث تطمس الكيانات التابعة لروسيا الخطوط الفاصلة بين العمليات الأمنية الخاصة واستخراج الموارد.
ويقول تاك إنه في حين أن السودان ربما يكون أهم مصدر للذهب الأفريقي بالنسبة لروسيا، فهو ليس البلد الوحيد المستهدف من قبل الكرملين، مضيفًا أن “التقليل من تأثير العقوبات من خلال استخدام الذهب هو أبرز إستراتيجية اتبعتها روسيا في إفريقيا، لأننا نشهد عمليات مشابهة جدًّا في مالي وبوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى؛ حيث يلاحقون البلدان التي لديها الكثير من الموارد الطبيعية لمساعدتها على تعزيز احتياطياتها”.
المصدر: التلغراف