وفاة الخطيب.. الكويت تبكي أبرز سياسييها

يعتبر أحمد الخطيب أحد مؤسسي القومية العربية

فقدت الكويت الرمز الوطني أحمد الخطيب الذي توفي عن عمر ناهز 95 عامًا بعد صراع مع المرض، ويملك الخطيب مسيرةً سياسيةً حافلةً في تاريخ الكويت، إذ يعدّ أحد أبرز السياسيين في البلاد كما أنه أحد أهم الأطباء هناك. نعاه رئيس مجلس الأمة الكويتي، قائلًا: “الخطيب رحمه الله كان مدرسةً استثنائيةً في العمل الوطني سواء من خلال عمله البرلماني منذ المجلس التأسيسي أم من خلال عمله السياسي والاجتماعي طوال 70 عامًا”.

دكتور في الطب البشري

ولد الراحل عام 1927، في منطقة الدهلة حيث يقع سوق واجف بمدينة الكويت، لعائلة من المثقفين ورجال العلم والدولة، بدأ رحلته التعليمية في مدارس وثانويات محلية، قبل أن يلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1942 لدراسة الطب.

قبل التحاقه بالجامعة الأمريكية، تم إجراء اختبار شامل للخطيب ومن ثمّ أخذ دروس تقوية باللغة الإنجليزية وعلى ضوء النتائج التي حصل عليها وضعوه في الصف الثاني الثانوي وخلال سنتين ونصف اجتاز المرحلة الثانوية.

بدأ الخطيب دراسته الجامعية في العام الدراسي 1945/1944 ودرس ثماني سنوات منها أربع سنوات لدراسة العلوم الطبية وأربع سنوات أخرى لنيل الدكتوراة وتخرج عام 1952 بتخصص طب عام وجراحة، ليكون بذلك أول حاصل على شهادة الطب البشري في تاريخ الكويت الحديث.

عقب حصوله على شهادته الجامعية، عمل الراحل مباشرة في المستشفى الأميري لمدة سنة ونصف ثم ذهب في ورشة تدريبية إلى العاصمة البريطانية لندن لمدة ستة أشهر لدراسة أمراض المناطق الحارة، وعاد إلى الكويت سنة 1954 وعمل بالأميري حتى سنة 1957 حين قدم استقالته وبدأ العمل في عيادته الخاصة.

إضافة إلى عمله في عيادته الخاصة، شغل الخطيب لسنوات رئاسة لجنة أطباء أمير الكويت الحادي عشر الشيخ عبد الله السالم الصباح، الذي وقع على وثيقة استقلال الكويت من المملكة المتحدة مع السير جورج ميدلتون، في 19 يونيو/حزيران 1961.

حركة القوميين العرب

لم ينتظر الخطيب إنهاء دراسته الجامعية حتى يبدأ العمل السياسي، فشكّل سنة 1952 في العاصمة اللبنانية بيروت مع زملائه في الجامعة الأمريكية، جورج حبش ووديع حداد من فلسطين وهاني الهندي من سوريا، حركة القوميين العرب.

نشأت “الحركة” كرد فعل سياسي ونفسي على نكبة فلسطين سنة 1948، وكمحاولة للسعي للقوة والتنظيم والتوحيد وللانقلاب الجذري على الأوضاع القائمة واسترداد الحقوق العربية التي عجزت الأحزاب عن انتزاعها.

كانت النواة القيادية المؤسسة للحركة قد تلقت تكوينها الأيدلوجي في الحلقات القومية التي كان يعقدها قسطنطين زريق في إطار “الجمعية” أو “النادي الثقافي العربي”، وكان زريق على وعي حركي مسبق بضرورة تحول حلقته القومية – الأيدلوجية إلى حلقة سياسية منظَّمة، ودعا بعيد النكبة مباشرة الشباب إلى تشكيل منظمة محكمة لـ”استئصال الصهيونية”.

رفعت الحركة في بدايات نضالها ثلاثة شعارات هي (الوحدة والتحرر والثأر)، ورأت الحركة أن النضال الشعبي العقائدي المنظم يمر بمرحلتين: الأولى تقييم الإطار السليم للمجتمع العربي من خلال نضال سياسي ثوري يهدف لتحرير الأمة وتوحيدها والقضاء على “إسرائيل”، ما يمهد للمرحلة الثانية ذات المضمون الاشتراكي الديمقراطي للمجتمع القومي الموحد.

ربطت الحركة بين الوحدة والتحرر، ورأت أن الوحدة يجب أن تتم بغض النظر عن مضمونها السياسي، ودعت لوحدة بين الأردن وسوريا والسعودية مع مصر بعد العدوان الثلاثي عليها سنة 1956، ثم أسقطت الأردن والسعودية من كتلة الدول المتحررة لتطالب باتحاد سوريا مع مصر فقط.

العمل البرلماني

لم يقتصر عمل الخطيب السياسي على حركة القوميين العرب والدفاع عن فلسطين والسعي إلى الوحدة بين الأقطار العربية فقط، إذ سارع إثر استقلال بلاده إلى المساهمة قدر الإمكان في تنمية العمل السياسي بالكويت واستثمار خبراته وتجاربه في هذا الخصوص.

مع الاستقلال مباشرة سنة 1961، دعا الراحل أحمد الخطيب إلى إنشاء مجلس تأسيسي في الكويت، واستثمر في رغبة أمير البلاد آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح تأسيس نظام ديمقراطي يشترك فيه الشعب بالحكم.

يوم 26 أغسطس/آب 1961 أصدر الشيخ عبد الله السالم الصباح مرسومًا أميريًا تحت رقم 22 لسنة 1961 يقضي بإجراء انتخابات للمجلس التأسيسي، تمهيدًا لوضع دستور دائم للبلاد نابع من الشعب وذلك لإقامة نظام ديمقراطي.

خاض الخطيب الانتخابات عن الدائرة الثالثة وحاز المركز الأول، بعد ذلك ترشح لمنصب نائب رئيس المجلس التأسيسي وحصل عليه، كما فاز في انتخابات سنة 1963 وانتخابات سنة 1965 عن دوائر مختلفة إلا أنه اختار الاستقالة من المجلس بسبب إقرار قوانين تقيد الحريات.

لم تكن تلك الاستقالة نهائية، إذ عاد وترشح في العديد من المحطات الانتخابية الأخرى وفاز في أغلبها، إلا أنه أعلن اعتزال العمل البرلماني سنة 1996 بسبب تردي الأوضاع السياسية وانتشار الفساد ورغبة في إعطاء الفرصة للشباب لتصحيح الأوضاع.

خلال عمله البرلماني، ساهم الخطيب في صياغة دستور الكويت الذي وقع عليه في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1962 أمير البلاد آنذاك الشيخ عبد الله الثالث السالم الصباح، وقد حدد الدستور الكويت كملكية دستورية وراثية والإسلام كدين للدولة.

قال الخطيب عن الدستور في برنامج تليفزيوني: “قيمة الدساتير هي في إيمان الناس بها ومحافظتهم عليها، والوعي الشعبي هو من يطوّر الدساتير ويحميها ضد الأيادي التي تمسها، وكلام غير هذا الكلام فاضي”.

لا خطوط حمراء

عُرف الراحل أحمد الخطيب بشجاعته السياسية وعدم مهابته من الحديث بصراحة، ما مكنه من نيل شهرة كبيرة في الكويت وخارجها، إذ كان يقول إن ما يدعى بالخطوط الحمراء هي خطوط وهمية يصنعها الواقع السياسي الذي تعيشه جميع الدول، بالإضافة إلى ما يوجد من ضغوطات اجتماعية ومصالح شخصية سواء كانت تلك المصالح للفرد أم للعائلة.

كان هدف الخطيب صناعة الوعي للمجتمع وزرعه في عقولهم وقلوبهم أيضًا، إذ لم يكن يخاف إشهار فكره والدعوة إلى تبني ما يحمله من أفكار خلال خطبه وندواته التي كان يؤمنها لعموم الناس، وقد كانت هذه الخطابات السياسية تعتمد على كم معرفي كبير فضلًا عن الخبرة التي اكتسبها الراحل طوال فترة عمله السياسي في الجامعة والبرلمان وخارجهما.

رحل أحمد الخطيب وترك وراءه أثرًا كبيرًا في قلوب الكويتيين والعرب ككل، لما قدمه من إضافة كبيرة في الشأن السياسي الكويتي ولعمل الأحزاب القومية العربية ولمسار الوحدة العربية.