ترجمة حفصة جودة
وجّهت الدول الغربية مجموعة من العقوبات غير المسبوقة لروسيا، التي وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها إعلان حرب، كان هناك أمل في أن تساعد الإجراءات التي استهدفت البنك المركزي الروسي والمؤسسات المالية وتجميد الأصول وحظر السفر في إغراء الأقلية القوية “الأوليغارشية” وأعضاء الدائرة الداخلية لبوتين للتأثير على القائد الروسي لإلغاء الغزو، حتى إن بعضهم قال إن هذه العقوبات قد تطيح بالنظام.
لكن بينما ابتهج العالم بمشهد الاستيلاء على اليخوت الفارهة والشاليهات المنعزلة، واصلت قوات روسيا غزوها ومهاجمة المدن الأوكرانية، بينما أعلن فردان فقط ممن طُبقت عليهما العقوبات رفضهما المتحفظ للحرب، هذا هو بالكاد الضغط المتزايد الذي يتصوره الغرب.
لن تضغط الأوليغارشية الروسية على بوتين الآن ولا في أي وقت قريب، سيواصلون صمتهم رغم تقلص أصولهم وثروتهم، كان يجب أن نتوقع ذلك، لقد أساء الغرب فهم مفهوم الأوليغارشية في روسيا الحديثة، الذي يترك هؤلاء الفاعلين الأقوياء مدينين بالفضل للدولة أو الرئيس أكثر من أي تأثير خارجي، ويمنع أباطرة الإعلام الغربي من السيطرة على القوة السياسية الحقيقية.
ما يطلق عليه الغرب “الأوليغارشية الروسية” ليست مجموعة متجانسة فيما يتعلق بالمصالح والوظائف والنفوذ السياسي، فهؤلاء الذين يستطيعون الوصول مباشرة إلى الرئيس يقعون ضمن فئتين: الأوليغارشية الاقتصادية والرجال الأقوياء.
عندما انقلب الأوليغارشي الإعلامي بوريس بيريزوفيسكي على بوتين في أوائل الألفية، أُجبر على النفي واستولت الدولة على إمبراطوريته الإعلامية الضخمة
تعمل المجموعة الأولى – الأوليغارشية الاقتصادية – بشكل أساسي على إدارة العمليات اليومية لمختلف الصناعات داخل الاقتصاد الروسي مثل المصارف واستخراج النفط، خلف هذا الديكور الصارخ والطائرات الخاصة والأحزاب المسرفة، هناك عاملان مهمان يميزان تلك المجموعة: اعتمادهم على الوضع الراهن، والاختلاف الكامل بين ثروتهم ونفوذهم السياسي.
أولًا: من المثير للدهشة أن وضع “الأوليغارشية الاقتصادية” داخل المجتمع الروسي غير ثابت، إذ تستند بشكل كامل إلى العلاقة مع الرئيس بوتين، فعمليًا، كل الأصول التي تديرها تلك الأوليغارشية تنتمى للدولة في النهاية مع بوتين كحاكم نهائي.
تفتقر الأوليغارشية الاقتصادية إلى طرق لشرعنة موقفهم خارج النظام الحاليّ، فأكبر أصولهم – علاقتهم الشخصية ببوتين – ليست شيئًا يمكن توريثه لأبنائهم أو نقله لما بعد نظام بوتين، كما أن مجالهم اقتصادي بحت، فمن المتوقع منهم أن يبقوا بعيدًا عن السياسة، هذا هو الثمن المقبول بينهم للتجول عبر أوروبا وشراء أندية كرة القدم والعمل مع شركاء أعمال غربيين.
يمكننا أن نرى دليل هذا النظام في قضايا الأشخاص الذين انتهكوا ذلك: عندما انقلب الأوليغارشي الإعلامي بوريس بيريزوفيسكي على بوتين في أوائل الألفية، أُجبر على النفي واستولت الدولة على إمبراطوريته الإعلامية الضخمة التي أُهديت له في عصر الخصخصة أوائل التسعينيات.
هذه المجموعة – بشكل متوازن – محافظة أيدولوجيًا ومعادية للغرب، وهم يرون الاقتصاد أداة الدولة ولا يهتمون بالعقوبات الغربية
وبقدر أهمية الأوليغارشية الاقتصادية، فإن مواصلة بوتين دعمهم وبقائه في السلطة يضمن ثروتهم وأمانهم، وطالما أنهم ينفذون جانبهم من الصفقة ويبتعدون عن السياسية، فبإمكانهم الحفاظ على أصولهم الباقية في روسيا.
أما إذا تحدثوا فإنهم لا يخاطرون فقط بخسارة ثروتهم الباقية، بل ربما يواجهون تهمًا جنائيةً وملاحقةً قضائيةً، ورغم حزنهم لخسارة أصولهم الغربية، فإنهم سيخسرون المزيد بالحديث ضد الحرب، لذا عليهم أن يظلوا صامتين.
أما المجموعة الثانية – الرجال الأقوياء – فتتكون من العلاقات السياسية لبوتين في سانت بطرسبرغ، يتألف هؤلاء الأفراد من مديرين من الطبقة المتوسطة وإداريين برتب منخفضة وأفراد عمليات خاصة وعلماء ورياضيين وعصابات إجرامية، وهم الآن يعملون في مناصب حكومية رئيسية ومناصب سلطة أخرى، هؤلاء هم الداعمون المخلصون لبوتين الذين يملكون أكبر قدر من النفوذ السياسي.
هذه المجموعة – بشكل متوازن – محافظة أيدولوجيًا ومعادية للغرب، وهم يرون الاقتصاد أداة الدولة ولا يهتمون بالعقوبات الغربية، إذا كان هناك ما يهتمون به، فهم يرون أن العزلة الاقتصادية والعودة القسرية للأوليغارشية الاقتصادية في روسيا أمر مفيد.
العيب الرئيسي في تصميم العقوبات الغربية تلك الفرضية التي تعتقد أن الضغط الاقتصادي على الدائرة الداخلية للرئيس الروسي ستدفعها للمطالبة بالتغيير
هذا الاكتفاء الاقتصادي والعزلة يسهلان القمع ويعززان موقفهم، لا سبب يدعو هؤلاء الرجال للإطاحة ببوتين الآن، فهو يحقق حلمهم بدولة بوليسية قاسية.
هذا الوصف السابق مُبّسط، فهو رسم تقريبي لديناميات السلطة في روسيا اليوم، لكنه يقدم رؤية مهمة، من غير المرجح أن تطيح هذه العقوبات الحديثة بالنظام، لأنها لن تمنع بوتين من توزيع المال على أنصاره الرئيسيين.
لقد قللت العقوبات من حجم الكعكة، لكن الكعكة ما زالت كبيرة جدًا، وما دام قادرًا على القيام بذلك فإن دائرته الداخلية ستقف بجانبه.
العيب الرئيسي في تصميم العقوبات الغربية تلك الفرضية التي تعتقد أن الضغط الاقتصادي على الدائرة الداخلية للرئيس الروسي ستدفعها للمطالبة بالتغيير، ربما تشعر الأوليغارشية الاقتصادية بالألم ومع ذلك ستواصل كلتا المجموعتين المراقبة فقط، بينما ستهتف إحداهما عندما تطوق القوات الروسية المدن الأوكرانية.
ما تفعله العقوبات بالفعل إضعاف الاقتصاد الروسي وبالتالي القوة العسكرية، فهي مجرد مسألة وقت قبل أن تفشل الدولة في دفع المستحقات لموظفيها – أطباء ومعلمين وإداريين – وكذلك الشرطة والمجمع الصناعي العسكري، لا دبابات ولا سفن حربية ولا مدافع جديدة، ولا جنود أيضًا ليوجهوا منها الضربات.
سواء استمر الأمر أسابيع أو أشهر، فإن ذلك يعتمد على كيفية لعب روسيا لأوراقها المتبقية، مثل التعاون مع الصين، وكيفية استغلال الاحتكارات القائمة لمواردها بفاعلية، خلال ذلك ستستمر حرب بوتين بلا رادع.
المصدر: الغارديان